الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الجمعة 24/1/2025 العدد 1217
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات
هآرتس 24/1/2025
بدءاً من جنين.. سموتريتش: على هذا اتفقت مع نتنياهو.. ولو بإطلاق النار على أسراهم
بقلم: عاموس هرئيل
الثلاثاء الماضي، قبل لحظة من استقالة رئيس الأركان، انطلقت عملية عسكرية جديدة في الضفة الغربية، اسمها “السور الحديدي”، وهي تركز على مخيم جنين للاجئين. ربط الاسم بين اسم عمليتين سابقتين، “السور الواقي” في 2002 و”السيوف الحديدية”، الحرب الحالية في القطاع. لم يكن الاختيار قراراً عشوائياً من حاسوب، بل هو اختيار إنسان. يطالب المستوطنون منذ بضع سنوات بتنفيذ عملية على صيغة “السور الواقي” التي بدأت بوقف الإرهاب الفلسطيني في الانتفاضة الثانية، وبالتدريج، بعد ثلاث سنوات، أدت إلى خفوته شبه التام. لذا، كان مطلوباً في حينه خمس قيادات فرق من الجيش الإسرائيلي واحتلال معظم مدن الضفة. الأهداف متواضعة أكثر بكثير هذه المرة، رغم تسويقها للجمهور وكأن الأمر يتعلق بحدث كبير. قرار الانطلاق إلى العملية ربط احتياجات ملحة على الأرض وضغوط سياسية. بقاء سموتريتش في الحكومة كلف نتنياهو الاستجابة العلنية لعدد من طلباته. إلى جانب المصادقة على صفقة التبادل، أضافت الحكومة إلى أهداف الحرب هدف هزيمة الإرهاب في الضفة الغربية. وقررت تعزيز القوات الدائمة في الدفاع هناك، والتعهد بعملية هجومية في جنين. هكذا، يضمن سموتريتش لمؤيديه الذين يتناقصون بأنه ما زال يعمل على تحقيق أهدافه القديمة.
الأمل الخفي أن مواجهة كبيرة في جنين ستشعل التصادم مع السلطة الفلسطينية في نهاية المطاف، بصورة تؤدي إلى انهيار حكمها في الضفة، كما يطالب اليمين المتطرف منذ عقد تقريباً. وثمة أمل آخر مخفي أكثر بقليل، وهو أن الاشتعال في الضفة سيعيق تطبيق صفقة التبادل في القطاع، وسيعفي إسرائيل من المرحلة الثانية المقترنة بانسحاب كامل وإطلاق سراح آلاف السجناء الفلسطينيين الآخرين، بينهم سجناء كبار.
قد تستمر العملية في جنين بضعة أسابيع، ولها هدف طموح وهو تدمير التنظيمات المحلية، مثلما نجحت إسرائيل مع عرين الأسود قبل سنتين. الضفة، كما يقول ضابط رفيع للصحيفة، هي الآن “برميل مواد متفجرة يهدد بالانفجار”، أكثر بكثير مما يحدث في جنين. عمليات إطلاق النار على الشوارع تزداد، ومثلها تنفيذ عمليات في مركز البلاد. يسهل وصف سيناريو يقوم فيه مخرب يهودي بإطلاق النار أثناء تحرير السجناء الفلسطينيين في الضفة، بهدف وقف تطبيق الخطوات القادمة في صفقة التبادل.
-------------------------------------------
هآرتس 24/1/2025
“استقالة قبل الإقالة”.. ولسارة دور في “بديل هليفي”.. ونتنياهو وكاتس: شرطنا الأول التعهد بإعفاء الحريديم
بقلم: عاموس هرئيل
بعد بضع ساعات على تسلمه رسالة الاستقالة التي نشرها رئيس الأركان هرتسي هليفي الثلاثاء الماضي، بذل وزير الدفاع إسرائيل كاتس جهوداً كبيرة للسيطرة على جدول الأعمال الإعلامي. بشكل عجيب، تسربت في ذاك المساء في أخبار 12 اقتباسات قاسية لمحادثة أجراها كاتس مع هليفي قبل بضعة أسابيع. يجب فرك العيون عند قراءة الاقتباسات التي جلبها المراسل السياسي يارون أبراهام. الوزير الغض ألقى على مسامع رئيس الأركان خطاب توبيخ لاذعاً، فيه تفسيرات مفصلة حول واجب رئيس الأركان بتحمل المسؤولية عن الإخفاقات التي سمحت بحدوث المذبحة في 7 أكتوبر. “المسؤولية ليست كلمة عامة. أنت تترأس هذا الجهاز”، قال كاتس لهليفي.
هليفي، بصفته رئيس الجهاز العسكري، هو وبحق المسؤول وكان عليه الاستقالة، كما يبدو في مرحلة مبكرة. والمطلوب حقاً درجة كبيرة من الانغلاق كي تقدم طلبات كهذه لرئيس الأركان في الوقت الذي كان فيه كاتس نفسه عضواً في الكابنيت وقت حدوث الفشل. أما وزير الدفاع الحالي فقد عينه المسؤول الأول عن الكارثة، رئيس الحكومة نتنياهو. ولكن كاتس يتصرف كسائح أو محلل صادف تواجده في المكان، وبالطبع يتجاهل جزء المسؤولية الذي لن يكلف المسؤول عنه نفسه عناء تطبيقه.
ولأن شبكة العلاقات بين السياسيين وهيئة الأركان تميل مسبقاً لصالح السياسيين، ولأن الجمهور الإسرائيلي متعب ومتآكل إلى درجة لا يمكنه الخروج بجموعه إلى الشوارع، ها هو نتنياهو مرة أخرى يرتسم باعتباره الباقي الأخير؛ وينجح في اجتياز عقبة هليفي. فبدلاً من أن يستقيل هو نفسه، فإنه سيبقى في منصبه، بل وسيحدد من سيكون رئيس الأركان القادم. المقابلات الشخصية التي سيجريها كاتس الأسبوع القادم مع المرشحين الثلاثة لهذا المنصب – الجنرالات أيال زمير وأمير برعام وتمير يدعي – ليست سوى ستار آخر من الدخان. وفي هذه المرة، ليس كالسابق، رئيس الحكومة وحده من سيقرر. يتبين في هذه الأثناء أن لعائلة نتنياهو، فرع ميامي، تحفظات أيضاً على اختيار المرشحين من قبل كاتس. والقائمة قد تطول أيضاً.
تفاصيل توزيع المسؤولية لا تعني من يؤيدون نتنياهو وشركاءه؛ فهم منشغلون بمراكمة المزيد من القوة وتطهير صفوف القيادة العليا العسكرية من المعارضين المحتملين، الذين حسب أقوال الوزير سموتريتش، ملأوا عقول الجنود بأفكار مسممة عن “التقدم” والانهزامية والحوكمة. هجمات رئيس قائمة “الصهيونية الدينية” الأخيرة، عملية لحرف الانتباه. على سموتريتش طمس الحقيقة المدهشة بشكل ما، وبقي في الحكومة حتى هذه الأثناء رغم تصويته وتحريضه على صفقة المخطوفين. إن تركيز النقاشات على رئيس الأركان واتهامه بعدم تحقيق الانتصار على حماس، يوفر للوزير مخرجاً مريحاً.
