
الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الجمعة 21/3/2025 العدد 1265
الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
هآرتس 21/3/2025
حكومة نتنياهو توشك على أن توقع على إسرائيل كارثة أخرى، والجمهور سيندم على عدم الاكتراث
بقلم: عاموس هرئيلِ
عشية الحرب في غزة في 2023 حذر قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” المستوى السياسي من “عاصفة مثالثة”، التي ستقود إسرائيل الى انفجار إقليمي. التحذيرات نزلت على آذان صماء. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو التقط صورة وهو يضع نظارات بلون وردي، واستخف بالاخطار وشرح أن إسرائيل والجيش الإسرائيلي اقوى من أي وقت مضى تحت قيادته، رغم الازمة الداخلية التي تسبب بها تشريع الانقلاب النظامي. بأثر رجعي تبين أن قسم الأبحاث كان على حق في التنبؤ، لكنه اخطأ في تشخيص ساحة الانفجار. ومثل أجهزة الاستخبارات الأخرى فان “أمان” لم تلاحظ ما يحدث في قطاع غزة تحت انفها، بصورة انتقمت منا بشكل مأساوي في 7 أكتوبر 2023.
الآن في ظل الحرب المتجددة ضد حماس، إسرائيل تقف امام عاصفة مثالية أخرى، اذا تم تنفيذ خطط الائتلاف – بعد عودة قوة يهودية الى الحكومة والمصادقة على قانون التسوية – خلال أسبوع ستخرج الى حيز التنفيذ سلسلة أخرى من الخطوات المتطرفة، التي ستساعد على تدهور النظام في الدولة من الديمقراطية الى الديكتاتورية. اذا كانت الكارثة السابقة قد تسبب بها نتنياهو بالتقصير، فان الكارثة الحالية يوقعها على الإسرائيليين بشكل متعمد. في الأيام القريبة القادمة هو ينوي استكمال اقالة رئيس الشباك والمستشارة القانونية للحكومة، تغيير تشكيلة لجنة تعيين القضاة، تمرير الميزانية وتعزيز سلطة الائتلاف لسنة أخرى على الأقل. في غضون ذلك استأنف الحرب في غزة، هذه المرة حرب اختيارية بدون اجماع عام. في الخلفية تقترب مرحلة التحقيق المضاد في محاكمته الجنائية، في الوقت الذي فيه التحقيق في قضية قطر يهدد المستشارين المقربين منه.
عن اللامبالاة والتآكل الذي يبثه معظم الجمهور في البلاد إزاء الاستعراض المثير للرعب، الذي قامت به قوات الائتلاف وعملاؤها في وسائل الاعلام، نحن سنندم على ذلك في المستقبل. من الأفضل عدم الانجرار الى الأوهام، حتى لو كان عشرات آلاف المدنيين قد ذهبوا في اليومين الماضيين للاحتجاج في القدس. الانقلاب النظامي يتقدم بوتيرة سريعة. خطة نتنياهو لازاحة آخر حراس العتبة من منصبه، لا تواجه في هذه الاثناء صعوبات خاصة. رئيس الحكومة رفع في بداية هذا الأسبوع مبلغ الرهان عندما اعلن عن نيته التخلص من رونين بار. وقد ارفق بالقرار مبرر مدهش جدا وهو أن نتنياهو اعلن بأنه فقد ثقته ببار، وكأنه ما زال يعتقد أنه حتى الآن من المرجح أن ينشر مثل هذه التصريحات الأخلاقية، نظرا لتهربه من الاعتراف بالمسؤولية عن المذبحة. وفي اليوم التالي، يبدو أنه لا صلة لذلك بالاحداث، قرر نتنياهو خرق اتفاق وقف اطلاق النار مع حماس وقام بشن هجوم جديد على هذه المنظمة الإرهابية في قطاع غزة.
الهجوم الكثيف من الجو، أعاد على الفور الى الائتلاف ايتمار بن غفير ومجموعة المتعصبين لديه، هكذا ضمن تمرير الميزانية. أول أمس مساء عقدت الحكومة جلسة للمصادقة على تعيين بن غفير مجددا في وزارة الامن الوطني، رغم معارضة المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف ميارا. الجلسة التي تم التخطيط لها لمناقشة وضع المخطوفين تم تأجيلها. بن غفير يمكن أن يوفر لنتنياهو شيء آخر إضافة الى أصابعه واصابع اصدقاءه في الكنيست. منذ اللحظة التي سيعود فيها الوزير للسيطرة في الشرطة سيتم اتباع سياسة عنيفة اكثر لوقف المظاهرات وردع المشاركين فيها. الدلائل الأولى على التغيير شوهدت في الشوارع من منتصف هذا الأسبوع.
المستشارة القانونية للحكومة والمحكمة العليا، وربما استيقاظ غير متوقع للجمهور، هي الحاجز الأخير امام الخطوات المخطط لها للحكومة. في الجلسات الليلية نتنياهو يحث الوزراء على ضرورة تقليد هنا المثال المخيف الذي يوفره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمقرب منه ايالون ماسك. رئيس الحكومة أيضا يقوم بتصوير أفلام ضد الدولة العميقة، ويتملق ترامب في تويتر لاقناعه بأن نضالهما هو نفس النضال. في “خطاب الولاء” الذي القاه نتنياهو في جلسة الكابنت عندما عاد من واشنطن في الشهر الماضي، شرح للوزراء بأن ترامب اخطأ عندما لم يعزل من منصبهم جميع رجال الدولة العميقة في ولايته الأولى. في هذه المرة قال بانفعال إن الرئيس يقوم بتعيين فقط المخلصين له. هذه كانت لحظة نادرة من الوضوح والنقاء، وفيها كشفت خطته الكبيرة. بعض المشاركين في الجلسة وصفوها بأنها اكبر موقف مخيف في حياتهم.
منذ 4 كانون الثاني 2023، اليوم الذي فيه عقد وزير العدل الغض ياريف لفين مؤتمر صحفي عرض فيه خطة الانقلاب النظامي، إسرائيل تنزلق نحو ازمة دستورية وفوضى سياسية، التي ذروتها هي المواجهة المباشرة بين الحكومة ومحكمة العدل العليا. ربما هذه اللحظة ستأتي حول اقالة بار. فاذا تدخل القضاة ضد الإقالة، هل ستخضع الحكومة؟ واذا قرر بار تجاهل بيان الإقالة فما الذي سيحدث بالضبط؟ هل سيتمترس في مكتبه في الوقت الذي يطرق فيه وريثه على الباب من الخارج؟. هذه مواقف لم تصل اليها الدولة في أي يوم.
حتى الآن بار يصمم على المثول في جلسات تتعلق بإدارة الحرب. الجمهور يتم تلقينه الآن بتسريبات متناقضة عن هوية وريثه. هل سيكون مرشح من الخارج، غادر بعد عدم حصوله على هذا المنصب في السابق، أو سيكون م.، نائب بار السابق الذي كان في إجازة ونتنياهو قام باستدعائه كي يستبدل رئيس طاقم المفاوضات حول المخطوفين؟. نتنياهو يقوم الآن بجمع الآراء حول م.، الشخص المناسب حسب كل الآراء. ولكن للتأكيد فان محيطه يهتم بتقديم احاطة والتذكير بأن النائب أراد الاستقالة بسبب الشعور بالمسؤولية عن 7 أكتوبر. هذه خطوة كلاسيكية: تعيين م. المقبول على بار، سيضعف معارضة الجمهور لاقالته؛ في نفس الوقت رجال رئيس الحكومة يعملون الآن على تقييد خطوات الوريث المحتمل وضعضعة صورته من اجل أن يتذكر من الذي يعتمد عليه.
المستشارة القانونية للحكومة عارضت عودة بن غفير الى وزارته، ونتنياهو اختار تجاهل ذلك. المحكمة العليا لم تصدر أمر تأجيل للتعيين، لكن في 7 نيسان يتوقع استئناف النقاشات في التماس تم تقديمه في السابق بهذا الشأن. الموعد الهدف الذي حدده نتنياهو لاقالة بار هو 10 نيسان. فهل المحكمة العليا ستتدخل في هذه القضية؟ حتى أمس فضل القضاة انتظار التطورات. بعد غد الحكومة يمكنها التعبير عن عدم الثقة ببهراف ميارا قبل اقالتها. يبدو أن نتنياهو قد اتخذ قرار استراتيجي بالذهاب الى حرب على كل الساحة. هذا لم يكن أسبوع جيد للديمقراطية في إسرائيل، والاسبوع القادم يمكن أن يكون أسوأ. “كل المبنى الديمقراطي ثابت مثل برج من ورق”، قال شخص يتابع عن كثب ما يحدث.
خدمات لتحسين الصورة
في الخلفية قضية قطر تتعقد. وهذا دليل على قوة وسائل الاعلام، عندما تلعب دورها بدلا من تشكيل أنبوب التسريب في خدمة الوزارات الكبيرة. القضية بدأت بالكشوفات التي عرضها بار بيلغ (هآرتس)، وفي اعقابه عوفر حداد (اخبار 12). هذا الأسبوع انضمت اليهما منشورات لروعي يانوفسكي (كان) وباروخ قرا (اخبار 13). الصورة التي رسمت من وراء امر منع النشر المتشدد، هي صورة مقلقة. حسب المنشورات فان مستشارين اعلاميين رافقا نتنياهو، يونتان اوريخ وإسرائيل اينهورن، قاما باعداد حملة لتحسين الصورة الدولية لقطر، عشية المونديال الذي استضافته في 2022؛ المستشار الثالث ايلي فيلدشتاين، مشتبه فيه بأنه قدم لقطر خدمات دعائية اثناء الحرب. الآن يتم فحص اذا كان الثلاثة قد عملوا في نفس الوقت الذي كانوا يخدمون فيه سيدين، نتنياهو والقطريون، بدون اتفاقات تضارب مصالح.
