صيادو غزة بين اعتداءات الاحتلال وتجاهل الحكومة
2019-10-05
غزة (الاتجاه الديمقراطي) (تقرير وسام زغبر)
تواصل بحرية الاحتلال الإسرائيلي استهداف الصيادين الفلسطينيين في بحر قطاع غزة، الممتد من منطقة الواحة في بيت لاهيا شمالاً وحتى ميناء رفح جنوباً، في سياسة ممنهجة ومبرمجة للتضييق على الصيادين، في ظل حصار يفرضه الاحتلال منذ 13 عاما.
ولا يقتصر استهداف الاحتلال للصيادين وملاحقتهم على حدود الستة أميال البحرية التي فرضها الاحتلال في منطقة الصيد المفتوحة من بحر بيت لاهيا مروراً بالسودانية شمالي غرب القطاع وحتى ميناء غزة وفق اتفاق تخفيف إجراءات الحصار الإسرائيلي الذي وقعته حركة حماس مع دولة الاحتلال برعاية مصرية، بل تطال قذائف الاحتلال ونيرانه الصيادين في حدود الثلاثة أميال في المنطقة المذكورة لقطع الطريق على مصدر رزقهم، رغم أنهم لم يشكلوا خطراً على قوات البحرية الإسرائيلية المنتشرة في مياه القطاع.ووفق الاتفاق المبرم، يسمح للصيادين الوصول لمساحة صيد تصل من 9 أميال وحتى 15 ميلاً في المنطقة البحرية المحصورة بين ميناء غزة وحتى رفح جنوباً، ولكن عراقيل الاحتلال تحول دون وصولهم لتلك الأميال البحرية.
وأوضح الصيّاد أبو العبد الشرافي، أن الاحتلال لا يسمح للصيادين بتجاوز العشر أميال في ميناء غزة وحتى بحر دير البلح. مبيناً أن موسم الصيّد ينحصر في أربعة أو خمسة أشهر هي نيسان وأيار، وأيلول وتشرين أول، توفر أصنافاً سمكية عديدة مثل السردين والسكمبلة والغزلان بأنواعها.
تخريب موسم الصيد
وقال الشرافي، إن «قوارب غالبية الصيادين لا تستطيع الوصول لـ15 ميلاً بحرياً سوى مراكب الجر (القوارب الكبيرة) والتي لا يتجاوز عددها 12 قارباً، فيما قوارب الصيادين الصغيرة ذات فوانيس الإنارة لا تتجاوز 12 ميلاً». مضيفاً: أن «القوارب الصغيرة تصيد أصناف السردين والبالميدا والغزلان الصغيرة».
ويواصل الاحتلال عرقلة وتخريب موسم الصيد على الصيادين بمنع دخول أدوات الصيد تحت ذرائع أمنية، أنها من ذوات «الاستخدام المزدوج» مثل مادة «الفايبر غلاس» وأسلاك الجر وبعض أنواع الشباك ومحركات القوارب، دون إيجاد بديل أمام الصيّادين سوى إصلاح قواربهم المتعطلة.
وتمنع بحرية الاحتلال الصيادين من مزاولة مهنتهم بشكل طبيعي، ما يجبر الصيادين للتخلي عن مهنتهم وبيع قواربهم، وتركهم ضحية الفقر والبطالة دون تقديم أية مساعدات من الجهات الحكومية باستثناء بعض المساعدات التي تقدمها بعض المنظمات الغير حكومية.
بلا دعم حكومي ولا نقابي
وقسّم الشرافي قوارب الصيادين لثلاثة أنواع، وهي القوارب الكبيرة التي تعمل بواقع 24 ساعة، والقوارب الصغيرة تعمل بواقع 12 ساعة، فيما الحسكات لنحو ست ساعات. مشدداً على أن نقابة الصيادين أو وزارة الزراعة لا تقدم أي دعم للصيادين سواء بإصلاح قوارب صيدهم أو طعام الأسماك أو أسعار الوقود الباهظة الذي يصل لقرابة الدولارين للتر الواحد.
