إنهاء الانقسام.. أم مصالحة أساسها المحاصصة؟!
2018-11-22
■ فجأة، أحدث صمود قطاع غزة، ومقاومته، في وجه العدوان الإسرائيلي، انقلابا في الأجواء السياسية.
• أزمة سياسية في إسرائيل وضعت حكومة نتنياهو على حافة الانهيار.
• إجماع فلسطيني على وقف إطلاق النار، وعلى التهدئة، خلافاً لما كان قد صرح به بعض الأطراف الفلسطينية.
•سحب الاتهام لحماس بالاشتراك في مؤامرة ثلاثية، أميركية ــــ إسرائيلية ــــ حمساوية، ضد المشروع الوطني، وفي إطار صفقة العصر.
• الاعتذار من القطاع، بنفي وجود عقوبات بحق أبنائه، والادعاء أن القضية كلها خلل فني (لم تتم معالجته منذ أيار (مايو) 2017 حتى الآن (!).
• تحميل إسرائيل مسؤولية التفجير وتعطيل التهدئة (سابقاً كانت التهدئة الخطوة الثالثة في تطبيق صفقة العصر).
• دفاع مسؤولين في فتح (عريقات ــــ عزام الأحمد) عن حماس ضد تصريحات لمسؤولين أميركيين.
عودة إلى الحديث عن ضرورة استئناف العمل على تطبيق تفاهمات 12/10 و22/11/2017 بالرعاية المصرية.
هذا جيد. وهذا كله بسبب من صمود القطاع، والمقاومة، والدور المصري (الحميد)، من شأنه أن يخدم الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، ويعيد تصويب الاهتمام نحو الاتجاه الصحيح: الاحتلال وصفقة العصر. والعمل الجاد لإنهاء الانقسام.
* * *
ليست هي المرة الأولى التي تصل فيها العلاقات بين فتح وحماس إلى ذروة الانفجار، ثم تتدخل عوامل سياسية ووساطات إقليمية للعودة إلى المكان الصحيح: العمل على رسم تفاهمات وآلية لإنهاء الانقسام. ثم بعد فترة تفشل الرهانات والوساطات، وينتصر خط الانقسام، وتعود الأوضاع إلى سابق عهدها:
ــــ إقليمان منفصلان، الضفة من جهة، والقطاع من جهة أخرى.
ــــ سلطتان (الأولى شرعية والثانية سلطة أمر واقع) تحتربان إعلامياً، وتتبادلان الاعتقالات السياسية لأنصارهما، وعلى الدوام باتهامات جنائية، يتبين بعدها أن الأمر ليس إلا مناكفة، وضغط و ضغط معاكس.
ــــ أضرار تصيب الحالة الفلسطينية. الضفة تحت تنكيل الاحتلال والقطاع، تحت وطأة الحصار والحروب العدوانية التي لا تتوقف.
وفي كل مرة تفشل فيها جولة من الحوار، أو العمل على تطبيق تفاهمات إنهاء الانقسام، يتبادل الطرفان الاتهامات من يتحمل مسؤولية الفشل. علماً أن التجارب تؤكد أن الطرفين، وبنسب متفاوتة، يتحملان مسؤولية الفشل.
فليس خافياً أن لدى الطرفين تياراً انقساميا، لا يريد إنهاء الانقسام، ويغلب مصالحة الفئوية والذاتية على حساب المصالح الوطنية.
وليس خافياً أن لدى الطرفين فئات راكمت، في ظل الانقسام، مكاسب، ومصالح، ومواقع نفوذ، من شأن الانقسام أن يقطع طريقها، وأن يعيد الأمور إلى «طبيعتها». لكن، ما نعتقد أنه يجب مناقشته في هذا الصدد هو التالي:
في كل مرة يجلس الطرفان إلى طاولة التفاهم، ليطرح كل منهما ما يريده هو قلب الصفحة. حماس تطرح مطالبها، وفي المقدمة حل قضية حوالي 45 ألف موظف مازالت السلطة ترفض اعتمادهم على ملاكاتها. إلى جانب قضايا أخرى. بينما تطرح فتح ما بات يسمى «تمكين السلطة». وهو تعبير واسع جداً، لا حدود لتفسيره، بما في ذلك ما فسره رئيس السلطة محمود عباس حين اشترط أن «تسلمه حماس القطاع من الباب للمحراب». ولجأ إلى عبارة يتداولها التجار في النقاش حول الصفقات التجارية: «يا بنشيل، يا أنت بتشيل»، أي لا مجال للمساومة كما شرح الأمر مرة أخرى «سلطة واحدة – قانون واحد- بندقية واحدة» ومرة ثالثة : نستعيد غزة، فوق الأرض، وتحت الأرض.
