06 آذار 2025 الساعة 09:01

الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الجمعة 31/1/2025 العدد 1223

2025-02-01 عدد القراءات : 67

 الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

 

 

 

 

 

هآرتس 31/1/2025

 

 

هل حل الدولتين ما زال ساري المفعول؟ نعم، لكن نحن بحاجة الى فترة تحضيرية

 

 

بقلم: شاؤول اريئيلي

 

 

الدخول الجديد لدونالد ترامب الى البيت الأبيض سترافقه من شبه المؤكد مبادرة لعملية سياسية إقليمية، التي ستجري في موازاة الاتفاق الهش بين إسرائيل وحماس. ويطرح سؤال هل ما زال هناك إمكانية لحل الدولتين حسب المعايير التي وجهت المفاوضات الفعالة الأخيرة بين اهود أولمرت ومحمود عباس في انابوليس في العام 2008؟. الجواب على هذا السؤال يتطرق لعاملين أساسيين. الأول هو فحص إمكانية ذلك على الأصعدة الجغرافية – الديمغرافية – الاقتصادية، السياسية – الاجتماعية، لأن كل واحد منها هو شرط ضروري، لكنه غير كاف، وخلق ظروف مادية للانفصال بالتدريج وإعادة بناء الثقة بين الطرفين، من اجل مفاوضات تجبرهما على الاكتفاء بـ “نصف الطموحات”.

 

 

إن الفحص المعمق للواقع الجغرافي في الضفة الغربية يكشف صورة معقدة من الانقسام الديمغرافي والسيطرة الجغرافية. في مناطق أ و ب، التي تشكل تقريبا 40 في المئة من أراضي الضفة الغربية، يعيش 2.5 مليون فلسطيني تقريبا، إضافة الى 400 ألف شخص يعيشون في شرقي القدس. المنطقة المأهولة في هذه المناطق تمتد على مساحة 710 كم مربع، أي حوالي ربع مساحة الضفة الغربية.

 

 

في هذه المناطق لا يوجد تواجد ثابت لليهود، باستثناء ثماني بؤر استيطانية غير قانونية في المنطقة ب، نصفها تعتبر مزارع يعيش في كل واحدة عائلة واحدة، ست بؤر منها توجد في المنطقة التي تسمى “المحمية المتفق عليها” في جنوب شرق بيت لحم. بؤرتان توجدان في منطقة رام الله، واحدة قرب مستوطنة عوفرة والثانية في منطقة قرية ترمس عيا. تجدر الإشارة الى أن كل الأراضي في مناطق أ و ب هي بملكية فلسطينية، سواء للدولة أو ملكية خاصة (المصدر: حركة “السلام الآن”).

 

 

في المنطقة ج الصورة معقدة اكثر: حتى نهاية العام 2024 كان يوجد فيها 134 مستوطنة و221 بؤرة استيطانية غير قانونية (66 منها أقيمت خلال الحرب الحالية). ورغم العدد الكبير للسكان اليهود إلا أن المنطقة المبنية لهم هي فقط 1.6 في المئة من أراضي الضفة الغربية. في موازاة ذلك الاستيطان الفلسطيني في مناطق ج يتضمن حوالي 1100 تجمع تمتد على مساحة 140 كم مربع، 2.4 في المئة من مساحة الضفة الغربية.

 

 

رقم آخر مهم هو أن حوالي 81 في المئة من الاستيطان الفلسطيني في المنطقة ج هو بالفعل امتداد طبيعي لبلدات أقيمت في مناطق أ و ب، التي البناء فيها امتد الى المنطقة ج. الفلسطينيون في المنطقة ج عددهم تقريبا 400 ألف نسمة – 45 في المئة من اجمالي سكان المنطقة. وتضاف الى هذا التعقيد حقيقة أن 52 في المئة من المنطقة ج – قلب الاستيطان في الضفة – هي بملكية فلسطينية خاصة.

 

 

معطيات المكتب المركزي للإحصاء حتى نهاية العام 2024 ترسم صورة معقدة للتواجد الإسرائيلي في الضفة: هذا التواجد يبلغ 511.908 نسمة، لكن التوجهات الديمغرافية التي تظهر هي سلبية. أيضا في هذه السنة، بما يشبه الثلاث سنوات من الخمس سنوات الأخيرة، يوجد ميزان هجرة سلبي (المغادرون اكثر من القادمين)، مع انخفاض كبير، من 1359 قادم في 2023 الى 1880 مغادر في 2024. الصورة البائسة تظهر سواء في ميزان الهجرة الدولية (بين الضفة والخارج)، الذي تدهور من 809 الى -284، أو في ميزان الهجرة الداخلية (بين إسرائيل والضفة)، الذي انخفض من 550 الى -1596. الزيادة في السكان تعتمد فقط على التكاثر الطبيعي، الذي ارتفع من 12499 الى 12998، حيث 58 في المئة منه يتركز في المستوطنات الحريدية، بالأساس في موديعين عيليت وبيتار عيليت.

 

 

بنظرة أوسع اليوم المستوطنون هم فقط حوالي 5.14 في المئة من اجمالي السكان في إسرائيل، 15 في المئة من سكان الضفة الغربية، 55 في المئة من سكان المناطق ج. هذه الأرقام تشير الى توجه مهم من التغيير الديمغرافي الذي يثير أسئلة هامة بخصوص استمرار الاستيطان وتركيبته الاجتماعية.

 

 

من ناحية الامكانية الاقتصادية لحل الدولتين، فان فحص العلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية يشير الى منحى من الاعتماد الآخذ في الازدياد. حسب بحث اجراه د. روعي فايبرغ، من مجموعة أبحاث “تمرور”، فان إسرائيل هي الشريكة التجارية الرئيسية للسلطة الفلسطينية، مع حجم تجارة سنوي يبلغ 5 – 6 مليار دولار. المعطيات تظهر أن حوالي 65 في المئة من الاستيراد الفلسطيني مصدره إسرائيل، و85 في المئة من التصدير الفلسطيني يوجه للسوق الإسرائيلية. بعد آخر من الاعتماد الاقتصادي يظهر في سوق العمل. حتى اندلاع الحرب الحالية فان حوالي 130 ألف فلسطيني كانوا يعملون في إسرائيل وفي المستوطنات بشكل قانوني، وحوالي 50 ألف كانوا يعملون بدون تصاريح. الحرب أدت الى ارتفاع دراماتيكي في نسبة البطالة في السلطة الفلسطينية، من 25 – 30 في المئة الى 50 – 60 في المئة. ونسبة البطالة مرتفعة بشكل خاص في أوساط الشباب.

 

 

صورة الميزانية تؤكد أيضا على تعميق اعتماد الفلسطينيين على إسرائيل. من بين الميزانية السنوية للسلطة الفلسطينية – 5.6 مليار دولار – حصة أموال الضرائب التي  تجبيها إسرائيل لصالح السلطة ارتفعت من 40 في المئة في 2010 الى الثلثين تقريبا اليوم. في موازاة ذلك حدث انخفاض كبير في الدعم من الدول المانحة، من 39 في المئة الى 4 في المئة فقط من ميزانية السلطة الفلسطينية. هذه الأرقام تعكس تعمق الاعتماد الاقتصادي بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل الذي مصدره اتفاق باريس.