إعلان هليفي بالاستقالة الفعلية في 6 آذار القادم يذكر بمفهوم كان سائداً في الأقسام الرياضية، عندما كان الحديث يدور عن مدربي كرة القدم. قرار الاستقالة سبق الإقالة. قرأ هليفي الصورة جيداً وعرف أنه ما دام على الكرسي فسيواصل كاتس التنغيص عليه. التنغيص اليومي على هليفي إضافة إلى المضي بقانون الإعفاء من الخدمة العسكرية، هي المهمات الأساسية التي ألقاها نتنياهو على كاتس في وزارة الدفاع، وهو ينفذها بإخلاص. إلى جانب ذلك، يحرص على التقاط كثير من الصور أثناء زياراته للوحدات والجبهات. اهتمامه اليوم بإدارة الجيش والوزارة في المقابل، قليل جداً.
مطلوب ضابط ملتزم
الأبواق الآن منشغلة بتشكيل قوائم من ستتم ترقيتهم ومن سيتم عزلهم في هيئة الأركان، بأسلوب غير مسبوق في إسرائيل منذ 6 أو 7 عقود، منذ فترة مباي السعيدة. طلب أحدهم (في الحقيقة أمر) هذا الأسبوع من الجنرالات يدعي وينيف وعاسور، وحتى العميد احتياط عوفر فنتر، إخراج الزي العسكري من الخزانة وكيه. في القريب، سيسارع هؤلاء الأشخاص أيضاً إلى طلب الفضل لأنفسهم إذا صودق على التعيينات والترقيات. إلى جانب الترقيات، يتوقع حدوث إقالات أيضاً. في محيط نتنياهو يريدون رؤية إقالة الجنرالات المتورطين في الفشل. وفي المقابل، الإسراع إلى ترقية ضباط يعتبرون “هجوميين” (على الأغلب، هذه هي الشيفرة السرية لمعتمري القبعات)، الذين “أثبتوا أنفسهم في الحرب”. في هذا الإطار، من غير المستبعد أن الضباط الذين قام هليفي ووزير الدفاع السابق غالنت بترقيتهم أثناء الحرب، سيطلبون المغادرة أو نقلهم إلى وظيفة أخرى بسرعة نسبية. إذا كان الليكود يشعر الآن بأنهم في المقدمة، فلماذا لا يركزون على هدف أهم – إقالة رئيس جهاز “الشاباك” رونين بار؟ في الوقت الحالي، يبدو أن بار عازم على البقاء في منصبه، رغم المضايقات ومسؤوليته الفعلية عن يوم الكارثة. نأمل أن يصمد.
وفر هليفي هدفاً مريحاً لإلقاء مسؤولية الفشل عليه. ولكن الحاجة إلى إقالته ترتبط بالجهد أيضاً، الفاشل حالياً، لإجازة قانون الإعفاء. في الشهرين الأخيرين، قاد هليفي خطاً حازماً يقول إن الجيش يستطيع استيعاب عدد كبير من الحريديم بقدر المطلوب، لأنه بحاجة إلى التعزيز، لا سيما في الوحدات القتالية. رئيس قسم القوة البشرية الجديد، الجنرال دادو بار – كليفه، قال أموراً شديدة أول أمس في لجنة الخارجية والأمن: “الجيش الإسرائيلي بحاجة إلى 7 آلاف مقاتل تقريباً، وحوالي 3 آلاف جندي في وظائف تدعم القتال في وحدات الخط الأول”، “جميعنا قلنا في 7 أكتوبر إن ما حدث لن يتكرر”، ذكر أعضاء الكنيست، وأضاف: “في اليوم الأول للحرب (بصفتي قائد الفرقة 36) دفنت 98 جندياً”.
الخوف في مثل هذه الظروف هو أن يحاول كل من نتنياهو وكاتس، في إطار التحقيقات الأولية لهما، ابتزاز المرشحين للتعهد بالسير معهما، وأول شيء ضمان إعفاء الحريديم. عملية التعيينات تجد هيئة أركان خائفة ومتعبة. وضع الجيش النظامي في أسوأ الحالات. التوجهات التي ظهرت خلال الحرب، على رأسها قرارات استقالة ضباط برتب متوسطة، ربما تحصل على زخم آخر أثناء وقف إطلاق النار. القادة يديرون حرباً مانعة لإبقاء ضباط شباب في الخدمة، ويستخدمون كل الإغراءات والتهديدات الممكنة. الادعاء الأكثر فاعلية ألا يكون هناك من يشغل الوظيفة بدلاً منهم. هذا الوضع، لا سيما بعد آلاف المصابين والقتلى، يعني أن على الجيش أحياناً التنازل عن الجودة.
رئيس الأركان القادم سيتولى منصبه بمجال عمل مقلص، في ظل حكومة منفلتة العقال وعدوانية ومشاكسة. هو سيقابل جمهوراً متعباً بسبب عبء الخدمة، ويحتاج إلى علاج قائمة طويلة من المهمات، مثل طول المنفى – بدءاً بتغييرات مطلوبة في بنية القوة العسكرية، وحتى الاستعداد لاشتعال جديد في غزة، وهجوم محتمل للمنشآت النووية في إيران.
لا تنتظره شاحنة محملة بالأوسمة، بل جيش منهك. ورغم نجاحاته العملياتية في السنة الأخيرة، ما زال يعتبر نفسه جسماً منهكاً في ظل صدمة المذبحة. إذا لم يتم انتخاب شخص قوي، فثمة خطر يتربص صفوف الجيش الإسرائيلي أشبه برواية انهيار الشرطة في ظل الوزير بن غفير.
-------------------------------------------
إسرائيل اليوم 24/1/2025
لماذا ستسقط حكومة إسرائيل الحالية؟
بقلم: يوعز هيندل
رجحت صحيفة إسرائيلية انهيار حكومة الاحتلال الحالية بقيادة بنيامين نتنياهو، قائلة؛ إن "هذه ليست أمنية بل تحليل للفجوة بين التصريحات والنتائج"، وسردت ثماني نقاط فشلت في تحقيقها ستؤدي إلى هذه النتيجة.
وجاء في مقال ليوعز هيندل نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم" التأكيد أنهم لا ينجحون (الحكومة) في تقوية المصلحة القومية. والفشل هو في ثلاثة مواضيع ترتبط بالحرب: إعادة المخطوفين من خلال الضغط العسكري، وتكبير الجيش عبر تجنيد الحريديم وغيرهم من المتملصين، وخلق ثقة واسعة بين الشعب والحكومة".
كلما مر الوقت تتقلص المعاذير والمتهمون المحتملون بالفشل. استقالة رئيس الأركان جزء من هذا. في هذه المرحلة كان يفترض أن تتقدم لجنة التحقيق بالاستنتاجات، وربما تشكيل لجنة فرعية بسرعة لإعطاء أجوبة كيف فشلنا في ممارسة الضغط العسكري لتحرير المخطوفين. رغم رغبة في عودة المخطوفين كما هو مخطط، ثمة احتمال عال بأن تخرق حماس الاتفاق ونكون مطالبين بإصلاح الأخطاء. هذا بالمناسبة هو ما يحصل الآن في لبنان.