شروط حماس رفضتها فتح، وشروط فتح رفضتها حماس وعلى هذا الأساس تعطلت تفاهمات 12/10 و22/11/2017. بتقديرنا أن السبب يكمن في أن الطرفين لا يعملان على إنهاء الانقسام. بل يعملان على ما سمي «المصالحة». إنهاء الانقسام تعبير سياسي ينهي الانقسام في الحالة الوطنية، ويستعيد الوحدة الداخلية، أما المصالحة، فهي مصالحة بين طرفين، تقوم على المحاصصة. وكل الحوار الذي أداره الطرفان، دار حول المحاصصة، أي اقتسام قطاع غزة. لذلك صرح بعض قادة حماس مرة أن المصالحة تفترض أن يكون لحماس في الضفة حصة في إدارة الشأن العام، كما يكون لفتح حصة في القطاع في إدارة الشأن العام.
* * *
المحاصصة هي القاعدة التي بنى الطرفان علاقتهما على أساسها. والدليل على ذلك أنه عندما شكلت حماس حكومتها الأولى بنتها على الاستفراد. وعندما شكلت بالانتخاب رئاسة المجلس التشريعي ومكتب الرئاسة، شكلتها على الاستفراد. واستبعدت فتح من أية حصة. لذلك فشلت حكومة هنية الأولى في إدارة الشأن العام، واشتكت أن فتح تعطل دورها، مستندة إلى نفوذها في الوزارات والإدارات والأجهزة الأمنية. كما تعطلت أعمال المجلس التشريعي، في ظل مناكفة كتلتي فتح وحماس، واللتين بإمكان كل منهما أن يعطل الجلسات بالغياب وتعطيل النصاب.
الحكومة الثانية تشكلت برئاسة هنية بعد حوار وطني بين غزة ورام الله انتهى بإصدار وثيقة الوفاق الوطني في 26/6/2006، لكن فتح وحماس تجاوزتا الوثيقة وذهبتا معاً إلى «المحاصصة». رئاسة الحكومة لحماس، ونائب رئيس الحكومة من فتح (عزام الأحمد). وبين الاثنتين توزعت الوزارات، وتعيينات وظائف الدرجة الأولى والثانية وغيرها. حماس ترى أنها الأكثرية، وأن من حقها أن يكون لها الحصة الوازنة، تماماً كما كانت فتح تستولي على الحصص الكبرى يوم كانت هي الأكثرية أما فتح فترى أنها الحزب الأكبر و«صاحبة الطلقة الأولى» والتي «تحملت مسؤولية اتفاق أوسلو وإقامة السلطة الفلسطينية» وأن خسارتها للانتخابات سببها أخطاء إدارية ارتكبتها فتح وخلل في الأداء. وأنها مازالت هي الأكثرية وأن الموقع الذي تحتله حماس الآن، هو موقع مغتصب يجب أن يعود لفتح.
هذا يؤكد أن «المحاصصة» ما هي إلا شكل من أشكال الانقسام، كل طرف فيها ينظر إلى حصة الآخر على أنها أقل مما يستحق. لذلك تبنى «المصالحة» على قاعدة الانقسام، باعتبارها هدنة مؤقتة، سوف تعود الأوضاع بعدها للانفجار وهذا ما حصل مع حكومة هنية الثانية، ومع كل الاتفاقات والتفاهمات، أبرزها تفاهمات نيسان (إبريل) 2014 التي انتهت بحكومة «الوفاق الوطني»، وتفاهمات 12/10/2017 التي فجرتها عبوة غامضة زرعت في طريق موكب رئيس حكومة السلطة عند عبوره إلى القطاع.
المطلوب إنهاء الانقسام في الحالة الفلسطينية، وليس مصالحة تؤسس لمحاصصة تؤسس بدورها لجولة صراع جديدة، تبقي الحالة الفلسطينية ضحية الصراع بين الطرفين.
إذن المطلوب إنهاء الانقسام ولا يستقيم هذا إلا باعتماد مبدأ «الشراكة الوطنية».
لذلك على الطرفين (معاً) أن يتخليا عن نغمة أنهما الفصيلان الأكبر في الساحة الفلسطينية، وأن يغادرا سياسة الاستئثار والتفرد. وأن يعتمدا مبدأ «الشراكة الوطنية» في العلاقات الوطنية. وهو المبدأ الذي بإمكانه أن يؤسس لعلاقات وطنية داخلية، لحركة وطنية تقاوم الاحتلال. في ظل برنامج سياسي موحد، وآليات نضال عبر المؤسسات الوطنية. والباب الواسع للوصول إلى مبدأ الشراكة الوطنية هو في الانتخابات الديمقراطية والشفافة للمؤسسات الوطنية(في السلطة وفي م.ت.ف) وفق نظام التمثيل النسبي الكامل واحترام دور المؤسسات وصلاحياتها. والتقيد بقراراتها والتزام البرنامج الوطني وأساليب النضال.
«شراكة وطنية»، على قاعدة «شركاء في النضال والتضحيات .. شركاء في الدم.. شركاء في القرار».
وهذا ما يفترض أن يضع خطته وآلية تطبيقها الإطار القيادي الأعلى.. هيئة تفعيل وتطوير م.ت.ف».■