• المرأة التي كرست نفسها لإنقاذ الأرواح تفقد روحها في غزة
    2018-06-05

    خزاعة، قطاع غزة - لقد أصبحت عنصراً أساسياً في الاحتجاجات الأسبوعية على طول السياج الذي يفصل قطاع غزة عن إسرائيل، وهي امرأة شابة في زي إسعافي أبيض تهرع إلى طريق الأذى للمساعدة في علاج الجرحى.
    كمتطوعة للحالات الطبية الطارئة، قالت إنها تريد أن تثبت أن المرأة لها دور تلعبه في المجتمع الفلسطيني المحافظ في غزة.
    هذا ما قالته رزان النجار، 20 عاماً، في مقابلة في أحد معسكرات الاحتجاج في غزة الشهر الماضي: «إن كونك مساعداً طبياً لا يقتصر على الرجال، إنها للنساء أيضًا.»
    قبل ساعة من الغسق يوم الجمعة، الأسبوع العاشر من الحملة الاحتجاجية الفلسطينية، تقدمت إلى الأمام لمساعدة متظاهر للمرة الأخيرة.
    وقد أطلق الجنود الإسرائيليون رصاصتين أو ثلاث من جميع أنحاء السياج، وفقا لما ذكره أحد الشهود، حيث أصاب الآنسة نجار في الجزء العلوي من الجسم، ثم أعلنت وفاتها بعد قليل.
    كانت الآنسة نجار الضحية الفلسطينية رقم 119، من الذين قتلوا منذ بدء الاحتجاجات في مارس، وفقا لمسؤولي الصحة في غزة. وكان اسمها هو القيد الوحيد المسجل يوم الجمعة.
    وفي يوم السبت، أصدرت مجموعة من وكالات الأمم المتحدة بيانا أعربت فيه عن غضبها إزاء مقتل «موظف طبي معروف بشكل واضح»، ووصفته بأنه «مستهجن للغاية».
    ولم يقدم الجيش الاسرائيلي اي تفسير لإطلاق النار، لكنه قال يوم السبت انه سيتم بحث القضية.
    وقال الجيش إنه «حذر المدنيين مرارا من الاقتراب من السياج والمشاركة في حوادث العنف والهجمات الإرهابية وسيواصل التصرف بشكل مهني وحازم لحماية المدنيين الإسرائيليين والبنية التحتية الأمنية الإسرائيلية».
    أسابيع الاحتجاجات، التي تسمى مسيرة العودة الكبرى، تم تنظيمها إلى حد كبير من قبل حماس، الجماعة الإسلامية المسلحة التي تحكم غزة. وهي تهدف إلى لفت الانتباه إلى الحصار الذي فرضته إسرائيل ومصر منذ 11 عاما على الأراضي الساحلية والضغط على مطالبات اللاجئين بالأراضي التي فقدت مع قيام إسرائيل في عام 1948.
    وقد سقط معظم الضحايا خلال الاحتجاجات، على يد قناصة إسرائيليين، نصفهم في يوم واحد، وهو يوم 14 أيار، ذروة الحملة. كما أن جماعات حقوق الإنسان اتهمت إسرائيل باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين غير المسلحين غالباً.
    وقد فشل قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يدين إسرائيل لاستخدامها «القوة المفرطة وغير المتناسبة والعشوائية» ضد الفلسطينيين، يوم الجمعة، عندما تم نقضه من قبل الولايات المتحدة.
    وانفجر الصراع، ليوم واحد من القتال، عبر الحدود، يوم الثلاثاء، عندما أطلق مسلحون اسلاميون في غزة عشرات من قذائف الهاون وصواريخ قصيرة المدى على جنوب اسرائيل. وقامت الطائرات الإسرائيلية بقصف ما لا يقل عن 65 موقعًا عسكريًا في أنحاء غزة.
    وفي يوم الجمعة، استؤنفت الاحتجاجات، التي شارك فيها آلاف الفلسطينيين في ما وصفه الجيش الإسرائيلي بأعمال شغب عنيفة في خمسة مواقع على طول السياج الأمني، حيث قاموا بإحراق الإطارات وإلقاء الحجارة. وقال الجيش انه تم اطلاق النار على مركبة تابعة للجيش الاسرائيلي وزرع فلسطينيون قنبلة انفجرت على الجانب الاسرائيلي من السياج.
    كان هذا هو المشهد الذي اقتحمته الآنسة نجار في معطفها الأبيض لتميل إلى رجل مسن أصيب في رأسه بواسطة عبوة غاز مسيل للدموع، حسب قول الشاهد، إبراهيم النجار، 30 عاماً، وهو أحد أقارب الآنسة النجار.
