• غزّة في ظلّ حماس بين عصا الأمن وسلاح المقاومة
    2019-03-27
    في 14 آذار/ مارس الجاري، خرجت مجموعة من الشبان إلى شوارع قطاع غزة، رافعين شعار "بدنا نعيش"، عقب مرور 12 عاماً من الذل والاستغلال والعقوبات أدت إلى دمار مستقبلهم، جراء الحصار الإسرائيلي، إلى جانب بعض الإجراءات العقابية التي فرضتها السلطة الفلسطينية من الضفة الغربية على موظفيها في القطاع، بالإضافة إلى فرض حركة حماس –المسيطرة على القطاع طوال سنوات الحصار- ضرائب باهظة على السلع الحياتية.
    لكن الأجهزة الأمنية التابعة لحركة حماس، بدل أن تسمح للشبان بممارسة حقهم الذي نص عليه القانون الفلسطيني، نزلت إلى الشوارع وواجهتهم بالضرب والاعتقال، وقمعت كل من تجرأ على النزول إلى الشارع، وصادرت حرية الإعلام، حيث منعت الصحفيين من التغطية وصادرت أدواتهم واعتقلت البعض منهم.
    مساء نفس اليوم، انطلق صاروخان من غزة باتجاه إسرائيل، وسقطا بالقرب من تل أبيب، الأمر الذي اعتبرته الحكومة الإسرائيلية بزعامة بنيامين نتنياهو، أمرًا خطيرًا يستوجب الرد بعنف.
    حركة حماس سارعت بنفي مسؤوليتها عن إطلاق الصواريخ، فيما أعلنت حركة المقاومة العربية لتحرير فلسطين، في أول بيان لها عن إطلاقها للصاروخين. إسرائيل لم تهتم، وقصفت بضعة أهداف منتصف الليل في أنحاء متفرقة في القطاع بعدة صواريخ، أرهبت وأربكت المواطنين، وأدخلت النساء والأطفال والشيوخ في حالة نفسية صعبة خوفًا من انطلاق حرب رابعة، في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يخوضونها.
    انتهت جولة القصف ولم ترد فصائل المقاومة، وعلى ما يبدو اعتقدت حماس أن المواطنين انشغلوا بالرد الإسرائيلي، وأن الحراك الشبابي قد انتهى. لكن، في صبيحة اليوم التالي عادت الدعوات للنزول إلى الشوارع والميادين، مطالبين باستمرار الحراك، رفضًا للجوع والحصار والإجراءات والضرائب، بعدما وصلت نسبة البطالة في صفوف الشباب لأكثر من 50% بحسب مراكز الإحصاء.
    حماس التي كانت تبحث عن فرصة ذهبية لحشد جماهيرها، قُدمت لها الفرصة على طبق من ذهب، إذ قام شاب في الضفة الغربية بطعن جندي والاستيلاء على سلاحه وإطلاق الرصاص على آخرين، الأمر الذي اقتنصته حماس ودعت لحشد مظاهرات شعبية واسعة دعمًا وتأييدًا للمقاومة في غزة، وفي نفس أماكن تجمع الحراك ونفس الوقت.
    هذا الحشد واجه العديد من الانتقادات إذ كان من المتوقع أن يزعزع السلم الأهلي، لذلك قرر شباب الحراك تأجيل حشدهم لساعتين تلافيًا للاحتكاك والاشتباك.
    حكومة الأمر الواقع "حماس" ومن خلال أجهزتها الأمنية، ناقضت نفسها بمنح حرية كاملة للإعلام بل دعمه في تغطية مظاهرات دعم المقاومة التي دعت إليها الحركة، فيما حجبت حجبًا تاماً التغطية للحراك وتحديدًا في مدينة دير البلح وسط القطاع، التي شهدت أحداثًا مؤسفة من قمع واعتقال ومداهمة للمنازل دون مراعاة حرمتها.
    لكن بعض مقاطع الفيديوهات التي انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي فضحت ما قامت به الأجهزة الأمنية التابعة لحماس، بالإضافة لمشاركة عناصر من كتائب القسام الجناح العسكري للحركة في عمليات القمع في الأيام الأولى للحراك وفق شهود للعيان وضحايا الانتهاكات.
    بسبب عمليات القمع، انتقل الحراك، من الميادين العامة إلى صفحات الفيسبوك، لكن حتى هذه الخطوة كانت تحت رقابة الأمن، إذ تم استدعاء العشرات للتحقيق في المقارّ الأمنية بسبب منشوراتهم على الفيسبوك حول الموضوع.
