• الحجيج الى حدود غزة...
    2018-01-29
    اعتاد الإسرائيليون على ترتيب زيارات للزعماء والوزراء والسفراء والوفود الأجنبية الزائرين او المقيمين في إسرائيل وكجزء من البروتوكول زيارة متحف الكارثة والبطولة الذي يخلد من وجهة نظرهم ضحايا النازية خلال الحرب العالمية الثانية.
    في السنوات والأشهر الأخيرة أضافوا بندا آخر لجدول هذه الزيارات، خاصة عندما يكون الزائر أمريكي او من احد دول الاتحاد الأوروبي المؤثرة في القرار، وهو زيارة إلى حدود قطاع غزة وعمل جولة في إحدى الأنفاق التي تم اكتشافها، تماما كما حدث يوم أمس مع المبعوث الأمريكي جيسي غرنبلات وقبله مندوبة أمريكا  في الأمم المتحدة نيكي هيلي.
    الهدف الإسرائيلي من ترتيب الزيارات لمتحف المذابح النازية هو تذكير الزائرين كم كانت حجم الكارثة وكم كان قيام إسرائيل مهم لحماية اليهود  وكم هو مهم الاستمرار في دعم إسرائيل والحفاظ على تفوقها.
    الهدف من زيارات الوفود الى حدود قطاع غزة وعمل جولة لهم في الأنفاق التي تم اكتشافها ليس للاطلاع على حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها الناس في القطاع، ليس ليشرحوا لهم كيف يموت المريض في غزة  اما لانه لم يحصل على تحويلة مرضية من وزارة الصحة في رام الله او لانه لم يحصل على تصريح إسرائيلي للوصول الى مستشفيات الضفة او اي مستشفى اخر. وان المريض يموت ويشبع من الموت قبل ان يحصل على التحويلة المرضية و يموت ويشبع موت قبل ان يتم حصوله على الفحص الأمني الإسرائيلي الذي قد يستغرق أسابيع، وقلائل فقط من المحظوظين الذين يتمكنون من الخروج .
    زيارة الوفود ليس لكي يقولوا لهم ان الوضع الاقتصادي في غزة يتراجع بشكل جنوني وان هناك انخفاض حاد في الاستيراد،  والتصدير شبه معدوم،  والبطالة هي القاعدة وتوفير فرص عمل هي الاستثناء وان نسبة الطلاق في ارتفاع نتيجة الظروف الاقتصادية والاجتماعية ، خاصة بعد قرار السلطة “الحكيم” بتقليص رواتب الموظفين وإحالة الآلاف إلى التقاعد المبكر وقطع رواتب المئات تحت ذرائع مختلفة. يضاف إلى كل ذلك الأزمة التي تعاني منها وكالة الغوث والتي قد تشكل أزمتها صاعق التفجير .
    ليس الهدف هنا هو المقارنة بين المذابح النازية وبين المذبحة الإنسانية التي تتعرض لها غزة ويشارك بها ويتحمل مسؤوليتها أكثر من طرف، المقارنة بلا شك ليست عملية وليست موضوعية، على الرغم ان اثنين مليون فلسطيني يعيشون في غزة يتعرضون للحرق البطيء، ليس بأفران الغاز النازية، بل بأفران الحقد والظلم والحصار .
    ترتيب الزيارات إلى حدود قطاع غزة يأتي لأسباب مختلفة تماما،  متعددة الأوجه ومتعددة الأهداف، منها:
     إن إسرائيل تريد ان تقول اولا وقبل كل شيئ انها غير مسؤولة عن الأزمة الإنسانية التي يعاني منها أهل القطاع ، بل المسؤول هو أولا حركة حماس من خلال تفضيلها لبناء قوتها العسكرية والاستثمار في بناء الأنفاق، والمسؤول أيضا  هي السلطة الفلسطينية والرئيس عباس من خلال الإجراءات العقابية التي تم اتخاذها والتي قيل أنها اتخذت ضد حماس رغم أن نتائجها الكارثية هي على عموم الناس وخاصة الموظفين التابعين للسلطة. والسبب الآخر هو  لاطلاع المسؤولين الزائرين، خاصة الأمريكان منهم على مدى التقدم التكنولوجي الذي حققته إسرائيل في حربها ضد الأنفاق، سيما أن معظم الصناعات الحربية الإسرائيلية مدعومة أمريكيا بما فيها الأبحاث التي  لها علاقة باكتشاف الأنفاق.
    إسرائيل أرادت أن تقول لغرنبلات وقبله لنيكي هيلي ان دعمكم كان مهما وان استمرار دعمكم هو أكثر أهمية.
    أما السبب الثالث فإن الهدف منه هو اطلاع الزائرين على حجم التهديد التي تواجهه إسرائيل من غزة وان هذا الأمر قد يؤدي إلى مواجهة في المستقبل، ولذلك عليهم ان يتفهموا الموقف الإسرائيلي في حال الانفجار.
    على أية حال، دوام الحال من المحال، وهناك حد معين يمكن ان يتم فيه شد الحبل الملتف على أعناق الناس وان الأمور وصلت إلى درجة لم يعد الناس قادرين على تحملها.
    إذا كان هو هذا الهدف الإسرائيلي فإنهم أصبحوا قريبين جدا من تحقيقه. وإذا كان هذا هو الهدف من العقوبات التي فرضت على غزة فأن هذا الهدف على وشك أن يتحقق.
    السؤال هو إذا كانت النتائج المرجوة من تحقيق هذا الهدف (الانفجار) سيتم تحقيقها وفق ما هو مخطط له أم سينقلب السحر على الساحر؟ إن غدا لناظره قريب.

    http://www.alhourriah.ps/article/48474