 

 

الوضع الديمغرافي والاقتصادي في أوساط الإسرائيليين يعرض صورة مركبة وصعبة: ارتفاع نسبة الحريديين، الذين يشكلون الآن 36 في المئة من اجمالي السكان اليهود في الضفة الغربية، الى جانب انخفاض نسبة العلمانيين الى 26 في المئة، يعكس تغيير عميق في النسيج الاقتصادي – الاجتماعي للمستوطنين. الأرقام البارزة: 37 في المئة من المستوطنين ينتمون للعنقود الاقتصادي – الاجتماعي الأكثر تدنيا، و29 في المئة في العنقود 2 والعنقود 3. المعنى هو أنه تقريبا نصف السكان يعيشون في فقر عميق، اكثر 10 اضعاف المتوسط في إسرائيل. الدولة تحاول جسر الهوة بواسطة دعم حكومي بمعدل مضاعف من المتوسط القطري، لكن هذا حل اشكالي وليس حل دائم.

 

 

البيانات الديمغرافية والارضية في الضفة الغربية ترسم صورة واضحة: الفلسطينيون يمتلكون اغلبية ديمغرافية كبيرة ولديهم سيطرة جغرافية، سواء من ناحية الملكية على الأرض أو من ناحية المساحة المبنية. هذا الواقع يضع من يؤيدون فكرة الضم امام معضلة غير قابلة للحل، إما فقدان الأغلبية اليهودية أو التنازل عن الطابع الديمقراطي في إسرائيل.

 

 

مع ذلك، يمكن الانفصال بواسطة تبادل أراضي يبلغ 4 في المئة من أراضي الضفة. وهذا الحل سيسمح بالحفاظ على 80 في المئة من السكان الإسرائيليين الذين يعيشون الآن خلف الخط الأخضر تحت سيادة إسرائيلية مع الحفاظ على تواصل جغرافي ونسيج حياة، سواء للفلسطينيين أو للاسرائيليين.

 

 

التحدي العملي لاخلاء الإسرائيليين يتركز بالأساس في مجال التشغيل والإسكان. تحليل مفصل للمعطيات يظهر أنه يمكن مواجهة هذا التحدي: في مجال التشغيل، بسبب أن 50 في المئة من المستوطنين هم من الأطفال فان نسبة متوسط تشغيلهم هي 63 في المئة، و62 في المئة منهم يعملون الآن في إسرائيل و6 في المئة هم من المتقاعدين. أي أنه مطلوب انتاج فقط حوالي 3500 مكان عمل جديد في السنة لمدة خمس سنوات (تقريبا الجميع يوجدون في منظومة التعليم ومنظومة الرفاه). هذا تحد متواضع مقارنة مع وتيرة خلق أماكن عمل في إسرائيل، 100 ألف مكان عمل جديد في السنة.

 

 

على صعيد الإسكان وبالارتكاز الى نسبة البالغين فوق سن 19 سنة (50 في المئة)، ونسبة المتزوجين في هذه الفئة العمرية، سنحتاج الى بناء 6400 وحدة سكنية في السنة لمدة خمس سنوات. أيضا هذا هدف قابل للتحقق اذا تم الاخذ في الحسبان وتيرة البناء السنوية في إسرائيل، 55 ألف وحدة سكنية جديدة في السنة. هذه الأرقام تؤكد على أنه من ناحية جغرافية فان الفصل بين الشعبين في اطار حل الدولتين هو أمر قابل للتنفيذ، خاصة اذا امتد تطبيقه لفترة تبلغ خمس سنوات.

 

 

بخصوص فحص إمكانية تسوية سياسية على الصعيد الثاني، السياسي، هنا الصورة معقدة اكثر وهي تشمل تحديات وتناقضات. في الساحة الإسرائيلية الداخلية فان الحكومة الحالية التي تستند الى الكنيست، التي 16 من الأعضاء فيها يعيشون في مستوطنات وفي بؤر استيطانية، ترفض أي اتفاق يتضمن إقامة الدولة الفلسطينية. من خلال فحص قرارات الحكومة ولجان الكنيست السنوية الأخيرة، تقريبا لا يوجد أي ذكر لحل بعيد المدى للنزاع.

 

 

أيضا في المعارضة هناك تخوف من العودة الى معايير محادثات انابوليس. في موازاة ذلك م.ت.ف، رغم تأييدها الرسمي لحل الدولتين، تواجه تحديات داخلية مهمة مثل فقدان السيطرة في غزة، معارضة حماس لحل الدولتين، الانقسام في فتح وغياب الشرعية الجماهيرية، كل ذلك يصعب على إمكانية الدفع قدما باتفاق سياسي.

 

 

لكن المنظومة الإقليمية مرت بتغير دراماتيكي منذ 7 أكتوبر. بحث للدكتور موران زاغا، من مجموعة “تمرور”، كشف أن ست دول عربية رئيسية وهي مصر، الأردن، البحرين، دولة الامارات، قطر والسعودية، تربط بشكل مباشر بين انهاء الحرب في غزة وبين التقدم نحو حل سياسي شامل. هذه الدول تعتبر حل الدولتين المفتاح للاستقرار الإقليمي، وهي تدفع قدما برؤيا مشتركة تربط مستقبل المنطقة بحل دائم للنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين.

 

 

الساحة الدولية تعرض توجه مشابه مع ارتفاع حاد في تصريحات الدعم من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لحل الدولتين. في الولايات المتحدة، رغم هبوط دعم هذا الحل منذ فوز ترامب، يتبلور التقدير بأنه من اجل إزاحة حماس نحن بحاجة الى مبادرة سياسية واسعة. الخطة الامريكية تسعى الى تأسيس حلف دفاع إقليمي برئاستها، الذي سيصد “محور الفوضى والإرهاب” بقيادة ايران.

 

 

التحليل يظهر أن إسرائيل غارقة في عزلة دبلوماسية بسبب معارضة العودة الى العملية السياسية. مستقبل موقفها مرتبط بدرجة كبيرة بسياسة الرئيس الأمريكي الجديد، الذي سيضطر الى مواجهة الموقف العربي الذي يربط التطبيع مع إسرائيل بالتقدم في القناة الفلسطينية.

 

 

بخصوص الاحتمالية على الصعيد الاجتماعي، فان أبحاث الرأي العام التي اجرتها البروفيسورة سيفان هيرش – هلبر والبروفيسور جلعاد هيرش – هلبر، من “تمرور”، كشفت صورة مهمة لموقف الجمهور الاسرائيلي بخصوص مستقبل المناطق. النتائج من كانون الأول 2024 اشارت الى انقسام واضح: 50 في المئة من الجمهور اليهودي يؤيد الانفصال عن الفلسطينيين، سواء بواسطة اتفاق ثنائي (25 في المئة)، أو بعملية أحادية الجانب (25 في المئة). النصف الثاني يؤيد استمرار سيطرة إسرائيل، سواء في اطار الضم الرسمي أو عن طريق استمرار الوضع القائم.

 

 

في الجانب الفلسطيني الاستطلاعات التي اجراها معهد “التقدم الاقتصادي – الاجتماعي” تشير الى تأييد 69 في المئة من الفلسطينيين لحل الدولتين على أساس حدود 1967، 42 في في المئة يؤيدون دولة واحدة مع حق العودة. بحث د. رونيت مارزيل وسغليت ماؤور (تمرور) يشير الى تغير مهم في خطاب المؤثرين الفلسطينيين في الشبكات الاجتماعية: انخفاض 80 في المئة في استخدام المفاهيم المرتبطة بالنشاط العسكري والديني لصالح خطاب يؤكد على النشاط الإعلامي، الثقافي والسياسي.

 

 

لكن فوق كل المعطيات تحلق صدمة المذبحة في 7 أكتوبر وتأثيرها على المجتمع الإسرائيلي، إضافة الى الدمار الكبير والخسائر الكبيرة في قطاع غزة وتأثيرها على الطرف الفلسطيني. هذه التأثيرات تعتبر تحد مهم في الطريق الى أي حل مستقبلي.

