عن السياحة السياسية وقرارات المجلس المركزي
2018-02-16
من سوء حظ القيادة الرسمية الفلسطينية، أن حادثة إسقاط الطائرة الحربية الإسرائيلية، أثناء عدوانها على سوريا، غطت بأنبائها، وانشغال العالم بها، على زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى العاصمة الروسية، موسكو. وبدلاً من أن يتواصل بوتين، ونتنياهو، للتداول بنتائج زيارة عباس، تداولا مطولاً بالحادثة وكيفية إطفاء نيرانها حتى لا تمتد في المكان والزمان. ومن سوء حظ القيادة الرسمية الفلسطينية، التي مازالت رهاناتها السياسية على ما هي عليه، أن موقف موسكو لم يحمل جديداً، فهو موقف كان قد عبر عنه بوتين ولافروف وبوغدانوف أكثر من مرة، إن في الصحافة، أو في الإعلام، أو في اللقاءات مع القيادات الفلسطينية، ومنها اللقاءات مع الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين نايف حواتمة, وملخص الموقف الروسي أن موسكو لا تستطيع أن تحل محل الولايات المتحدة في رعاية العملية التفاوضية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. فموسكو، تدرك جيداً موازين القوى الدولية والإقليمية، وتدرك جيداً من هي الجهة الدولية التي بإمكانها أن تضغط على إسرائيل لإلزامها، بدرجات نسبية، احترام الاتفاقات الموقعة والعمل بوجبها. ولعل ما جرى في موسكو، هو نفسه ما جرى في بروكسل. حين أكد الأوروبيون لرئيس السلطة الفلسطينية أن أوروبا، بقضها وقضيضها، لا تستطيع أن تحل محل الولايات المتحدة في رعاية العملية التفاوضية. ليس هذا فحسب. بل قدموا «النصائح» إلى الجانب الفلسطيني المفاوض، «بعدم التصعيد» ضد واشنطن، وضد إدارة ترامب، وضرورة «حفظ خط الرجعة» إلى الولايات المتحدة، لأن الإدارة الأميركية هي وحدها من سيقدم مشروعه للحل في المنطقة، وهو حل لن تستطيع أوروبا أن تعطله، وإن كانت ستحاول أن تحسن من بعض جوانبه، بما يحفظ للقيادة الفلسطينية ماء الوجه. كما «نصحوا» بعدم قطع الصلة مع أوسلو، ومع مشروع «حل الدولتين» الأميركي. وكان واضحاً أن القيادة الفلسطينية الرسمية، وأن عدداً من أعضاء اللجنة التنفيذية في م.ت.ف، ممن يستلهمون مواقفهم من أجواء «المقاطعة» ومطبخها السياسي، أخذوا «بالنصيحة» الأوروبية. هم ليسوا ضد الولايات المتحدة. لكنهم ضد أن تكون هي وحدها الراعي للعملية التفاوضية لذلك يقترحون «صيغة دولية» بديلة، شبيهة، بصيغة المفاوضات الخاصة بالملف النووي الإيراني أي صيغة (5+1). والمقترح الآن هي صيغة (أربعة + واحد) أي اللجنة الرباعية، التي باتت في ذمة التاريخ، والتي كان تاريخها على الدوام رضوخاً للجانب الأميركي، بل وتفويضاً للجانب الأميركي، والتي شكلت غطاء للسياسة الإسرائيلية. منها إنصبت الإنتقادات على الحالة الفلسطينية في زمن الرئيس الراحل ياسر عرفات. وهي التي غطت على السياسات الإسرائيلية: تغول الإستيطان، تهويد القدس، الحروب العدوانية على غزة، الإعتقالات الجماعية .. هذه اللجنة هي الآن المرشحة من قبل القيادة الفلسطينية الرسمية، تضاف لها الصين، على سبيل المثال، لتكون هي «الفريق الدولي» المشرف على العملية التفاوضية والراعي لها. * * * كل هذا من شأنه أن يثير لدينا مسألتين. المسألة الأولى: هي مسألة السياحة السياسية التي أصبحت هي الإستراتيجية النافرة للقيادة الرسمية الفلسطينية، في «الرد» على قرارات ترامب منذ أن إتخذها، بشأن القدس، في 6/12/2017. من النتائج السلبية لهذه السياحة السياسية أن تشكل ــــ وهي فعلاً كذلك ــــ تهرباً من إنعقاد الهيئات المسؤولة، لتوفير ردود وطنية تستجيب لمستوى القضية وخطورتها: قضية القدس والإعتراف بها عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة الولايات المتحدة إليها. وقضية اللاجئين وشطب حق العودة من خلال العمل على تجفيف الموارد المالية لوكالة الأونروا. منذ قرار ترامب، إجتمعت اللجنة التنفيذية، حتى الآن، مرة واحدة. وأصدرت بياناً إلتّفت فيه القيادة الفلسطينية على قرارات المجلس المركزي وأفرغتها من مضمونها. ومنذ قرار ترامب، إجتمع المجلس المركزي مرة واحدة، أصدر بياناً، أحاله إلى اللجنة التنفيذية للعمل بموجبه، وتخلى عن مسؤولياته في إتخاذ بعض القرارات السياسية المنوطة به، كمسألة الإعتراف بإسرائيل، وفك الإرتباط بأوسلو. ومع ذلك مازالت قراراته حبراً على ورق. لا اللجنة التنفيذية سمح لها رئيسها أن تتخذ قراراً تنفيذياً واحداً تلبية لقرارات المجلس المركزي. ولا بيانها إستجاب لنداءات