شبح الغلاء يطارد فقراء غزة والضرائب تشعل الأسعار
2019-03-14
غزة، تقرير وسام زغبر
■يشهد قطاع غزة حالة من الاستياء والسخط في صفوف المواطنين جراء الغلاء الفاحش في أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية والمحروقات رغم حالة الركود الاقتصادي، مما دفعهم إلى الدعوة للنزول إلى الميادين رفضاً للغلاء والضرائب والرسوم الجديدة الذي تواصل وزارة المالية في القطاع فرضها دون النظر إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعيشها القطاع المحاصر للعام الثالث عشر على التوالي واستمرار خصومات الحكومة الفلسطينية على رواتب موظفي القطاع العام وإحالة الآلاف للتقاعد المبكر، وبما يمتهن كرامة المواطن وصموده في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي والتصدي للمخططات التي تستهدف القضية الفلسطينية وفي مقدمتها «صفقة القرن».
ويرى مراقبون أن الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع حوّل حياة الغزيين لمأساة لا تطاق رغم تعايشهم مع تفاصيله بالألم والمرارة، إلا أنهم تفاجأوا بالغلاء المعيشي الذي طال كافة مناحي الحياة رغم تدني مستوى الدخل، وأضحى البعض لا يجد قوت يومه وعاش على المساعدات الإغاثية التي تقدمها وكالة «الأونروا» ومؤسسات خيرية، فيما البعض الآخر لم يتمكن من ذلك، في حين أن الأوضاع المعيشية تتجه من سيء لأسوأ جراء الغلاء الفاحش في أسعار المواد الغذائية من الخضروات أو الفواكه ولاسيما المواد التموينية.
وقال الخبير الاقتصادي الدكتور مازن العجلة، إن «خصومات السلطة الفلسطينية على رواتب موظفي القطاع العام في قطاع غزة منذ آذار/ مارس 2017، انعكست سلباً على الواقع الاقتصادي والمعيشي، ورغم ذلك لم تتعامل وزارة المالية في غزة مع هذا الواقع المتأزم بفرضها مزيد من الضرائب والرسوم الجديدة على السلع، مما خلق حالة إرباك كبيرة في المشهد الاقتصادي والاجتماعي، وتداعيات خطيرة على النسيج الاجتماعي وقدرة المواطنين على الصمود في ظل تدني مستويات المعيشة». مرحلة هستيرية
وأوضح العجلة أن قطاع غزة أمام ارتفاع معدل البطالة الذي يصل إلى 54.9%، ونسبة الفقر التي تتجاوز 53%، فهو بحاجة لتدخلات سياسية لوقف التدهور الحاد والحفاظ على ما تبقى من كرامة المواطن. مضيفاً: «للأسف حكومة الأمر الواقع في قطاع غزة تحتاج لجباية أكبر لدعم نفقاتها ونفقات رواتب موظفيها على حساب الفقراء والمهمشين، دون إطلاع المختصين والمهتمين بحجم الجبايات وكيفية إنفاقها».
واستغرب الخبير الاقتصادي استمرار وزارة المالية في غزة فرض ضرائب جديدة إلى جانب الضرائب الداخلية في المؤسسات الحكومية في ظل تراجع معدل النمو الاقتصادي ليصل لنسبة (7-%). مبيناً أن الوضع في قطاع غزة دخل مرحلة هستيرية في ظل ركود اقتصادي عميق ومعدلات غير مسبوقة في الفقر والبطالة وفرض ضرائب جديدة تساهم في ارتفاع أسعار السلع مثل الخضروات والفواكه والمحروقات مما يشل حياة المواطنين ويضعف صمودهم.
وقال العجلة: «ما كانت تجبيه وزارة المالية في القطاع قبل تسلم السلطة معبر كرم أبو سالم في منتصف تشرين ثاني/ نوفمبر 2017 نحو 25 مليون دولار شهرياً وفق تقديرات خبراء فلسطينيين ومعلومات إسرائيلية». سياسات اقتصادية خاطئة
وأشار العجلة إلى أن الضرائب ليست بالضرورة أن تعود بالإيجاب على خزينة مالية غزة، لأنه من المعروف عند زيادة الضرائب على السلع في ظل حالة الركود الاقتصادي، سيولد إيرادات أقل لعدم قدرة القطاع الخاص والتجار على دفع مزيد من الضرائب. مضيفاً: أن «معظم السلع في قطاع غزة مستوردة مما يدحض رواية مالية غزة أن الضرائب تفرض على الواردات لدعم المنتج المحلي، حيث أن الملابس القديمة (البالة) تفرض ضرائب عليها تصل إلى (55) دولاراً للطن الواحد، وكذلك المجمدات من اللحوم والدواجن التي تعد قوت الفقراء».