مساء أول أمس تم استدعاء مشبوهين رئيسيين للتحقيق. اينهورن يتواجد في صربيا، وقد امتنع عن العودة الى البلاد منذ فترة طويلة، ولم يبق للقراء إلا تخمين من هما الاثنين اللذين تم التحقيق معهما.
يانوفسكي وجد أن فيلدشتاين حصل على دفعات من جاي بوتليك، من اللوبي اليهودي الأمريكي الذي يخدم قطر، بواسطة رجل اعمال إسرائيلي. هذا الامر يوجد له تفسيرين. حسب رواية بوتليك المبلغ كان مقابل خدماته للقطريين. حسب القنبلة التي القاها محامو فيلدشتاين فانه لم يعمل في أي يوم لصالح قطر. هذه كانت طريقة ملتوية لمكتب رئيس الحكومة للدفع له مقابل خدمات التحدث باسمه، بعد أن تم رفضه للعمل بشكل منظم في المكتب لأنه لم يجتز التحقيق الأمني. بكلمات أخرى، المكتب استخدم “محفظة قطر” لغايته، مثلما في السابق عرف كيفية تمويل احتياجات ومدفوعات أخرى. اوريخ نفى بسرعة، والمكتب أيضا. في الخلفية من المرجح أن يتم فحص شبهات أخرى. هل أحد المستشارين تم تشغيله من قبل قطر من اجل جمع معلومات حول اتخاذ القرارات في إسرائيل، حتى لو كان بغطاء نشاط تجاري؟.
من غير الواضح ما الذي عرفه نتنياهو نفسه من كل ذلك. هل غض النظر عن العلاقات بين مستشاريه والقطريين، أو، كما يأمل معارضيه، أنه سيتم العثور هنا على مسدس مدخن يربطه مباشرة بالقضية. يمكن التخمين بأن علامات الذعر من الأيام الأخيرة تتعلق بالخوف الدائم من شهود دولة، وفتح صناديق بندورا قديمة. على مدى السنين كان المكتب والمحيط يشهدان خليط متفجر من الاسرار المسمومة والشخصيات ذات العوالم العاطفية المضطربة. نتنياهو سيجد صعوبة في الرهان على صمت المتورطين الرئيسيين اذا تعمق التحقيق وازداد الخطر الشخصي المتوقع عليهم.
في الخلفية تحق العلاقة القديمة المعروفة بين نتنياهو والقطريين، التي نشأت بوساطة الموساد ومجلس الامن القومي. أساسها، كما ذكر هنا، كان في قرار رئيس الحكومة في 2018 الدفع قدما بتحويل الأموال القطرية لحماس في القطاع، في البداية في حقائب التي كان فيها كل شهر 30 مليون دولار نقدية، روني الشيخ، نائب رئيس الشباك والمفتش العام السابق للشرطة قال أمس في مقابلة مع “صوت الجيش” بأنه حذر من أن هذه الأموال تمول نشاطات إرهابية، ولكن لا أحد في المستوى السياسي أو الأمني رغب في أن يستمع. تفسير ذلك واضح. هذه كانت السياسة التي وضعها نتنياهو، والتي اختبأت وراءها أيضا الرغبة في تعزيز حماس واضعاف السلطة الفلسطينية التي تم الادعاء بأنها تستخدم ضد إسرائيل “الإرهاب السياسي” في الساحة الدولية.
القضية القطرية مثل قضية الغواصات في حين، مشحونة أيضا من ناحية اقسام اليمين في إسرائيل، لأنها تربط كما يبدو بين الاشتباه بالرشوة وبين المس بأمن الدولة. رئيس الحكومة السابق نفتالي بينيت يلاحظ المشاعر العامة. أول أمس خرج في هجوم فظ ضد نتنياهو حول الأموال القطرية والشبهات في مكتبه. بينيت يسير على اطراف أصابعه منذ الانقلاب النظامي و7 أكتوبر. ولكن هنا لاحظ نقطة ضعف رئيس الحكومة ولذلك قام بمهاجمته.
----------------------------------------
يديعوت احرونوت 21/3/2025
كثير من الإسرائيليين لا يفهمون الاهداف الاستراتيجية من الحملة الحالية
بقلم: د. ميخائيل ميلشتاين
“هل هذه حملة محدودة تستهدف ممارسة الضغط لاجل تحرير مخطوفين أم هي بداية خطوة دراماتيكية أكثر؟”، هكذا تساءل هذا الأسبوع الكاتب الغزي فايز أبو شمالة. في بداية اليوم الرابع لحملة “بأس وسيف” فان باقي سكان غزة أيضا يترددون حول السؤال ذاته. من جهة واضح ان هذه ليست جولة تصعيد لكن من جهة أخرى وحاليا على الأقل، ليست حربا لم يشهد لها مثيل منذ 7 أكتوبر. “الجحيم في القطاع استؤنف، لكن هذا ليس شيئا غريبا او شاذا”، قضى أول امس مقال افتتاحي لصحيفة “القدس العربي”.
بدأت الحملة الحالية بضربة افتتاح لعشر دقائق فاجأت حماس، وفي اثنائها قتل مئات النشطاء، وبينهم مسؤولون كبار في الجهاز السلطوي للمنظمة. بخلاف نشطاء الذراع العسكري الذين يتخذون بشكل دائم أنماط سلوك سرية وحذرة، كبار مسؤولي الحكم عملوا في اعقاب وقف النار بشكل علني وبالتالي صفوا أيضا، الامر الذي دفع المنظمة الى أن تنشر هذا الأسبوع تعليمات متشددة حول استخدام الأجهزة النقالة والرسائل الالكترونية.
بين من صفوا برز عصام الدعابيس (أبو معاذ)، رئيس الحكومة الفعلي في غزة الذي كان يترأس ما يسمى “لجنة متابعة الاعمال الحكومية”، وكان بالتوازي عضوا في المكتب السياسي لحماس في غزة. ومثل الكثيرين من قادة المنظمة في المنطقة اشغل في الماضي منصبا كبيرا في لجنة موظفي الوكالة. إضافة الى ذلك صفي عضوان آخران في المكتب السياسي (محمد الجمصي وياسر حرب، الذي خمسة من أبنائه كانوا نشطاء نخبة صفوا في المعارك في جباليا)؛ المدراء العامين في وزارتي الداخلية والقضاء؛ بهجت أبو سلطان، قائد جهاز الامن الداخلي في القطاع برتبة لواء. وكذا الناطق بلسان الجهاد الإسلامي أبو حمزة (ناجي أبو سيف). حسب إحصاء حماس قتل منذ بداية الحملة حوالي 700 شخص، ينضمون الى نحو 150 آخرين قتلوا بهجمات إسرائيلية في غزة منذ دخل وقف اطلاق النار حيز التنفيذ. الضربة الحالية أليمة لحماس لكن ليس فيها ما يضعضع سيطرة المنظمة في الشارع الغزي. بعد الصدمة الأولية، تحاول حماس ان تفهم ما تخطط له إسرائيل. وحتى بعد الخطوة البرية للاستيلاء من جديد على مناطق في محور نتساريم كان الجيش انسحب منها بعد وقف النار، يبدو أن في المنظمة يعتقدون ان إسرائيل تحاول انتزاع تنازلات في موضوع المخطوفين لكنها لا تعتزم العمل بقوة كاملة لغرض تقويض حكم حماس، الهدف الذي يستوجب حجب قوات اكبر من ذاك الذي يعمل حاليا في القطاع، ومناورة برية واسعة.
في حماس يوضحون بانهم مستعدون للعودة الى طاولة المفاوضات، بما في ذلك البحث في منحى ويتكوف، لكنهم يتمسكون بمطلب البدء بالحديث عن المرحلة الثانية من الصفقة، التي في نظرهم يجب أن تتضمن اتفاقا على انهاء الحرب وانسحاب كامل من القطاع. “فكرة الضغط على حماس من خلال عملية عسكرية هي وهم”، شرح هذا الأسبوع أسامة حمدان من قادة المنظمة في الخارج، وسامي أبو زهري، مسؤول آخر يجلس في “الجزيرة” ادعى: “إسرائيل تسعى لشطب وقف النار وفرض اتفاق استسلام على حماس. لا يوجد أي احتمال لان تتحقق هذه الأهداف. المخطوفون لن يعودوا الا بتعهد من جانب إسرائيل بتنفيذ وقف النار كما تبلور في كانون الثاني هذا العام. نتنياهو عمليا يحكم بالموت على من تبقى حيا من بيت المخطوفين”.
