كتب وني بن مناحم||
قائد حماس في غزة يحيى السنوار اختفى في الأسابيع الأخيرة عن وسائل الإعلام، ويربطون ذلك بفشل مشروع "مسيرات العودة" بقيادة السنوار، فقد فشلت حرب الاستنزاف ضد إسرائيل التي بدأت في 30 مارس 2018 في الوصول الى الهدفيْن اللذيْن حددتهما قيادة حماس قبل المظاهرات: فك الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة بشكل كامل، وتحقيق "حق العودة" للاجئين الفلسطينيين إلى الخط الأخضر في منطقة غلاف غزة بواسطة الاختراق الشامل للحدود.
المظاهرات الفلسطينية على السياج مع إسرائيل فشلت، ولم ينتج عن مئات القتلى وآلاف الإصابات بسببها أيّ تغيير جذري في القطاع. قاوم الجيش الإسرائيلي بحزم وشجاعة آلاف محاولات التسلل إلى داخل إسرائيل.
في نهاية الأسبوع الماضي، أعلنت الهيئة العليا للمسيرات عن تغيير في شكل المسيرات على الحدود، بحيث تتوقف لمدة 3 أشهر حتى يوم الأرض (30 مارس)، ثم سيتم استئنافها. لقد حددت الهيئة شكل المظاهرات منذ مارس 2018، وأعضاؤها ممثلون من جميع الفصائل، لكن في الحقيقة مَن حدد الاستراتيجية والسياسة بالفعل هي حماس.
الشكل الجديد للمظاهرات سيسمح لحركة حماس وغيرها من الفصائل بالنزول تدريجيًا عن الشجرة، ويتعين على زعيم حماس يحيى السنوار الموافقة على الشكل الجديد تحت ضغط الشارع الغزي وكذلك الفصائل الفلسطينية. الفشل بتحقيق الأهداف التي وضعتها حماس للمظاهرات يُعتبر فشلًا شخصيًا للسنوار، وربما يدفع ثمنًا سياسيًا باهظًا في الانتخابات الداخلية لمؤسسات حركة حماس بعد حوالي عام ونصف.
تطبيق جزء من التفاهمات مع حماس، بوساطة المصرية، وإدخال الأموال القطرية أجبر حماس على وقف فعاليات "الإرباك الليلي" على الحدود، وكذلك وقف إطلاق الطائرات الورقية والبالونات الحارقة التي تسببت بأضرار هائلة في حقول المزارعين في غلاف غزة. إدخال الأموال القطرية إلى قطاع غزة كل شهر أدى لانخفاض كبير في الإرباك الليلي على السياج الحدودي، فهمت حماس الرسالة الإسرائيلية بسرعة؛ بأن الأموال لن تدخل قطاع غزة إذا استمرت المظاهرات العنيفة، اتُهمت حماس في قطاع غزة ببيع "المقاومة" مقابل المال، وأن تضحيات "مسيرات العودة" ذهبت هباءً دون فائدة. بدأت المشاركة الجماعية في المظاهرات تتراجع تدريجيًا، وتجنب الكثير من السكان الذهاب إلى الحدود يوم الجمعة.
فشل "مسيرات العودة" تسبب بفقدان حماس لورقة ضغط مهمة على إسرائيل، لأنها كانت بمثابة "حرب استنزاف" موجهة خصوصًا ضد وحدات الجيش الإسرائيلي على الحدود وضد سكان غلاف غزة. ومع ذلك، سارعت حماس لوقف المظاهرات المؤقت باعتبارها "استراحة" للتعافي ومنح فرصة للتقدم في اتفاقيات الهدوء مع إسرائيل.
الأشهر الثلاث المقبلة هي فترة مهمة توجد فيها فرصة لتخفيف الحصار المفروض على غزة مقابل الهدوء، حماس لم تتخلّ كليًا عن "مسيرات العودة" وتريد الاحتفاظ بها في المستقبل كرافعة ضغط مستمر على إسرائيل ولإنقاذ كرامة الحركة التي تعرف نفسها بأنها "حركة مقاومة"، وتنكر حماس أن وقف المسيرات المؤقت جزء من الاتفاق مع إسرائيل. في الوقت نفسه، نشرت حركة الجهاد الإسلامي قرار مكتبها السياسي بمواصلة المقاومة والجهاد ضد إسرائيل.
مصادر في حماس تقول بأن الحركة تعارض الهدوء الطويل المدى مع إسرائيل، ويبدو أن حماس مستعدة لاتفاق لبضعة أشهر فقط على المدى القصير. والاتفاق قصير المدى يساعد حماس على مطالبة الجهاد الإسلامي بوقف إطلاق الصواريخ ضد إسرائيل، وكذلك يساعدها على مواجهة الضغوط الإيرانية التي تطالبها باستمرار العنف على الحدود الجنوبية لجعل إسرائيل تعمل على جبهتيْن في وقت واحد.
إن سياسة حماس هذه تقرب قرار إسرائيل بعملية عسكرية واسعة النطاق في قطاع غزة، يبدو أنه لا مفر من عملية عسكرية واسعة النطاق، مثل عملية "الدرع الواقي 2" لتدمير البنية التحتية العسكرية للفصائل الفلسطينية في قطاع غزة.