 

 

الاستطلاع الشامل المذكور أعلاه يطرح فكرة رئيسية. ففي حين أنه توجد إمكانية جغرافية لحل الدولتين، فان المانع السياسي والاجتماعي، لا سيما في الطرف الإسرائيلي اليهودي، تقتضي اتباع مقاربة تدريجية. بدلا من السعي الفوري الى تسوية دائمة نحن بحاجة الى فترة تحضيرية تبني الشروط والثقة المطلوبة من اجل تقديم تنازلات كبيرة. أنا اريد اقتراح خطة سياسية لتسوية النزاع، تركز على محورين رئيسيين. الأول هو خلق شركاء شرعيين. في الطرف الاسرائيلي: اجراء انتخابات لتشكيل حكومة تستأنف الالتزام بحل الدولتين على أساس المعايير التقليدية. في الطرف الفلسطيني: اجراء انتخابات للرئاسة وبرلمان السلطة الفلسطينية وم.ت.ف بهدف إيجاد قيادة موحدة وشرعية، تضم كل الجهات التي تعترف بإسرائيل.

 

 

المحور الثاني هو إقامة بنية تحتية، جغرافية واقتصادية، تمكن من ترسيخ حوكمة فلسطينية: خلق تواصل جغرافي فلسطيني في الضفة عن طريق نقل جزء من المناطق ج للسلطة الفلسطينية، بما في ذلك 2 في المئة من المناطق المبنية التي انزلقت من مناطق أ و ب الى مناطق ج، بالارتكاز الى خطة شارون وأولمرت، ومن خلال نشر قوات شرطة فلسطينية في هذه المناطق في ظل معايير تنفيذ متفق عليها.

 

 

في قطاع غزة الجيش الإسرائيلي سيقوم بالانسحاب، وستنتشر شرطة فلسطينية مع إمكانية تعزيز من قوات عربية. استئناف العلاقة المتواصلة بين غزة والضفة الغربية بواسطة قطار (الممر الآمن)، عن طريق استكمال سكة الحديد من يد مردخاي الى معبر ايرز، ومن كريات غات الى معبر ترقوميا. ستتم حتلنة اتفاق باريس الاقتصادي، بما في ذلك إقامة منظومة مستقلة لمقاصة الضرائب الفلسطينية غير المباشرة، وسيتم تشكيل آلية دولية لتمويل العملية، وسيتم الدفع قدما بالتطبيع بين إسرائيل والعالم العربي، لا سيما في سياق بناء تحالف إقليمي امام ايران.

 

 

هذه الخطة تطرح اطار منطقي للتقدم مع الاعتراف بالقيود السياسية والاجتماعية القائمة، وخلق شروط تدريجية لبناء الثقة بين الطرفين. هذه العملية بحاجة الى فترة طويلة، وهي ترتكز الى نظرية “ربح – ربح” واضحة: إسرائيل ستحتفظ بصلاحيات أمنية جوهرية في الضفة الغربية، وستحتفظ بالمستوطنات والبؤر الاستيطانية وشرقي القدس وغور الأردن والحدود مع الأردن، وستحظى بتنسيق أمني وثيق مع السلطة الفلسطينية وتحسين علاقاتها مع الأردن ومصر والاندماج في تحالف إقليمي ضد ايران.

 

 

الفلسطينيون من جانبهم سيحصلون على تواصل جغرافي مهم (حتى لو كان محدود)، وتعزيز دراماتيكي للاقتصاد، وإعادة اعمار شاملة لقطاع غزة، واستئناف العلاقات الحيوية بين شطري فلسطين، وحوكمة ناجعة وعنوان واحد يمثل الشعب الفلسطيني. نجاح هذه المرحلة سيمكن من الانتقال الى التفاوض حول الاتفاق الدائم.

 

 

التحدي الأساسي كما يظهر التحليل أعلاه ليس في امكانيته الجغرافية أو المواضيع التقنية، بل في استعداد زعماء الطرفين لقيادة الشعبين الى مصالحة تاريخية. الوضع المعقد الذي وجد بعد 7 أكتوبر بحاجة الى إعادة التفكير: هل سنستمر في الانجرار نحو الدولة الواحدة أو هل سنجد الشجاعة والحكمة لتطبيق بديل الدولتين، الذي رغم كل شيء ما زال محتمل.

 

 

الطريق الى الامام تمر بالضرورة في مرحلة مؤقتة: انتخابات في الطرفين، نقل تدريجي لمناطق ج الى السلطة الفلسطينية وترميم العلاقات بين غزة والضفة الغربية. فقط بعد بناء الثقة المتبادلة واثبات الحوكمة الفلسطينية سيكون بالإمكان اجراء مفاوضات جوهرية حول الاتفاق الدائم. هذا لا يتعلق بخيال، بل بواقع معقد يقتضي زعامة شجاعة في الطرفين.

-------------------------------------------

 

 

يديعوت احرونوت 31/1/2025

 

 

العيون جفت من الدموع

 

 

بقلم: ناحوم برنياع

 

 

أربيل يهود قامت بخطواتها الأخيرة في الطريق الى الحرية. الضغط كان واضحا على وجهها. الاكتظاظ، الضجيج، الغبار، المعرفة بان حياتها سائبة في ايدي حراس مسلحين كان يسعدهم في ظروف أخرى أن يقتلوها. الطريق التي لا تنتهي من سيارة واحدة الى سيارة أخرى، في داخل الجموع. اذا كان ثمة شيء ما إيجابي في المشهد ممزق الاعصاب في خانيونس، كان في تذكير الإسرائيليين، والمشاهدين من خارج إسرائيل أيضا، بان الأسر في غزة لم يكن رحلة. تماما لا. من شاهد عودة المراقبات، سليمات ومعافات كان يمكنه ان يعتقد أن الشيطان ليس رهيبا جدا: دخلنَ سليمات، خرجنَ سليمات. رحلة ترفيه في غزة. ليس هذا هو الواقع.

 

 

ومع ذلك الصور مضللة. الجموع لم تطلب الدم – بل تسعى للتوفيق. وهم لم يكونوا مختلفين كثيرا عن الجموع الذين يحتشدون في المظاهرات، في الجنازات، في المهرجانات. الخطر يكمن في الحشر، في فقدان السيطرة. ليس هذا هو الحدث الذي يبرر تسمية الجموع الغزي “بالحيوانات البشرية”.

 

 

“لا يوجد غير مشاركين في غزة”. قضى في ضوء الصور محلل القناة 12 الموغ بوكر. هذا القول يتكرر على لسان كثيرين، في الجيش أيضا، منذ 7 أكتوبر. لست واثقا ان الناس يفهمون حتى النهاية الى أين يؤدي بهم هذا القول: اذا لم يكن غير مشاركين في القتال في غزة، فلا يوجد غير مشاركين في إسرائيل. الأطفال أيضا مشاركون، وكذا الشيوخ والرضع أبناء يومهم. كلهم جنود. هذا هو التفكير الأساس لمنظمات الإرهاب: مسموح لنا ابادتهم جميعهم حتى آخرهم. اذا لم نبيدهم، هم سيبيدوننا. هذه هي العقيدة التي غذى بها يحيى السنوار النخبة تمهيدا لـ 7 أكتوبر. الى أن اوصلته، كلنا نعرف. أما نحن فقد اوصلتنا الى الافساد الداخلي، الى مقتل قواتنا والى أوامر اعتقال في لاهاي. القاعدة الصحيحة بسيطة: اذا كان مقاتلا، فهو مشارك؛ اذا لم يكن مقاتلا فهو غير مشارك. لو كنا حرصنا على هذه القاعدة، ما كان الجيش الإسرائيلي ليقتل هذا الأسبوع كوبي افيتان، سائق تراكتور كانت تشغله وزارة الدفاع في محور نتساريم. “حادثة مؤسفة”، قالوا في الجيش. ليست حادثة مؤسفة – بل تفكير مؤسف.

