■ التوطين، يكون حين تمنح الدولة ، جنسيتها إلى لاجئ ليستقر فوق أراضيها. وبالتالي هو عملية توافق بين طرفين: الدولة المانحة لجنسيتها، وطالب الجنسية.
في لبنان، يتفق الجانبان، اللبناني والفلسطيني، على رفض التوطين.
الدولة اللبنانية، نصت على ذلك في دستورها، لتحصن قرارها برفض توطين اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها، حتى ولو تعرضت لضغوط دولية أو إقليمية.
اللاجئون الفلسطينيون يرفضون التوطين، في لبنان وفي أي بلد آخر يتمسكون بحقهم الثابت بالعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم في فلسطين. حملوا السلاح، وانخرطوا في المقاومة والعمل الوطني حصنوا قرارهم ببرنامج وطني، أحد ثوابته التمسك بحق العودة إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها، ورفض كل الحلول البديلة.
مع مفاوضات مدريد، وضعت قضية اللاجئين الفلسطينيين على نار حامية، واحتلت مكانة رئيسية في المفاوضات المتعددة الطرف، بل وشكلت لذلك لجنة رباعية [مصر، الأردن، فلسطين، إسرائيل] لبحث ملف النازحين [الذين هجروا مع حرب حزيران 67 العدوانية] واللاجئين [الذين هجروا منذ العام 1948]. وبات واضحاً بالتجربة أن القضية شديدة التعقيد، حيث أن اللجنة الرباعية لم تصل إلى نتائج.
يومها أطلق وزير الخارجية اللبناني، فارس بويز، مشروعه «لحل» مشكلة اللاجئين. الفلسطينيين في لبنان. واقترح «توزيعهم» على دول الخليج، وكندا، والولايات المتحدة، والضفة الفلسطينية، مؤكداً أن لبنان دفع حصته من القضية حين منح جنسيته إلى بضعة آلاف من اللاجئين الفلسطينيين، في سياق سياسي، معروفة خلفياته الطائفية والمذهبية آنذاك، في منتصف خمسينيات القرن الماضي.
منذ تلك الفترة، ولبنان يؤكد على رفضه توطين اللاجئين على أرضه، لكنه لا يربط بين هذا الموقف، وبين حق العودة كحل للقضية، بل تحولت خطة الوزير بويز إلى الاستراتيجية الرسمية «لحل» القضية على المستوى اللبناني.
* * *
تعرف الدولة اللبنانية جيداً أن مشاريع توطين الفلسطينيين بديلاً لحق العودة، كما ترسمها الولايات المتحدة وإسرائيل، تتوجه نحو الأردن (أولاً) بل إن حكومة إسرائيل اليمينية لا تخفي نواياها بتحويل الأردن إلى الوطن البديل للفلسطينيين.
وهو الأمر الذي يرفضه بشدة الفلسطينيون، حرصاً على سيادة الأردن على أرضه، وحرصاً منهم على التمسك بأرضهم، وبحقهم في إقامة دولتهم المستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على حدود 4 حزيران 67، ورفض المشاريع البديلة لحق العودة.
كما تتوجه المشاريع الأميركية والإسرائيلية نحو مصر (ثانياً)، في إطار ما يسمى توسيع مساحة قطاع غزة نحو سيناء، لإنهاء حالة الاكتظاظ السكاني في القطاع، من جهة، ولرمي هموم القطاع وقضاياه (مرة أخرى) في الحضن المصري من جهة ثانية.
القاهرة، منذ العهود السابقة، وصولاً إلى عهد الرئيس السيسي، تؤكد رفضها القاطع التخلي عن شبر واحد من سيناء يضم لقطاع غزة. الفلسطينيون لا يتطلعون نحو القطاع لتوسيع مساحة أرضهم، بل يتطلعون نحو فلسطين، حيث حقوقهم المهدورة، ولا يبادلون حقاً ثابتاً، بعرض مزيف، من شأنه أن يقضي على كامل حقوقهم الوطنية المشروعة.
مع الكشف عن بعض ملامح « صفقة ترامب - نتنياهو»، وعن عناصر الشق الاقتصادي من «الصفقة»، في ورشة المنامة، كان الحديث واضحاً بما يخص قضية اللاجئين: إعادة تعريف اللاجئ، بحيث يقتصر على مواليد فلسطين، ما يستثني حوالي 6 ملايين لاجئ، يتركون للمصير المجهول. حل وكالة الأونروا وتحويل تمويلها إلى مشاريع ورشة البحرين. تحويل المخيمات إلى «مدن حديثة» بهدف توفير الاستقرار النهائي للاجئين في أماكن إقامتهم.
