حركة حماس والحراك ضد الضرائب وزيادة الأسعار
2019-03-17
إذا كانت الأوضاع المعيشية قد ظل ترديها منذ سنوات في ازدياد حتى وصلت حداً لم يعد معه المواطنون المحاصرون المعطلون عن العمل قادرين على احتماله، فما كان لهم إلا أن يجأروا بالشكوى على نحو مختلف عما سبق،
وإذا كان المواطنون قد وصلوا – بعد سنوات من الشكوى ومن الصبر على المعاناة – إلى القناعة بأن أحداً لم يضع في الاعتبار الإيجابي معاناتهم وشكاياتهم،
وإذا كان المواطنون المحاصرون والمعطلون عن العمل قد فوجئوا بأن المسؤول – بدلاً من أن يستمع إلى شكاياتهم فيستجيب لمطالبهم وآمالهم بتخفيف معاناتهم – تراه يزيد عليهم أحمال المعاناة والحياة بتصعيد الضرائب والأسعار،
فما الذي في مكنة المواطنين الفقراء المحاصرين والمنهكين أن يفعلوه غير أن يجأروا بالشكوى، تعبيراً عن رأيهم في ضيق عيشهم وفي معاناتهم؟! وكيف يستطيع المواطنون أن يحبسوا آراءهم ويكتموا معاناتهم في قلوبهم وعقولهم وضمائرهم؟!
وكيف يجاز الاعتداء على المواطنين دون جريمة ارتكبوها غير أنهم عبروا عن رأيهم وعن ضوائقهم، مناشدين أولي الأمر أن يجدوا حلولاً لمعاناتهم؟!
وكيف يمكن تبرير قمع الأمن واعتدائه الذي لم يسلم منه حتى مدير الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان؟! وكيف تصح إطاعة الأوامر الإلهية ما لم نفهم قوله تعالى في سورة البلد:"ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين" وقوله تعالى في سورة البقرة:"وعلم آدم الأسماء كلها"، وقوله تعالى في سورة الرحمن:"الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان"؟!
وماذا عن التشريعات والقوانين الدولية/الإنسانية التي حملت من ضمانات حماية الرأي وحرية التعبير عنه ما يملأ آلاف الصفحات وعشرات المجلدات، ما يجعلنا نكتفي بالإشارة إلى الآتي، على سبيل المثال لا الحصر:
• الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، لا سيما المادة (19) منه، والتي تقضي بأن"لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود".
• العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية عام 1966 لا سيما المادة (19) منه، والتي تقضي بأن "لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها".
• الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان عام 1950
• المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عام 1976
وماذا عن القوانين المحلية الفلسطينية التي تكفل للإنسان حقه في أن يكون له رأي وحقه في حرية التعبير عنه، ومن تلك القوانين مثالاً لا حصراً أو استقصاءً:
• القانون الأساسي الفلسطيني (الدستور المؤقت)، لا سيما المادة (19) منه، والتي تقضي بأنه " لا مساس بحرية الرأي، ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن مع مراعاة أحكام القانون".
• قانون المطبوعات والنشر الفلسطيني لا سيما المواد 2+4+7+25+26+27 منه
• وثيقة إعلان الاستقلال الوطني الفلسطيني عام 1988 ، والتي جاء فيها أن "دولة فلسطين هي للفلسطينيين أينما كانوا؛ فيها يطورون هويتهم الوطنية والثقافية، ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق، وتصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية وكرامتهم الإنسانية، في ظل نظام ديمقراطي برلماني، يقوم على أساس حرية الرأي وحرية تكوين الأحزاب ورعاية الأغلبية حقوق الأقلية واحترام الأقلية قرارات الأغلبية، وعلى العدل الاجتماعي والمساواة وعدم التمييز في الحقوق العامة على أساس العرق أو الدين أو اللون أو بين المرأة والرجل، في ظل دستور يؤمن سيادة القانون والقضاء المستقل وعلى أساس الوفاء الكامل لتراث فلسطين الروحي والحضاري في التسامح والتعايش السمح بين الأديان عبر القرون."
وبعد: فعلى الرغم من أهمية وخطورة الإجراءات التي يفرضها الرئيس عباس منذ عام كامل تحت مسمى "عقوبات"، وعلى الرغم من أن لتلك الإجراءات تأثيراً سلبياً مباشراً على الحراك الشبابي الشعبي ضد الضرائب وزيادة الأسعار، إلا أن الأمن ما كان له في أي حال أن يقمع الحراك، وما كان له أن يعتدي على المتظاهرين أو أن يصطدم معهم، بل كان عليه أن يمكنهم من التعبير عن رأيهم، وأن يؤمن لهم حياتهم لا أن يبطش بهم ويعتدي عليهم.
أما آخر الكلام، فإنني أوجه لأولي الأمر ثلاثة أسئلة مهمة تشكل الإجابة الصريحة المباشرة عنها مطلباً وطنياً وإنسانياً خالصاً: أما الأول فهو: أليس هؤلاء الذين قمعهم الأمن واعتدى عليهم هم الذين كانوا يتظاهرون ضد العقوبات التي ينزلها عباس على قطاع غزة وأهله؟! وأما الثاني فهو: ما الذي كان يفعله مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان حتى يعتدى عليه ويسال دمه؟ وأما الثالث فهو: أليس المأكل والمسكن والملبس والمشرب هي المطالب الأساسية الأربعة للحياة الآدمية التي بدونها تنتفي آدمية الحياة عن الآدميين؟!