عملياً، لا توجد لجنة تحقيق. المستوى السياسي جبان، ويحاول التملص من المسؤولية. هو يفضل مزيداً من الإخفاقات على فحص ماذا الذي جرى هنا. الذريعة كلمة “رسمية”، مجرد ذريعة. الحقيقة العارية أنه يختبئ حتى يمر الغضب، وما يتبقى هو استكمال ما يفترض بهم أن يفعلوه. إذن ها هو هنا، بعد أسبوع من إقرار الصفقة: تحليل الفشل. كلمة فشل تحتاج إلى تفسير، رغم الفرح الهائل على تحرير البنات. بعد سنة ونيف من المناورة البرية لتحرير مخربين، وانسحاب من مناطق مشرفة دون تجريد مطلق للقطاع، ورغم التأثر بعودة المخطوفين، فهذا هو الفشل. لا جهد للبحث عن مذنبين، بل للتأكد من عدم تكرار الأخطاء ذاتها.
من حيث الترتيب الزمني، الخلل الأول الذي يجب فحصه هو اليوم التالي لفك الارتباط. ربما نضع القرار السياسي جانباً ونركز على النهج الأمني. ماذا كانت منطلقات السيطرة في الميدان؟ كيف نشأت موافقة مغلوطة على تهديد محدود ومن ثم المعاذير على مدى السنين؟
الثاني– تعاظم قوة حماس ودائرة التهريب إلى القطاع عبر محور فيلادلفيا، معابر إسرائيلية والبحر.
الثالث– بناء شبكة أنفاق بحجم شبكة المترو في نيويورك. في 14 كانون الثاني 2018 ألقى نتنياهو خطاباً قال فيه إن العقل اليهودي وجد حلاً للأنفاق. وقال في موعد لاحق، إننا دبرنا معظم أنفاق حماس الاستراتيجية. هكذا ادعى أيضاً رئيس الأركان في حينه. هذا ضباب معركة لم يشهد له مثيل أو تبجح وغرور. رئيس الوزراء، و“الشاباك”، والجيش – كلهم مسؤولون عن فشل استخباري ذريع.
الرابع– تحويل الأموال القطرية لحماس من عموم حكومات إسرائيل، التي كان نتنياهو رئيساً لمعظمها. استخدم المال لإنتاج بنية تحتية لحماس، وبناء القيادات والإعداد لإخفاء المخطوفين.
الخامس– المساعدات الإنسانية. نقلت إسرائيل لحماس منذ بداية المناورة أغذية ومساعدات بمليارات الشواكل. هذا هو المحرك لتجنيد نشطاء آخرين. بسبب الخوف من خوض حوار على خطط عملية، تقرر عدم تبني خطط بديلة لتجميع السكان. والمساعدات الإنسانية سمحت لحماس بالصمود.
السادس– ثقة الجمهور. قسم كبير من الضغط في الشارع نبع من انعدام ثقة بأصحاب القرار. منذ بداية الحرب لم يقف وزراء الحكومة ليقولوا: نحن مسؤولون، سندفع الثمن، لكن امنحونا الوقت لنقاتل”، وهذه حقيقة أدت إلى أن أجزاء واسعة من الجمهور رأت فيهم معيقي صفقة. الحقيقة هي أن حماس هي التي منعت الصفقة، وخاضت حرباً نفسية وانتظرت ثمناً أعلى. عندما لا تكون ثقة جماهيرية، يحدث ضغط جماهيري.
السابع– تآكل القوى ووقف خطى التجنيد. قتل وجرح في هذه الحرب جنود تجندوا بعد بدء الحرب. التآكل هائل. رئيس شعبة القوى البشرية تحدث عن حاجة فورية لـ 7 آلاف جندي. حكومة إسرائيل عملت العكس. قادتها الاحتياجات السياسية بدلاً من الاحتياجات العملياتية. والنتيجة، تقلصت القدرة على السيطرة في الميدان.
الثامن– علاقات المستوى السياسي بالعسكري. الجيش فشل في كل معيار. وفوقه المستوى السياسي. بدلاً من الإصلاح، اختارت الحكومة أن تجعل الجيش كيس ضربات. هذا ليس عادلاً، لكنه أبطل أي مسؤولية مستقبلية. في الديمقراطية يأمر المستوى السياسي الجيش بما يفعل، ويكون مسؤولاً عن النتائج. كل نتيجة. دوماً.
-------------------------------------------
معاريف 24/1/2025
لقادة إسرائيل: لا راحة لكم في الشرق الأوسط دون حل المسألة الفلسطينية
بقلم: ليئور أكرمان
ثمة رؤية لدى حكومة إسرائيل الحالية وأوساط جمهور كبير، يختفي في إطارها الفلسطينيون من حياتنا ومن المنطقة، وتغيب عنا المشكلة الفلسطينية. لبعض من منتخبي الجمهور في إسرائيل رؤية مكتوبة في الموضوع واستراتيجية واضحة لتنفيذها. لكن الحقيقة الواقعية هي أن 5 مليون فلسطيني في قطاع غزة وفي منطقة “يهودا والسامرة” لن يرحلوا إلى أي مكان، ولا توجد خطة قابلة للتنفيذ لحل المشكلة الفلسطينية لا تتضمن بقاءهم هنا ككيان منفصل عن إسرائيل. أساس الاهتمام الجماهيري في إسرائيل، وعملياً في العالم كله، اتجه في السنة الأخيرة بما يجري في قطاع غزة عقب أحداث 7 أكتوبر والحرب التي نشبت في أعقابها. لكن هناك واقعاً ينشأ في مناطق الضفة ولا يقل إثارة للقلق بل وأكثر من ذلك.
في الجانب الفلسطيني، نرى السلطة الفلسطينية تضعف في كل المستويات تقريباً على خلفية ضعف زعيمها أبو مازن، وغياب التأييد في الشارع الفلسطيني والضائقة الاقتصادية المتصاعدة، وتعاظم الاضطراب في الشارع الفلسطيني. وهي ميول تؤدي إلى تطرف لدى الرأي العام وارتفاع في تأييد منظمات معارضة مثل حماس ومنظمات محلية مدعومة من إيران.
منذ بداية الحرب تقريباً، لم يسمح بدخول عمال فلسطينيين إلى نطاق إسرائيل. والمعنى أنه رغم أن عشرات آلاف الماكثين غير القانونيين يشقون طريقهم يومياً للعمل في إسرائيل، فأغلبية السكان الفلسطينيين بلا عمل ودخل، وثمة خطر وجودي ملموس.
الحكم الفلسطيني فقد أجزاء مهمة من سيطرته على الأرض، سواء على خلفية ضعفه وانعدام الانسجام في أوساط زعماء السلطة أم في ضوء إجراءات اتخذتها إسرائيل على الأرض بقيادة الوزير سموتريتش، والتي سنوسع الحديث فيها لاحقاً.
