من نافل القول إن رد المقاومة الفلسطينية القوي والجماعي والمنسق على العدوان الصهيوني على قطاع غزة هو السبب الأساسي في استقالة وزير الحرب الإسرائيلي وانسحاب كتلة حزبه البرلمانية من الائتلاف الحكومي. وقد جعلت هذه الاستقالة مسألة حل الكنيست وإجراء انتخابات مبكرة تطفو على السطح مجددا.
ومع أن رئيس الحكومة،نتنياهو،بحسب المقربين منه،لا يعتزم التوجه إلى الانتخابات المبكرة، إلا أن المحللين يرجحون تبكير الانتخابات لصعوبة الحفاظ على الائتلاف الحكومي الضيق، بعد انسحاب حزب ليبرمان«إسرائيل بيتنا»،وتهديدات«البيت اليهودي»،الذي يشترط لبقائه في الائتلاف وراثة منصب ليبرمان.
المهم، أنه في جميع الاحتمالات، ستتوالى ردات الفعل الإسرائيلية الداخلية على ما وقع في غزة،وستظهر تداعيات أخرى للفشل الذي أصاب المؤسستين السياسية والأمنية في إسرائيل، ولن تكون استقالة وزير الحرب ليبرمان سوى تعبير أولي عن هذا الفشل.
أجمع مراقبون على أن ليبرمان أطلق حملته الانتخابية في المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه استقالته، ودعا في الوقت نفسه إلى انتخابات مبكرة. ويأمل ليبرمان من وراء تقديم استقالته أن تغير من خريطة تأييد الجمهور الإسرائيلي للأحزاب الصهيونية القائمة، ويرتفع رصيد حزبه لدى الناخب الإسرائيلي على أبواب انتخابات الكنيست المتوقعة. وسيكون النقد الحاد لأداء نتنياهو الأمني محور حملة ليبرمان الانتخابية، مقابل تظهير موقفه الرافض للتهدئة، وتفضيله الخيار العسكري ضد قطاع غزة.
يقبع حزب ليبرمان في قاع قائمة الأحزاب ضمن استطلاعات الرأي، ولم«يستفد» من التصريحات المتطرفة التي يطلقها مرارأ رئيسه بحق الشعب الفلسطيني في القطاع وغيره. لكنه في هذه المرة يستند إلى حالة جديدة تعيشها أطراف الائتلاف الحكومي في ظل تبادل الاتهامات فيما بينها حول مسؤولية فشل عملية التسلل الإسرائيلية داخل قطاع غزة. وباعتباره وزيراً للحرب وكان ممن أعطوا الضوء الأخضر لتنفيذ العملية، حاول أن يهرب إلى الأمام بالاتكاء على موقفه الدائم برفض التهدئة كي يبرىء ساحته. ومع ذلك، يرى الكثير من المراقبين أن ليبرمان لن يستطيع أن يتحول إلى الخيار الأفضل لدى الناخب الإسرائيلي لأسباب كثيرة من بينها أنه على رأس حزب ضعيف ولا يستطيع بشخصيته الإشكالية أن يشكل ائتلافا حزبيأ ينافس حزب الليكود وحلفائه. كما أنه في كثير من المحطات وضع نتنياهو على دريئة النقد الحاد ليعود من جديد وزيراً في حكومة برئاسة من صب جام نقده عليه.
ويرى كثيرون أن نتنياهو لن يبادر بالذهاب إلى الانتخابات المبكرة ، وهذا موقف طبيعي في ظل تداعيات ماوقع في غزة والمرشحة للتصاعد لجهة تحميله شخصياً مسؤولية الفشل العسكري والأمني الإسرائيلي، وفي ظل اتهامه بالتراجع أمام المقاومة الفلسطينية، والرد«الباهت»على الرشقات الصاروخية القوية التي أطلقتها رجال المقاومة من قطاع غزة.