وحسب الخبير العجلة، فإن «أسباب ارتفاع أسعار الخضروات بما فيها البندورة والتي تصل إلى أكثر من دولار للكيلو الواحد، يعود لغياب السياسة الاقتصادية الوطنية وعدم وجود سياسة زراعية لدى زراعة غزة لخلق توازن بين التصدير والاستيراد بحيث لا تضر بالمزارع والمستهلك على السواء».
ولكنه دحض رواية وزارة الزراعة في قطاع غزة حول حجم الفائدة التي تعود على المزارع في حال ارتفاع سعر الخضروات، موضحاً أن عدد الأراضي المخصصة للزراعة في قطاع غزة والتي تعد قليلة، وكذلك الحال أن الضرائب تطال المزارع كما هو حال المواطن.
وحذر العجلة من استمرار الضرائب وفرض رسوم جديدة على السلع، أمام تكدس البضائع لدى التجار وتدني القدرة الشرائية، مما يدفع بالوضع الاقتصادي نحو الأسوأ.
وطالب الخبير مازن العجلة، حكومة الأمر الواقع في قطاع غزة بوقف الضرائب الحالية وعدم فرض ضرائب جديدة لمحاولة خلق بيئة اقتصادية مستقرة، وإيجاد حل جذري سياسي واقتصادي إلى حين إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الداخلية.
من ناحيته، أوضح ماهر الطباع مدير العلاقات العامة والإعلام بغرفة تجارة وصناعة محافظة غزة، أن وزارة الاقتصاد في قطاع غزة أعادت في (18/12/2018) تفعيل أذونات الاستيراد برسوم على نحو 95 سلعة واردة للقطاع، بدعوى حماية المنتج المحلي وتشجيع الصناعة المحلية ودعم فرص العمل. تعزيز الإيرادات
وبين الطباع وجود فجوة في الأسعار بين البضائع المنتجة محلياً والمستوردة، جراء الضرائب الجديدة التي لم تتوقف رغم اعتراض عدد كبير من المستوردين. مضيفاً: أن «الهدف من الضرائب هو تعزيز الإيرادات لدى مالية غزة».
وقال الطباع: إن «عملية التصدير هي سياسة لخلق توازن وبيئة اقتصادية لحماية المزارع من الخسارة، لكن المطلوب حماية المواطن أيضاً بحيث يكون ارتفاع سعر السلعة وخاصة الأساسية بما يتناسب مع دخل المواطن». مضيفاً أن «ارتفاع سعر السلعة عن المعقول يتطلب حينها وقف التصدير أو تقتنينه وفق سياسة اقتصادية واضحة»، منوهاً إلى أنه في فلسطين كلها لا توجد سياسة اقتصادية وهذا ما بينته المؤشرات الحالية في عدم قدرة السلطة الفلسطينية على تغطية رواتب موظفيها.
وأوضح الطباع أن الأساس لدعم المنتج المحلي وحمايته بإلغاء كافة الرسوم وعدم فرض رسوم جديدة على المواد الخام ومدخلات الإنتاج وتوفير الكهرباء للقطاع الصناعي بشكل مستمر مع تخفيض الأسعار وضرورة فتح أبواب التصدير والتسويق الخارجي لمنتجات قطاع غزة، وتوفير الحوافز، كالإعفاءات الضريبية للمنتجات الوطنية مع التركيز على المنتجات القابلة للتصدير.
من ناحيته أوضح مركز الميزان لحقوق الإنسان في تقريره حول واقع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية خلال عام 2018، أن الأزمات باتت أكثر تعقيداً، وأصبحت الاحتياجات الإنسانية تزداد اتساعاً في ظل الحصار والانقسام السياسي وتراكماته، وواجهت الأسر صعوبات حقيقية في تأمين الغذاء، ومياه الشرب النظيفة، وامدادات الطاقة، كما راوحت أزمة السكن مكانها بدون حلول جذرية، فيما تراجعت مستويات الرعاية الصحية، وجودة التعليم، وتفشى الفقر، وارتفعت معدلات البطالة، وتوسعت دائرة الأضرار البيئية.
وطالب التقرير بالوقف الفوري للإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفلسطينية بحق سكان قطاع غزة، مطالبا الدوائر والمؤسسات الحكومية في غزة بوقف كل الاستقطاعات والضرائب والرسوم التي تفرض على السلع والخدمات العامة في القطاع، في ظل حالة الانهيار الاقتصادي وتدهور مستويات المعيشة.■ *نشر في مجلة الحرية، اليوم في العدد الاسبوعي رقم 1718