في جوانب الإرهاب تعرض المعطيات انخفاضاً دراماتيكياً في مدى العمليات من مناطق الضفة في السنة الأخيرة. لكن هذا الانخفاض لا ينبع من الانخفاض في الدافع الفلسطيني، بل من التعزيز الكبير للوجود ولأعمال الإحباط التي قام بها “الشاباك” والجيش مع بداية الحرب. بالتوازي، انكشف دور إيراني متصاعد في تمويل خلايا إرهاب في المنطقة وتسليحها بوسائل قتالية هُربت عبر الحدود الأردنية.
من غير المستبعد أن يكون بعضاً من صراعات السيطرة في السلطة الفلسطينية تؤدي إلى إضعاف مقصود لسلطة القانون في الشارع من قبل قادة الأجهزة لخلق وضع من انعدام الثقة بالقيادة الحالية. واضح للجمهور الفلسطيني بأن “اليوم التالي” لأبو مازن يقترب، والصراعات على القيادة المستقبلية تلقى تعبيراً واضحاً في تصريحات بعض من الزعماء المحتملين مثلما هو أيضاً في دورهم في تحويل الأموال والسلاح للخلايا الفاعلة في المناطق المختلفة كجزء من الاستعداد لصراع القوى الكفيل بالنشوء بعد رحيل الزعيم الحالي.
بناء الثقة
بالتوازي مع كل هذا، تنشأ سياقات مقلقة في الجانب اليهودي. فسيطرة سموتريتش على الإدارة المدنية من جهة والسيطرة التي حققها بن غفير (حتى استقالته هذا الأسبوع) في لواء المناطق في شرطة إسرائيل من جهة أخرى، تؤدي إلى واقع يكون فيه ارتفاع كبير جداً في نطاق أعمال الإرهاب لنشطاء اليمين المتطرف ضد مواطنين فلسطينيين. من جهة أخرى، يكاد لا يجري أي عمل لإنفاذ شرطي ضدهم.
ثمة أدلة على ارتفاع متزايد للبناء غير القانوني وشرعنة بؤر استيطانية غير قانونية في المنطقة، في الوقت الذي يشتد فيه هدم البناء الفلسطيني غير القانوني. وزراء “عظمة يهودية” و”الصهيونية الدينية” يعلنون على الملأ عن نيتهم الوصول إلى ضم كامل لأراضي الضفة في ظل تحويل الفلسطينيين إلى مواطنين من الدرجة الثانية وخلق أبرتهايد كامل في دولة إسرائيل.
عموم هذه المعطيات، ومع حجيج بن غفير المتكرر إلى الحرم، يفاقم الكراهية لدى الجمهور العربي في إسرائيل و”المناطق” ويرفع الاحتمال لانتفاضة فلسطينية حادة ضد إسرائيل. تقديرات أمنية مختلفة في إسرائيل تتوقع حتى إمكانية انزلاق صراعات القوى في داخل السلطة الفلسطينية لليوم التالي لأبو مازن إلى حدود إسرائيل وتهدد أمنها في سيناريوهات معينة.
الطرفان ينتظران بترقب دخول الرئيس ترامب إلى معالجة الأمور، على افتراض أنه سيعلن عن سياسة واضحة في هذا الاتجاه أو ذاك. بعض من منتخبي الجمهور في إسرائيل لا يزالون يعلقون آمالاً على الرئيس ترامب لتنفيذ ضم كامل للضفة، لكن ليس مؤكداً صحة تقديراتهم حول نواياه التي تتناول مستوى استراتيجياً أعلى بكثير من مناطق الضفة.
إسرائيل من جهتها ومن جانب رئيسها، لا تعرض أي رؤية أو استراتيجية واضحة إزاء مناطق الضفة والسلطة الفلسطينية، لكن الواضح لدى الولايات المتحدة والسعودية عدم إمكانية أي تقدم للتوقيع على اتفاق استراتيجي في الشرق الأوسط دون إعطاء جواب للمسألة الفلسطينية. من المهم أن نفهم بأن حل المسألة الفلسطينية شرط أساسي للتقدم نحو أي اتفاق إقليمي استراتيجي في الشرق الأوسط بقيادة الولايات المتحدة، بما في ذلك التسوية مع السعودية. كما أنه شرط لتأييد الولايات المتحدة لكل خطوة رمزية قد تتخذها إسرائيل في المستقبل ضد إيران ووكلائها في المنطقة.
وفقاً لذلك، على إسرائيل بلورة وعرض استراتيجية واضحة وبعيدة المدى في الموضوع، مع ضمان سلسلة سياقات واتفاقات مع السلطة الفلسطينية في المجالات المدنية والأمنية المختلفة، وبهدف خلق ثقة متجددة تجاه القيادة الفلسطينية والعالم العربي بعامة، ولخلق مسار يسمح بانفصال مطلق عن الفلسطينيين، سواء في منطقة غزة أم في مناطق الضفة. وبالتوازي، على إسرائيل تبني خطة تسمح بتنمية الاقتصاد الفلسطيني وإصدار تصاريح عمل تحت رقابة متشددة لوسائل تكنولوجية وباشتراط الإغلاق المحكم لجدار الفصل بين السلطة وإسرائيل.
على إسرائيل إيقاف إجراءات الضم الكامل للمنطقة بخلاف القانون الدولي، ومنع شرعنة المستوطنات غير القانونية. بالتوازي، على شرطة إسرائيل أن تتبع تشدداً ضد نشطاء اليمين المتطرف في الضفة وتحبط أعمالهم بما يشبه ما يفعله “الشاباك” تجاه السكان الفلسطينيين. بهذه الطريقة يمكن لإسرائيل الانخراط في السياقات الاستراتيجية السياسية والاقتصادية والأمنية التي تخطط الولايات المتحدة لاتخاذها في الشرق الأوسط في السنوات القريبة القادمة، وخلق اتفاقات أمنية جديدة مع السعودية ودول عربية أخرى.
-------------------------------------------
هآرتس 24/1/2025
الجيش الإسرائيلي يعارض المستوى السياسي بشأن حواجز الضفة: ضررها يفوق نفعها
بقلم: ينيف كوفوفيتش، جاكي خوري وهاجر شيزاف
على خلفية تفاقم الأحداث الأمنية في الضفة الغربية والتدهور الذي سجل في الفترة الأخيرة، كشف أمس عن مواجهة جوهرية بين الحكومة وكبار قادة جهاز الأمن. هؤلاء القادة عارضوا تعليمات المستوى السياسي التي طلبت إشغال عشرات الحواجز في الشوارع المؤدية إلى المدن الفلسطينية في الضفة الغربية والقيام بتفتيش سائقي السيارات الفلسطينية التي تمر فيها. وأوضح ضباط كبار في جهاز الأمن هذا الأسبوع بأن هذه الحواجز تخلق اختناقات مرورية في الحركة على الشوارع التي يسافر فيها أيضاً المستوطنون، لذلك، يزيدون احتمالية حدوث احتكاك بينهم وبين الفلسطينيين ووقوع عمليات على طول محاور الحركة. يعتقد جهاز الأمن أيضاً أن تعزيز القوات في الضفة الغربية يجب أن يكون موجهاً للنشاطات الهجومية وليس لإشغال عشرات الحواجز.