    ووفق شهود عيان آخرين وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، قدموا إفادة مختلفة، حيث قالوا أن الآنسة النجار ومعها مسعفين آخرين كانوا يرفعون أذرعهم أثناء توجههم الى السياج لإجلاء المتظاهرين المصابين، حين تم إطلاق النار على صدرها.
    يذكر أن الشهيدة النجار من سكان قرية خزاعة، وهي قرية زراعية تقع بالقرب من الحدود مع إسرائيل، شرق خان يونس في جنوب قطاع غزة. ووالدها، أشرف النجار، كان لديه متجر بيع قطع غيار للدراجات النارية، والذي دمر أثناء غارة جوية إسرائيلية خلال حرب 2014 بين إسرائيل والجماعة المسلحة. ومنذ ذلك الحين وهو عاطل عن العمل.
     الآنسة النجار هي البنت البكر لعائلة النجار يليها خمسة من الأخوة والأخوات. وهي لم تحصل على مجموع كافي في الثانوية العامة يؤهلها للالتحاق بالجامعة، لذلك قامت بالالتحاق بالتدريب كمساعدة طبية لمدة عامين في مستشفى ناصر في خان يونس وأصبحت متطوعة في جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية، وهي منظمة صحية غير حكومية.
    وقال اشرف النجار والد الآنسة النجار، 44 عاما، إن ابنته استيقظت قبل فجر الجمعة لتناول الطعام والصلاة قبل البدء بصيام رمضان اليومي من وقت شروق الشمس إلى غروبها. فكانت تلك هي آخر مرة رآها فيها.
    عندما التقينا بها الشهر الماضي في مخيم العودة في خان يونس، قالت إن والدها فخور بما تفعله.
    ومما قالته الآنسة النجار: «ليس لدينا سوى هدف واحد، وهو إنقاذ الأروح وإجلاء المصابين. وإرسال رسالة إلى العالم: بدون أسلحة، يمكننا فعل أي شيء».
    وأفاد ابراهيم النجار أن الآنسة رزان النجار يوم الجمعة كانت على مسافة أقل من 100 متر من السياج، عندما كانت تسعف أحد المصابين، الذي ضربته عبوة غاز مسيل للدموع. تم نقل المصاب في سيارة إسعاف، وذهب مسعفون آخرون إلى الآنسة نجار، التي كانت تعاني من آثار الغاز المسيل للدموع.
    ثم تم إطلاق النار عليها و سقطت على الأرض، فقام إبراهيم النجار بمساعدة أثنين آخرين بحملها ومرافقتها الى سيارة الإسعاف، قائلاً: «رزان لم تكن تطلق النار، رزان كانت تنقذ الأرواح وتعالج الجرحى».
    وقد وصلت الشهيدة النجار إلى المستشفى الميداني في حالة خطيرة، حسب قول مدير المستشفى الدكتور صلاح الرنتيسي. ثم نُقلت إلى مستشفى غزة الأوروبي في خان يونس، وتوفيت في غرفة العمليات.
    وفي مقابلة بالفيديو أجريت يوم السبت، ظهرت والدة الآنسة النجار وهي تحمل سترة ابنتها الملطخة بالدماء وقالت: «هذا هو سلاح ابنتي الذي كانت تقاتل فيه الصهاينة». ثم ما لبثت أن أخرجت اثنتين من لفات الضماد غير المفتوحة وقالت: «هذه كانت ذخيرتها».
    كانت الآنسة نجار من أوائل المتطوعين الطبيين في مخيم خان يونس للاحتجاج، وقد استمتعت بشكل خاص بالفكرة القائلة بأن المرأة تستطيع القيام بهذا العمل. ومما قالته: «في مجتمعنا غالباً ما يتم الحكم على النساء، لكن المجتمع يجب أن يقبل بنا. وإذا لم يرغبوا في قبولنا باختيارهم، فسوف يضطرون إلى قبولنا لأننا نمتلك قوة أكبر من أي رجل. القوة التي أظهرتها في اليوم الأول من الاحتجاجات، أتحداك أن تجدها في أي شخص آخر».

    * اياد ابوهويلة من خزاعة- قطاع غزة، وإيزابيل كيرشنر من القدس.
    ** إبراهيم مطلق مترجم في دائرة الإعلام والتوثيق في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين


    http://www.alhourriah.ps/article/50777