في يومهم العالمي.. ذوو الإعاقة الفلسطينيون وتداعيات التهميش
2019-12-02
غزة (الاتجاه الديمقراطي) (تقرير آمنة الدبش)
لم تفقدهم سيقانهم المبتورة العزيمة والإصرار، ولم يعق ضعف قدراتهم الحركية والعقلية والحسية إثبات ذواتهم، وإعاقتهم لم تسلب منهم حياتهم، رافضين نظرات العطف والنقص التي تلاحقهم. و وأثبتوا للجميع بإرادتهم القوية أن الإعاقة ليست في الجسد ولكنها في الفكر والروح.
في اليوم الثالث من كانون الأول/ ديسمبر من كل عام يصادف اليوم العالمي لذوي الاعاقة الذي خصصته الأمم المتحدة لدعم قضاياهم وحقوقهم، فما زالت سهام التهميش والتقصير تصوب تجاه الاشخاص ذوي الإعاقة في مختلف أوجه الحياة.
يختلف واقع المعاق الفلسطيني ومعاناته عمن سواه من المعاقين في العالم. تتفتح عيناه على الاعتداءات الإسرائيلية، وانتهاكات تطال حقوقه، وحصار يقلص حدود أحلامه.فهذه الشريحة المنسية هي التي تدفع ثمن التفرد بالقرار السياسي وتعنت طرفي الانقسام وغياب تطبيق الالتزامات القانونية.
وكشف مركز الإحصاء الفلسطيني، عن تزايد أعداد المعاقين في فلسطين بشكل كبير، بفعل الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة المحاصر والضفة الفلسطينية بما فيها القدس المحتلة، حيث يشكل الأشخاص من ذوي الإعاقة ما نسبته (8.5%) من مجمل سكان فلسطين، أي ما يقارب (255,288) فرداً يعانون من أشكال مختلفة من الاعاقة، منهم ((127,266 في الضفة ويشكلون (5.1%) من مجمل سكانها ، فيما في قطاع غزة (127,962) أي ما نسبته (6.8%) من إجمالي السكان في القطاع.وأشارت بيانات الإحصاء الفلسطيني إلى ارتفاع معدل البطالة بين الأفراد من ذوي الإعاقة إلى ما نسبته (24%) بين المشاركين في القوى العاملة. تفعيل قانون المعاق
لم ترضخ ألاء حماد (26عاماَ) لآلامها وأحزانها، ولم تنتظر من يعينها في حياتها بعد إصابتها بشكل مفاجئ بشلل كامل في الأطراف الأربعة عام 2006 ، بل تحدت الواقع لتبدع في مجالات مختلفة أهمها الكتابة وفن الإلقاء، حيث تمكنت من تخطي كافة الصعوبات التي تعرضت لها بسبب إعاقتها، وتميزها بالمجتمع مكنها بفتح أيديها لفئة الأشخاص ذوي الإعاقة لمساعدتهم على تغيير أفكارهم واتجاهاتهم من خلال تواجدها عضواَ في الاتحاد العام للمعاقين.وطالبت ألاء بالاهتمام بالمعاقين وتفعيل القانون الخاص بهم الذي لم يطبق بعد، وتوفير فرص عمل لهم، والعمل على توفير الأماكن العامة كالبحر والمتنزهات وتطوير قدراتهم وإمكاناتهم لتمكينهم من التفاعل مع المجتمع ودمجهم فيه.
ونقلت ألاء رسالتها عبر «الحرية» بالتأكيد على ضرورة تسليط الضوء على نقل صورة وأوضاع ذوي الإعاقة من منظور حقوقي واجتماعي، وإيلاء وسائل الإعلام المحلية اهتماماً بشريحتهم عبر تخصيص برامج تبرز معاناتهم على الدوام. تحدي الواقع
بهاء عبد الوهاب (29عاماً) يعاني من تشوه خلقي في الأطراف السفلية، اتخذ من إعاقته جسراً ليعبر به نحو أحلامه فأصبح مثالاَ يحتذى به في العزيمة والتحدي يستطيع المشي، فلديه القدرة على صنع الأشياء بيديه وممارسة رياضة كرة السلة ورفع الأثقال، وتحقيق العديد من الميداليات والألقاب على مستوى قطاع غزة.
وأشار عبد الوهاب إلى أن كلمة «معاق» لا تقلل من شأنه، فالإعاقة في جسده وليس بعقله، لذلك على كافة الأشخاص من ذوي الإعاقة أن يتجاوزوا ذلك بالقفز عن آلامهم نحو مستقبلهم. مضيفاً أن «الأشخاص من ذوي الإعاقة يعيشون معاناة حقيقية جراء حرمانهم من أبسط حقوقهم في التنقل بحرية كغيرهم جراء غياب الممرات الخاصة التي تمكنهم من الالتحاق بالأماكن العمومية». الفقر والمعاناة
الطفلان أحمد ومحمد معاقان جسدياً وذهنياً منذ صغرهم، يصف والداهم معاناة الاهتمام بهما رغم الظروف الصعبة وافتقارهم لأبسط الاحتياجات الإنسانية الضرورية بما فيها توفير حفاضات وأدوية يومياً، وتحمل المسؤولية بقدر استطاعتهم بعلاجهم لتخفيف أوجاعهم.
