أعلنت إسرائيل عن قرب تشغيل مستحضر توثيقي إسرائيلي عبري على صفحات الإنترنت كمحرك بحث، وهو الويكي ميديا، سيُساعد الباحثين وطالبي المعرفة، هذا المستحضر ناتج عن عملية طويلة من جمع الوثائق والمستندات، من الأرشيفات من كل دول العالم، تبلغ مقتنياتُه خمسين مليون وثيقة، ومائتين وثمانين ألف صورة نادرة لفلسطين منذ عام 1900-1948 (يديعوت أحرونوت 23-11-2018)
إليكم هذه الإحصائية في اليوم التالي لإعلان التهدئة في غزة: "أطلقتْ غزة 400 صاروخ، تصدت منظومة القبة الحديدية لمائة وعشرين صاروخاً منها، عشرون صاروخاً أخرى سقطت في المناطق المأهولة، على المنازل، والمزارع، والطرق، عدد القتلى: قتيل واحد وعشرات الجرحى بجروح خفيفة، قال مسؤول في الجيش: القبة الحديدية لا توفر الحماية بنسبة 100%. تُعتبر منظومة الإنذارات وصافرات التحذير أكثر فعالية، أما التحدي الأكبر، فهو صاروخ الكورنيت Morter Shell بوزن 150-200 كيلو غرام له القدرة على اختراق الدروع، والانفجار على مرحلتين، تفصلهما فترة قصيرة، يصل مداه إلى 2,8 كم وهو قادر على تدمير المدرعات والمروحيات التي تحلق على ارتفاع منخفض، وإصابة عدد كبير من الجنود، الحل: إخلاء الساكنين في محيط الصاروخ". (صحيفة يديعوت أحرونوت، 13-11-2018م).
مرة أخرى أعود لطرح مسألة (الأرشيفات والإحصاءات) ودورها في حفز جهات الاختصاص على الابتكار والاستفادة من الأخطاء، وليس من قبيل المبالغة القول: إن أهم بواعث التقدم والتطور في عصرنا يعتمد في الأساس على أهمية الوثائق والإحصاءات في إدارة شؤون الأوطان، لمعرفة الفروق بين ما كان، وبين ما سيكون، أي أن المستقبل كله يعتمد على ذلك.
الأرشيف والإحصاءات كذلك مطلبٌ ضروري لمعرفة الرأي العام في كل وطنٍ، وهي كذلك أساسٌ لوضع الخطط المستقبلية بأسرها، في الشؤون الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، مضافاً إلى ذلك أثر هذه الوثائق في تسويق رواية مالكيها، وتأثيرهم في الرأي العام.
لماذا توقَّفتْ معظمُ دول العرب عن وضع استراتيجيات مستقبلية مبنية على الوثائق والإحصاءات؟ هل يعود السبب إلى أن معظم العرب عاجزون، يهربون من واقعهم ومستقبلهم إلى ماضيهم؟ أم يعود إلى أنهم غرقوا في مشاكل شعوبهم الحياتية؟ أم أن الإحصاءات والوثائق، بالنسبة لهم هي مؤامرة خطيرة على أنظمة حكمهم، فهي تكشف المخبوء، وتنكأ جراح إدارتهم لشؤون البلاد، قد تُفجِّر عليهم الثورات، لأنها ستُظهر بُؤس الوضع الراهن، ما يُسبب النقمة على الحكام؟!
إنَّ نشر الإحصاءات والوثائق أمرٌ ليس مرغوبا في الدول الهشَّة الضعيفة، لأنها ستكشف ضعف أحزاب السلطة مُقارنة بغيرها، وستكشف أيضا آراء وانطباعات المواطنين، غير الإيجابية عن هذه الأحزاب، لأجل ذلك فإن الإحصاءات والوثائق وما يتبعها من استطلاعات الرأي عدوٌ لدود للشعوب التي تعيش في ماضيها، وتعتمد على الغيبيات في إدارة شؤونها، وتسعى لتجهيل مواطنيها، لتتمكن من قيادتهم بسهولة.
أخيراً، بحثتُ عن إحصاءات لمعرفة عدد الأسر المتضررة في يوم القصف الإسرائيلي على غزة، 12-11-2018، أي حصيلة يومٍ واحدٍ فقط من القصف والتدمير، أعني، عدد أفراد الأسر التي فقدتْ منازلها، فلم أعثر إلا على إحصاء كمي بعدد المباني التي أسمتْها كثيرٌ من وسائل الإعلام الفلسطينية، (أبنية مستهدفة)!، كنتُ أود أن أجد إحصاء دقيقاً بمقدار الخسائر الفردية والإجمالية لمن فقدوا شُقق سكنهم، ومقتنيات بيوتهم، وألا نعتمد فقط على الجمعيات، وهيئات الدعم الخارجي لتنوب عنا في إحصاء خسائرنا، منتظرين دعمها!!
إنَّ الانتصار الحقيقي على الأعداء لا يُقاس فقط بحجم ردودنا على اعتداءاته وقت الحرب، بل إنَّ الانتصار الحقيقي هو كفاءتُنا في المحافظة على آليات تسيير الحياة، والاستفادة من تجاربنا السابقة، بإيراد الوثائق والإحصاءات، والإفراج عن الملفات، إن كانت هناك ملفات!! دائماً يتحقق الانتصار بقدرتنا على إدارة التعليم وقت الحرب، وتوفير الطعام، والكساء، وتوفير الملاجئ ومخازن الطعام، حتى تقديم الدعم النفسي للأطفال أثناء العدوان، هذه هي الركائز الرئيسة للانتصارات.