 

 

صفقة المخطوفين الزمت إسرائيل بان تبتلع عودة حماس الى الحكم في غزة – هي الشريك. سياسة النعامة لحكومة إسرائيل توجت حماس من جديد على غزة، والصفقة أجبرت الإسرائيليين على ان يروا النتيجة بعيونهم. الصور لخصت اللحظة: إما حماس او الفوضى. من زاوية نظر أربيل، في الطريق الى سيارة الصليب الأحمر، حماس كانت مفضلة.

 

 

عنها فكرت وعن جماعة نير عوز كلها، التي استقبلت امس غادي موزيس وأربيل لكنها تذكرت أيضا عوديد ليفشتس، الذي لم يصل، ومخطوفيها وشهدائها جميعا. الفرح ممزوج بالحزن، بالقلق، بالغضب. العيون جفت من الدموع.

 

 

في رأس نتنياهو

 

 

ليست كل السفريات زائدة: نتنياهو يسافر يوم الاحد الى واشنطن لزيارة هامة، شبه حيوية. هذه الزيارة ستعلمه، وربما تعلمنا أيضا، الى أين وجهتنا هل للحرب والضم ام لانهاء صفقة المخطوفين، للانسحاب، للمفاوضات وللتطبيع. حتى لو كانت كل الشائعات عن امراض نتنياهو صحيحة، فان سفريته كانت واجبة الواقع.

 

 

نتنياهو وترامب هما زعيمان مسؤولان عن اضرار جسيمة الحقت بشعبيهما – كل واحد في يومه، كل واحد بطريقته. أي منهما لم يتحمل المسؤولية، أي منهما لم يتصدى لذنبه. أعطيت لهما الان فرصة للإصلاح – خطوة ذات مغزى في حالة ترامب، خطوة حرجة في حالة نتنياهو.

 

 

هل السفرية تبرر تأجيلا إضافيا لشهادة نتنياهو في محاكمته؟ بالتأكيد نعم، وليس فقط بسبب أهمية سفريته. شهادته هي مهزلة: فهي تسخر بالمحكمة حين يكون حاضرا ويلقي خطابات طويلة، عديمة الصلة، عن فكره الديمقراطي – وتسخر بالمحكمة حين يغيب. المحاكمة، التي كان يفترض بها ان تكون الدليل المؤكد على انه توجد في إسرائيل مساواة امام القانون، تثبت حاليا العكس: لا توجد مساواة. يوجد متهمون متساوون ويوجد متهم يساوي اكثر. ليس تفوق المحكمة هو الذي يعرض في القبو الأمين في شارع وايزمن في تل أبيب، بل انبطاح القضاة، قصر يد الادعاء، غرور الدفاع. اربع سنوات ونصف ضائعة، محرجة، خمس بعد قليل، ولا نزال نرى النهاية.

 

 

مندلبليت، الذي كان المستشار القانوني للحكومة قرر عدم الاكتفاء بالجنايات البسيطة ظاهرا، السهلة على الاثبات، في ملف 1000 أضاف اليها 2000 و 4000. هو وطريق النواب العامين لديه، لم يفهموا الى أي نفق طويل يدخلون الدولة.

 

 

في واشنطن سيلتقي نتنياهو ترامب 2.0 – نموذج مختلف تماما عن ترامب الولاية الأولى. في الجولة السابقة تحدث عن ثورة: في هذه الجولة هو مصمم على أن يحدثها، بسرعة، بقوة وبشكل غير رقيق. الثورة النظامية من تأسيس لفين وروتمان هي لعبة أطفال مقارنة بالبلطة التي يلوح بها الان ترامب على العرب، التقاليد وقواعد اللعب في الديمقراطية الامريكية. “هو يحمل صلاحيات الرئيس حتى مداها الأخير وبعدها يوسعها قليلا”، كتب، في خليط من العجب والفزع، بيتر بيكر، كبير محللي ترامب في “نيويورك تايمز”.

 

 

الثورة الترامبية لا تكتفي بتغيير السياسة: هي تعطي تفسيرا جديدا للدستور وللقانون، للتوازنات وللكوابح، للقوة التنفيذية للرئيس، للمسلمات في مواضيع الدين والدولة، الاقتصاد والمجتمع. مهاجرون غير قانونيين يرفعون الى الطائرات، موظفون مقالون بجموعهم، خدمات رفاه وفرتها الدولة منذ سنين توقف دفعة واحدة، مصوتو ترامب يحبون استعراض القوة، الزخم والكاريزما، الثأر بالمؤسسة الليبرالية، الكريهة. جزء من الثورة ستتوقف في المحكمة؛ جزء آخر سيمر. عالم قديم حتى الأساس سيخرب.

 

 

يكاد يكون كل نظام مطلق يبدأ هكذا. لموسليني عبر اردوغان وحتى بوتين، حماسة هائلة. عندما يكون المصوتون مطالبين بان يدفعوا باجسادهم ثمن التغيير، هم يحبون ثورتهم أقل بقليل.

 

 

فكرتان ستمران في رأس نتنياهو حين سيشم رائحة الثورة. الأولى، لماذا ليس أنا: لماذا في أمريكا العظمى، مع دستور فاخر، ابن 238 سنة، يمكن احداث تغييرات واسعة بتوقيع رجل واحد على صفحة ورق، لكن في إسرائيل كل روقة اطلبها تعلق في لجان الكنيست وفي احتجاج عائلات المخطوفين وفي الالتماسات الى محكمة العدل العليا؛ لماذا في أمريكا ترامب يغلقون ملفات قضائية ويلغون محاكمات ويقيلون بين ليلة وضحاها كل مستشار قضائي لا يرضي الرئيس، وفي إسرائيل في هذه الاثناء يتحدثون فقط عن الإقالة ويخافون لمسها. حان الوقت لاستيراد أمريكا الى إسرائيل.

 

 

التذكير الثاني كيف يمكنني أن استغل الموجة الثورية قبل أن تتبدد. ترامب عطش للثورات؟ انا سأصوت له ثورة. هو يفكر من خارج الصندوق؟ انا سأبتكر له حلا من خارج الصندوق. نبدأ بايران – هجوم على المنشآت النووية، مثلا، باسناد امريكي – ومن هناك نتدفق الى الضفة، الى غزة، الى لبنان، الى سوريا، الى السعودية، الى الأمم المتحدة. انتصارات للسلاح الأمريكي؛ صفقات بلا ثمن؛ مواقف تاريخية لم يسبق للعالم أن رآها. الايادي ستكون ايادي إسرائيل؛ الصورة صورة دونالد.

الأساس، كما سيذكر نتنياهو نفسه، هو استعراض القوة الجسدية، الثقة بالنفس، السيطرة على الوضع؛ ولا كلمة عن 7 أكتوبر، ولا كلمة عن أزمة التجنيد او العملية الجراحية للبروستاتا. ما هو جيد للقضاة في القدس ليس ملائما للرئيس في واشنطن. ترامب يحتقر الضعفاء.

