■ يتساءل المراقبون، بل والرأي العام الفلسطيني: أين اختفت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي انتخبت في المجلس الوطني في 30/4/2018. إذ يلاحظ المراقبون أن القضية الفلسطينية تشهد تطورات غاية في التعقيد والخطورة، بينما اللجنة التنفيذية، بإعتبارها القيادة اليومية للشعب الفلسطيني، غائبة عن الوجود تماماً. كما يلاحظون أن هذا الغياب يأتي في امتداد ما عاشته التنفيذية من وضع غير مستقر، تحول إلى غياب (أو ربما تغييب).
فهي منذ إنتخابها، لم تعقد سوى اجتماعين اثنين فقط، برئاسة رئيسها محمود عباس. وأن رئيس اللجنة، في المرتين، لم يحضر سوى نصف ساعة من الاجتماع، غادر بعده تاركاً لأمين سر اللجنة إدارة الاجتماع، على أن يكون «تشاورياً»، لأن القرار لا يصدر إلا بحضور رئيس اللجنة، أي محمود عباس.
هذه الخطوة تحولت إلى «نظام» عمل للجنة التنفيذية، بحيث باتت تجتمع برئاسة أمين السر، صائب عريقات، وغياب الرئيس عباس، على أن يكون اجتماعها «تشاورياً»، يكتفي بتقديم «توصيات» إلى الرئيس، وهو بدوره يصادق على ما يختاره من هذه التوصيات، ويهمل الباقي. وهكذا بتنا أمام لجنة تنفيذية «جديدة»، تدير أعمالها بطريقة تخالف أنظمة م.ت.ف.
(2)
اللجنة التنفيذية، هي القيادة اليومية للشعب الفلسطيني، وهي المطالبة، والمخولة بتطبيق قرارات المجلس الوطني، الذي ينتخبها كأعضاء متساوين، وهي بدورها تختار رئيسها، وتوزع الدوائر على أعضائها بالتوافق. ما جرى لهذه اللجنة أنها لم توزع الدوائر على أعضائها بالتشاور، بل صدر «مرسوم رئاسي»، ألغى بعض الدوائر، كالإعلام، والثقافة، والدائرة السياسية، ورئاسة الصندوق القومي، كما أحال دائرة المغتربين إلى «مستشار» للرئيس، غير عضواً في اللجنة التنفيذية، بحيث خرجت الدائرة من ملاك التنفيذية.. كما ابتدع «المرسوم الرئاسي» دوائر جديدة، كان واضحاً من عناوينها أنها غير ذات جدوى، ولا قيمة عملية لها. وأنها محاولة لملء الفراغ بالفراغ نفسه.
ما جرى بعد ذلك، أن «التنفيذية» تحولت رسمياً من لجنة تشكل القيادة اليومية للشعب الفلسطيني، انتخبها البرلمان الفلسطيني (المجلس الوطني) بإعتبارها الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين، إلى هيئة مستشارين، جرى ضمهم إلى الصف العريض «لمستشاري» الرئيس، الذين، كما هو معروف، لا يستشيرهم بشيء، بل أصبح «المطبخ السياسي» هو مصدر القرار، وهو القيادة اليومية، يدير الشأن العام بمراسيم رئاسية، حولت النظام السياسي الفلسطيني من نظام برلماني، لحركة وطنية، تقوم علاقاتها على مبادئ التوافق الوطني، والشراكة الوطنية، إلى نظام رئاسي، أشبه بالديكتاتوري، يدير شؤونه بالمراسيم الرئاسية. وعلى طريق تكريس هذا النظام جرى إفراغ اللجنة التنفيذية من وظائفها، وتحويلها إلى هيئة مستشارين، قد يؤخذ، وقد لا يؤخذ، برأيهم من قبل رئيس السلطة .