***
حتى الان ردت حماس بشكل محدود نسبيا على الهجوم. الامر ينبع من خليط بين تقنين السلاح، أي الحذر في استخدام واسع النطاق للسلاح، الصواريخ أساسا التي يبلغ عددها مئات او الاف قليلة مقارنة بأكثر من 20 الف في 7 أكتوبر؛ وبين نجاح الجيش في احباط العمليات، بما فيها اطلاق الصواريخ وعمليات بحرية خططت حماس لتنفيذها في الليلة بين الثلاثاء والاربعاء. تنضم هذه الى التقارير التي جاءت عشية الحملة عن استعداد حماس لاجتياح اهداف إسرائيلية ما يشهد سواء على حفظ قدرات عسكرية ام استمرار الدوافع للعمل، رغم أن حماس نفت ذلك.
إسرائيل من جهتها تحتاج لان تستعد لان يأتي الرد ليس بالضرورة من غزة او فقط من غزة. فضلا عن الجهد المتواصل للقيام بعمليات في الضفة يحتمل أن تحاول حماس العمل من خلال الشبكات المتفرعة التي اقامتها في لبنان وفي سوريا. وهذه تنكب كل الوقت على اعداد العمليات في الحدود، وعلى هذه الخلفية هاجم الجيش الإسرائيلي قواعد للمنظمة في جنوب سوريا.
في الخلفية، يتواصل جهد سياسي في محاولة لاستئناف وقف النار وتحقيق تسوية في غزة. يتعاظم الضغط المصري لتحريك المبادرة العربية بشأن إقامة مجلس إدارة محلية في غزة يحل ظاهرا مع حماس، وان كان لا يتضمن نزع سلاح المنظمة. إدارة ترامب رفضت المبادرة ولكن يحتمل أن يكون نهجها مرت: قبل نحو أسبوع بحث ويتكوف الموضوع مع وزراء خارجية الدول العربية، وحسب تقارير في وسائل الاعلام تحققت تفاهمات بين القاهرة وواشنطن في عدة نقاط. ومن داخل الساحة الفلسطينية أيضا يتطور ضغط ما على حماس لاجل منع تفاقم الوضع الصعب على أي حال في غزة. “في حماس محقون بالادعاءات حول خرق اتفاق النار من جانب إسرائيل. لكن السؤال من هو المحك ليس هاما حين يواصل الغزيون المعاناة”، يشرح الصحافي الفلسطيني عبد الغني سلامة. “الحقيقة ان لا إسرائيل ولا حماس معنيتان بمعاناة الفلسطينيين. المنظمة من جهتها مستعدة لان تضحي بكل الغزيين من اجل بقائها وتحقيق أهدافها. احد لا يطالب حماس بالاستسلام لكن على المنظمة ان تلين”.
***
ليس الفلسطينيون فقط بل وقسم كبير من الإسرائيليين أيضا لا يفلحون في الفهم ما هي الغاية الاستراتيجية من الحملة الحالية. وخطاب نتنياهو مع الوعد بان من الان فصاعدا المفاوضات فقط تحت النار لا يخلق وضوحا في الموضوع. 17 شهرا من القتال ضد حماس كان يفترض أن تحسن الفهم الإسرائيلي بطبيعة المنظمة. ضغط عسكري آخر يمكنه ربما أن يؤدي الى مرونة تكتيكية مثل زيادة ما في عدد المخطوفين الذين توافق على تحريرهم في الزمن القريب، لكن ليس تنازلات كما تطالب إسرائيل، مثل تحرير معظم المخطوفين دون ضمان البحث في المرحلة الثانية، فما بالك نزع السلاح ومغادرة غزة. يبدو أن حماس مستعدة لان تتحمل خسائر بل وتنفيذ انتحار جماعي، لكنها لن توافق على تلبية مطالب حكومة إسرائيل.
في الوضع القائم يجب أن يعقد حوار واعٍ واساس صادق – بين القيادة والجمهور، والذي يستبدل حاليا بخيالات في أنه سيكون ممكنا في نفس الوقت تفويض حكم حماس وتحرير المخطوفين. هذا تواصل للوهم الذي عرض منذ 7 أكتوبر وعلى رأسه خطة ترامب لافراغ غزة من الفلسطينيين. لكن في أوساط أصحاب القرار في إسرائيل بدأوا منذ الان في خطوات عملية في الموضوع بدلا من التركيز على اهداف يمكن تحقيقها واهم بكثير وعلى رأسها التحرير الكامل للمخطوفين.
------------------------------------------
هآرتس 21/3/2025
التشابه المخيف بين شهادات المعتقلين الفلسطينيين والمخطوفين الذين عادوا من غزة
بقلم: ايلانا هيمرمان
“فرية”، هكذا اعتبرت وزارة الخارجية تقرير مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، الذي نشر في الأسبوع الماضي، وجاء فيه أن إسرائيل تستخدم العنف الجندري والجنسي في الحرب في قطاع غزة. ليس مجرد “فرية”، بل “حالة من الحالات الأسوأ للافتراء التي شاهدها العالم في حياته”. بنيامين نتنياهو قال: “السيرك المناهض لإسرائيل والذي يسمى مجلس حقوق الانسان، تم الكشف منذ زمن بأنه جسم لاسامي، فاسد، يؤيد الإرهاب ولا توجد له أي صلة. بدلا من التركيز على الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ارتكبتها حماس في المذبحة الأكثر خطرا ضد الشعب اليهودي منذ الكارثة، الأمم المتحدة اختارت مرة أخرى مهاجمة بالذات دولة إسرائيل باتهامات عبثية، بما في ذلك اتهامات لا أساس لها حول العنف الجنسي. هذا ليس مجلس حقوق الانسان، بل مجلس حقوق الدم”.
أنا قرأت كل التقرير. معظمه يتناول دور النساء في غزة وأولادهن في الحرب. ليس كضحايا للتنكيل الجنسي بالتحديد، بل كضحايا للضرر الجندري. هكذا، لأن البنى التحتية المدنية في القطاع المكتظ تم تدميرها كليا بعمليات قصف من الجو وبقصف المدفعية من اليابسة، والمباني والبيوت التي تم تدميرها كان يعيش فيها بطبيعة الحال نساء وأطفال اكثر من الرجال، فان عددهم بين القتلى والمصابين والمعاقين كبير بشكل خاص. أيضا عشرات آلاف النساء الحوامل والمرضعات في غزة، هن والأجنة والأطفال يتوقع اصابتهم في ظل الظروف التي حدثت اكثر من مجموعات أخرى في السكان، وصفحات كثيرة في التقرير تم تكريسها لمعاناة النساء وكارثتهن.
هذا لا يهم الكثير من الإسرائيليين الذين طالبوا وما زالوا يطالبون بتدمير كل سكان غزة، نساء وأطفال وشيوخ، ولكن لا يمكن تسمية الإبلاغ عن كل ذلك “افتراء”. أيضا سبق هذا التقرير تقرير لنفس المجلس عن الجرائم التي ارتكبتها حماس في غزو إسرائيل في 7 أكتوبر. بالنسبة لمصير النساء والأطفال في غزة فانه قبل فترة قصيرة نشرت “هيومن ووتش” تقرير أكثر حرصا من التقرير الحالي “المهمل جدا” لمجلس حقوق الانسان، والذي ترجم للغة العبرية أيضا. “قطاع غزة: لا يوجد حمل آمن اثناء هجوم إسرائيل؛ مقاربة محدودة لمتابعة الحمل؛ ولادة غير آمنة؛ ولادة في ظروف تعرض الحياة للخطر”.
لكن لماذا لا نستمع الى الأصوات القليلة الواضحة التي ما زالت تخرج من داخلنا، من هنا من إسرائيل؟. مؤخرا تم نشر تقارير توثق الاضرار الممنهجة بحقوق الانسان، وهي حسب معرفتي لا تتم مهاجمتها، بل ببساطة يتم تجاهلها. ليس “افتراء” لأغيار، بل نتيجة تحقيقات وتوثيق مهني مثالي لمنظمة إسرائيلية وهي “بتسيلم”، التي قوانين إسرائيلية للدولة “اليهودية الديمقراطية” من شأنها أن تمحيها قريبا هي أيضا – سوية مع جمعيات مدنية أخرى – من الفضاء العام الحر الآخذ في التقلص في إسرائيل. هذه التقارير أيضا ما جاء فيها، وكذلك تجاهلها، تعطي الأساس للشك، وحتى الخوف حقا، بأنه لن تقوم قيامة لهذا المكان.
التقرير الأول بعنوان “اهلا وسهلا بالقادمين الى جهنم”، يتحدث عن مصير الفلسطينيين في منشآت الاعتقال الإسرائيلية. التقرير الثاني بعنوان “عقيدة غزة: الضفة الغربية تحت النار”، يستعرض عمليات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية.
في التقرير عن منشآت الاعتقال يتم ذكر عشرات الشهادات لرجال ونساء كانوا مسجونين مؤخرا في إسرائيل وتم اطلاق سراحهم، معظمهم بدون محاكمة: غزيون تم اختطافهم من غزة (نعم، أيضا غزيون تم اختطافهم وعشرات منهم ماتوا في الأسر)، وفلسطينيون تم اعتقالهم في الضفة الغربية، وعرب من مواطني إسرائيل. التقرير يشير الى أنه منذ 7 أكتوبر تم اعتقال وحبس في منشآت الاعتقال الإسرائيلية آلاف الرجال والنساء الفلسطينيين.