-------------------------------------------

 

معاريف 31/1/2025

 

حل واشنطن

 

 

بقلم: آنا برسكي

 

يوم الأحد القادم سيقلع بنيامين نتنياهو في طائرة جناح صهيون الى واشنطن للقاء تقرر له يوم الثلاثاء مع الرئيس دونالد ترامب. نتنياهو سيسجل إنجازا سياسيا حتى قبل أن يدخل الى الغرفة البيضوية: فهو سيكون الزعيم الأجنبي الأول الذي يدعى الى البيت الأبيض في الولاية الرئاسية الثانية لترامب. انجاز وان كان فنيا جدا، لكن مع الاخذ بالحسبان رواسب الماضي على خلفية حدث التهنئة التي أرسلت من مكتب رئيس الوزراء للرئيس المنتخب جو بايدن في العام 2020، هذا أيضا ليس مفهوما من تلقاء ذاته.

يحتمل أن في الماضي، في واقع ما قبل 7 أكتوبر، كان نتنياهو ورجال مكتبه سيكتفون بإنجاز “المستوى الاخر” هذا- لكن ليس اليوم. اليوم بنيامين نتنياهو بحاجة الى الكثير جدا اكثر من الاستعراض المغطى إعلاميا للمحبة والود. رئيس وزراء إسرائيل، الذي يطير الى لقاء مع الرئيس الأمريكي فيما يجري فريقه مفاوضات للمرحلة الثانية من اتفاق وقف النار – ملزم أن يجلب من واشنطن إنجازات جوهرية ومصيرية. توجد له، بالطبع، قائمة طويلة من المواضيع التي اعدها استعدادا للحديث في يوم الثلاثاء، ولا بد اننا سنتطرق اليها. لكن أولا وقبل كل شيء ستكون مهمة نتنياهو مثلما في فيلم التوتر الهوليوودي – جلب حل للغز الذي يبدو في هذه اللحظة عديم الحل.

إسرائيل وحماس تدخلان الى مفاوضات فيما يبدو هدف كل واحد من الطرفين يتعارض بشكل مطلق مع هدف الطرف المقابل. إسرائيل مستعدة لان تنهي الحرب في غزة شريطة أن تنهي حماس وجودها كمنظمة مسلحة ذات سيطرة مدنية، سياسية وعسكرية. حماس تتطلع الى الوضع المعاكس: إسرائيل تنهي وجودها في غزة، وان تكون هي من تحكم فيها عسكريا، سياسيا ومدنيا. الرئيس الامريكي من جهته يطلق اقوالا توفر أملا لكل واحد من الطرفين. ترامب يريد أن يرى نهاية للحرب في غزة – وفي نفس الوقت لا يريد أن يرى في غزة منظمة الإرهاب حماس.

الهدف الأعلى لبنيامين نتنياهو في الزمن الذي خصص له في الغرفة البيضوية، سيكون اقناع ترامب بان هذين العنصرين لا يسيران معا. بمعنى، انهاء حرب سريع، لكن حماس تبقى، تحكم وتعود لتتعاظم؛ او ابعاد حماس بالضبط وفقا لارادة الرئيس الأمريكي، لكن لاجل أن يحصل هذا مطلوب واحد من الاثنين: حل سحري او استئناف الحرب. وليس مجرد “استئناف”. اذا كان لا بد من العودة الى القتال – فهذه المرة في إسرائيل يريدون ان يفعلوا هذا بشكل مختلف. بدون الأساليب العابثة التي فرضتها إدارة بايدن على الجيش الإسرائيلي: يد يمنى تضرب العدو، ويد يسرى تطعمه بالمساعدات الإنسانية. نتنياهو يؤمن بالقتال القوي دون ذكر طريقة الاجتياحات التي افلست ودون الاحياء الاجباري للعدو. للدقة، نتنياهو يؤمن بان التهديد المصداق بقتال قوي قادر على أن يكون بالنسبة له حلا سحريا يلتقي بمطلبي ترامب: انهاء الحرب في غزة، وانهاء حكم حماس.

 

الايادي ايادي حماس

 

في هذا الشأن، الجناح الصقري في الحكومة والذي تقلص الى شريك فاعل واحد – الصهيونية الدينية برئاسة الوزير بتسلئيل سموتريتش يمكنه أن يكون هادئا. نتنياهو لم يكذب على سموتريتش حين وعده بالعودة الى الحرب بغياب تحقيق أهدافها بطريقة أخرى. وهو حقا يرى في هذا خيارا وحقا يعتزم ان يقول هذا لدونالد ترامب. هو فقط يؤمن بانه يمكن بناء السيناريو الثالث: ليس استسلاما لحماس كثمن إعادة كل المخطوفين، وليس تنازلا عن جزء كبير من عودة المخطوفين كثمن العودة الى الحرب.

نتنياهو يؤمن بانه اذا ما نجح في اقناع الرئيس الأمريكي، بان هذا فقط واحد من الاثنين، ويتأكد من أن ترامب، بخلاف سلفه الديمقراطي، لن يحاول أن يفرض على إسرائيل، “سلاما بكل ثمن” – فان مجرد هذا الفهم سيقنع مسؤولي حماس غزة بشكل افضل من كل حملة اقناع أخرى بان وضعهم حقا ضائع، وانهم حقا مع الظهر الى الحائط. من ناحية إسرائيل الشرط اللازب سيكون نزع سلاح حماس ونفي زعمائها، تجريد غزة وإقامة حكومة انتقالية بهذه التركيبة أو تلك. بنيامين نتنياهو ليس مسعدا لان يوافق على اقل من هذا، بما في ذلك الخيار القديم لـ “حكومة تكنوقراط” ظاهرية فيما يكون الصوت صوت التكنوقراطيين، والايادي ايادي حماس.

 

“حلوى واسمها السعودية”

 

ماذا يفكر في هذا الرئيس ترامب، ليس واضحا بعد. في هذه الاثناء في إسرائيل يتلقون رسائل، تلميحات واقوال ويحاولون أن يركبوا من كل هذه لوحة فسيفساء واحدة. هكذا، مثلا، على خلفية اقوال ترامب الأخيرة عن فكرة النقل المؤقت للغزيين الى دولة أخرى ما، فان الرسالة الامريكية التي تلقتها القدس تتحدث عن فكرة ملموسة تقف من خلف الاقوال باهظة الثمن. يتبين أن رجال ترامب نقلوا منذ الان مقترح الصفقة لاحدى دول المنطقة: دعم امريكي اقتصادي مقابل موافقة تلك الدولة على أن تستوعب مؤقتا! مئات الاف الغزيين. ليس واضحا بعد، اذا كانت الدولة موضع الحديث أعطت موافقتها بخلاف الأردن، مصر ودول أخرى فزعت ورفضت. لكن مجرد الفكرة شجع ومنح القدس تفاؤلا بشكل عام.

الى جانب التفاؤل الحذر، في إسرائيل يفضلون الإبقاء على النهج الواقعي. الفهم هو أنه حتى لو نجحت المفاوضات للمرحلة الثانية التي ستبدأ الأسبوع القادم في التقدم دون أن تتفجر فان حملة الضغط على حماس ستستغرق زمنا أطول من عدد الأيام التي خصصها الاتفاق للمفاوضات بين الطرفين.

في إسرائيل سيحاولون تمديد الوقت قدر الإمكان. اذا أعربت حماس عن اهتمامها بمواصلة المفاوضات سيكون ممكنا محاولة هندسة نوع من الاتفاق داخل الاتفاق: استمرار تحرير المخطوفين مقابل المزيد فالمزيد من أيام المفاوضات. كلما كان ممكنا الإخراج من الجحيم الغزي مخطوفا واحدا إثر آخر على الأقل – من ناحية إسرائيل يمكن للمفاوضات أن تستمر دون قيد زمني. بالنسبة لهذا السيناريو يوجد، بالطبع غير قليل من الشكوك – فمنذ بداية المرحلة الأولى للصفقة، المرحلة التي اتفق ووقع عليها – حاولت منظمة الإرهاب خرق وشد الحدود قدر الإمكان.