وقال إن «الصياد يدفع اشتراكاً سنوياً لنقابة الصيادين 20 شيكلاً أي ما يقارب نحو 7 دولارات، وتصريح للصيّد سنوياً من وزارة الزراعة بمبلغ 56 شيكلاً (17 دولاراً) وتجديد ترخيص المركب حسب نوعه ما بين (100 و300 شيكل)».
ودعا سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة ونقابة الصيادين والمؤسسات الحقوقية لإنقاذ الصيادين من بطش الاحتلال الإسرائيلي، وإنصافهم في مصدر رزقهم من الجهات الرسمية، بتوفير معدات لقواربهم، قبل فوات الأوان.
ويعاني 85% من صيادي قطاع غزة من الفقر المدقع جراء استمرار ملاحقتهم من الاحتلال، وارتفاع أسعار الوقود وعدم قدرة الصيادين تطوير قوارب صيدهم بمعدات وأدوات تكنولوجية متطورة.
وقال الصياد مفلح أبو ريالة، «أصبحنا باعة سمك نحصل على 20 شيكلاً باليوم الواحد، بعدما كنا تجاراً وصيادين». مضيفاً: «الاحتلال يواصل استهداف الصيادين واعتقالهم، حيث اعتقل ستة من عائلتي، وصادر 3 قوارب وحسكة، بل وأصبحت مهنة الصيد مكلفة ما تجيب همها».
تكاليف باهظة
من جهته، أوضح منسق لجان الصيادين زكريا بكر، أن عدد قوارب الصيادين سواء «حسكة» أو «لنش» من ذوات المحرك 1050 قارب، ونحو 1000 قارب حسكة بمجداف، وهو عدد كبير مقارنة بمساحة الصيد البحرية المسموحة، مما ينعكس على العائد الاقتصادي للصياد. مشيراً إلى أن تواجد الأسماك بوفرة في منطقة الصيد البحرية التي تتجاوز الـ15 ميلاً وهي لا يسمح الاحتلال بتجاوزها للقوارب الكبيرة.
وقال بكر إن «الاحتلال لا يسمح سوى لـ12 قارباً بدخول 15 ميلاً، فيما القوارب المتوسطة في حال تجاوزها الـ12 ميلاً يستهدفها بوابل من النيران أو يعتقل أصحابها». لافتاً إلى أن تكلفة رحلة الصيد للقوارب الصغيرة «الحسكة» تصل لنحو 150 دولاراً من وقود وطعام أسماك، فيما كمية وأنواع الصيد لا تتناسب مع تكاليفها، والقوارب المتوسطة «اللنش» تصل لنحو 250 دولاراً، فيما تصل القوارب الكبيرة «الجر» لنحو 1500 دولار.
وأشار إلى 4 عراقيل لقطاع الصيد في قطاع غزة، وهي، الحصار الإسرائيلي والتقسيمات البحرية، وغياب الحماية للصيادين، ومنع إدخال قطع غيار قوارب الصيد. داعياً الجهات الرسمية بغزة للتوقف عن ملاحقة الصيادين بإعفائهم من رسوم الترخيص وتصريح الصيد لدعم صمودهم، متسائلاً: «بلدية غزة تجبي من صيادي غزة نحو 600 ألف دولار سنوياً، بالمقابل ماذا تقدم من خدمات للصياد؟».وأوضح بكر أن الاحتلال أعاد 65 قارب صياد، فيما يتبقى نحو 30 قارباً محتجزاً بينهما قاربا جر، يواصل الاحتلال تنكره لوجودها.