معظم الشهادات يتم نشرها بالاسم الكامل للشهود، ومرفقة بها صورهم، الامر الذي يعطيها المصداقية الكبيرة، ويتبين منها، كما هو مكتوب في المقدمة، “سياسة مماسسة وممنهجة التي أساسها التنكيل والتعذيب المتواصل لجميع الاسرى الفلسطينيين، بما في ذلك استخدام العنف المتواتر، الصعب والتعسفي، والتحرش الجنسي والاهانة والتحقير والتجويع المتعمد، وفرض ظروف صحية متدنية، منع النوم، منع الصلاة والعقاب بسببها، مصادرة الأغراض العامة والشخصية، منع تقديم العلاج المناسب. كل ذلك تم وصفه في الشهادات مرة تلو الأخرى، بتفصيل وتكرار مخيفين. شهادات الاسرى تطرح نتائج عملية مسرعة التي في اطارها تحولت اكثر من 12 منشأة اعتقال إسرائيلية، مدنية وعسكرية، الى شبكة معسكرات هدفها الرئيسي هو التنكيل بالمعتقلين فيها.
في شهادة فتاة تم اختطافها من غزة وهي هديل الدحدوح، تم ارفاق صورة نشرت في “هآرتس”، ظهر فيها عشرات الرجال مضغوطين مثل السردين ومعصوبي العيون وشبه عارين، وهي تظهر فيها بوضوح، امرأة وحيدة مضغوطة بين الرجال، ترتدي ملابسها وعيونها معصوبة وشعرها مكشوف. وقد قالت في شهادتها: “كان هناك رجال ملتصقين بي بالضبط. وبعد أن تحررت شاهدت أنهم قاموا بتصويرنا في الشاحنة. تشاهدوني هناك في الصورة. الشاحنة سافرت الى منشأة اعتقال خارج القطاع. هناك ادخلوني الى غرفة مع نساء اخريات. الرجال قاموا بوضعهم بشكل منفصل. أنا كنت متعبة بعد ثلاثة أيام من المعاناة اللانهائية والضرب. بعد يومين جلبوا المزيد من النساء من القطاع، اصبحنا 19 امرأة في الغرفة. الطقس كان بارد جدا ورطب، كانت بطانية واحدة فقط للجميع. بعد ذلك اركبونا في حافلة، جرونا اليها مثل الحيوانات، أيدينا كانت مكبلة وعيوننا معصوبة. خلال ذلك قاموا بضربنا على رؤوسنا. الجنود قالوا لنا مرة تلو الأخرى: أنتن حماس.
“الحافلة نقلتنا الى منشأة اعتقال اسمها عناتوت. هناك الجنديات طلبن مني خلع ملابسي والبقاء بالملابس الداخلية. قاموا بتفتيشي، بعد ذلك سمحن لي بارتداء بنطال رياضة رمادي، طوال هذا الوقت قاموا بضربي وشتمي. مكثت تسعة أيام في هذه المنشأة، متعبة وفي طقس بارد وجائعة. كنت مكبلة طوال الوقت. بعد ذلك نقولونا الى سجن بئر السبع، هناك مكثنا خمسة أيام أخرى. كل مرة اخرجونا الى الساحة وضربونا، هذا كان متعب وصعب. بعد ذلك قاموا بنقلنا الى سجن الدامون قرب حيفا، هناك تم تفتيشي عارية.
“اخذوني للتحقيق خمس مرات، في كل مرة سألوني نفس الأسئلة: هل أنت حماس؟ أين كنت في 7 أكتوبر؟ وسألوني أيضا عن السنوار والانفاق، في كل مرة قالوا لي إنهم قتلوا زوجي واولادي. بعد 54 يوم اعتقال، في 26/1/2024 اخذونا الى معبر كرم أبو سالم واطلقوا سراحنا”.
شهادة لرجلين:
“قاموا باعتقال وبعد ذلك ضربوني. أحدهم ضربني بقوة على صدري، اصطدمت بسجين آخر بدأ يصرخ ويشتم. كان يمسك بمرآة مع اطار خشب سميك وحاول ضربي على رأسي، لكن آخرين منعوه. خلعوا ملابسي بالقوة وانزلوا بنطالي وملابسي الداخلية، مزقوا قميصي وعصبوا به عيوني. بعد ذلك ضربوني على الخصيتين بقوة. بعد ذلك السجانون قاموا برفعي واجلاسي على اطار معدني لحوض غسيل. احضروا سجينين آخرين وقالا لهما أن ينظرا وهم يقومون بضربي. حتى ذلك الحين كنت عاريا ورأيهم من خلال القميص الخفيف الموضوع على رأسي. السجانون سحبوهم من شعرهم كي يرفعوا رأسهم واجبارهم على رؤيتي.
“سمعت من الغرفة البكاء والصراخ للشباب الذين تم اخذهم قبلي وتم ضربهم. أنا بقيت الأخير في الغرفة وكنت ارتجف من الخوف. بعد ذلك اخذوني. اثنان من رجال الوحدة جروني بالقوة من الغرفة في الممر، الى غرفة استخدمت حتى 7 أكتوبر كغرفة طعام. عندما وصلت الى الغرفة رأيت كل السجناء من غرفتي، جميعهم كانوا عارين وينزفون. رموهم فوق بعضهم، الناس بكوا وصرخوا والسجانون صرخوا عليهم وشتموهم هم وأمهاتهم.
“قاموا باجبارنا على شتم أمهاتنا وشتم حماس والسنوار. اجبرونا أيضا على تقبيل علم إسرائيل وانشاد النشيد الوطني الإسرائيلي… ارتجفت من الخوف، بعد ذلك انقضوا علي. احدهم قام بصفعي والثاني بصق على وجهي وقال بالعربية: “يحيى السنوار سيموت”. أمروني بتكرار هذه الاقوال. اثنان خلعوا ملابسي مثل السجناء الآخرين، بعد ذلك رموني على الاسرى الآخرين. واحد منهم جلب جزرة وحاول وضعها في مؤخرتي، في الوقت الذي حاول فيه وضع الجزرة بعضهم وثقوني بالهواتف المحمولة. أنا صرخت من الألم والخوف، هذا استمر 3 دقائق تقريبا.
“بعد ذلك صرخوا علينا وقالوا إن لدينا دقيقتين لارتداء ملابسنا والخروج. شعرت بأنني محطم من الداخل. عندما ارتديت ملابسي سالت دموعي. مرت في رأسي أفكار مخيفة. بعد ذلك اعادونا الى الغرفة. عندها كنا في حالة صدمة، بكينا بهدوء. لم يتحدث أي أحد، لم نكن قادرين على النظر الى بعضنا البعض”.
عندما نقرأ في التقرير شهادات النساء والرجال الفلسطينيين من الضفة ومن إسرائيل الذين تم سجنهم في السجون الإسرائيلية، لا يمكن عدم ملاحظة التشابه الكبير والمخيف الموجود بينها وبين شهادات المخطوفين الإسرائيليين الذين عادوا من غزة: التنكيل الجسدي والنفسي، التجويع، التعطيش، عدم تقديم العلاج وتفاصيل أخرى كثيرة.
السجناء يشهدون على أجسادهم التدهور الخطير في ظروف سجنهم اعتبارا من 7 أكتوبر. ومعاناة المعتقلين المخطوفين من غزة تتفاقم وتزداد ظروفهم صعوبة بسبب ذكريات الفظائع التي شاهدوها وكانوا ضحايا لها في القطاع قبل اختطافهم: القصف الشديد والقنابل ومنظر القتلى والجرحى والنزوح المستمر من مكان الى آخر. هنا أيضا يوجد تشابه مع المصير المأساوي للرهائن الإسرائيليين في غزة.
تقرير “بتسيلم” عما يحدث في الضفة الغربية، لا سيما في مخيم جنين ومخيم طولكرم ومخيم نور شمس، يوثق بافلام الفيديو استخدام طرق القتال التي تم تطبيقها وتطويرها في قطاع غزة: استخدام متزايد للقصف من الجو وقصف المدفعية لتجمعات مكتظة بالمدنيين، تدمير متعمد بدون تمييز للبيوت والبنى التحتية المدنية، تهجير المدنيين من المناطق التي تم الإعلان عنها كمناطق قتال. هذه المناطق لم تعد تصلح للسكن، وأيضا عشرات آلاف السكان الذين تم تهجيرهم أو هربوا منها، وهم غير مسموح لهم العودة اليها. هذا حسب اقوال وزير الدفاع إسرائيل كاتس الذي قال “40 ألف فلسطيني تم اخلاءهم من مخيمات اللاجئين، التي ذكرت أعلاه في اعقاب نشاطات للجيش الإسرائيلي. الآن هي فارغة من السكان”. كاتس اعلن أيضا بأنه اصدر تعليماته للقوات بالاستعداد للتواجد في هذه المخيمات لمدة سنة وعدم السماح للسكان بالعودة اليها (بار بيلغ وهاجر شيزاف، “هآرتس”، 23/2).
“المذبحة الأكثر خطورة التي تم تنفيذها ضد الشعب اليهودي منذ الكارثة”، هكذا عرف نتنياهو الهجوم البربري لحماس في 7 أكتوبر. أي كلام فارغ! معظم اليهود في العالم يعيشون خارج دولة إسرائيل، واقتحام حماس لم يعرض حياتهم للخطر. الثمن الذي دفعه وما زال يدفعه ضحاياها، بما في ذلك المخطوفين وعائلاتهم، هو فصل فظيع آخر في النزاع الدموي بين إسرائيل والفلسطينيين. هذا هو السياق ولا يوجد غيره.