وعليه، ففي إسرائيل يؤمنون أقل بالعقل السليم لمسؤولي حماس، ويؤمنون اكثر بالضغط الذي تمارسه قطر ومصر ومن شأنهما أن يمارساه بقدر اكبر على قادة منظمة الإرهاب. “هذا يحصل بفضل أثر ترامب تماما”- يقول مصدر مطلع على ما يجري – “الضغط الذي مارسه ترامب على قطر هو مئة ضعف مقارنة بما حاولت إدارة بايدن ان تعرضه كضغطها على الوسطاء”.

وماذا عن الورقة المظفرة؟ الجائزة الكبرى التي في حينه كنا على مسافة خطوة عنها، اتفاق التطبيع مع السعودية؟ ليس صدفة أن مبعوث ومقرب ترامب، ستيف ويتكوف بدأ زيارته الإقليمية ليس في القدس بل في الرياض. مسؤولون كبار في إسرائيل يدعون بان الاتفاق شبه نضج – ان لم يكن نضج تماما. ما ينقص لاجل تنفيذ التفاهمات الهادئة من ناحية السعوديين هو انهاء الحرب في غزة. فهل يمكن تحليل خطوة التطبيع قبل ذاك النصر المطلق الذي يظهر في اهداف الحرب؟ على هذا السؤال أيضا يحاول بنيامين نتنياهو أن يحصل على جواب يوم الثلاثاء القريب القادم.

 ------------------------------------------

 

إسرائيل اليوم 31/1/2025

 

 

نعم لخطة ترامب  - ليقيموا دولتهم في “رفح المصرية”

 

 

بقلم: يوعز هيندل

 

احتمال نجاح ترامب بنقل الغزيين إلى مصر أو إلى إندونيسيا طفيف. رغم ذلك، لا يوجد سيناريو أفضل من هذا. من يعتقد أن هذا غير أخلاقي فهو لا يعرف الخطر الوجودي الذي حام فوق دولة إسرائيل في 7 أكتوبر.

لا يوجد أخلاق أعلى من منع الحروب وإنقاذ الحياة. أحد المفاهيم الأهم الناشئة عن 7 أكتوبر أنه لا احتمال أن يعيش الغزيون حياة هادئة إلى جانب إسرائيل. فهم يتربون على الكراهية ويتلقون المال كي يقاتلوا. ونحن في خط جبهة صدام الحضارات. إذا لم تكن هذه حماس، فسيكون كاره آخر.

في عالم يعمل حسب المنطق، رفح المصرية والمنطقة جنوبها ستشترى لتصبح دولة فلسطينية. غزيون آخرون كانوا سينتقلون إلى دول إسلامية أخرى. المصريون بحاجة إلى المال والدعم الأمريكيين. الغزيون بحاجة إلى الأرض والهدوء. ونحن نقاتل لأنه لا خيار آخر معهم. فإذا أمكن نقل السكان لحل نزاع ما مثلما حصل في أماكن أخرى، لكان هذا حلاً كاملاً. هكذا، بالمناسبة، هنا في البلاد منذ قيامها. سكان انتقلوا في 1948، بعد هذا في 1967 وفي المرة الأخيرة في 2005، عند تنفيذ خطة فك الارتباط. سكان انتقلوا وينتقلون في أماكن أخرى في العالم. العدالة؟ لا يوجد دافع للبحث عن العدالة للغزيين؛ لأن أمن الإسرائيليين فوق كل شيء.

أقدر بأن خطة ترامب الجديدة ستبقى كلمات في الهواء (وعليه، يجدر العودة إلى الأرض وإعداد خطط عملية لتجريد غزة). من جهة أخرى، هكذا كنت سأعرض أي سيناريو حصل منذ بداية الحرب.

-------------------------------------------

 

هآرتس 31/1/2025

 

 

شعب إسرائيل ما زال غارقا في الخدعة التي تؤدي الى تدمير شعب، وفي عملية تهيئة القلوب

 

 

بقلم: بني موريس

 

إسرائيل لا تنفذ في غزة إبادة جماعية. المدعي العام في لاهاي والبروفيسورات الاذكياء، من عمار بارطوف وجنوبا، الذين يتحدثون عن الإبادة الجماعية، جميعهم مخطئون. لا توجد سياسة إبادة جماعية للحكومة. ولا قرار من القادة لتنفيذ إبادة جماعية. ولا توجد نية متعمدة لابادة الفلسطينيين. ولا توجد أوامر تنزل من الحكومة الى الجيش، أو من قادة الجيش الى الرتب العملياتية، لقتل الفلسطينيين. صحيح أنه يتم قتل الكثيرين منهم ولكن هذه ليست سياسة، ولا توجد إبادة جماعية.

 

لكن الإبادة الجماعية ربما تكون في الطريق.

 

شعب إسرائيل ربما يكون في الطريق الى هناك. الآن هو يوجد عميقا في الخدعة التي تؤدي الى الإبادة الجماعية، وعميقا في عملية تهيئة القلوب. من ناحية تهيئة القلوب فان جزء من الشعب في الحقيقة أصبح يوجد هناك (حتى لو لم يدرك ذلك)، وهو الجزء الذي يذكر “العملاق” ويتحدث بصوت مرتفع أو في الغرف المغلقة عن الاجتثاث والنفي والترحيل (ربما يجدر به التذكر بأن النازيين في البداية، في 1939 – 1940، تحدثوا عن نفي يهود أوروبا الى مدغشقر أو مكان آخر قبل البدء في الإبادة الجماعية).

كثيرون في الصهيونية الدينية وفي أوساط الحريديين القوميين والبيبيين يعلنون على رؤوس الاشهاد عن المرغوب بالنسبة لهم، وعن تسوية نابلس وجنين وتسوية قرى. حتى مؤخرا في جنازة القتيلتين من كدوميم طالب الخطباء بتسوية قرى ومدن فلسطينية. هم لا يعتبرون الفلسطينين بشر. ولا شك لدي بأنه عند عودة المخطوفين الى البلاد في الجولات القادمة، الاحياء والاموات، وحالتهم الجسدية والنفسية تظهر للجمهور، فان هذه التهيئة سيتم تسريعها.

إن نزع الإنسانية الذي يجب أن يتجذر في القلوب قبل الإبادة الجماعية اصبح موجودا. ذات مرة تحدث وزير إسرائيلي عن “صراصير في زجاجة”، وتم توبيخه. الآن لا يوجد تقريبا أي توبيخ. تظهر في أوساط الجمهور اليهودي لامبالاة من القتل الجماعي في غزة، حتى قتل النساء والأطفال. ولامبالاة من تجويع الفلسطينيين في الضفة الغربية، من خلال منع عملهم في البلاد، الامر الذي يؤدي الى الفقر والتجويع المحدود، وإزاء التنكيل بهم، بما في ذلك قتل العشرات في السنة الأخيرة على يد المستوطنين.

إن نزع الإنسانية يتم التعبير عنه كل يوم، حسب شهادات الجنود، بقتل المدنيين في القطاع بوحشية على يد الجنود والسجانين اثناء نقل المعتقلين وهم شبه عارين، بعضهم من رجال حماس وبعضهم من المدنيين، الى معسكرات الاعتقال، بروتين الضرب والتعذيب في معسكرات الاعتقال وفي السجون، ولامبالاة الجمهور إزاء كل ذلك. يظهر أيضا أن حراس العتبة، الذين يتم تحديهم بشكل متواصل من قبل اعمال الظلم والفساد والتلاعب من كل جهة، ببساطة هم في حالة عجز امام طوفان الاعمال الوحشية. كل ذلك هو من علامات نزع الإنسانية التي تسبق الإبادة الجماعية وتدفع بها قدما.