    وفي الوقت الذي كان يجب على حماس أن تحتضن المواطنين، واستغلال الحراك للتأكيد على مطالبهم، أصرت على ممارسة نفس العقلية التي واجهت بها حراكات سابقة، قمعت أيضًا خلالها بعض النشطاء والشخصيات التي نادت بالحريات العامة وتوفير أبسط الحقوق الإنسانية.
    على الجانب الآخر، حاولت السلطة الفلسطينية من خلال بعض الشخصيات، ووسائل الإعلام الرسمية التسلق على مطالب هذا الحراك، الأمر الذي أعطى مبررًا قويًا لأجهزة الأمن التابعة لحماس لممارسة المزيد من الانتهاكات بحق الشباب، تحت ادعاء التخابر مع رام الله.
    ووجهت هذه التهمة بشكلٍ مباشر لبعض المعتقلين لديها، مثل بعض قيادات حراك "بدنا نعيش" المعتقلين حتى اللحظة، وإحالتهم لمحاكم عسكرية -رغم أنهم مدنيون- بحجة التخابر مع جهات أجنبية معادية. وهذا إجراء مخالف للقانون المحلي.
    على مدار أكثر من 6 أيام متواصلة، اعتقلت الأجهزة الأمنية في غزة، نحو 1000 مواطن على خلفية الحراك الأخير، كما رفضت وزارة الصحة الإفصاح عن عدد الجرحى والمصابين والذين يقدرون بالمئات، بحسب الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، الأمر الذي من شأنه أن يخلق بيئة خصبة للتحريض وممارسة العنف، قد تعود نتائجه سلبًا.
    إن التحديات على الساحة الفلسطينية على صعيد غزة، لم يكن الحراك أخطرها، بل الخطر الأكبر كان انتشار تسريبات حول إمكانية التوصل لاتفاقية من عدمه بين حركة حماس وإسرائيل برعاية مصرية، وهذا كان واضحًا في الرد الإسرائيلي العسكري العنيف على غزة بعد إطلاق الصاروخين.
    ثم فجأة بعد يومين، دخلت الدفعة الثالثة من الأموال القطرية وعادت العلاقة بين إسرائيل وحماس، حتى تناقلت وسائل اعلام أنباء حول عدم قبول حماس بالشروط الإسرائيلية لإتمام اتفاقية تهدئة، وعليه تم إقرار عودة الحراك البحري الأسبوعي شمال قطاع غزة، بالإضافة لعودة فعاليات الارباك الليلي بوتيرة أعنف من السابق. وتم خلالها مقتل أحد المشاركين ليلاً.
    استمرت الأوضاع في حالة مد وجزر بين حماس وإسرائيل، حتى صباح الإثنين 25 آذار/ مارس، إذ أُطلق صاروخ بعيد المدى من أقصى جنوب قطاع غزة، سقط على منزل إسرائيلي في منطقة "الشارون" قرب مدينة طولكرم، أي بعد تل أبيب.
    تصريحات عنيفة صدرت من وزراء وقادة الجيش الإسرائيلي، بضرورة الرد بشكلٍ عنيف على إطلاق الصاروخ، قابلها نفي من حركة حماس حول تعمد إطلاقه، وتصريحات تحذيرية من فصائل المقاومة بالرد في حال قصف الجيش الإسرائيلي غزة.
    وبالفعل، بدأ الجيش الإسرائيلي شن غاراته على عدة أهداف ومراكز أمنية ومنازل بأنحاء متفرقة في القطاع، قابلها رد إطلاق بعض الصواريخ من غزة، ويرجح بعض المحللين العسكريين الإسرائيليين استمرار هذا التصعيد لأكثر من يوم.
    مع العلم أنه، بعد 5 أيام تحل الذكرى السنوية الأولى على مسيرات العودة وكسر الحصار، التي تعد حماس الحشد الكبير لها بمشاركة الفصائل الفلسطينية، ومن المتوقع أن يشهد هذا اليوم أحداثًا عنيفة.
    كل هذا يحدث والمواطن الغزي يدفع فاتورة هذه المقايضة بين حماس وإسرائيل، على حساب مستقبله والتمتع بأبسط حقوقه بالعيش الكريم الآمن، فيما حماس تطمح لتحقيق إنجاز سياسي يثبت حكمها، رغم تقلبات الأحداث الداخلية في غزة نحو الأسوأ، الأمر الذي تعتبره تهديدًا لحكمها، قد يكلفها الكثير، بينما لا يشكل التصعيد الإسرائيلي هاجسًا لها في تشويه صورتها محليًا ودوليًا، بل على العكس تستثمره كإنجاز "انتصار" لتلميع صورتها كحركة مقاومة.


    http://www.alhourriah.ps/article/54384