بقراءة معمقة وموضوعية نرى أن قرار تقسيم فلسطين 29-11-1947 اختلف شكلاً وإخراجاً عن وعد بلفور، لأنه وجد من يدافع عنه خارج أوساط الإمبريالية المعهودة، ونقصد هنا عدد كبير من العرب والصين والهند وعدد من دول العالم الثالث (دول عدم الانحياز في مؤتمر باندون ). وارتأينا بعد دراسة معمقة ان نعيد قراءة قرار التقسيم لنسهم نسبيا في اسقاط كل الأوهام التي دفعت البعض لنقد المواقف الفلسطينية والعربية والإسلامية والعالم ، وعدد من أحرار العالم، كانت، التي رفضت القرار ، وتعتبره جريمة ، لأنه أسهم في النكبة الفلسطينية..
فقرار التقسيم الرقم 181 لعام 1947، شكل المرجع «الشرعي» الدولي الذي استند إليه بن غوريون في نص «إعلان قيام دولة إسرائيل». وذلك بالرغم من عدم اعترافه به. فقد استل منه البعد المتعلق بدولة لليهود من بين تقسيم فلسطين إلى دولتين، يهودية وعربية؛ لأن بن غوريون لا يريد أن يعترف بالدولة الفلسطينية التي نص عليها القرار.
ولابد الاشارة الى ان الذين صاغوا قرار التقسيم كانوا يعلمون أن قرار التقسيم لم يُقصد منه حل «المشكلة»، لانهم ادركوا بخبث انه غير قابل للتنفيذ لو قبله الفلسطينيون والعرب، لأن إقامة دولة الكيان الصهيوني غير ممكنة ضمن ما نص عليه القرار، فدولة الكيان الصهيوني لا يمكن أن تقوم ضمن الـ56 في المئة من فلسطين لأن السكان العرب يعادل عدد سكانه من اليهود، أو أقل بواحد في المئة، وفيما ملكية الأرض التي بحوزة العرب في ذلك الجزء قد تزيد عن 90 في المئة بالإضافة الى باقي النشاطات والممتلكات الاقتصادية.
لذا ومن منطق الاستقواء بالمرحلة لا يمكن ان يَقبل قادة الهاغانا اليهودية، وهم يمتلكون القوة المسلحة مقابل الفلسطينيين العزل.. بقيام كيان فلسطيني موازي وانطلاقا من المعطيات على الارض ، نرى وبكل وضوح ان وظيفة قرار التقسيم رقم 181 إعطاء الغطاء «الشرعي» الدولي لإقامة دولة الكيان الصهيوني. أما الباقي فالقول الفصل فيه للحرب المضمونة النتائج بالنسبة إلى جيش الهاغانا، وذلك باقتلاع حوالي 900 ألف فلسطيني بالقوة والترهيب وارتكاب المجازر بهدف احلال اليهود مكان السكان العرب الاصليين، لذا لاحظنا أن اليهود ومن تتماهى معهم شرعوا برسم خريطة مؤقتة وجديدة لفلسطين ضمت 78% من فلسطين الانتدابية، والتي اعتبرت فيما بعد اساس لخطوط الهدنة عام 1948/1949. أما الباقي فقد تم احتلاله في حرب حزيران 1967.
تأسيساً لما سبق نرى : مصطلح دارج على لسان الناس يا ليتهم قسموا هو الكفر البواح)يخطئ من يزعم إن عدم موافقة الفلسطينيين والعرب على قرار التقسيم كان السبب في وقوع حرب 1948، وحدوث النكبة. فمسألة افتعال الحرب كانت جاهزة، وباعتقادنا ان موافقة الفلسطينيين والعرب على قرار التقسيم ستعطي للهجرة وللكيان الصهيوني شرعية مكتوبة .ونرى سياسيا ان بعض من زعماء ومنظري العرب أخطأوا في أوائل الخمسينيات؛ حين توهموا أن تنفيذ قرار التقسيم كان ممكناً لو وافق عليه الفلسطينيون والعرب، فحقيقة المشروع الصهيوني واضحة منذ انطلاقه، ولم ولن يوافق على تنفيذ أي قرار صدر عن المنظمة الدولية ومثال على صحة قولنا هو قرار (242) فبالرغم مما حظي به من اعتراف فوري عربي إلا أن إسرائيل تعتبره وهم لا يمكن تطبيقه بل اعتبرت ان انسحابها من غزة تطبيقا كاملا للقرار وانطلاقا من أن التجارب التاريخية أثبتت أن مسألة «شرعية» الكيان الصهيوني أو عدمها؛ مسألة في غاية الأهمية في الصراع، في الماضي والحاضر والمستقبل تضل قراءة قرار التقسيم ناقصة، عند الكثير من السياسيين والزعماء، لأن الموافقة الفلسطينية والعربية عليه ستكون بلا جدوى، لأن نكبة فلسطين كانت ستحصل لا محالة، بسبب طبيعة المشروع الصهيوني وأهدافه من جانب واختلاف موازين القوى فلسطينياً وعربياً ودولياً من جهة اخرى. ■