لا شك أن العملية التي تمر فيها إسرائيل، على الأقل في جزء منها، تنبع من عملية موازية وهي نزع إنسانية اليهود التي تطورت في أوساط الجيران المسلمين الفلسطينيين. الأساس تم وضعه في بداية عهد الإسلام في الوصف الذي يظهر في القرآن، اللقاء بين النبي محمد  واليهود وذبحهم واجتثاثهم من الحجاز في القرن السابع. في القرآن تم وصف اليهود بأنهم شعب حقير، يقتل الأنبياء، واحفاد القردة والخنازير.

هذه الاقوال يتردد صداها في الوثيقة الأساسية للحزب الأكثر شعبية في أوساط الفلسطينيين، أي حماس. ميثاق حماس الذي هو دستور المنظمة من العام 1988 يوضح أنهم يجب مطاردة اليهود وقتلهم، وأن الصخور والأشجار التي سيختبيء خلفها اليهودي ستتعاون وستبلغ مطارديه عن وجوده خلفها. هذا التفكير هو تفكير بالابادة الجماعية.

في الميثاق يتم وصف اليهود بأنهم شيطان، وأنهم يتحملون وزر اندلاع الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية. واندلاع الثورة في فرنسا وفي روسيا في القرن الثامن عشر والقرن العشرين على التوالي. وإقامة منظمة الأمم المتحدة (المنظمة التي عملت وتعمل كل يوم من اجل حماس والفلسطينيين بشكل عام). لا يجب فهم القتل الجماعي لليهود في غلاف غزة، من الطفل وحتى الشيخ، وتفاخر القتلة باعمالهم في لحظة الذبح الحقيقية، إلا كتعبير عن الكراهية التي تندلع من صفحات القرآن ومن الميثاق (تم تسجيل صوت احد القتلة في صباح 7 أكتوبر وهو يتصل بوالده ويبلغه بسرور بأنه ذبح الآن يهودي بسكين في شارع 262).

لكن الكراهية كلها لا تأتي فقط من الأيديولوجيا. يوجد أيضا تاريخ وافعال. من السهل رسم عملية تهيئة القلوب للابادة الجماعية في أوساط العرب. لبنة أساسية في ذلك كانت اقتلاع معظم الفلسطينيين من بيوتهم في حرب 1948 (الحرب التي هم بدأوها). ومنذ العام 1967 اليهود يحكمون سكان الضفة الغربية ويسيطرون عليهم ويقومون بقمعهم، أحيانا بوحشية، ودائما من خلال الإهانة.

خلال هذه العقود فان عدد المعتقلين الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية تجاوز الـ 100 ألف بكثير. أيضا سكان قطاع غزة تم قمعهم واعتقالهم من قبل اليهود. منذ عقود هم يقومون بحصارهم ولا يوجد من يدخل أو يخرج منهم. وبين حين وآخر يمطرون عليهم النار من الجو والأرض، ردا على الصواريخ التي يطلقونها على جنوب البلاد. لا شك أن القتل الجماعي واقتلاع السكان من بيوتهم من قبل إسرائيل في الـ 16 شهر الأخيرة ستعمق التهيئة للابادة الجماعية ضد اليهود. عملية تهيئة القلوب لدى اليهود كانت مشابهة، ولكنها أيضا مختلفة. ففي أوساط جزء من اليهود هذه العملية مرت في الكتب المقدسة. التوراة تتحدث عن احتلال البلاد والاستيطان فيها في عهد يهوشع والقضاة، التي رافقتها اعمال القتل والذبح، وحتى أوامر ذبح “للعملاق”. وفي أوساط جميع اليهود عملية التهيئة شملت جولات ذبح لليهود على يد الاغيار في الالفي سنة الأخيرة، بالأساس على يد المسيحيين، وأيضا على يد المسلمين (فرهود وغيرها)، التي كانت ذروتها في الكارثة. وقد اضيف الى ذلك في القرن العشرين الإرهاب غير النهائي للعرب ضد اليهود في ارض إسرائيل (الخليل، صفد، قافلة هداسا، معلوت وغيرها).

7 أكتوبر شكل الذروة في تهيئة قلوب اليهود للابادة الجماعية، التي كما يبدو ستأتي. نسبة الولادة غير المتناسبة في المجموعات السكانية اليهودية، التي تميل الى استخدام العنف ضد العرب، فقط تقرب الاندفاع نحو الإبادة الجماعية. ويمكن الاعتماد على العرب في توفير المبرر والشرارة.

هذا لن يشبه 7 أكتوبر. ولن يكون هناك اقتحام كبير من القطاع للغلاف. في الجيش الإسرائيلي والشباك بالتأكيد تعلموا الدرس. ولكن ستكون حادثة تشعل الشرارة – اقتحام، أو اقتحامات، لمستوطنات مع عدد كبير من المصابين، اسقاط طائرة ركاب إسرائيلية أو طائرات مليئة باليهود، اغراق سفينة تخرج من حيفا، تسميم ناجح لمصادر المياه أو نشر الغاز السام في الهواء. سيكون محفز، وعندها ستأتي الإبادة الجماعية، بتسوية مدن من الجو، بدون أي تمييز أو محاولة للتمييز بين المدنيين والمسلحين، أو بمعسكرات إبادة. ربما سيكون دمج بين النفي (التطهير العرقي) والابادة الجماعية، كما تعود الاتراك على التعامل مع التجمعات المسيحية في آسيا الصغرى في الأعوام 1894 – 1924.

اذا لم يتم حل المشكلة الفلسطينية، التي اعادها 7 أكتوبر الى وعي العالم ووعينا، وحل الدولتين للشعبين يكون مفيدا (حتى لو أنه يظهر الآن كأمر خيالي)، فان الإبادة الجماعية ستأتي، والطرف القوي بالطبع هو الذي سينفذها.

------------------------------------------

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

هآرتس 31/1/2025

 

في كل مكان هم موجودون هناك، من منهم حظي بالوصول الى عيد ميلاده العشرين

 

 

بقلم: حجاي العاد

 

طريق إسرائيل يشق الطريق شمالا، من سفح جبل سفحوت الى شاطيء ايلات، الى قلب النقب. الصحراء كبيرة، والافق بالطبع، والقلب يتوسع. الكيلومترات تمر وهكذا يمكن أن تسافر لساعات بدون أن ترى أي انسان، فقط أشجار الكينيا واوراق الأشجار واشجار اللبلاب، وزوج من أشجار النخيل في وادي راحم.

إسرائيل في السنة والربع سنة الأخيرة منذ المذبحة في حالة حيرة. صحيح، تلاحقها الكراهية والانتقام، لكن قبل لحظة من ذلك وحتى السنوات القادمة هي محاطة بالحزن والأسى اللانهائيين. ما هي صلة الصحراء الواسعة وكل انهار الدماء التي سفكت هنا؟ يمكنك السفر لساعات وأن تشكر الله لأنك لا ترى أي أحد.

الملصقات تتم رؤيتها مرة تلو الأخرى، والقلب يتفطر. صورة على كل ملصق واقتباس صغير وتاريخين، الفجوة بينهما من حيث السنوات صغيرة جدا. من منهم أصلا حظي بالوصول الى عيد ميلاده العشرين. هذه الملصقات توجد في كل مكان: على البراميل وعلى اللافتات التي فيها شرح جيولوجي، وعلى قنوات المياه والمعالم البارزة. سافروا في هذا الطريق وستلقون الصحراء. اهربوا من كل شيء وستكونون في حيرة.