وكما كشفت بعض الصحافة اللبنانية، فقد رفض رئيس حكومة لبنان سعد الحريري، عرضاً من جاريد كوشنر، عراب ورشة المنامة، بالقبول بتوطين الفلسطينيين، مقابل منح لبنان مساعدة مالية تصل إلى ستة مليارات دولار، لأجل بعض المشاريع التنموية في لبنان.
وحدة الموقف الوطني الفلسطيني، في الشارع، وبين فصائل العمل الوطني، والقيادة الرسمية، التقت بقوة عند رفض صفقة ترامب – نتنياهو، ومخرجات ورشة البحرين. عبرت عن ذلك بخطوة عملية، حين قاطع الفلسطينيون أعمال الورشة، حتى أن كوشنير اعترف أن الفلسطينيين أفشلوا الورشة ( ولم يعطلوا انعقادها)، بغيابهم عنها ومقاطعتهم لها.
وكان في قلب معارضة الفلسطينيين للصفقة وللورشة، رفضهم كل الحلول البديلة لحق العودة إلى الديار والممتلكات.
* * *
مجرى الأحداث وضع الدولة اللبنانية، كما وضع الأردن، ومصر، أمام خيارين: إما مقاومة المشروع الأميركي – الإسرائيلي، ورفض التوطين، وفي الوقت نفسه الانحياز إلى جانب الفلسطينيين في إسنادهم، للتمسك بحقهم في العودة. وإما الضغط على الوجود الفلسطيني في لبنان، لإحراجه، فإخراجه، تحت ذرائع وحجج مختلفة بعضها أمني، وبعضها اقتصادي، على وهم أن هذا هو الحل الذي ينقذ لبنان من خطر التوطين.
الأردن أعلن رفضه للعديد من بنود صفقة ترامب في شقها الفلسطيني، بدءاً من القدس، وصولاً إلى قضية اللاجئين وحق العودة ورفض التوطين.
مصر هي الأخرى أعلنت رفضها الاستجابة للمشروع الأميركي – الإسرائيلي، ورفض حل قضية قطاع غزة، ولو على حساب شبر واحد من أرض سيناء.
لذلك يتعرض الفلسطينيون في لبنان إلى كل أشكال الضغط والحصار.
• حرموا من حقهم في العمل في أكثر من سبعين حرفة مهنة. بما فيها تلك التي لا تتوفر لها عمالة لبنانية محلية. ما يؤكد أن الأمر لا يتعلق بتوفير فرص العمل للبنانيين، بل فرض الحصار المعيشي على اللاجئ.
• حرموا من حق العمل لحملة الشهادات الجامعية، بالتواطؤ مع النقابات المعنية كالطب والصيدلية، والهندسة. وكثيراً ما طورد أطباء فلسطينيون متطوعون في المخيمات، بتهمة «ممارسة الشعوذة» رغم أنهم اجتازوا وبنجاح امتحان الكولوكيوم في بيروت.
• حرموا من حقهم في امتلاك شقة سكنية، في ظل اكتظاظ سكاني خانق في مخيمات، مازالت حدودها الإدارية على ما هي عليه منذ أن أنشئت في اليوم التالي للجوء.
• فرضت على المخيمات إجراءات حصار أمني، لتقنين وتعقيد الحركة إلى المخيمات، كما فرضت على مخيمات الجنوب إجراءات لا شبيه لها في مكان آخر، بحيث يمنع عليها إدخال مواد الإعمار، بما في ذلك مصابيح الإضاءة، والأسلاك الكهربائية ومواد الدهان وغيرها.
تحولت الحياة في المخيمات إلى معسكرات اعتقال جماعي، معزولة عن محيطها، مجتمعياً، واقتصاديا.
الخطوة الأخيرة [هل هي الأخيرة حقاً؟] منع الفلسطيني من ممارسة كل أنواع المهن والحرف. بذريعة ضرورة الحصول على إجازة عمل؛ في خطوة مخالفة لقرارات الجامعة العربية، ولقوانين سابقة كانت قد اتخذتها وزارة العمل.
النتيجة الحتمية لكل هذا، فرض الحصار الشامل على الفلسطيني، مع ترك منفذ واحد أمامه، وهو الهجرة. بحيث يصبح التهجير في حسابات الدولة اللبنانية هو البديل للتوطين. وفي الحالتين، يكون الفلسطيني هو الضحية:
• ضحية لمشروع أميركي – إسرائيلي.
• وضحية لحسابات محلية ضيقة.
لكنه، وفي كل الأحوال، لن يكون ضحية تستسلم لقدرها.■