عيد غزة المنهك بالحصار والاحتلال والانقسام
2019-06-26
غزة، تقرير وسام زغبر
■«بأي حال جئت يا عيد»، أطل عيد الفطر برأسه هذا العام على قطاع غزة ليفتح جرحاً قد اندمل، وأوجاع واقع اقتصادي مؤلم له وما عليه، ترويه أرقام ليست خافية على احد في البؤس والشقاء والألم.
غزة جميلة أنهكها الحصار والعدوان الإسرائيليان وصراع الانقسام الفلسطيني الداخلي، إلا أن تلك التحديات لم تمنع مواطنيها بمن فيهم الأطفال والشباب من النهوض من الركام وترميم الواقع الأليم الذي يعيشونه نحو الأمل، للاحتفال بعيد الفطر السعيد.
ارتدت غزة ثوب الفرح وتزينت شوارعها الرئيسية بأضواء مختلفة الألوان، وشهدت محلاتها التجارية اكتظاظاً للمواطنين وحراكاً ملحوظاً للمتجولين وسط مكبرات الصوت أمام بعض المحلات، تعرض أسعار البضائع المحلية والمستوردة، ولكن الحركة الشرائية لم تكن بالمستوى المأمول وفق شهادات أصحاب المحال التجارية.
وقال أبو حسن صاحب متجر لبيع الأحذية في حي الرمال وسط مدينة غزة: «عيد الفطر هذا العام يختلف عن الأعوام الماضية، صحيح أن أوضاعنا في تلك السنوات كانت صعبة ومريرة، لكن مثل هذه السنة لم يمر علينا». مبدياً استيائه من انخفاض عدد المقبلين على شراء الحاجيات قبيل العيد من ملابس وأحذية وسوى ذلك، كما السنوات السابقة.
وأضاف: «البضاعة المعروضة في السوق كثيرة، والعملية الشرائية قليلة، ويأمل التجار تحقيق ربح وفير لتعويض خسائرهم الناجمة عن حالة الركود الاقتصادي التي تشهدها الأسواق طوال العام».
أوجاع وحسرة
استقبل الغزيون عيد الفطر هذا العام بأزمات تعصف بهم واحدة تلو الأخرى، وأوجاع وحسرة أرخى الحصار الإسرائيلي بظلاله عليهم، وظهر جلياً على كافة مشاهد حياتهم الاقتصادية. واقع أليم على خصومات حكومة السلطة الفلسطينية بذريعة أزمتها المالية الناجمة عن خصم دولة الاحتلال الإسرائيلي لأموال المقاصة، رغم أن الخصومات لم تكن وليدة أزمة المقاصة المالية بل تعدتها بفرض عقوبات منذ آذار (مارس) 2017 لتطال موظفي القطاع العام في الوظيفة العمومية وتصرف أنصاف رواتب لهم، وتحيل ألاف الموظفين للتقاعد المبكر، وتقطع رواتب العشرات من موظفين ووزراء وأعضاء مجلس تشريعي في إطار مناكفات الانقسام السياسية.
ولا يختلف الحال لنحو عشرة آلاف موظف من تعيينات 2005 صرفت لهم نحو مائتي دولار قبيل العيد، تعتبرهم حكومة السلطة غير موظفين، فيما مستفيدو الشؤون الاجتماعية تلقوا مساعداتهم المالية في شهر أيار (مايو) الماضي بعد تأخرها لدورتين (كل دورة بواقع ثلاثة أشهر) ما بين 210 إلى 500 دولار.
ويتلقى قرابة 40 ألفاً منذ ست سنوات عينتهم سلطة الأمر الواقع في القطاع ما نسبته 40-50% من رواتبهم، بواقع 40 يوماً، ناهيك عن قطاع خاص طالته نار الخصومات رغم انه بالكاد تتعدى رواتبه الحد الأدنى للأجور (400 دولار) ومنهم من لا يتعدى نصف ذلك.
عيدية ولهو وضحكات
وتنتظر الطفلة صبا العيد بفارغ الصبر كما كل أطفال قطاع غزة للحصول على العيدية من أبيها وأقاربها، وشراء الملابس الجديدة «ملابس العيد» للذهاب إلى ما تصبو إليه من أماكن الترفيه واللهو مع الأطفال.
