قانون حماية الأسرة من العنف على نار ساخنة
2018-02-19
يجلس "قانون حماية الأسرة من العنف" على نار ساخنة، نقاشات مُعَمَّقة في لجنة التشريعات العادلة ولجنة المواءمة. الحكومة تُسرِّع في خطواتها نحو إصداره بمناسبة يوم الثامن من آذار، يوم المرأة العالمي، هدية للمرأة في يومها، تحت ضغط الواقع المتدهور باتجاه ارتفاع معدلات العنف الأسري، ضغط الحركة النسائية والمدافعات والمدافعين عن حقوق المرأة، إظهار النوايا الصادقة اتجاه عملية مواءمة القوانين وتسليك الطرق الوعرة، استحقاق والتزام على السلطة التنفيذية اتجاه انضمامها المشهود، بلا تحفظات، على "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة". تخصيص حماية الأسرة بقانون منفرد وخاص، اعتراف صريح من قبل الأطراف الرسمية الفاعلة بأن العنف الأسري هو الأخطر والأكثر ممارسة وشيوعاً في المجتمع، بسبب "التابويات" المُشهرة بوجه كشف النقاب عن تفاصيله باعتباره تدخلاً في الأملاك الخاصة، وانتهاك حرمتها، لذلك لطالما أحيط العنف الأسري بالصمت كونه يأتي من المكان الذي يُفْتَرَض به تأمين الحماية والأمان لأفراده، ضمن علاقات القوّة المختلة لصالح الفكر الأبوي والنمطي. في كل الأحوال، الاهتمام بتخصيص قانون لحماية الأسرة من العنف ليس بجديد، بل يعود إلى أعوام سابقة للحراك الأخير، لدى مبادرة "مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي" إلى طرح فكرة القانون في العام 2005 بالتزامن مع حراك عربي موازي بذات الوجهة، ضم الأردن ومصر ولبنان وفلسطين. ومن ثم تتالت المبادرات في إطار تحالفات عدة: قيام وزارة المرأة ومنتدى مناهضة العنف ضد المرأة ومؤسسات المجتمع المدني بتبني الفكرة وتقديم مسودة قانون في إطار مؤتمر عقد عام 2008، نَسَّبَتْه اللجنة المشكلة من وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة شؤون المرأة إلى مجلس الوزراء في العام 2012، الذي قام بدوره بنقاشها مع مؤسسات العمل الأهلي وأصحاب الاختصاص ضمن اجتماع المشاورات الوطنية في حزيران 2016. إذن، نحن أمام قانون مهم تعاقبت عليه مسودات مختلفة لا تشي بأهميته فقط، بل تنطوي على التجاذبات الدائرة بين العناوين المختلفة ذات المصلحة في محتوى القانون، من عيار الخلاف الفكري والثقافي دون التقليل من التجاذبات المشوبة بالاعتبارات التنافسية المعروفة. نحن أمام قانون تنتظره النساء وتعوّل عليه الكثير، للتصدي لآفة خطيرة تعاني منها الأسرة الفلسطينية، ومعالجة وتغيير الواقع بوضوح ضمن موقف ورؤية جذريّة تستند إلى مؤشرات الواقع، بعيداً عن فكرة التدرج أو تقسيط الحقوق، فالقانون خُلق ليستقر في الواقع مدة من الزمن تمكِّن من اختباره والتأكد من تحوله إلى سلوك، قبل أن يُفتح مجدداً للتعديل. من هنا لا بد للقانون المنتظر من الابتعاد عن أنصاف الحلول وضبابية البنود، التدقيق في الهدف والوظيفة والرسالة، ضمن المعايير الدولية بما تمثله من قيمة حضارية وحقوقية، قانون يختص بالموضوع والمعنى والأفراد، توجيهي وعقابي وتأهيلي ورادع. وأداة قياس مضامينه مسطرة إعلان القضاء على العنف ضد المرأة واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة. قانون سينوب عن تعطُّل قوانين أخرى بذريعة الانقسام واحتياجات توفير التوافق المجتمعي، قانون العقوبات كَمِثال. الحركة النسائية تبنت واستعجلت صدور القانون بسبب الإشكاليات التي يولِّدها الفراغ القانوني، العنف والمزيد منه القائم أصلاً على تطورات البيئة والسياق. لكن الحركة النسائية مع أول الغيث القانوني، لا تستعجل الصدور عن طريق طبخة "مسلوقة"، منزوعة الدسم. الحركة النسائية ترى وتؤكد التروّي بالمعنى الإيجابي للكلمة التي تحمل في معناها الحذر من التَسَرُّع وليس التباطؤ والتأخر، ارتباطاً بإرادة الصدور الكامل والمتكامل، وفقاً لوظيفته الحسّاسة واحتياجاته الملحة. نحن أمام صدور القانون الأول ضمن مسار وخيار المواءمة، وعلى منطلقاته وأخذه بالخيار الجذري ومعاييره، يعتمد مآلات قوانين أخرى ذات صلة بالثقافة السائدة. صدور قانون حماية الأسرة من العنف مقدمة وتوطئة تحمل مؤشرات ومعايير ستنطبق على قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات، لجهة رجحان كفة العدالة والمساواة على كفة علاقات القوة والقهر والظلم والقوة والانحياز الثقافي، أو العكس. سيحسم القانون إرادة السلطة في موقفها من قرار المحكمة الدستورية بخصوص سموّ الانضمام للمواثيق الدولية على المحلية أو العكس، عدم الوضوح والحسم لجهة الانتماء إلى المنظومة الحقوقية، أو مترددة ومتذبذبة، تتبنى خطاباً حمَّال أوجه.
http://www.alhourriah.ps/article/48908