(3)
من الملاحظات التي تسجل على اللجنة التنفيذية، في الأسابيع الأخيرة، أنها غابت (أو جرى تعيينها) عن الأحداث، ولم يكن لها إزاءها أي دور، ولا حتى بيان تعلق فيه على الأحداث، على غرار البيانات التي كانت تصدرها في ختام كل اجتماع، دون أن يتحول ما في البيان إلى خطوة عملية واحدة.
• الحدث الأول والكبير هو انفجار الوضع الأمني في قطاع غزة على يد العدوان الإسرائيلي. دعت الكويت وبوليغيا مجلس الأمن الدولي إلى الإجتماع الفوري لدراسة الوضع. غير أن الولايات المتحدة عطلت الإجتماع لصالح العدوان الإسرائيلي. واللجنة التنفيذية غائبة. ثم دعي مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين، وناقش الأمر وأصدر بياناً بشأنه. واللجنة التنفيذية غائبة. ثم، وبعد صدور قرار وقف إطلاق النار، وبتدخل من القاهرة، قرأ المراقبون أن «القيادة الفلسطينية» سوف تجتمع لبحث الوضع في القطاع. وتوقع المراقبون أن تكون «القيادة الفلسطينية» هي اللجنة التنفيذية. لكن ما فاجأ الجميع أن من اجتمع كانت هيئة جديدة دخلت على خط الوجود، أطلق عليها اسم «اللجنة الوطنية العليا»، اجتمعت برئاسة محمود عباس، ولم يصدر عنها أي بيان، أو موقف، أو قرار.
• الحدث الثاني الذي غابت عنه اللجنة التنفيذية وما زالت غائبة، هو التطور الخطير الذي تشهده مدينة القدس المحتلة، إذ تتعرض لحملة تهويد، كما تتعرض البلدات العربية المحيطة بها «سلوان، شعفاط، مخيم شعفاط، الشيخ الجراح». إلى هجمة استيطانية كبرى، هدفها تهجير سكان هذه البلدات، وتوسيع مشاريع الإستيطان، في إطار توسيع مساحة القدس الشرقية نحو الشرق، «عاصمة موحدة لإسرائيل» تشطر الضفة الفلسطينية إلى شطرين، شمالي وجنوبي، في إطار خلق وقائع ميدانية من الإحتلال، لقطع الطريق جغرافياً على إمكانية قيام دولة فلسطينية متواصلة. أي لا تفصل بين أجزائها لا المستوطنات، ولا الطرق الإلتفافية، ولا القدس التي يجري توسيعها شرقاً.
أثارت هذه التطورات في القدس المحتلة ومحيطها إهتمام الجميع، إلا اللجنة التنفيذية. أصدرت الفصائل بيانات تدعو القيادة الرسمية للتحرك. (وحده بيان الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين أثار حفيظة أمين سر اللجنة التنفيذية، فرد عليه مستعرضاً عضلاته في رفع المذكرات إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، متجاهلاً القضية الجوهرية التي أثارها بيان «الديمقراطية»، أي قضية القدس ومشاريع التهويد والتوسع الإستيطاني). حتى رئيس المجلس الوطني في مقره في عمان دعا إلى جلسة طارئة لأعضاء المجلس المقيميين في العاصمة الأردنية لدراسة الأمر. علماً أن القرار يجب أن يكون مصدره اللجنة التنفيذية (القيادة اليومية) ووزارة الخارجية في السلطة (التي أحيلت لها مهام الدائرة السياسية في اللجنة التنفيذية). وحتى اللحظة (أي حتى كتابة هذه السطور) لم تتحرك اللجنة التنفيذية، ما دعا البعض لإتهام المستوى الرسمي بتحمل المسؤولية عما تشهده القدس وجوارها من مخاطر.