علت الضحكات وأصوات صراخ أطفال كانوا يلهون خلال العيد على «أرجوحة» صغيرة نصبت في ساحة قرب أبراج المقوسي غرب مدينة غزة، وعدد من الألعاب البسيطة في ساحة الجندي المجهول وسط غزة. وتنتشر في قطاع غزة العشرات من أماكن الترفيه والملاهي التي يقصدها المواطنون المقتدرون.
فيما شهدت مطاعم غزة إقبالاً كبيراً من المواطنين على شراء ساندويتشات «الشاورما» والفلافل، وتعج مقاهي القطاع بالشباب للسهر وتدخين «الأرجيلة» والمشروبات الباردة وسط شاشات عرض تلفزيونية كبيرة تصدح بأصوات الأغاني والموسيقى.
ويقول المواطن أبو محمد العوضي متحسراً «لا يوجد عيد في قطاع غزة، الحصار والانقسام سرقا فرحة العيد من أفواهنا، والزيارات الاجتماعية اقتصرت على الأقارب من الدرجة الأولى، وبالكاد أعطينا عيدية لأطفالنا لعل الفرحة تدخل قلوبهم».
ولا يخفي العوضي قوله، «العيد جاء مثقلاً بالهموم، فهناك الآلاف من الأسر لا يوجد لديها دخل ثابت، وهناك من تقطعت بهم السبل وطالت عدد كبير منهم عقوبات السلطة، وهم بالكاد يوفرون متطلبات حياتهم اليومية».
عيد غزة بأيامه الثلاثة مر حاملاً لحظات قاسية وصعبة على الأسر والعائلات الغزية في ظل تفاقم حالة الفقر والبطالة والعوز وانعدام الأمن الغذائي ونظيره الوظيفي.
وشهد العيد هذا العام لحظات قاسية على أصحاب البيوت المدمرة بفعل العدوان الإسرائيلي في مطلع أيار (مايو) الماضي، الذين أصبحوا بلا مأوى يقيهم حر الصيف، فيما فُتحت بيوت عزاء لشهداء مسيرات العودة وكسر الحصار وشهداء العدوان الإسرائيلي الأخير في أرجاء متفرقة من قطاع غزة.
ضعف القدرة الشرائية
بدوره، أكد مسؤول دائرة الإعلام والعلاقات العامة في الغرفة التجارية بغزة ماهر الطباع، أن الغزيين استقبلوا العيد هذا العام بأوضاع اقتصادية ومعيشية في غاية السوء.
وأوضح الطباع أن قطاع غزة يشهد تدهوراً في الأوضاع الاقتصادية، ما أدى لضعف القدرة الشرائية للمواطنين. لافتاً إلى أن الحصار الإسرائيلي وأزمة الرواتب أثرا بشكل كبير على أوضاع القطاع الحياتية والمعيشية.
ووفق الطباع، فإن نحو 300 ألف عاطل عن العمل في قطاع غزة، وأن معدلات الفقر تجاوزت الـ50%، وأكثر من مليون شخص يعتمدون على المساعدات الإنسانية المقدمة من وكالة الأونروا والشؤون الاجتماعية ومؤسسات دولية أخرى.
ويرى مراقبون أن مواجهة الاحتلال الإسرائيلي تتطلب دعم صمود المواطن وليست فرض عقوبات عليه وإشغاله بقضايا حياتية ومعيشية، تضعف من مقاومته للاحتلال، مما يتطلب من حكومة السلطة الفلسطينية وقف العقوبات على قطاع غزة ووقف سياسة التمييز في دعم موازنتها المالية بين الضفة والقطاع، وكذلك من حكومة الأمر الواقع وقف الضرائب.
ويدعو المراقبون قيادة السلطة الفلسطينية وحكومتها إلى الرد على السطو اللصوصي الإسرائيلي على أموال المقاصة الفلسطينية بالتسريع في خطوات فك الارتباط باتفاق باريس الاقتصادي، على طريق التحرر من قيوده، ووضع خطط لتوسيع القاعدة الإنتاجية الفلسطينية ودعم المنتج الوطني بما يعزز صمود المواطنين، وتفعيل المقاطعة للبضائع الإسرائيلية.
ويشهد قطاع غزة حالة من الركود الاقتصادي وتراجعاً في معدلات النمو الاقتصادي ما نسبته (-7%) مع ارتفاع نسبة الفقر إلى 53% ونسبة البطالة لـ52% في صفوف من هم في سن العمل، و69% في صفوف الخريجين والشباب. نشر بالتزامن مع العدد 1730 من مجلة الحرية