في المقابل، هناك عوامل أخرى قد تجبر نتنياهو على حل الكنيست، والتوجه نحو انتخابات مبكرة، من بينها تنفيذ كتلة «البيت اليهودي» تهديدها، بأنه في حال استقالة ليبرمان فإن حقيبة وزارة الحرب يجب أن تؤول إلى رئيس الحزب، نفتالي بينيت، كشرط للبقاء في الائتلاف الحكومي. وسيكون الأمر صعباً على نتنياهو في حال قرر هو تولي هذه الحقيبة. وضمن هذه المعادلة، لن يستطيع نتنياهو التحكم في تبكير الانتخابات من عدمه، وسيتعلق الأمر بالتطورات في مواقف شركائه في الائتلاف وخاصة حزب «البيت اليهودي».
ولهذ السبب، تتوقع أساط سياسية متعددة في إسرائيل أن يلجأ نتنياهو إلى خلط الأوراق من خلال عدوان إسرائيلي جديد على قطاع غزة، للحد من تفاقم تداعيات الفشل أمام المقاومة الفلسطينية، ومحاولة وطرح شروط جديدة للتهدئة تتعلق بسلاح المقاومة وبخاصة الصواريخ بهدف امتصاص غضب سكان مستوطنات غلاف غزة الذين وصلتهم صواريخ المقاومة، مع أن الشروط الإقليمية والدولية لا تسمح لنتنياهو بالتمادي في هذا الخيار، إضافة إلى تحذيرات الأجهزة الأمنية ،التي ازدادت توقعاتها «السيئة» بعد الصفعة القوية التي وجهتها المقاومة الفلسطينية إلى جيش الاحتلال.
ومع ذلك،سيجعل نتنياهو من الطريق مابين اتفاق وقف إطلاق النار الأخير وبين التهدئة شائكاٌ، وتحدثت مصادر إعلامية متعددة عن مسعى إسرائيلي لوضع الاتفاق أمام تفسيرات احتلالية خاصة، من بينها النظر إلى وجود أية أنفاق أو اكتشاف أحدها بأنه خرق للاتفاق يسمح لجيش الاحتلال بالرد الذي «يناسبه». وسبق لنتنياهو أن استخدم هذه المسألة لشحن الرأي العام الإسرائيلي باستمرار الخطر الوجودي على تل أبيب من جراء الأنفاق، وحاول التغطية على الفشل في تحقيق أهداف عدوان العام 2014 بالحديث عن عدد الأنفاق التي دمرها جيش الاحتلال.
لكن السؤال الذي يدور في الأوساط السياسية والحزبية الإسرائيلية اليوم لايتعلق بقدرة نتنياهو على المناورة في المواقف الصعبة التي تواجهه، بل في حجم تداعيات الفشل الإسرائيلي في قطاع غزة، وعما إذا كان حجم هذه التداعيات يفوق قدرة نتنياهو على المناورة ، خاصة إذا انقلب عليه شركاؤه في الائتلاف بالتزامن مع انقلاب مواز في صفوف قيادة «الليكود»، وربما تدخل على خط المنافسة شخصيات أمنية وعسكرية سابقة كانت لها حظوظ مرتفعة في استطلاعات الرأي التي جرت خلال الشهرين الماضيين.
بالمقابل، يتحدث المراقبون عن وحدة الميدان التي تبدت بين صفوف الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية، والتي ساهمت في تلقين العدو درساً قاسياً. ويتساءل المراقبون هنا عن حجم الانتصار الفلسطيني الذي كان ليتعاظم لولا وجود الانقسام، وعن مدى تثمير هذا الإنجاز لو ترافق مع جهد سياسي ودبلوماسي موحد على المستوين الإقليمي والدولي، لجهة إعادة تقديم الملفات المطروحة حول التهدئة ووقف إطلاق النار وغيرها من زاوية تظهير واقع الاحتلال وسياساته التوسعية والعدوانية، مقابل الوضع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال، وبالتالي تظهير حقه في المقاومة من أجل استرداد حقوقه في العودة والاستقلال.
وفي ظل ما وقع في غزة، تتجدد دعوة القيادة الرسمية الفلسطينية إلى رفع العقوبات فوراً عن القطاع، والقيام بخطوات على الصعيد الدولي بتقديم شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن الدولي ضد حكومة الاحتلال، والشروع فوراً في تطبيق قرارات المجلسين المركزي والوطني، خاصة وقف التنسيق مع الاحتلال وفك الارتباط بالاقتصاد الاسرائيلي، وسحب الاعتراف بدولة إسرائيل.