لكن بسبب القوة العسكرية لإسرائيل والسلاح الثقيل الذي توفره لها بالأساس الولايات المتحدة، فان من نزلت عليهم كارثة في الوقت الحالي – قتل جماعي وتدمير كامل للمنطقة التي هم محبوسون فيها – هم سكان غزة وليس سكان إسرائيل. ولكن في دولتنا تشوشت الوقائع وابعادها بدرجة لا يمكن إصلاحها، أيضا استخلاص الدروس من إبادة ملايين اليهود على يد الالمان برعاية الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة التي أغلقت أبوابها امام من يريدون الهرب منها.
لو أننا فقط تمكنا من فتح العيون ورؤية ليس فقط ما يفعلونه بنا، بل أيضا ما نفعله نحن بالآخرين، ونرى الخراب والقتل الذي نخلفه منذ عشرات السنين على السكان المدنيين. لو أننا فقط تمكنا من سؤال انفسنا فيما اذا لم تكن لدينا طوال هذه السنين طريقة أخرى للعيش والاندماج في هذه المنطقة عدا هذه الطريقة، التي أوصلت هنا الى الحكم حكومة الوزراء فيها يؤمنون بشكل علني بايديولوجيا انتحارية من القمع الداخلي والخارجي. الآن القدرة على توجيه هذه الأسئلة واختيار الطريقة الأخرى للتعامل مع معرفة أنه بدون السلام لن يكون لنا وجود هنا، وأنه الآن هذا الوجود مشوه ومشكوك فيه بالنسبة لكثيرين منا، فان هذه القدرة حتى لا تلوح في الأفق البعيد جدا.
“أنا اكتب فكرة لمقال لن يكتب”، هذا ما كتبه الكاتب درور مشعاني قبل سنة تقريبا في مذكراته الشخصية الجميلة التي نشرت مؤخرا. (“صورة صغيرة”، اصدار احوزات بيت): “مرتان في القرن العشرين حاول اليهود العيش مثل الشعوب الأخرى. مرة عندما حاولوا الاندماج في أوروبا، ومرة هنا عندما اقاموا دولة خاصة بهم. المحاولة الأولى انتهت بكارثة. فهل أيضا الثانية محكوم عليها بالفشل؟. ولكن اذا كان الامر هكذا فانه في هذه المرة ايضا لا يمكننا إلا اتهام انفسنا. هل حقا حاولنا كل شيء؟”.
------------------------------------------
يديعوت احرونوت 21/3/2025
حروب هرتسي هليفي
بقلم: ناحوم برنياع
فجأة ينهض إنسان في الصباح ليكون من كان. هذا الانتقال مركب لكل انسان لكنه صعب جدا على رئيس أركان أدار أطول حروب إسرائيل بلا تاريخ نهاية بعد فشل ذريع تبعا لمستوى سياسي سام، متآمر عليه وعلى الجيش. رسميا، هرتسي هليفي ليس مدنيا بعد – امامه سنة تكيف طويلة، لكنه خلع البزة. الأيام الأولى في الحياة المدنية كرسها لزيارات الى بيوت عائلات ثكلى والعمل في مكتب وضع تحت تصرفه، بعيد عن الكريا. وهو يعمل على استكمال تحقيقات الحرب. ويوجد ما يجب أن يستكمل.
من شاهده يركض في الاماسي في دروب الصندوق القومي قرب بلدته رأى شخصا ازيح عبء ثقيل عن كتفيه. الإسرائيليون يعرفون هليفي مكفهر الوجه، المسؤول الأكثر رشدا، الراشد الأكثر مسؤولية، مع السترة الواقية الثقيلة، الحزام، السلاح وعصبة الضباط مخفيي الوجوه يفصلون بينه وبين الكاميرا. اما هليفي المدني، بالحذاء الرياضي وبالقميص قصير الكم فهو رجل آخر، خفيق ورشيق. دفعة واحدة أزال الكثير من السنين من 57 سنواته.
الكتب التي ستكتب عن الحرب سترى فيه شخصية تراجيدية. اما هو فمشكوك أن يرى نفسه هكذا. في اثناء الحرب فكرت غير قليل به وبددو، دافيد العازار، رئيس اركان حرب يوم الغفران. ددو تحمل مسؤولية مركزية عن الإخفاق، لكنه انتعش بسرعة، ادار الحرب جيدا وانهى 101 كيلو متر عن القاهرة و 40 كيلو متر عن دمشق في الطريق الى اتفاق سلام تاريخي مع مصر. بسبب توصيات لجنة اغرانات اضطر للاستقالة. التقيته في الحياة المدنية، قلق من المظاهرات ضده، ثائر عن أن اللجنة أطاحت به لكنها تجاوزت المستوى السياسي. بعد سنتين ونصف من الاستقالة، مات بشكل مفاجيء بسكتة قلبية ولم يكن الا ابن 50. عادة الاعتبار الجماهيرية لم تأتي الا بعد موته.
اما هليفي فنال (تقريبا) إعادة اعتبار في اثناء الحرب. هو يستقبل بمحبة في كل مكان، بما في ذلك في الشارع. هذا يحصل رغم الإخفاق ورغم أن آلة السم لنتنياهو وكاتس جعلته هو وقادة الجيش هدفا مفضلا. من السهل ان نفهم لماذا يعانق معارضو الحكومة هليفي: الالة التي تنتج السم تنتج أيضا رد الفعل المضاد. المقت تجاه نتنياهو يوازن الحساب على الإخفاق.
هو يحظى بالعناق أيضا حين يلتقي مع أناس الصهيونية الدينية، الذين هم الجمهور المستهدف من القناة 14 وامثالها. وهو يتحدث معهم كما يتحدث مع الجميع – مثل المعلم، المربي، الأخ الكبير. بعد 7 أكتوبر، وفي ظل الغضب على الإخفاق، الحزن على الضحايا والقلق على حياة المخطوفين والمقاتلين كانت هذه هي النبرة الصحيحة. ثمة لحظات في حياة الدولة لا تجدي فيها لا فرحة النصر ولا قصائد التمجيد.
في فرحة التوراة 2024، يوم السنة الأولى على الكارثة، اختار هليفي الا يتوجه الى الكنيس في بلدته. نزل الى الجنوب، الى لقاء عمل مع قائد المنطقة يرون فينكلمان. بعدها سافر الى كنيست في علوين، كيبوتس ديني ترك لمصيره وتعرض للهجوم في 7 أكتوبر. طلب المصلون منه ان يسعد الى التوراة فاستجاب. وأضاف وتلا مقطعا كان ابوه الراحل مومو هليفي يقرأه كل سنة في فرحة التوارة. فوجيء المصلون: آلة السم لم تروي لهم بانه ضالع في السنوات ومحب للتقاليد.
لكن يوجد ثمن أيضا للاسلوب وللطابع. الان، حين يكون في الكريا رئيس اركان آخر، مع أسلوب آخر، يطل النقد من جديد: هليفي كان معقدا اكثر مما ينبغي، مترددا اكثر مما ينبغي، لم يبدِ ما يكفي من الزعامة، لا حيال مرؤوسيه ولا حيال نتنياهو.
عندما طرق نتنياهو على الطاولة
عندما عرض هليفي على الكابنت عمليات الجيش الإسرائيلي في الـ 48 ساعة الأولى من الحرب، أشار الى أن سلاح الجو هاجم 1500 هدف في غزة. هذا عدد هائل يتطلب قدرات استخبارية وعملياتية استثنائية، انفجر نتنياهو غاضبا، صرخ وطرق على الطاولة. “لماذا ليس 5 الاف؟” قال لرئيس الأركان: “ليس لدي 5 الاف هدف مقر”. “لا يهمني الأهداف”، أجاب نتنياهو. “انزل بيوت، اقصف بكل ما يوجد”. لقد كان هذا الانفجار جزءُ مما وصف بعد ذلك على لسان غادي آيزنكوت وآخرين كانهيار في أداء نتنياهو في أيام الحرب الأولى. الضباط الذين التقيتهم في تلك الأيام رووا بان نتنياهو فقد تفكره. لا غرو أنه يرفض اليوم كل تحقيق. مشكلته ليست القاضي عميت. حتى لو ترأست غالي غوتليف لجنة التحقيق، فانها لا يمكنها أن تمنع الشهود الادلاء بشهاداتهم.
الجيش شعر بانه وحيدا لاحقا أيضا. أعضاء الكابنت تقاتلوا فيما بينهم: لم يوفروا لهيئة الأركان رؤيا متبلورة، استراتيجية، زعامة. الجدال في 11 أكتوبر 2023 على الحملة في لبنان بشر بما سيأتي: الجيش، الشباك، الموساد وزير الدفاع غالنت ايدوا؛ غانتس، آيزنكوت والامريكيون عارضوا. نتنياهو لم يرغب في التنفيذ لكنه خاف من أخذ المسؤولية، من التسجيل في البروتوكول. عاد نتنياهو وغالنت ليتقاتلا على الحملة في جلسات الكابنت في الأشهر التالية، امام العيون المندهشة لرئيس الأركان والجنرالات. لم يكونا قادرين على التوقف عن الخصام. الحملة خرجت الى حيز التنفيذ في توقيت آخر، في ظروف أخرى بنتائج أذهلت العالم. من كان محقا؟ الآراء، بما في ذلك في الجيش لا تزال منقسمة. توجد وجاهة هنا وهناك.
