الحاجة عبد الرازق تضيء ليالي شتاء مخيم جنين بأغاني «السنديانة» وأهازيجها!
2019-01-10
جنين (الاتجاه الديمقراطي)
الحاجة لطيفة عبد الرازق (85 عاماً)، الملقبة بـ«سنديانة مخيم جنين»، تعود في أيام البرد الحالية وموسم الشتاء، كعادتها، بذاكرتها إلى قرية السنديانة قضاء حيفا، قبل أن تُهجّر منها، بينما كان عمرها لم يتجاوز ثماني سنوات بعد.
عبد الرازق تحفظ عن ظهر قلب أهازيج فلاحي القرية وأغانيهم في ذلك الوقت، لتنثرها من جديد كلما هبّ طيف قريتها على بالها، بينما تجلس في مضافتها في مخيم جنين للاجئين.
في أيام الشتاء تجمع الفتيات والنسوة ما وصلت إليه أيديهن من نبات القمح الجاف بعد تلوينه وتزيينه، وتقول الحاجة القنيري: «يلا لنقشش يلا لنقشش، وندي على الطبق حمام معشش»، في إشارة إلى اطباق القش التي صنعنها كزينة للبيت، حيث كانت تجمع الفتيات النبات الجاف ويتم تلوينه لصنع زينة البيت.
وتضيف: هكذا كنا نغني «سكابا يا دموع العين سكابا، لمّا بتطل شو بتفرّح لي قلبي، ولما بتغيب شو بزعل على غيابا».
وتشير في مطلع هذه الأغنية إلى ما كانت تتغزل به النسوة بأزواجهن أو أولادهن، في إشارة إلى حالة الفرح بوجود الزوج أو الأولاد إلى جانبه «أشوف الزين يحرس في بصلهم، حرس قلبي ما حرس بصلهم».. وهنا توضح كيف تأثرت أغاني الفلاحين بما يعيشونه، وهو عملهم الزراعي، وتوظيف حراسة نبات البصل في هذه الأغنية التي قد تعتبر ذات طابع غزلي.
وتعود الحاجة لطيفة بذاكرتها إلى أرض عائلتها، خاصة في أيام الحصاد، فتغني: «يا ميمتي كمن قلعولي الكرسنة»، وهنا تروي الأغنية حال نساء القرية بينما يحصدن نبات الكرسنة، وهو من النباتات التي تتغذى عليها الدوب.
وفي مقطع آخر: «وسود عيونك مع بياضك جنني، ويا حسيرتي لِن قلعوني قيطان».. والقيطان هو مساحة من الارض ترصف جوابنها بالسلاسل الحجرية، بحيث تقسم الأرض إلى أجزاء تعرف بالقطاين حسب وصف المزارعين، وهي ليست أرضاً سهلية عادة بل جبلية.
ولم تكن تخلو الأهازيج والاغاني في ذلك الوقت من لوم الحظ لمن اختارها القدر لتكون رفقة رجل سيئ، فتقول الحاجة القنيري: في هذه الحالة كنّا نغني «الله عليك يا حظيظي ومع النذل ترميني... لا عيشة معيّشني ولا كسوة مكسّيني».
ولم تكن النسوة فقط صاحبات الأهازيج، ولسن وحدهن من وظفن ظروفهن في هذا الفن والغناء، وهنا تشير الحاجة القنيري إلى حالة التسابق بين الحصادين عندما كانوا يصطفون على جانبي الأرض، ويقولون: «منجلي يا منجلا، وراح للصايغ جلا، ويا ناس صلوا ع النبي، والغزالة زارته، زارته وتوكلت، وع النبي سلمت».
أما ليالي الزفاف، فلم تكن خالية من غزل يرسله شباب القرية، فيما يصطفون كتفاً إلى كتف يصفقون حتى ساعات متأخرة من الليل أو ساعات الصباح الأولى، وعلى بُعد أمتار من فتيات القرية فيصدحون: «بتطلع علي»، وهنّ يقمن بالرد «قتل حاله عشاني».
واشتهر المزارعون الفلسطينيون بالطقوس التي ترافق مواسمهم الزراعية، وسهراتهم وأفراحهم، ولم تغفل الحاجة القنيري أمثالاً كان يتناقلها أهل قريتها في هذا الإطار من بينها: «وقت التين ما في عجين»، «ووقت البطيخ ما في طبيخ»، في إشارة إلى أنه في موسم التين يستغني الأهالي عن الخبز في ذلك الوقت، وهو تعبير مجازي، وفي موسم البطيخ يستغنون عن الطبيخ في المنازل، ويكتفون بأكله كنايةً عن لذته وحلاوة مذاقه.
يذكر أن الحاجة عبد الرازق ذاقت عذابات التشرد واللجوء لتصل إلى مخيم جنين، فزفت أحد أبنائها شهيداً وهو علام، فيما تنتظر فرحة الإفراج عن ابنها الأسير علي، وهي عادةً ما تكون في مقدمة الحاضرين في أية مناسبة وطنية، أو تهنئة بالإفراج عن أسير أفرج عنه من سجون الاحتلال حتى داخل الخط الاخضر، فهي "سنديانة المخيم".
وقرية السنديانة تقع إلى الجنوب من مدينة حيفا، وتبعد عنها 29 كيلومتراً، وترتفع 125 متراً عن سطح البحر، وتحيط بها أراضي قرى قنير، والمراح، وأم الشوف، وصبارين، وبريكة، ويحيط بالقرية العديد من البقاع والخرب الأثرية، منها: خربة العجمي، وخربة الست ليلى، وخربة الخضيرة.. وموقع القرية اليوم مسيج بأسلاك شائكة، ويمكن لزائر المكان مشاهدة أكوام الحجارة وأنقاض المنازل المدمرة مبعثرةً بين الأشواك ونبات الصبار وشجر التين والزيتون والنخيل، فيما يستخدم الإسرائيليون الأراضي المحيطة بها كمراعٍ لمواشيهم. المصدر: منصة الاستقلال الثقافية