فيما الشاب (م.خ) لم تقطعه إعاقته يوماً واحداً عن المشاركة في مسيرات العودة وكسر الحصار، التي تسببت بفعل رصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي، ما أدى لبتر أحد أطرافه لينضم لطابور المعاقين حركياً. مناشداً الرعاية الاجتماعية والمراكز الصحية ومؤسسات الأشخاص ذوي الإعاقة لتغطية تكاليف الأدوية والأدوات الطبية المساعدة من كراسي متحركة بأنواعها وأطراف صناعية وأجهزة مساندة.
وقال مسؤول العلاقات العامة في الاتحاد العام للمعاقين بمحافظة رفح عبد القادر أبو لبده، «قمنا بتنفيذ مجموعة من الأنشطة والخدمات والبرامج الاجتماعية والإرشادية للأشخاص من ذوى الإعاقة بمختلف إعاقاتهم (حركياً، سمعياً ، ذهنياً، وبصرياً). مضيفاَ أن الحصار الاسرائيلي يمنع دخول الادوات الطبية والتأهيلية اللازمة للمعاقين ويعرقل سفرهم للعلاج في الخارج.
ودعا أبو لبده عبر «الحرية» كافة المؤسسات والوزارات وجماهير شعبنا لتغيير النظرة القديمة لتلك الفئة، باعتبارهم مبدعون، ولديهم إمكانات عالية وقدرات فائقة. الانتفاع من الخدمات
وأكد المدير التنفيذي لجمعية الأصدقاء لذوي الاحتياجات الخاصة محمود أبو مور، ضرورة التطبيق الفوري لقانون المعاق الفلسطيني الرقم4 ) ) للعام 1999، بكل ما ورد فيه من مواد وبنود دون استثناء، والذي يحمي حقوقهم ويضمن إشراكهم في العمل بنسبة 5% بالإضافة لحقهم في الانتفاع من كافة الخدمات، ويلزم السلطات بمواءمة المباني الحكومية بما يتناسب مع ذوي الإعاقة.
وأوضح أبو مور لـ«الحرية» أنه رغم وجود أعداد كبيرة من الأشخاص من ذوي الإعاقة، إلا أن مقدمي الخدمات لهم في قطاع غزة لم يلبوا سوى 10% من الخدمات الأساسية مقارنة مع الضفة الفلسطينية جراء الانقسام والمتغيرات السياسية.
من جهته، بين رئيس نادي السلام الرياضي لذوي الإعاقة محمد العربي أن مشروع الموائمة تم إنشاؤه ليكون نموذجاً يجري تطبيقه في خمس محافظات، باعتباره حق للأشخاص من ذوي الإعاقة. معرباً عن أمله أن تنتقل الفكرة لكافة محافظات القطاع، ما يتطلب جهداً من مؤسسات الإعاقة ومجموعات الدعم الذاتي من خلال الضغط على البلديات لنقل التجربة وتنفيذها في كافة المحافظات. لافتاً إلى أن «دورنا هو الدفاع عن حقوق الأشخاص من ذوي الإعاقة بالضغط والمناصرة على الحكومة والبلديات لنيل حقوقنا».
وأشار العربي في حديث لـ«الحرية» إلى أن ذوي الإعاقة شريحة منسية، لأن الجهود مبعثرة، ولا يوجد رأس للهرم المؤسساتي، نحن بحاجة لخطة إستراتيجية مشتركة وجسم كبير يقود الجهود بالتعاون مع الحكومة والمؤسسات ومجموعات الدعم الذاتي والمؤسسات الممثلة والمزودة للخدمة.
ودعا العربي لتكاثف الجهود للحصول على حقوق ذوي الإعاقة وخصوصاً في حال إجراء انتخابات عامة لمؤسسات السلطة الفلسطينية أن تشملهم القوائم الانتخابية باعتبارهم محورا للتغيير وعنصرا مؤثرا في المجتمع.
غياب التوافق الوطني بات يهدد المنظومة الاجتماعية والإنسانية برمتها نحو الانهيار ما ينعكس سلباً على شريحة الأشخاص من ذوي الإعاقة، رغم أنهم جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي ولكنهم لم يحصلوا على حقوقهم المتكافئة، وبقي ينظر إليهم من منظور الشفقة دون العمل على تكافؤ الفرص وتحقيق العدالة الاجتماعية لهم. ■ ملاحظة: نشر في مجلة الحرية في العدد 1752