علمت “هآرتس” أن تعليمات المستوى السياسي لوضع الحواجز، التي ستسري طوال المرحلة الأولى للصفقة بين إسرائيل وحماس، أعطيت عقب طلب قدمه الكابنيت خوفاً من فوران الضفة الغربية عقب تحرير السجناء الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية.
لهذا السبب، فإنه مع الشروع بالصفقة بين إسرائيل وحماس، بدأت تحدث اختناقات في الخروج من المدن الفلسطينية واستمر الازدحام ساعات طويلة. في مخارج رام الله تم القيام بتفتيشات دقيقة والبوابات بين الطرق الفرعية والشوارع الرئيسية أغلقت.
الإثنين الماضي، أبلغ مسافرون في الشوارع في منطقة رام الله عن تأخير لست ساعات على الحواجز. وشوهدت اختناقات مرورية شديدة أيضاً في منطقة نابلس وأريحا. المسافرون من أريحا أبلغوا بأن السفر الذي يستغرق 20 دقيقة في العادة، طال لثلاث ساعات.
في غضون ذلك، فإنه منذ بدأت إسرائيل عملية “السور الحديدي” في جنين هذا الأسبوع، قتل في المنطقة 13 فلسطينياً بنار الجيش الإسرائيلي، حسب بيان قائد كبير في الجيش. قائد كبير في فرقة “يهودا والسامرة” قال إنه في إطار عملية “السور الحديدي” تسمح قوات الجيش لسكان المدينة بالخروج من المنطقة، لكن الجيش الإسرائيلي “لا يخلي السكان بالقوة، ومن لا يريد الإخلاء يبقى في الداخل ويخاطر بذلك”. هذه الشخصية أضافت بأن هناك تغييرات في أوامر فتح النار في المنطقة: “نحن لا نطلق النار على غير المشاركين، لكن عندما نحاصر مخيم اللاجئين ثم يحاول أحد الهرب، يمكن إطلاق النار على قدمه أو في الهواء”.
رئيس “الشاباك” رونين بار، قال عن عملية جنين: “نحن في معركة متعددة الساحات، وهذا هو الوقت المناسب لـ “السامرة” [شمال الضفة الغربية]. لا يمكن الانتصار على الإرهاب بالدفاع”. وأثنى بار على القوات بسبب قتلها للمخربين اللذين نفذا عملية الفندق. “ثمة إسهام مهم لقيمة إغلاق الدائرة بخصوص الإرهاب”، قال. “هذا يرسل رسالة إلى الميدان تقول بأن الحياة لن تأتي من الإرهاب”.
اعتقلت أجهزة الأمن الفلسطينية عدداً من المطلوبين من كتيبة جنين التابعة لحماس في المنطقة القروية في المدينة، ومن بينهم نشطاء كبار في التنظيم. حسب قول جهات في جهاز الأمن، الحديث لا يدور عن تعاون مع العملية التي بدأها الجيش الإسرائيلي في المدينة، بل عن استمرار نشاطهم في المنطقة القروية التي هرب إليها المطلوبون. كتيبة جنين اتهمت الأجهزة بالتعاون والتنسيق الكامل مع إسرائيل لتنفيذ الاعتقالات. يزن حنون، الذي هو من بين المعتقلين، اعتبر أحد المطلوبين الكبار في كتيبة جنين، وهو متهم بإطلاق النار على رجال أمن فلسطينيين خلال العملية ضد المسلحين في مخيم جنين.
التوتر بين ممثلي السلطة وسكان المنطقة وجد تعبيراً آخر له هذا الأسبوع، عندما جاء محافظ جنين، كمال أبو الرب، إلى قباطية لتعزية عائلات اثنين من نشطاء حماس اللذين قتلا في برقين في تبادل لإطلاق النار مع الجيش الإسرائيلي. أحد الحاضرين هاجم أبو الرب بذريعة أنه “لم يحميهما”، ثم غادر المحافظ المكان.
------------------------------------------
هآرتس 24/1/2025
أين تتجه حسابات ترامب.. لـ “نوبل” أم ضرب إيران؟
بقلم: تسفي برئيل
الجمعة الماضي، في احتفال مغطى إعلامياً جرى قبل ثلاثة أيام من خطاب تنصيب الرئيس ترامب، وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره الإيراني مسعود بزشكيان، على اتفاق “شراكة استراتيجية شاملة”. التصريحات الاحتفالية تحدثت عن تعاون في جميع المجالات الأمنية والاقتصادية والثقافية لعشرات السنين، إضافة إلى احتمالية التمديد، وعن “فتح صفحة جديدة للتعاون الاستراتيجي بين الدولتين”، حسب قول بزشكيان.
الـ 47 بنداً التي تضمنها الاتفاق ونشرت في مواقع إخبارية إيرانية، تتوقع زيادة كبيرة في حجم التجارة بين الدولتين، التي تقدر الآن بـ 4.5 مليار دولار في السنة، مقارنة مع حجم التجارة بين روسيا وتركيا البالغ 57 مليار دولار في السنة، واستثمارات لروسيا في إيران بالمليارات، ومناورات عسكرية مشتركة وزيارات لسفن حربية روسية في موانئ إيران. يبدو أن اتفاق التعاون هذا الذي يستبدل اتفاقاً سابقاً، قبل عشرين سنة، يستهدف إعطاء إيران دعماً عسكرياً وسياسياً، ويشكل تعويضاً عن الضربات التي تعرضت لها طوال حرب إسرائيل في غزة ولبنان، وفقدان السيطرة في لبنان وسوريا، وبالأساس وضع سور ردع ضد سياسة متوقعة لترامب ضد إيران.
لكن بنداً رئيسياً واحداً في الاتفاق يضع علامة استفهام حول الأهمية الاستراتيجية الفعلية. إيران وروسيا لن تساعدا أي دولة أو دول تهاجم أي واحدة منهما. والبند لا ينص على أن إيران أو روسيا ملزمة بأن تدافع إحداهما عن الأخرى ومهاجمة من يهاجمهما، بل ستمتنع عن مساعدة الدول المعتدية. هذا مقابل المبدأ الذي يقف في مركز عضوية الناتو، بروحية “الواحد من أجل الجميع، والجميع من أجل الواحد”؛ أي الالتزام المشترك لكل أعضاء المنظمة بالدفاع عن بعضهم بعضاً، وعند الحاجة أيضاً مهاجمة أي دولة أو جهة تهاجم أي عضو في الناتو.
الضعف الاستراتيجي للاتفاق الجديد بين روسيا وإيران كما تم التعبير عن ذلك في البند المذكور، لم يغب عن عين محلل الصحيفة الإيرانية “الجمهورية الإسلامية”، وكتب: “إن قراءة البنود الأساسية في الاتفاق تظهر أن هذا الاتفاق مع روسيا، التي أظهرت من قبل بأنها لا تتمسك بالاتفاقات والمواثيق التي توقع عليها، أكثر مما هو خطوة فعلية، هي عملية دعاية، وربما أنها حيوية في الظروف القائمة في المنطقة والعالم”.