عمليا، ليس الكابنت هو من أدار الحرب، بل الجيش. كان هذا هو إحساس لابسي البزات. الجيش بادر، خطط، نفذ. نتنياهو أخذ حظوة على كل خطوة نجحت وهرب من المسؤولية عن كل خطوة فشلت. أحيانا تباهى بانه كان مشاركا في كل التفاصيل، أحيانا ادعى بانهم لم يرووا له شيئا، كله حسب النتيجة.
الازمة بين نتنياهو وهليفي بدأت بالانقلاب النظامي. طيارون ومساعدو طيارين هددوا بانه اذا ما اجيزت القوانين، فهم سيتوقفون عن التطوع. وزراء الحكومة ضغطوا باتجاه تنحية جماعية. “اذهبوا الى الجحيم، سنتدبر امرنا بدونكم”، هتف وزير الاعلام كرعي، واد من كثيرين. اما هليفي فقرر التصرف بشكل مختلف. “كن يسارا نابذا ويمينا جاذبا”، اقتبس عن هيئة القضاة الدينية “سنهادرين”. من يهدد بالتوقف عن التطوع، يحتاج الى اقناع وليس الى تنحية، اعتقد. في 7 أكتوبر كلهم امتثلوا للخدمة.
في حركة الاحتجاج هناك من هو مقتنع – العميد المتقاعد اساف اغمون مثلا – بان هليفي نجح اكثر مما ينبغي. أولئك الطيارين الذين اعلنوا بانهم فقدوا الثقة بحكومة نتنياهو قبل الحرب، لم يسمعوا همسة حين قتل في غزة في قصفهم عشرات الاف غير المشاركين، حين عرقل نتنياهو المرة تلو الأخرى صفقة المخطوفين واستأنف الانقلاب النظامي بقوة. احتجاج الطيارين ذاب في الحرب. هذا الأسبوع وقف لأول مرة مساعد طيار، متطوع في خدمة الاحتياط، في سربه واعلن انه سيرفض. فاطيح به فورا.
الامتثال الكامل للخدمة لم يسكت آلة السم. هليفي التقى في اثناء الحرب مع رؤساء المجالس في الجنوب. احدهم قال ان الطيارين لم يقصفوا في غزة في صباح 7 أكتوبر لانهم فضلوا حياة رجال حماس على حياة اليهود. هليفي صدم. ونسب القول الى غسيل الدماغ في قنوات الدعاية.
في قيساريا وفي ميامي أيضا، صنفوا هليفي كـكبلاني. جنون الاضطهاد فعل فعله. لكن رفض هليفي تنحية الطيارين لم يكن السبب المركزي للمواجهة التي احتدمت بينه وبين نتنياهو. كل شيء شخصي، لكن نزعة الوجود تحسم. عندما تكون السكين على الرقبة وجدعون ساعر كوزير أيضا ومحمود عباس أيضا؛ العدو يصبح حبيبا، والحبيب يصبح عدوا. فور انتعاشه، أجرى نتنياهو اختياره: هو سيلقي بكل المسؤولية عن الإخفاق على قيادة الجيش والشباك. هم سيسقطون وهو سينجو. والالة ستعرف كيف تنتج التفريق: جنودنا ابطال؛ قادتهم خونة. الحقائق لا تهم ولا الأفعال او القصورات. يجب ان تسوق للجمهور قصة مؤامرة ظلامية، تتقاسمها قيادة الجيش مع القضاة، النواب العامين، الصحافيين، مطوري التكنولوجيا العليا، اخوة السلاح، عائلات المخطوفين. هم الدولة العميقة التي قامت علينا لافنائنا. ترامب ما كان ليصيغ هذا على نحو افضل.
هليفي قال منذ البداية ان الحرب ستكون طويلة: لم يقدر كم. شريحة القيادة حوله هددت بالتفكك: ضباط كبار انفجروا بقاء. عميد في احدى الفرق روى لي بعد بضعة أيام من 7 أكتوبر بانه ذهب الى جنازة صديق قتل في احد الكيبوتسات وخجل أن يأتي بالبزة العسكرية. لهذه الدرجة أثقلت عليه احاسيس الذنب، الخجل.
في ضوء فقدان صلاحيات المستوى فوقه، فان الخراب الرهيب الذي هبط على الاف العائلات والصدمة على الضباط الكبار، اختار أن يبقى. اذا استقال، سيسوء الوضع، كما افترض. اعتزال رئيس اركان في ذروة الحرب سيفاقم الفوضى في الجيش واليأس في الجمهور. في نظرة الى الوراء يمكن أن نرى ما حصل لحزب الله وحماس بعد أن صفى الجيش الإسرائيلي زعماءهم العسكريين.
فينكلمان سار برأس واحدة معه. فقد آمنا بانهما سيجدا في داخلهما عظمة الروح. الحصانة التي اظهراها ستعزز الاخرين. الخط الذي تبنياه تجاه كل الضباط الذين كانوا مشاركين مباشرة في الإخفاق، من رئيس أمان فما دون كان يقول ببساطة: حتى انتهاء التحقيقات انتم مدعوون لن تبقوا. اذا قررتم الاعتزال قبل ذلك فافعلوا هذا بالتوقيت وفي الطريقة التي ترونها مناسبة لكم.
ظاهرا، وضعت الحرب حدا أيضا لمفهوم الهدوء بكل ثمن. مفهوم طويل السنين تشارك فيه المستويان السياسي والعسكري وأدى الى تدفق المال القطري الى حماس وسيطرة حزب الله على جنوب لبنان. هليفي وصف في احدى محاضراته هذه السياسة بالمثال التالي: مسمار يبرز من الأرضية. يعرض سكان البيت للخطر. بدلا من اقتلاعه، نحبذ التعايش معه.
في تلخيص ولايته لا يوجد بعد اليوم احتواء، لا في غزة، لا في لبنان، لا في سوريا. الجيش الإسرائيلي لن يسمح بعد اليوم بجيش إرهاب ان يتعاظم على حدود إسرائيل. وهو يعمل بقوة حتى لو امتنع عن الهجوم. هذه هي تعليمات المستوى السياسي وهو أيضا الدرس الذي استخلصه الجيش. الاختبار سيكون في المدى البعيد، اما الظروف المتغيرة، امام الحاجة الأساسية للمواطنين، للهدوء والاستقرار. الهدوء ليس كلمة نابية: هو مقدر حيوي لمجتمع يتطلع للحياة الطبيعية.
-------------------------------------------
هآرتس 21/3/2025
بدون سياسة تهديدات ترامب الفارغة من المضمون
بقلم: تسفي برئيل
“كل طلقة يطلقها الحوثيون ستعتبر من الآن فصاعدا وكأنها اطلقت من السلاح الايراني ومن القيادة الإيرانية”، حذر في هذا الأسبوع الرئيس الأمريكي ترامب. “ايران ستتحمل المسؤولية والنتائج، التي ستكون قاسية جدا”. الصاروخ الذي اطلقه الحوثيون نحو إسرائيل وصفارات الإنذار التي ايقظت مواطنيها في الساعة الرابعة فجرا من شأنها أن تثير التوقع – هناك من يقولون الأمل – بأنه في القريب ستظهر على شاشات الرادار تلك النقاط المضيئة التي ستبشر بهجوم جوي امريكي أو اطلاق الصواريخ نحو ايران.
ترامب في الحقيقة أمر بمهاجمة قواعد الحوثيين بحجم غير مسبوق، ولكن حتى الآن من غير الواضح ما هو الهدف النهائي للهجوم. الردع؟ تقليص القدرة؟ تدمير سلطة الحوثيين؟ هل ربما فرض على الحوثيين مفاوضات لوقف هجماتهم؟ في شهر آب الماضي غرد ترامب باستهزاء: “من الذي يجري باسمنا مفاوضات في الشرق الأوسط؟ القنابل تسقط في كل مكان. وجو الناعس ينام على شاطيء كاليفورنيا بعد أن تم نفيه على يد الحزب الديمقراطي”. الآن قنابل ترامب “تسقط في كل مكان”. ورد أمريكا مرعب اكثر من الذي كان في عهد جو بايدن. ولكن حتى الآن لم يوقف صواريخ الحوثيين.
ماذا بشأن تهديد ايران؟ قبل أسبوع تقريبا بدأ العد التنازلي للستين يوم التي منحها ترامب للقيادة في ايران من اجل بلورة اتفاق نووي جديد – حسب تقرير براك ربيد في اكسيوس. من غير المعروف اذا كانت الرسالة التي أرسلها ترامب للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بواسطة اتحاد الامارات تتضمن أيضا تهديد لايران اذا لم تستجب لـ “دعوته” للتفاوض. هل أيضا سيفتح عليها الرئيس أبواب جهنم أو أن مصير هذا التهديد سيكون مثل مصير التهديدات الأخرى التي اطلقها ترامب في ثلاثة اشهر ولايته؟.