المجلس المركزي. أما «اللجنة العليا» التي تشكلت «لدراسة قرارات المركزي» فلم يحدد لها حتى الآن موعد للإجتماع، فضلاً عن أنه لم يحدد لها سقف زمني لإنجاز مهمتها. ومنذ قرار ترامب إجتمعت اللجنة المركزية لحركة فتح مرة واحدة (إعتادت أن تنصب نفسها مرجعية للجنة التنفيذية ولحكومة السلطة) ولم تصدر بياناً بشأن القدس، ولم تتخذ قراراً واحداً في هذا السياق. هذا معناه أن القيادة الرسمية الفلسطينية تعمل، بوعي، وإصرار مسبق، على تعطيل المؤسسات. وتعطيل تنفيذ قراراتها. وهذا معناه أن القيادة الرسمية الفلسطينية لم تقم حتى الآن، وعطلت إمكانية أن تقوم المؤسسة الوطنية، بخطوة عملية، في الميدان، في سياق مواجهة قرارات إدارة ترامب وحكومة نتنياهو. الجانبان الأميركي والإسرائيلي، ماضيان في سياستهما، في صناعة الوقائع على الأرض. (توسيع الإستيطان، تهويد القدس، إعتقالات، تهديد غزة، التي تغرق في المأساة الإجتماعية، مواصلة بناء الحلف الإقليمي «العربي الإسرائيلي»..) بينما تكتفي القيادة الرسمية الفلسطينية في مواصلة إستراتيجية السياحة السياسية. ومن القدس المحتلة من ديوان وزارة الحرب الإسرائيلية، يرسل لها أفيغدور ليبرمان الوزير الإسرائيلي المعروف بوقاحته و«صراحته» التحيات الحارة، لأنها مازالت تلتزم العمل «بالتنسيق الأمني بشكل عميق جداً». وكأن ليبرمان يسخر من المجلس المركزي الفلسطيني في دورة 5/3/2015، ودورة 15/1/2018. * * * المسألة الثانية: التي تثيرها لدينا إستراتيجية السياحة السياسية هي العملية التفاوضية كما أعاد المجلس المركزي صياغتها، وكما تعيد القيادة الرسمية تقديمها إلى المجتمع الدولي في سياحتها السياسية. • أولاً: علينا أن نلاحظ أن المفاوضات مازالت هي الخيار الإستراتيجي الوحيد لدى القيادة الرسمية الفلسطينية. وأنها تجاهلت كل الخيارات الأخرى التي إعتمدها المجلس المركزي (في دورتيه الأخيرتين) وإعتمدت المفاوضات وحدها خياراً لها. وأن كل سياحتها السياسية هي البحث عن مدخل لإستئناف المفاوضات، من موقع قناعتها أنها بالمفاوضات تحافظ على موقعها في المعادلة السياسية الإقليمية كما ترسمها الولايات المتحدة ومعها الإتحاد الأوروبي. وتخشى، إن هي ذهبت إلى خيارات أخرى، كخيار الإنتفاضة، أن تفقد هذا الموقع، وأن تفقد المكاسب والمصالح الفئوية التي راكمتها، هي وشريحة طبقية أخرى، وفرها لها هذا الموقع. • ثانياً: أن المفاوضات التي دعا لها المجلس المركزي، من ضمن سلسلة خيارات، وفي إطار إستراتيجية متكاملة، هي في إطار الدعوة لمؤتمر بإشراف للأمم المتحدة، برعاية الدول الخمس دائمة العضوية، وبموجب قرارات الشرعية ذات الصلة بالمسألة الفلسطينية: الإنسحاب الإسرائيلي، تفكيك الإستيطان، عدم الإعتراف بإجراءات التهويد، هدم جدار الفصل، إطلاق سراح المعتقلين، قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة على حدود 4 حزيران 67، وحل قضية اللاجئين بموجب القرار 194 الذي إعترف لهم وكفل لهم حق العودة إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها منذ العام 1948. والفارق، بالتالي، بين الصيغة التي دعا لها المجلس المركزي (صيغة المؤتمر الدولي برعاية الأمم المتحدة وقراراتها) والصيغة التي تدعو لها القيادة الفلسطينية (رعاية «دولية»)، أي رعاية عدد من الدول خارج قرارات الشرعية الدولية، وبموجب مشاريع أخرى تبنتها الرباعية الدولية كخطة خارطة الطريق، و «حل الدولتين» الأميركي الذي يتجاهل قرارات الشرعية الدولية والحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، ويعتبر أن ما يتم الإتفاق عليه بين الطرفين هو التطبيق العملي لقرارات الأمم المتحدة. وهذه بدعة قانونية، فاسدة لا قيمة لها في علم القانون، ووفق مبادئ القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة. الصيغة التي إعتمدها المجلس المركزي، وإن جاءت فيها الولايات المتحدة، كطرف من بين الأطراف، وليست، الطرف الوحيد والطرف المهيمن، فإنها ستأتي معزولة. كما عزلت في مجلس الأمن نهاية العام 2016 حين صوت ضد الإستيطان (القرار 2334)، وكما صوت مجلس الأمن ضد قرار ترامب (14 دولة مقابل عزلة الولايات المتحدة) وكما صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة (129 دولة) بينما بقيت الولايات المتحدة وإسرائيل معزولتين. السياحة السياسية لن تغير موازين القوى ولا المعادلات السياسية. وحده الميدان، فوق كل شبر من الأرض المحتلة، هو مفتاح التغيير.