بدوره، فند الصيّاد جمال الأقرع مسؤول لجان الصيادين في كتلة الوحدة العمالية، تصريحات الإعلام الإسرائيلي السماح للصيادين الوصول لـ15 ميلاً في بحر قطاع غزة.وبين أن نوع الأسماك المصطادة لا ترتبط بمساحة الصيد المسموحة بين 6 و12 ميلاً بقدر موسم الصيد التي تتوفر حالياً أسماك السردين والغزلان والكرخون، فيما مساحة الصيد الـ15 ميلاً أو أكثر في حال إتاحة الصيد البحري من قبل الاحتلال سيمكن الصياد من اصطياد سمك السلطان إبراهيم واللقس وأنواع أخرى.
وأكد الأقرع أن وزارة الزراعة أو البلديات التابعة لوزارة الحكم المحلي ونقابة الصيادين بغزة لا تقدم دعماً لقطاع الصيادين، ما يلحقهم بخسائر فادحة، فيما تجبي البلديات نحو 6% من عائدات سوق السمك دون أي عائد على الصياد، مبيناً أن سبب ارتفاع أسعار بعض الأسماك، يعود لمتعهد أو ضامن السوق (ترسو مناقصة البلدية عليه) الذي يفرض رسوماً بنسب محددة على كمية الأسماك التي يتم شراؤها من الصياد، وبيعها للتاجر.
18 شهيداً و8 معتقلين
أوضح نقيب الصيادين بقطاع غزة نزار عياش، أن النقابة ترصد ممارسات الاحتلال بحق الصيادين، وتطلع الصحفيين الأجانب عليها، وترفعها للمنظمات الدولية.وبلغ عدد الشهداء الصيادين 18 شهيداً، منهم 13 شهيداً برصاص الاحتلال الإسرائيلي، و5 شهداء برصاص الجيش المصري، وتواصل سلطات الاحتلال اعتقال ثمانية صيادين، واحتجاز 30 قارباً يتنكر الاحتلال لوجودها، بعدما أفرجت عن 60 قارباً معطوباً وفق نقابة الصيادين.
وقال عياش: إن «تدخلات وزارة الزراعة ونقابة الصيادين نجحت عبر الهيئة العامة للبترول بتوفير كميات وقود لقوارب الصيادين لضمان استمرار صيّدهم في وقت الأزمات». مستدركاً: «لا نستطيع دعم الصيادين بالوقود أو تخفيض سعره، ولكن بالإمكان توفيره لضمان بسعره الحقيقي في وقت الأزمات».
ونوه إلى أن الحصار الإسرائيلي يطبق على كافة مناحي الحياة والذي ينعكس على الصيادين، وبالكاد يتوفر مشروع أو مشروعين في العام الواحد مقارنة بأعوام سابقة. مفنداً حديث الصيادين أن النقابة لا توفر دعماً لهم، بالقول،«نقابة الصيادين قدمت مساعدات مالية لعدد من الصيادين فقدوا قواربهم، وتوزيع شباك صيد لنحو 200 قارب و60 حسكة، ويجري الآن إعالة أبناء الصيادين بمشروع يقدر بربع مليون دولار لمدة أربعة أشهر».وأضاف: «نجحنا بتخفيض تصريح الصيد لـ31 شيكلاً (9 دولارات) لمدة 3 سنوات بدلاً من 56 شيكلاً بالعام الواحد، وترخيص قوارب الصيد انخفض لـ30%».
ويعتاش على مهنة الصيد في قطاع غزة نحو أربعة آلاف صياد، يواجهون خطر الموت المحدق أو الاعتقال الذي يلاحقهم مع دخولهم عرض بحر القطاع، قد يكلفهم فقدان قوارب صيدهم ومعداتهم.
وأحال تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة (الأونكتاد) أسباب الانهيار الوشيك للاقتصاد الفلسطيني إلى زيادة وإحكام قبضة الاحتلال، وخنق الاقتصاد المحلي في قطاع غزة، وانخفاض الدعم من المانحين بنسبة 6% بين عامي 2017 و2018.■ * نشر بالتزامن مع مجلة الحرية في عددها 1744.