لا تخجل إسرائيل وقادتها من التفاخر بارتكاب جرائم حرب، حتى بينما يجري التدقيق فيها من قِبل المحكمة الجنائية الدولية. مرّاتٍ عديدة، أعلنت وحدة تنسيق الأنشطة الحكومية الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية المحتلة، وهي الذراع البيروقراطية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، أنها تعاقب صيّادي الأسماك الفلسطينيين جماعياً، بتقييد وصولهم إلى المياه الساحلية في غزة. وفي أربع حالات منعتهم من الإبحار في تلك المياه بشكل تام.
وأعلنت إسرائيل إجراء تغييرات في الوصول إلى مياه غزة الساحلية 20 مرّة في العام الماضي. وقد تعامل رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، مع صناعة صيد الأسماك في غزة، باعتبارها «أداةً للضغط» على مليوني فلسطيني يعيشون في المنطقة، التي تخضع للحصار الاقتصادي الإسرائيلي منذ عام 2007.
معاقبة السكان المدنيّين على أفعال لا يتحملون أيّ مسؤولية عنها محظورة بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، التي صدّقت عليها «إسرائيل». وقد فرضت إسرائيل في عام 2019، قيوداً على صيادي الأسماك، كعقاب جماعيّ بعد إطلاق بالونات حارقة وصواريخ من المنطقة. ولكن مجموعة «الميزان لحقوق الإنسان» في غزة، تقول: إن الهدف الحقيقي من قيود إسرائيل على الصيّادين، والعنف الذي تمارسه عليهم، هو تدمير قطاع صيْد الأسماك كُليّاً. وقد تقلصت صناعة صيد الأسماك، التي تشكل تقليدياً حجز زاوية في اقتصاد غزة في السنوات الأخيرة. كان يعمل في هذه الصناعة في غزة في عام 2000، ما يقرُب من 10 آلاف فلسطيني، أما اليوم، فلا يتجاوز عدد العاملين في صيد الأسماك بانتظام ألفيْ شخص.
وقد سَجّلت مجموعة «الميزان لحقوق الإنسان»، 351 انتهاكاً «إسرائيليّاً» ضد صيادي الأسماك في عام 2019. وكانت هنالك 347 حالة إطلاق نار باتجاه صيادي الأسماك في غزة في العام الماضي، وتسبَّبت في وقوع 16 إصابة. وقد أصيب أحد الصيادين، ويُدعى خالد سعيدي، بعدة عيارات نارية من الرصاص المعدني المغطى بالمطّاط، بينما كان في البحر في شباط، في العام الماضي، وقامت القوات «الإسرائيلية» باحتجازه. وجَرتْ إزالة العين اليمنى لسعيدي في مستشفىً إسرائيلي، ثم أطلق سراحه بعد ذلك بوقت قصير ليعود إلى غزة. ولكنْ لم يُسمح له بدخول «إسرائيل» مرة أخرى لمعالجة عينه اليُسرى، التي كانت مصابة أيضاً، على الرغم من أنّ لديه موعداً في مستشفىً إسرائيلي. وسافر في نهاية المطاف إلى القاهرة لتلقي العلاج، ولكنْ تعَذَّرَ إصلاح العطَبِ في عينه الباقية.
يقول الأبُ الشاب في لقطة فيديو قصيرة، أعدّتها مجموعة «الميزان»، عن انتهاكات إسرائيل ضدَّ صيادي الأسماك الفلسطينيين: «إن وضعي الاقتصادي الآن تحت الصفر، فأنا لا أعمل على الإطلاق». ويفقد الصيادون المصابون القدرة على العمل، بشكل دائم أحياناً، وهو ما يحرم أُسَرهم من مصدر الدخْل.
وتقوم إسرائيل أيضاً بمطاردة واعتقال صيّادي الأسماك وحجز قواربهم، حيث جرى احتجاز خمسة وثلاثين صياداً في العام الماضي، بينهم ثلاثة أطفال. ولا يزال تسعة من أولئك المعتقلين في السجون «الإسرائيلية». وقد صادرَت «إسرائيل» 15 قارباً في عام 2019، وهنالك 11 حالة تدمير لممتلكات الصيادين، وفقاً لوثائق «الميزان».
وتؤدي الانتهاكات ضدَّ صناعة صيد الأسماك في غزة إلى مضاعفة إفقار مَن يعتمدون عليها، وتزيد من انعدام الأمن الغذائي لعامة السكان، وفقاً لمجموعة حقوق الإنسان. وتنتهك الاعتداءات «الإسرائيلية» أيضاً، اتفاقية الأمم المتحدة بشأن قانون البحار، كما تقول مجموعة «الميزان».
تنصّ المادة ال 3 من تلك الاتفاقية على أن «كل دولة تملك الحق في تحديد نطاق مياهها الإقليمية بحدٍّ أقصى لا يتجاوز 12 ميلاً بحريّاً». وتقيّد «إسرائيل» صيّادي الأسماك حالياً بما لا يتجاوز 6 أميال بحرية مقابل ساحل غزة الشمالي، وما بين 9 إلى 15 ميلاً، مقابل ساحليْها الأوسط والجنوبي. ويُحظَر على الصيادين دخول مياه غزة في منطقة بعرض 1.5 ميل موازية لحدودها الشمالية، وميل واحد، في المنطقة الموازية لحدودها الجنوبية. وتنصّ المادة ال 56 من الاتفاقية، على أن الدول الساحلية لها «حقوق سياديّة بغرض استكشاف واستغلال وحفظ وإدارة الموارد الطبيعية» لمياهها. وتقول مجموعة «الميزان»: إنّ الأطراف الدولية، تتحمل مسؤولية قانونية وأخلاقية عن انتهاكات «إسرائيل» للقانون الدولي.■