
طلاب غزة يحلمون بالتخرّج: ماذا نفعل بعد تدمير جامعاتنا؟
يمسك عدي شاهين، أحد طلبة الدراسات العليا في جامعة الأزهر في غزة هاتفه الذكي، محاولاً التقاط شبكة إنترنت لإنجاز ورقة بحثية كان من المفترض تسليمها منذ أيام لكن بلا جدوى. يتذكّر تلك الأيام التي كان يقضيها في مكتبة جامعته ليبحث عن معلومة ما تشغله، لكن اليوم لم يتبقَ لا مكتبة ولا جامعة بعدما نسفها جنود الاحتلال الإسرائيلي.
يروي شاهين أنه كغيره من طلاب الدراسات العليا في قطاع غزة، يقف في طريق تخرّجه العديد من العقبات، أبرزها سوء الاتصال بالإنترنت وتالياً عدم توافر مكتبات رقمية، وتدمير المكتبة الورقية، لافتاً إلى أنّ الجامعة دوماً ما كانت تسعى إلى تحديث المراجع من الكتب والمجلات والدراسات العلمية لمساعدة الطلبة، لكن لا أحد كان يعلم أنّ تلك الجهود ستذهب سدى على يد جندي يتوق لتطبيق لعبته الافتراضية على أرض الواقع.
يحاول شاهين امتصاص غضب مشرفه الناتج عن تأخيره المستمر في تسليم ما هو مطلوب منه، فلا يجد حلاً سوى تأجيل الفصل حتى تتحسّن الأوضاع في قطاع غزة، لكنه يعود ويفكّر "ماذا لو لم تتحسّن الأحوال؟"، مستبعداً تلك الفكرة لكونه لا يرغب رؤية سنوات عمره تمرّ من دون أيّ إنجاز يذكر.
يتشابه حال شاهين مع حال أسيل بدوان، طالبة الدراسات العليا في الجامعة الإسلامية. فقد فقدت بيتها ورحل زوجها ملتحقاً بركب شهداء حرب الإبادة الإسرائيلية، إلا أنها أصرّت على استكمال دراستها، فتقول: "يعتبر إتمام تلك الخطوة تحت نيران العدوان ضرباً من الجنون، وحتى بعد توقّفه فلا وجود لأيّ خدمات قد تساعد الباحث لإنجاز تلك المهام التي باتت تثقل كاهله، كما أنّ ارتفاع أسعار خدمات الشحن والإنترنت هاجس آخر".
وتؤكّد بدوان أنّ الاحتلال بتدميره للمكتبة الورقية حرمها من حقّها في الاطلاع على المراجع، وتقليب أوراق الكتب والدراسات عن كثب مما كان سيوفّر عليها عناء مشقّة المشي 4 كيلومترات أو أكثر للبحث عن نقطة إنترنت بتكاليف باهظة تفوق قدرتها على الدفع في بعض الأحيان، لتنهي ورقة بحثية تستنزفها بضعف الوقت والجهد.
يجتمع سوء خدمات الإنترنت وتدمير المكتبة الورقية، وارتفاع خدمات شحن الكهرباء، وتلف جهاز الحاسوب المحمول على طالب جامعة القدس المفتوحة، محمد عوض، ما دفعه إلى تأجيل كتابة رسالة التخرّج، على أمل أن تولد غزة كالعنقاء من جديد وتتغلّب على الظروف كافة، مؤكداً لــ "الميادين الثقافية"، أنّ توفير 40 مرجعاً بالعربية ومثلها بالأجنبية لإتمام البحث أمر مستحيل في ظل الظرف الحالي.
ويضيف أنه على الرغم من تعاطف المشرف وتحفيزه المستمر إلا أنه لا يستطيع الكذب على نفسه، فهو لن يقدر على إعداد رسالة بمعاير وجودة يخدم من خلالها مجتمعه وهو في ظلّ حرب إبادة، خاصة أنّ الأبحاث المتعلّقة بالذكاء الاصطناعي والتسويق الرقمي، تحتاج إلى إنترنت قوي وتحديداً تلك التي تتبع المنهج التجريبي.