الانتقاد العام والسياسي في إيران للاتفاق، وفي روسيا بشكل عام، غير جديد. قبل سنتين، عندما بدأت النقاشات حول مسودة الاتفاق الذي تأخر التوقيع عليه، انتقد أعضاء البرلمان الإيراني الحكومة بأنها “تبيع” إيران لروسيا وتمنحها تسهيلات بعيدة المدى بدون مقابل مناسب. في حينه، أشار أعضاء البرلمان إلى أن روسيا لم تستثمر كما تعهدت في تطوير حقول الغاز في إيران، وأن الخطة المشتركة للانفصال عن الدولار بقيت على الورق، وأن روسيا أيدت موقف الإمارات في قضية الملكية على جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى في الخليج الفارسي، وأن إيران تم إقصاؤها من سوريا، وأن موسكو أعطت إسرائيل “مجالاً جوياً حراً” للعمل ضد أهداف إيرانية هناك.
“كيف يمكن القول بأن روسيا شريكة استراتيجية لإيران في المنطقة وفي العالم، في الوقت الذي ورطتنا هي نفسها في حرب في أوكرانيا وأبقت سوريا للولايات المتحدة وإسرائيل، إلى جانب اتفاقاتها المريحة مع إسرائيل والولايات المتحدة وتركيا؟”، تساءلت الصحيفة. ليس لإيران الآن شبكة أمان من الكرملين. أما الصين، التي وقعت أيضاً على اتفاق تعاون اقتصادي مع إيران بمليارات الدولارات، لكنه لم يطبق بشكل مقنع حتى الآن، فهي غير ملزمة بالدفاع عن إيران بشكل فعال. وفي الوقت الذي يتم فيه تفكيك “حلقة النار”، يبدو على الأقل في إسرائيل، بأن الطريق ممهدة لهجوم واسع على المنشآت النووية الإيرانية، لا سيما بعد أن تم استبدال الرئيس الأمريكي بايدن، “الحلقة الضعيفة” بنبي الغضب وعديم الكوابح ترامب.
مع ذلك، العلامات الأولية التي يضعها ترامب في واجهة عرضه السياسي فيما يتعلق بإيران، ربما تخيب أمل من استل طبول الحرب ضد إيران وينتظر مصادقة من البيت الأبيض. أول أمس، قرر ترامب إقالة بريان هوك، الذي كان مبعوثه الخاص لشؤون إيران في ولايته الأولى، لأنه “لا يتساوق مع حلم إعادة أمريكا إلى عظمتها”.
غير واضح من أي وظيفة تمت إقالة هوك، ولكنه اعتبر صقراً متشدداً في شؤون إيران، ووقف خلف سياسة “أقصى قدر من الضغط” التي اتبعها ترامب ضد إيران. وعين ترامب وبدلاً منه مايكل ديمينو، الذي كان شخصاً رفيعاً في البنتاغون في ولايته الأولى، ومحللاً في الـ سي.آي.ايه – في منصب نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط، وسيكون المسؤول عن رسم سياسة البنتاغون أمام إيران.
أبعدت طهران معظم مراقبي الوكالة الدولية للطاقة النووية، وجمدت نقل صور الرقابة، وزادت عدد أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، وزادت إنتاج اليورانيوم المخصب بمستوى 60 في المئة. حسب سكرتير عام الوكالة الدولية للطاقة النووية رفائيل غروسي، يمكنها الآن إنتاج 34 كغم من اليورانيوم المخصب بهذا المستوى كل شهر. إيران حتى الآن تتفاوض مع فرنسا وبريطانيا وألمانيا، التي وقعت على الاتفاق النووي الأصلي، من أجل التوصل إلى تفاهمات جديدة، حتى قبل أن يعيد ترامب العقوبات الدولية التي فرضت عليها والتي رفعت عقب توقيعها على الاتفاق النووي.
وألمحت إيران أيضاً إلى أنها مستعدة للتفاوض مع إدارة ترامب إذا “منحت الاحترام المناسب لاحتياجات وطلبات إيران”. في حكومة بزشكيان الآن شخصان رفيعان هما نائب الرئيس جواد ظريف ووزير الخارجية عباس عراقجي، اللذان تفاوضا باسمها في الاتفاق النووي الأصلي. إن مصادقة خامنئي على تعيينهما، فسره إيرانيون بإعلان نوايا، وهو نفسه قضى بأن ليس هناك ما يمنع القيام بخطوات دبلوماسية مع الأعداء. الآن، ليس أمامنا سوى رؤية اتجاه ترامب، هل يرى فرصة للهجوم على إيران كما تطمح إسرائيل، أم هي فرصة للقيام بعملية دبلوماسية تمنحه جائزة نوبل.
------------------------------------------
يديعوت أحرنوت 24/1/2025
بين ثلاث ساحات
بقلم: رون بن يشاي
ما سيحصل في نهاية الأسبوع في ثلاث ساحات القتال التي ما تزال نشطة سيكون حرجا. يوم الجمعة، السبت والأحد ستختبر قدرة كل الأطراف على الالتزام بالشروط المعقدة لصفقة المخطوفين واتفاق وقف النار في لبنان وفي نفس الوقت سيوضع قيد الاختبار التكتيك الجديد الذي يتخذه الجيش الإسرائيلي في حربه ضد كتائب الإرهاب في الضفة.
المسألة الأكثر تعقيدا منها جميعا هي التنفيذ الميداني للنبضة الثانية لصفقة المخطوفين. فقد تعهدت حماس في أن ترفع لإسرائيل منذ اليوم أسماء أربع نساء مخطوفات على قيد الحياة ستحررهن. أربل يهود، التي يفترض أن تتحرر يحتجزها الجهاد الإسلامي، حماس تحتجز خمس مجندات. ثلاث منهن يفترض أن يتحررن في النبضة الثانية.
بالتوازي يفترض بالجيش الإسرائيلي أن ينسحب شرقا في ممر نتساريم ويخلي محور الشاطئ جنوب مدينة غزة كي تتاح حركة حرة للفلسطينيين شمالا سيرا على الأقدام بدون أسلحة. من يفترض أن ينفذ هذا الفحص هي شركة دولية يتواجد مندوبها منذ الآن في البلاد. ليس واضحا بعد متى سيرابط رجالها في الميدان وهل سيكون بوسعهم أن يعملوا مثلما تقرر في المنحى منذ نهاية السبت.