مثل  وسط الصحراء، أيضا هكذا الامر هنا، انهار الدماء كجزء من الحياة في هذا المكان. وهكذا أيضا الحزن والذاكرة.

شاب قبل التجند يسافر في مقاطع من الطريق لوحده. نحن لا نتحدث لأن الهدوء جميل في الصحراء، ومن يسافر وحده هو لا يفعل ذلك لاجراء محادثة. بعد ذلك نتحدث قليلا، بقدر يكفي كي نفهم كم نحن مختلفون. من يحرص على التوقف من اجل الاستراحة قبل الصعود، ومن يحرص على الاستراحة فقط بعد الصعود.

سألت اذا كان الوالدان قلقان – مع ذلك هو لوحده – أشار الى الهاتف المربوط بالاقمار الصناعية والذي صمما على أن يحمله. القلب اتسع على الفور عند الادراك بأن هذا ليس تكنولوجيا باردة، بل هو حب الآباء القلقين على الابن. هذا غطاء واقي يرافقه في طريقه ويحميه من كل شر. في نهاية المطاف هو لم يصل حتى الى العشرين من عمره بعد.

في الصباح، في مخيم المبيت، المتدربون من مدرسة عسكرية تمهيدية يلعبون وكأنهم في الجيش، لا يلتزمون بالمواعيد ويقرأون الأرقام التي توجد على الواح الحديد. جنون وكأنه طبيعي. شباب في نزهة في الصحراء، ما شأنكم في لعب دور الجيش؟ وهم ينشدون “نعم، نعم، من حلم في حينه في الصف عندما تعلمنا عن ظهر قلب ترديد “على اسوارك يا قدس، وضعت الحراس، سيأتي اليوم الذي سأكون فيه أحدهم”.

لا يمكنك أن لا تبكي، وحتى بعد ساعات عندما تجد ملصق لبن زوسمان ( 19/10/2001 – 3/12/2023) وترى الاقتباس القصير في الرسالة التي تركها: “يا قدس، وضعت الحراس، سيأتي يوم وأكون واحدا منهم”.

نسير في الصحراء ونعيش الحياة هنا بكامل الروعة. نسير في الصحراء ونشعر على جسدنا وفي أعماق قلبنا كم هي الحياة هنا هشة. لأنه لا يوجد خلاص من كل شر. الطريق طويلة ونحن نتذكر، لكن أيضا الطريق الأطول يمكن في نهاية المطاف أن تغرق في محيط من الدماء والحزن.

غزة اصغر بكثير، وعدد القتلى اكبر بكثير، وأنا لا أعرف اذا بقيت فيها حتى الآن طرق أصلا. رومي غونين، التي بقيت على قيد الحياة بشجاعة، خلافا لكل التوقعات، عادت بعد سنة وربع من الأسر في غزة. وقد كتبت بأنه “توجد حياة بعد الموت”. وعندما قفزت عائدة من القبر الى الحياة، فان دولة كاملة بكت ولم تعرف نفسها من شدة الدهشة والفرح. بصيص من الضوء، ربما يوجد لنا مع ذلك بصيص من الأمل.

انهار الدماء التي سفكت هنا في 7 أكتوبر 2023 ستشكل حياتنا لسنوات قادمة – حياة من حظوا بالاحتفال بعيد ميلادهم العشرين. الأرض مشبعة بالدماء، الندب في الجسم والروح ستلتئم ببطء، الحزن والذاكرة سيبقيان. المستقبل سيتشكل في ظل الفظائع الحالية، لكن كيف سيكون؟.

الكيلومترات تمر، ويمكننا السير هكذا لساعات.

------------------------------------------

هآرتس 31/1/2025

 

لنحذر طمس الحقائق بـ7 أكتوبر

 

 

بقلم: يئير اسولين

 

من الواضح أنه يجب تشكيل لجنة تحقيق رسمية للتحقيق في كارثة 7 تشرين الأول (أكتوبر). ومن الواضح أنه يجب أن تكون حسب القانون. ومن الواضح أنه يجب عليها التحقيق مع كل المتورطين فيما أدى بدولة إسرائيل الى اكبر كارثة في تاريخها. ومن الواضح أيضا لماذا يحاول الائتلاف منع تشكيل هذه اللجنة، ولماذا يجب علينا النضال من اجل أن تشكل وتحقق وتقول كلمتها. كل ذلك واضح.

لكن بعد كل ما هو واضح لمعظم المجتمع الإسرائيلي يجب القول بأن لجنة التحقيق الرسمية، التي ستحدد المسؤولية ومن يتحملون المسؤولية عن الإخفاقات التي أدت الى هذه الكارثة، وتعطي التوصية حول كيفية التصرف فيما بعد، وربما أيضا ستكشف للمواطن الإسرائيلي طريقة اتخاذ القرارات فيها، هذه اللجنة هي من الأمور الأقل أهمية التي يجب أن تظهر هنا في اعقاب الكارثة.

لن تكون حاجة حقيقية الى أي لجنة تحقيق حكومية بحكم التعريف وبالنظر الى الأشخاص الذين يمكن أن يشكلونها في افضل الحالات، من اجل معالجة الأسئلة العميقة التي كشفها 7 تشرين أول (أكتوبر).

اللجنة أيضا لن تتناول العلاقات المريضة بين الدين والدولة، أو سعي الدولة الى السيطرة على الدين بأي ثمن، أو رؤية إسرائيل لنفسها فيما يتعلق بالفضاء الذي تعيش فيه (التصور الذي ينبع منه الاحتلال أيضا)، أو الفشل التربوي والثقافي العميق، الذي هو قبل أي شيء آخر للفشل في 7 تشرين أول (أكتوبر).

أي نضال على تشكيل لجنة التحقيق الرسمية، الذي لا يعترف بأن هذه اللجنة هي على الأكثر المرحلة الأولى والصغيرة في عملية إسرائيلية اكبر من فحص عمق الإخفاقات والانتقاد الذاتي الأساسي لرواية إسرائيل كما صيغت في وثيقة الاستقلال والانطلاق الى عملية صعبة ومعقدة، لكنها حاسمة، لإعادة الولادة – كل عملية كهذه ستكون عملية خطيرة، فقط ستدفع المجتمع الإسرائيلي الى التمترس أكثر في حب الذات وتفويت الدعوة المدوية للاستيقاظ.

محظور أن تتحول لجنة التحقيق الرسمية الى آلية لقمع وطمس المسائل العميقة التي اظهرتها الكارثة الكبيرة، ومحظور تحولها إلى ما سيمكن الإسرائيليين من العودة ودفن الرأس في الرمل.

بشكل عام، حان الوقت لرفع الرأس والنظر حولنا. هذا ليس وقت الإصلاح. نحن، في كل العالم، نعيش في أوقات كبيرة ومؤثرة ومخيفة من الانتقاد والاستيضاح والخيارات الجديدة، أوقات من تفكك قواعد اللعب والنماذج القديمة، وبداية تشكل قواعد لعب وقصص جديدة.

مرة تلو الأخرى نحن نقول الجملة الصحيحة وهي أنه "لا توجد لنا بلاد أخرى". ولكن في نفس الوقت من المهم الترديد والادراك مرة تلو الأخرى بأنه يمكن بالتأكيد أن تكون لنا دولة أخرى. يجب علينا التحدث الآن عن ماهية هذه الدولة الأخرى التي يمكن أن تكون لنا. ويجب علينا التطلع الى هذه الدولة الأخرى التي يمكن أن تكون لنا.

-----------------انتهت النشرة----------------

أضف تعليق