ايران، بالمناسبة، أصبحت معتادة على تهديدات ترامب. ففي كانون الثاني 2020، بعد بضعة أيام على اغتيال قاسم سليماني، ترامب هدد ايران. “نحن حددنا 52 موقع في ايران (تمثل عدد الرهائن الأمريكيين الذين تم اسرهم على يد ايران)، بعضها مهم لإيران ولحضارتها. نحن يمكننا ضربها وضرب ايران بسرعة وبقوة كبيرة”. الأهداف توجد حقا؛ الذريعة الجديدة أصبحت ناضجة؛ لكن من الأفضل حبس الانفاس لأنه يصعب التخمين اذا كان ترامب سيفضل الانتظار الى أن ترد ايران على دعوته للتفاوض أو أنه سيقرر تحطيم احتمالية اجراء المفاوضات بمهاجمة ايران لأن الحوثيين اطلقوا صاروخ على إسرائيل، أو ليس أي منهما.
في غضون ذلك يبدو أنه باستثناء دعوة التفاوض فانه لا يوجد لترامب خطة عمل واقعية، سواء دبلوماسية أو عسكرية بالنسبة لإيران، بالضبط مثلما انسحابه من الاتفاق النووي في 2018 لم يكن له استراتيجية لليوم التالي. ترامب لم تكن لديه خطة بديلة للاتفاق النووي الأصلي، و”معظم الضغط”، حسب رأيه، الذي استخدمه ضد ايران في اعقاب الانسحاب أدى الى ازدهار المشروع النووي وزيادة واضحة لكمية اليورانيوم المخصب وارتفاع خطير في مستوى التخصيب حتى 60 في المئة بدلا من 3.67 في المئة، كما تقرر في الاتفاق الأصلي.
ايران ليست الوحيدة التي تنتظر تطبيق تهديدات ووعود ترامب. اكثر من مليوني غزي لا يعرفون اذا كان يجب عليهم البدء في حزم اغراضهم التي بقيت بعد القصف والاستعداد للانتقال الى “أماكن جميلة لن يريدوا العودة منها”، أو أنه من الأفضل إيجاد خيمة فارغة أو مبنى لم يتم تدميره بالكامل كي يقضوا فيه الحرب التي تجددت – التي لا نعرف كم ستستمر. ترامب تراجع عن خطته الكبيرة للسيطرة على غزة وأوضح بأنه لن تكون هجرة قسرية. ولكنهم في مصر والأردن والسعودية ما زالوا يحاولون معرفة ما هو معنى “هجرة ليست بالقوة”.
استئناف الحرب وتوسيعها بعملية برية بعد عمليات القصف القاتلة لإسرائيل، التي حسب تقارير قتلت المئات، يثير في مصر الخوف من أنه يستهدف دفع الغزيين الى اختراق الحدود. الكابح الوحيد الذي سيقف امامهم في حينه سيكون الجيش المصري، الذي يستعد على الحدود لمواجهة اقتحام مئات آلاف الغزيين. هذا سيناريو الكابوس لمصر التي ما زالت تعمل على اقناع واشنطن بتبني خطة السيطرة المدنية على غزة بواسطة “إدارة خبراء” تخضع للسلطة الفلسطينية.
في يوم الأربعاء الماضي التقى في الدوحة وزراء خارجية مصر، السعودية، الأردن، اتحاد الامارات وقطر، وحسين الشيخ الأمين العام للجنة التنفيذية في م.ت.ف، مع ستيف ويتكوف، المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، وتناقشوا في الخطة المصرية. حسب التقارير تم الاتفاق على أن تواصل الأطراف التشاور من اجل الدفع قدما بهذه الخطة. ورغم أن ترامب رفض هذه الخطة وقال إنها لا تتعامل مع الواقع في غزة، إلا أن الوزراء خرجوا من اللقاء مع الشعور بأن النقاشات مع ويتكوف وموافقته على فحص الخطة تدل على أنه يرى فيها أساس محتمل لتخطيط السيطرة على غزة.
العائق الرئيسي أمام تطبيق الخطة هو الناقص فيها: لا توجد فيها خطة لابعاد حماس من غزة. هي لا تتحدث عن نزع سلاح حماس، ولا توجد أي دولة مستعدة لارسال قوات عسكرية أو شرطية يمكنها أن تواجه حماس. بدون إجابات على هذه القضايا، وفي الوقت الذي فيه إسرائيل تضع حاجز لا يمكن تجاوزه امام وجود السلطة الفلسطينية في غزة، فقد بقي للولايات المتحدة فقط الموافقة على عدم طرد بالقوة سكان القطاع. هي تترك استمرار سيطرة إسرائيل في غزة بدون حل سياسي – وتسمح لها بفعل ما تريد.
استئناف الحرب في غزة لم يكن أمر محتم أو تطور خارج السيطرة. هذه استمرارية مباشرة لخرق إسرائيل احادي الجانب لاتفاق وقف اطلاق النار الذي عمل عليه ويتكون لايام كثيرة. في 3 شباط كان يتوقع أن تبدأ المفاوضات حول المرحلة الثانية التي تشمل انسحاب إسرائيل من كل القطاع (باستثناء منطقة عازلة على طول الحدود مع إسرائيل) والاعلان عن وقف دائم لاطلاق النار، أي انهاء الحرب واطلاق سراح جميع المخطوفين. إسرائيل كما نذكر لم ترسل حتى وفد للبدء في المفاوضات حول المرحلة الثانية. بعد ذلك أوقفت بشكل حادي الجانب ادخال المساعدات الإنسانية وقامت بقطع خطوط الكهرباء الأخيرة بينها وبين القطاع.
هذه الخروقات لم تحصل على رد مباشر من ترامب. فقط السفيرة الامريكية في الأمم المتحدة دروتي شاي، أعلنت بأن “حماس هي المسؤولية حصريا عن استئناف الحرب في غزة، والولايات المتحدة تؤيد خطوات إسرائيل”. قبل أسبوعين قال بعض المخطوفين الذين تم تحريرهم لترامب بأنه منحهم الأمل، وأنه “رسول من قبل الله”. فترة سريان هذا الأمل اوشكت كما يبدو على الانتهاء، ويبدو أن بعثة ترامب الإلهية ستكتفي بما نجح في تحقيقه حتى الآن – على ذلك هو يستحق الشكر.
ترامب، خائب الأمل من انهيار حلم الترانسفير المترف، في ظل عدم وجود خطة بديلة أو استراتيجية لليوم التالي للحرب، يمكن أن يتخلى عن المخطوفين ويبقي غزة لإسرائيل، وأن يكرس وقته لمواضيع مسلية أكثر، مثل حل وزارة التعليم في أمريكا، أو عناق صديقه بوتين. الكارثة الإنسانية في غزة لا تهمه حقا، والآن أيضا ليس لديه كونغرس مشاكس يهدد باغلاق صنبور السلاح لإسرائيل – مثل الكونغرس الذي فرض على ترامب وقف صفقات السلاح مع السعودية من اجل وقف الحرب في اليمن.
على هامش الطريق بين اليمن وغزة وايران توجد مواضيع أخرى ملقاة ومتروكة تنتظر سياسة أمريكية لها هدف محدد. احتلال أراضي في لبنان وترسيم الحدود البرية بين الدولتين؛ السيطرة على مواقع في سوريا وبلورة استراتيجية تجاه النظام الجديد في سوريا؛ سحب القوات الامريكية من سوريا والتزام أمريكا بالدفاع عن الاكراد؛ الحرب الاهلية الدموية في السودان. أيضا حتى الآن من غير المعروف كيف ينوي ترامب معالجة الدفع قدما بالتطبيع بين إسرائيل والسعودية، واذا ما كان سيذهب الى حلف دفاع مع السعودية حتى بدون التطبيع. صحيح أنه مرت فقط ثلاثة اشهر منذ القاء ترامب لخطاب تتويجه، والميزان الفاحص الأول من المعتاد القيام به بعد 100 يوم. ولكن حسب التهديدات التي اطلقها (والتي تراجع عنها)، والوعود والاحلام والاوهام التي زرعها، يبدو أن ترامب قد لبى بالفعل حصة الإنتاج المحددة لولاية رئاسية كاملة.
-------------------------------------------
يديعوت 21/3/2025
الديمقراطية الإسرائيلية تلفظ أنفاسها
بقلم: آري شافيت
في الوقت الذي تستأنف فيه الحرب في غزة، فإن الديمقراطية الإسرائيلية تنازع. أمام ناظرينا ترتجف آخر رجفاتها. لكن ما يتسبب بالموت والعذاب لحكم الشعب ليس ألوية الدبابات التي تحاصر مجلس النواب. ما يؤدي إلى موت حكم القانون ليس سيطرة جموع فاشية على المحكمة العليا. الديمقراطية الليبرالية الإسرائيلية تلفظ أنفاسها؛ لأن مسيرة سريعة من تفكك المعايير تستأنف في البلاد. فلا دين ولا ديان. لا قواعد ملزمة. كل شيء شخصي، وكل شيء قبلي، وكل شيء بالقوة. الغاية تبرر الوسيلة. الثقافة السياسية الديمقراطية تخلي مكانها لثقافة سياسية شمولية – استبدادية.
الجولة الحالية من الحرب الأهلية الفكرية بدأها رئيس الوزراء قبل يوم من استئناف القتال. لم يكن كافيا لنتنياهو أن تكون الثورة الدستورية، التي بادر إليها في كانون الثاني 2023، قد أوقعت علينا كارثة تشرين الأول 2023. لم يكن كافيا لنتنياهو انه بعد هدنة سنة عاد ليدفع قدما بالثورة الدستورية المحملة بالكارثة في ذروة الحرب. لم يكن كافيا لنتنياهو انه لأجل حماية حكمه سوغ التملص من الخدمة لنحو سُدس القوة البشرية التي يحتاجها الجيش لأجل أن ينتصر في المعركة. والآن، ضاقت عليه الطريق كي يقيل المستشارة القانونية للحكومة ورئيس «الشاباك» على حد سواء.