أقدام على الأرض
في ليل الأحد تنتهي الـ60 يوما التي يحق فيها للجيش الإسرائيلي أن يعمل في لبنان بتفكيك البنى التحتية المتبقية لحزب الله في المنطقة. حسب اتفاق وقف النار يفترض بالجيش أن ينسحب إلى أراضي إسرائيل ويستولي الجيش اللبناني على منطقة الحدود. غير أنه من ناحية إسرائيل ما تزال الظروف في الميدان لا تسمح للجيش الإسرائيلي العودة إلى الحدود لأن الجيش اللبناني لم ينتشر بشكل كامل ولم يفكك كل البنى التحتية لحزب الله وأساسا في الجبهة الشرقية. لهذا السبب تطلب إسرائيل تمديد تواجد الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان لشهر آخر على الأقل. وأعلنت إسرائيل منذ الآن عن نيتها هذه بشكل غير رسمي للجنة التنسيق والرقابة على اتفاق وقف النار. حكومة لبنان تطالب إسرائيل بأن تخلي كل المنطقة. وحزب الله هو الآخر يطلب أن تنفذ إسرائيل كل شروط وقف النار.
تأخير الآنسحاب من لبنان يوجد الآن قيد البحث وفي مراحل اتخاذ القرار في الكابنت الإسرائيلي الذي ينبغي له أن يقر طلب الجيش ألا ينسحب يوم الأحد من كل أراضي لبنان. لكن المشكلة الحقيقية هي مع إدارة بايدن. عمليا، نحن نقف أمام الاختبار الأول لعلاقات إسرائيل مع الإدارة الجديدة. توجد هناك محافل تعنى بالأمن القومي وتفهم مطلب إسرائيل في ظل فهم ومعرفة للوضع على الأرض. لكن في البيت الأبيض توجد محافل مقربة من الرئيس تعارض السماح للجيش الإسرائيلي بتأخير الآنسحاب من لبنان. في طريق المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف يوجد أناس يدعون بأن على إسرائيل أن تلتزم باتفاق وقف النار نصا وروحا، دون أي تأخيرات وتغييرات. ما سيحصل في نهاية الأسبوع حرج ليس فقط للساحة اللبنانية بل وأيضا للعلاقات بين الحكمين في واشنطن وفي القدس، وبالطبع بين ترامب ونتنياهو.
في إسرائيل بالتأكيد يرون كامكانية واقعية استئناف النار من جانب حزب الله اذا لم يعد الجيش الإسرائيلي إلى خط الحدود. الجيش جاهز لذلك دفاعيا وكذا لحملة واسعة وسريعة في لبنان.
التوجه إلى الحسم
في يهودا والسامرة، شرع الجيش الإسرائيلي بحملة في مخيم اللاجئين جنين كفيلة بأن تتسع إلى بؤر إرهاب أخرى في شمال السامرة. وتستهدف الحملة المعالجة الجذرية لكتائب مخيمات اللاجئين. يدور الحديث عن مجموعات مسلحة من كل المنظمات، على أساس محلي. وهم يعرفون انفسهم كأبناء المخيم وليس كنشطاء حماس او الجهاد الإسلامي. توجد لهم قيادة ووحدات فرعية وهم يعملون أيضا على أن يقفوا في وجه الجيش من خلال زرع العبوات في محاور حركة السير. والنية هي هزيمة الكتيبة المحلية إلى ألا تستطيع الأداء كإطار مسلح.
سياسيون من اليمين يعرضون طريقة العمل هذه من جانب الجيش الإسرائيلي، في غزة وفي الضفة، كاقتحامات ليست كافية لأجل هزيمة حماس. وهم يتجاهلون حقيقة أن الحديث يدور عن حملات تستمر لأشهر، للسبب البسيط في أن السياسيين من اليمين، وأساسا من عظمة يهودية والصهيونية الدينية وحتى وزير الدفاع كاتس يريدون أن يدخل الجيش الإسرائيلي إلى كل أراضي القطاع وأن يبقى فيها بشكل دائم في كل الأماكن، دون الخروج منها.
الجيش الإسرائيلي يعارض هذا النمط الذي يفترض به أيضا أن يسمح باستيطان يهودي متجدد في القطاع. السبب بسيط: يحتاج هذا قوات كبيرة وسيكلف ضحايا كثيرة. لكن في يهودا والسامرة ضروري تغيير في أهداف هذه الحملات، وهذا يتم الآن تماما.
------------------------------------------
هآرتس 24/1/2025
حرب وجود سياسية
بقلم: يوسي فارتر
لا يجب على المرء أن يكون خبير كبير في السياسة أو في الطب كي يدرك أن بنيامين نتنياهو كان يفضل التنازل عن المرحلة الثانية في صفقة انقاذ المخطوفين. هذا الامر يشكل وجع رأس بسيط: هو مرتبط بانسحاب كامل من قدس اقداسنا، محور فيلادلفيا، وتحرير عدد كبير من المخربين الذين يوجد في سجلهم الدموي عشرات المؤبدات. وبالاساس هو مرتبط بالفعل السياسي المنبثق عن ذلك: خطر واضح وفوري لحل الحكومة.
انسحاب الجيش الإسرائيلي من محور فيلادلفيا يمكن أن يحدث في الأيام الـ 43 حتى 50، بين 2 – 9 آذار. حتى نهاية الشهر الحالي يجب تمرير الميزانية، وإلا فان الحكومة ستسقط. اذا طبق بتسلئيل سموتريتش تهديده بالانسحاب فربما الحل سيأتي حتى قبل ذلك. ينضم لهذه الثغرة أيضا قانون الاعفاء. لقد تجلى الخلاف المفتوح بين الجيش الإسرائيلي ووزير الدفاع إسرائيل كاتس في هذا السياق في لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست، حيث جلس بجانب رئيس شعبة القوة البشرية، الجنرال دادو بار حليفه، الذي شرح بالتفصيل وبشكل احترافي من جهة الاحتياجات الملحة، ومن الجهة الأخرى عدم جدوى العقوبات التي يدور الحديث عنها، وكاتس، مكفهر الوجه، ظهر عليه أن غير راض عن هذا العرض.
يمكن القول إنه للمرة الأولى منذ تشكيله قبل سنتين، الائتلاف يمر بحدث صادم وهام. 24 شهر ولم يهدد هذا الائتلاف أي شيء سيء. سواء عندما اشتعلت الشوارع بالاحتجاج التاريخي ضد الانقلاب النظامي، أو عندما ذبح حوالي 1200 مدني وجندي، واغتصبوا واحرقوا واختطفوا خلال ساعات الى قطاع غزة، وليس حتى في ظل الحرب التي استمرت تقريبا 15 شهر في القطاع، التي تحولت منذ فترة الى مراوحة زائدة في المكان، والتي تكلفنا حياة الجنود. كم هو مخيف ويثير السخرية أن تكون الاحتمالية الملموسة لاطلاق سراح جميع الأشخاص الـ 94 من الاسر هي وحدها التي تهدد كراسي رئيس حكومة الفشل وشركاءه.
نتنياهو يعرف أنه عند بداية انسحاب قوات الجيش من محور فيلادلفيا فان وسائل الاعلام ستحتفل بالمؤتمر الصحفي التاريخي الذي عقده في 2 أيلول (الذي جاء كرد على الصدمة والاحتجاج بعد العثور على جثث المخطوفين الستة)، الذي وصف فيه ترك محور فيلادلفيا بأنه جحيم أمني سيضمن بالتأكيد حدوث 7 أكتوبر آخر. الخارطة الضخمة وصور الصواريخ والاوصاف الدراماتيكية لما سيحدث اذا، لا سمح الله، حدث ذلك. هذا المشهد استهدف أن يدق المسمار الأخير في خطة بايدن – بيبي من شهر أيار، التي كانت لا تزال تتنفس بصعوبة. أي وجه سيكون للمقدم اذا قمنا بالانسحاب بعد بضعة أسابيع من هناك.