من جهته، يفيد هاشم كساب، مدير العلاقات العامة والإعلام في جامعة الأزهر، أنّ خسارة المكتبة الورقية تقدّر بنحو 50 مليون دولار. فقد نسف الاحتلال 3 مباني للجامعة وهي كلية الآداب، والزراعة، والحقوق، وكان لكلّ مبنى مكتبة خاصة به يرتادها الطلاب على مدار اليوم، خاصة منتسبي الدراسات العليا من الماجستير والدكتوراة، للاطلاع على مئات الدوريات، والمراجع، والكتب، والدراسات التي لم يتبقَ منها سوى 600 كتاب فقط قابل لترميم.
ويوضح كساب أنّ المكتبة الورقية في الجامعة كان يدعمها أخرى إلكترونية غطّتها الجامعة باشتراكات باهظة الثمن لكبرى دور النشر بالعالم، وقاعة مجهّزة بعشرات الحواسيب المحمولة ليحصل الطالب على المراجع الورقية والرقمية، إضافة إلى معامل تعليم اللغة الإنكليزية والأجهزة الصوتية، وأخرى ملحقة بأجزاء المكتبة التي يصعب تعويضها، أو استرجاع نظام الأرشيف المعمول به، مما سينعكس سلباً على الطلاب.
من ناحيته، يقول رئيس قسم الصحافة في الجامعة الإسلامية، منير أبو رأس، إنّ الاحتلال الإسرائيلي قصف مكتبة الجامعة المكوّنة من 6 طوابق بشكل متكرّر بطائرات الـ أف16 عدة مرات حتى دمّر المكان فلم تبقَ أيّ فرصة لإعادة انتشال بعض الكتب وترميمها، مشيراً إلى أن المكتبة كانت تحوي العديد من المراجع والمخطوطات النادرة التي قد لا تتوافر في أيّ جامعة في العالم.
ويضيف أنّ مكتبة الجامعة الإسلامية كانت منارة للطلاب من جامعات قطاع غزة كافة في مرحلتي البكالوريوس والدراسات العليا. أما اليوم فإن الباحثين في موقف صعب بعد تدمير المكتبة حيث سيحرم العديد من استكمال دارستهم فيما تأخّر تخرّج البقيّة لمدة غير معلومة، مشيراً إلى أنّ الحلّ يكمن في إعادة بناء المكتبة من جديد، وتزويدها بمختلف المراجع العلمية الحديثة التي من شأنها دفع عجلة العلم والتعليم في المدينة المحاصرة.
ولاقت جامعة القدس المفتوحة مصير سابقتيها حيث يفيد خالد قشقش، مساعد عميد الدراسات العليا، أنّ للجامعة مبنى رئيسياً للمكتبة المركزية بمدينة رفح وقد نسفه جنود الاحتلال وهناك فيديوهات شاهدة على ذلك، ثم فرعاً آخر في مدينة غزة أشعل جنود الاحتلال النار فيه لمدة 3 أيام متواصلة، وهي مدة كفيلة لتعطي دليلاً للقارئ عن مستوى وقيمة محتوى المكتبة من النسخ النادرة، وبعضها مخطوطات ترجع لعام 1950، تمّ التبرّع بها ونقلها من مكتبات شخصية لأساتذة وعلماء لتعمّ فائدتها على الطلبة.
المتضرّر الأول من هذا الدمار الكلي، وفق قشقش، هو الطالب، لافتاً أنّ الجامعة حاولت مساعدة بعض الطلبة من خلال التشبيك مع فرعها بالضفة الغربية وتخصيص موظفين يعملون على التواصل عبر تطبيق "واتسآب" لتصوير تلك النسخ، إلّا أنّ الأمر يحتاج تعاوناً من قبل الجامعات كافة في القطاع لمحاولة استعادة المراجع وإنشاء مكتبة ورقية يستفيد منها الطلبة كافة.
أضف تعليق