(4)
من هي «اللجنة الوطنية العليا» التي اجتمعت لبحث الوضع في القطاع، بإعتبارها «القيادة الرسمية»، وحلت محل اللجنة التنفيذية؟
بعد استعراض أسماء الحاضرين تبين التالي:
• أن ما سمي «اللجنة الوطنية العليا» هي «لجنة تنفيذ قرارات الدورة 30 للمجلس المركزي الفلسطيني»، الذي اجتمع في 28/10/2018 في ظل مقاطعة صف من الفصائل والشخصيات المستقلة من بينها الجبهتان الديمقراطية والشعبية، وحزب المبادرة (وكذلك الصاعقة، والقيادة العامة وحماس والجهاد).
• أن هذه اللجنة تشكلت من 23 عضواً، من بينهم ما لا يقل عن عشرين عضواً هم أعضاء في فتح (سميت هذه اللجنة بلجنة العشرين).
• في اجتماعها في 30/10/2018، توزع أعضاء اللجنة (ماعدا رئيسها محمود عباس، ورئيس المجلس الوطني سليم الزعنون، ورئيس الحكومة وهم أعضاء في اللجنة) إلى أربع لجان. واحدة باسم «لجنة العلاقات مع أميركا» يترأسها زياد أبو عمرو، والثانية ««لجنة العلاقات مع إسرائيل» يترأسها صائب عريقات، والثالثة «لجنة إنهاء الإنقسام والمصالحة مع حماس»، يترأسها عزام أحمد، أما الرابعة فهي «لجنة تجسيد الدولة» ويترأسها محمد اشتيه، ويكون صائب عريقات منسقاً للجان الأربعة.
• إن هذه اللجنة هي اللجنة الخامسة التي يتم تشكيلها، منذ 15/1/2018 تاريخ انعقاد المجلس المركزي، لوضع خطط وآليات تطبيق قراراته، التي أعاد التأكيد عليها المجلس الوطني ثم أحيلت إلى المجلس المركزي الدورة 129، الذي أحالها بدوره إلى المجلس المركزي في دورة جديدة (الدورة 30).
(5)
السؤال: ما علاقة هذه اللجنة المكلفة. بتنفيذ قرارات المجلس المركزي؟
• المجلس المركزي أحال قراراته إلى اللجنة التنفيذية، للعمل على تنفيذ قراراته.
• «لجنة تنفيذ القرارات» تشكلت بقرار من رئيس السلطة، وليس من قبل اللجنة التنفيذية، لذلك جرى استبعاد بعض الفصائل والقوى والشخصيات منها، وبدا واضحاً الرغبة الجامحة في أن تتشكل اللجنة حتى لون سياسي واحد (فتح ومن هم في حكمها).
• في إطار استبعاد وتغييب اللجنة التنفيذية، تحولت «لجنة تنفيذ قرارات المركزي»، بقرار رئاسي منفرد إلى «اللجنة الوطنية العليا».
وهو ما يدعو للتساؤل الجاد:
• هل تقرر نهائياً هذه المرة تحويل اللجنة التنفيذية إلى هيئة مستشارين، وإقتصار اجتماعاتها على التشاور، وتجريدها من صلاحياتها كقيادة يومية للشعب الفلسطيني.
• هل تقرر ضمناً تحويل «اللجنة الوطنية العليا» (كما أطلق عليها) إلى القيادة البديلة للجنة التنفيذية. وبالتالي هل أحيلت اللجنة التنفيذية إلى التقاعد.
• اللافت أن ما سمي بـ « اللجنة العليا » لا تعكس الإئتلاف الوطني الفلسطيني. فهناك فصائل وشخصيات فلسطينية ليست أعضاء في اللجنة الوطنية العليا. وبالتالي:
• هل هناك قرار بإعادة بناء «الإئتلاف الوطني» وفق تحالفات جديدة، تقود إلى شق م.ت.ف، وشل لجنتها التنفيذية، على غرار الشلل الذي أصاب المجلس التشريعي في السلطة الفلسطينية في أعقاب إنقلاب حماس في 14/6/2017.■