رغم أن بيبي مصاب بتضارب مصالح واضح، فهو يدفع قدما بقوة بخطوة مزدوجة تستهدف السماح له بأن يسيطر على كل مراكز القوة في الدولة. بروح ترامب وبروح أوربان وربما حتى بروح بوتين، يسعى رئيس السلطة التنفيذية ليكون زعيماً أعلى وحاكماً قوياً. فهو لم يعد معنياً بتوازنات تبقيه متوازنا وبكوابح تكبح جماحه.
الجولة الحالية من الحرب الأهلية الفكرية واصلها رئيس «الشاباك». لم يكن يكفي رونين بار أنه على مدى سنوات ولايته كرئيس جهاز المخابرات ذي الصلة عانت إسرائيل من العمى في كل ما يتعلق بغزة. لم يكن يكفي رونين انه في الليلة التي بين 6 و7 تشرين الأول تصرف بسخافة وإهمال إجرامي. لم يكن كافيا لرونين بار انه يتحمل مسؤولية مباشرة عن كل عملية اختطاف وعن كل عملية اغتصاب وعن كل عملية قتل نفذت في النقب الغربي يوم «المذبحة». أبو الإخفاق طور فكرا شبه مسيحاني حول الفريضة المقدسة التي توجب أن يبقى رئيس «الشاباك».
مستشارون استراتيجيون تولوا المهمة، وصحافيون كبار تلقوا الإحاطات. والرأي العام تمت هندسته. جُندت كل الوسائل لأجل أن يعرض الإنسان الذي خان ثقة شعبه ودولته كدرع للشعب ومنقذ للدولة. وبناء على ذلك نشر أيضا تحقيقا، هو لا تحقيق، بدلا من أن يجري حسابا حقيقيا للنفس يلقي بالذنب على المستوى السياسي. وعندها، عندما فعل بيبي فعلة لا تفعل، رد رونين بفعلة لا تفعل. بوقاحة لا توصف، أوضح رئيس الجهاز السري بأنه لن يطيع رئيس الوزراء المنتخب. تمرد علني لجهاز الأمن العام ضد الديمقراطية الإسرائيلية.
ظاهراً، نتنياهو وبار مختلفان جدا. الأول سياسي محنك ببدلة فاخرة والثاني مقاتل قيمي وجريء بـتي شيرت. لكن في الحقيقة هما متشابهان. بطلا المأساة يتناوشان بشكل جوهري على المسؤولية التي يتحملانها عن الكارثة الأفظع التي وقعت على الشعب اليهودي منذ المحرقة. كلاهما متمسك بكرسيه. كلاهما يوضح أن القواعد لا تنطبق عليهما، والقانون صغير عليهما. نتنياهو وبار على حد سواء يؤمنان بالإيمان المسيحاني ذاته: الدولة هي أنا.
الأزمة هي أزمة التلينا. أمام شواطئ السيادة الإسرائيلية تبحر سفينة التمرد لرونين بار المدعومة بالوسيمين أصحاب الغرة الشقراء واللقب. نتنياهو يطلق النار من مدفع غير مقدس على صوت الجماهير الذين يشعرون بأنهم ملاحقون ومقموعون. لكن ما لا يوجد هو مناحم بيغن. لا يوجد زعيم يطأطئ الرأس أمام القانون والمعايير. لا يوجد مسؤول يأخذ على عاتقه حسم الأغلبية وإرادة الشعب. بعد 77 سنة الديمقراطية الإسرائيلية تنتحر.
-------------------------------------------
إسرائيل اليوم 21/3/2025
نتنياهو يمارس عملية تطهير ضد المؤسسة الأمنية
بقلم: نحاما دويك
اصطفت المعسكرات، في ردة فعل بافلوفية، مع أو ضد إقالة رئيس جهاز الأمن العام «الشاباك» رونين بار. يؤيد اليمين إقالته، بينما دخل اليسار في حالة من القلق واليأس.
ودعا غادي آيزنكوت إلى احتجاج جماهيري مدوٍّ. لو أن آيزنكوت فقط حدّد مكان وزمان الاحتجاج الذي سيقف فيه على رأس المحتجين، لكنت صدّقت كلماته.
على النقيض منه، دُعيَ الجمهور نفسه إلى المشاركة في تجمُّع حاشد سيقام في ميدان «هبيما»، وهو مكان لا يمكن وصفه بالضخم تماماً، لكنه المكان الذي انطلقت منه احتجاجات «كابلان»، والتي أدت إلى وقف الإصلاح القضائي، وربما يأملون أن يأتي من هناك أيضاً الخلاص بإطاحة نتنياهو وحكومته السيئة.
لا شك في أن نتنياهو يمارس عمليات تطهير في المؤسسة الأمنية، بعد أن أقال وزير الدفاع، يوآف غالانت، وعيّن مكانه تابِعَه، إسرائيل كاتس، وبعد أن نجح في دفع قيادة الجيش الإسرائيلي إلى الاستقالة، يسعى الآن للسيطرة على «الشاباك».
سقطت الشرطة منذ زمن، وتشهد على ذلك سرعة اتخاذ قرار التحقيق مع رئيس جهاز «الشاباك» السابق، نداف أرغمان. سيُجرى التحقيق بعد تقديم تقرير لا يقلّ عن 28 صفحة، أعدّه ثلاثة محققين في قسم التحقيقات والاستخبارات. تم في هذا التقرير أيضاً تحليل قضية الوزير ميكي زوهر، الذي يُزعم أنه حاول ابتزاز المستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت، بالإضافة إلى قضية أُخرى تورط فيها عنصر استخباراتي هدد بكشف معلومات سرية.
من اللافت رؤية كيف أنه منذ ليلة الخميس، عندما أجرى أرغمان مقابلة، جرى إعداد تقرير مهني قاد إلى قرار جرّه إلى التحقيق. لو كانت الشرطة تعمل دائماً بهذه الكفاءة والاجتهاد، لكان وضعُنا مختلفاً تماماً. وهنا يجدر القول، إن نتنياهو يجب أن يرسل باقة زهور كبيرة لأرغمان، لأن مقابلته مهّدت الطريق إلى إقالة بار. وليس من قبيل الصدفة أن يقول نتنياهو في ردّه الأول على أرغمان، إن بار أيضاً يهدده، وهكذا جرى تمهيد الطريق إلى إقالته. بار، بصفته الشخص الذي تحمّل المسؤولية عن إخفاق 7 تشرين الأول، يجب أن يترك منصبه، ولا يجوز له الاستمرار في أداء دوره، بأمر من المحكمة العليا، فهذا غير لائق.
إذا كان موضوع استعادة المخطوفين عزيزاً على قلبه، فعليه أن يقف في «ميدان المخطوفين»، ويساهم في المعرفة والقدرات التي يمتلكها، لأننا مشغولون في الوقت الحالي بمصير بار، بدلاً من مصير المخطوفين. نتنياهو، بعبقريته الإعلامية، نجح في إبعاد قضية المخطوفين عن جدول الأعمال، والآن، الجميع منشغل بعدد الأشخاص الذين سيشاركون في التظاهرات غداً وبعد غد، بما في ذلك في اليوم الذي ستجتمع فيه الحكومة لمناقشة إقالته.
إن أحزاب الوسط - اليسار تلعب لمصلحة نتنياهو، وتمنحه ما يريده بالضبط، حتى من دون أن تدرك ذلك؛ الهجوم من الطرف اليساري عليه، وتوحيد صفوف اليمين حوله، وتحويل نقاش قضية المخطوفين إلى زوايا الصفحات الخلفية من الأخبار. تجدر الإشارة إلى حقيقة أُخرى مثيرة للاهتمام؛ هناك رئيسان لجهازَين أمنيَّين لم يتعرضا بعد لهجوم من نتنياهو، على الرغم من أنهما أيضاً يتحملان جزءاً من الإخفاق: رئيس مجلس الأمن القومي (تساحي هنغبي) ورئيس جهاز الموساد (ديفيد برنياع).
عُيِّن رئيس مجلس الأمن القومي في كانون الثاني 2023، ورئيس «الموساد» عُيِّن في حزيران 2021، وكلاهما كان في منصبه يوم «المجزرة»، لكن نتنياهو هو الذي عيّنهما. وفي المقابل، عيّنت حكومة التغيير هرتسي هليفي ورونين بار، ومنذ ذلك الحين، أصبحا مستهدفَين. يبدو أن هناك أيضاً سبباً آخر محتملاً لإقالة رونين بار: وفقاً لمصادر مطّلعة، في الجزء غير المنشور من تحقيق «الشاباك»، تمت الإشارة إلى أن الأموال القطرية استُخدمت لتعزيز قوة «حماس»، وأن «الشاباك» نقل تحذيراً بشأن ذلك إلى رئيس الحكومة.
وبحسب المصدر نفسه، فإن نتنياهو يخشى أن يربطه ذلك بشكل مباشر بالإخفاق. سنرى ما إذا كان سيطلب من رئيس «الشاباك» القادم إعادة فتح التحقيق ومحو هذا اللغم.
-----------------انتهت النشرة-----------------
أضف تعليق