على فرض أن نتنياهو يمكنه العيش مع هذا الاحراج. ولكن عند اسقاط الحكومة والذهاب الى الانتخابات في الصيف سيكون اقل قدرة على التعايش. في الشهر القادم يمكن أن يلتقي مع الرئيس دونالد ترامب في واشنطن، وهو اللقاء الذي سيحسم مصير الصفقة. نتنياهو سيقول له بأن تطبيق الصفقة سيعمل على اسقاط الحكومة، وهو سيطلب الرحمة والاهتمام به وليس بالمخطوفين.
سموتريتش من ناحيته توقف عن الاهتمام به، بالتأكيد بعد أن حاصره بن غفير من اليمين، وقام بالانسحاب من الحكومة. ومنذ ذلك الحين يقوم بتطويقه ويعرضه ككذاب يتمسك بالكرسي. شرط رئيس حزب الصهيونية الدينية يظهر أنه قاطع: استئناف القتال في غزة أو اسقاط الحكومة.
كل ما اغدقه عليه نتنياهو لم يجعله يلين تهديده. حتى ولو إضافة سريعة ومتسرعة لهدف آخر “في اهداف الحرب” بعد نقاش قصير وغير جدي في الكابنت. “المس الشديد بمنظمات الإرهاب في يهودا والسامرة وتعزيز الدفاع والامن فيها، مع التأكيد على الحفاظ على أمن الحركة وعلى المستوطنات”، ارتجال كلاسيكي لنتنياهو. الآن من كثرة الأهداف لم نعد نرى الحرب.
في موازاة ذلك نتنياهو ينتظر عودة الابن المارق بن غفير. حقائب حزب قوة يهودية قام بنقلها الى وزير السياحة حاييم كاتس، وهذا إشارة استخذاء للمستقيل.
الخوف الدائم الذي يلقي بظلاله على الأمل في اوساط عائلات المخطوفين من المرحلة الثانية يجد التعزيز السلبي من رئيس الحكومة ومحيطه. يجب الانتباه: عندما يرسل المتحدثون بلسانه ولسان وزرائه كي يعدوا بأن محور فيلادلفيا لن يسقط مرة أخرى، فانه بذلك يعرض للخطر إعادة المخطوفين الـ 14 الأخيرين في النبضة الحالية، الذين سيتحررون في اليوم الـ 42 من وقف اطلاق النار. الجمهور المليء بالامل الذي منحوه إياه عند بداية تطبيق الصفقة وعودة المخطوفات الثلاث الأوائل، على قناعة بأن الـ 33 مخطوف سيتحررون بالتأكيد. اذا وضعت مرة أخرى اعتبارات بقاء نتنياهو في المقام الأول فان هذا يمكن أن ينتهي بخمس المخطوفين الباقين فقط وبمأساة فظيعة.
القدرة على الاقناع
المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق رسمية تم صدها بانغلاق لا يحتمل، مرة تلو الأخرى، على يد الحكومة في كل منبر ممكن. الوزراء مجندون لهذا الهدف، رغم أنه في كل استطلاع فان دعم الجمهور لتشكيل لجنة التحقيق الرسمية واسع وثابت، إلا أنهم يرددون البند 1 في صفحة رسائل مكتب رئيس الحكومة: لجنة التحقيق يجب أن يكون متفق عليها من قبل معظم الشعب. البند 2 يقول إنه لا يمكن الاعتماد على نائب رئيس المحكمة العليا، اسحق عميت. والبند 3، “لجنة التحقيق يتم تشكيلها فقط بعد انتهاء الحرب”، الخ.
في هذا الأسبوع تمت إضافة اليها بند جديد: “نحن سنشكل لجنة تحقيق مع ممثلين عن عائلات المخطوفين والعائلات الثكلى، هكذا فقط سنصل الى معرفة الحقيقة”، قالت الوزيرة غيلا غملئيل، التي جاءت الى الكنيست من اجل من قبل الحكومة على مشروع قانون قدمته اوريت فركش هكوهين (المعسكر الرسمي). المذبحة في 7 أكتوبر وصفتها غملئيل بأنها “احدى الحالات الأكثر صعوبة التي مرت على الشعب اليهودي منذ الكارثة”. وأضافت بأن “كل الفحوصات سيتم القيام بها بشكل ممتاز”. ووبخت المعارضة بالقول: “ليس كل شيء سياسة”. اقوال مضحكة بشكل خاص، ومن المؤسف أن تكون حزينة جدا. في مقابلة مع راديو 103 اعترفت غملئيل بأنها وبحق أيدت تشكيل لجنة رسمية، ولكنها تراجعت عن رأيها. “لقد اقنعوني”، قالت. ماذا يمكن القول.
غملئيل هي من الوزراء الذين تحدثوا في بداية الحرب بصورة قاطعة لصالح تشكيل لجنة تحقيق رسمية، وهكذا أيضا كان نير بركات، آفي ديختر وميكي زوهر. جميعهم قاموا بتغيير جلودهم. جدعون ساعر (بنسخته السابقة) بالتأكيد كان يفضل وصفهم بـ “خرقة بالية”. ناهيك عن النظام البيئي البيبي، بقيادة القناة 14، الذي يأخذ الذريعة البائسة، “محظور السماح للمحكمة بالتدخل”، ويصنع منها مأكولات مقرفة كالعادة. بعد أسبوعين تقريبا يمكن للحكومة أن تعطي الرد للمحكمة العليا بخصوص الالتماسات التي قدمتها عدة منظمات واشخاص (مثل معهد زولت وحركة “طريقنا” والأب الثاكل يزهار شاي)، الذي طلبوا معرفة لماذا لا تجري النقاش في موضوع تشكيل لجنة التحقيق. في هذه الاثناء نتنياهو عالق. ضغط العائلات الثكلى، بقيادة “مجلس أكتوبر” غير السياسي، لا يترك الائتلاف، خاصة لا يترك القلائل فيه الذين ما زال لديهم القليل من الضمير والحس السليم – عدد من أعضاء الكنيست من الليكود وشاس. في هذه الاثناء مشروع قانون الغبي المبتذل اريئيل كلنر (الليكود) لتشكيل لجنة سياسية، عالق.
تلوث حكومي
البشرى الجيدة في قائمة المرشحين الثلاثة لاستبدال رئيس الأركان، كما قال لي شخص كان حتى وقت متأخر في مركز جهاز الامن، هي أن لا أحد منهم سيكون “داني ليفي لنتنياهو وكاتس”. من الجهة الأخرى، الاستقالة ستمكنهم من التاثير على إيجاد هيئة اركان صورتها مريحة اكثر لهم. سلسلة طويلة من المناصب سيتم اخلاءها، وكما هو معروف فانه لا يمكن تعيين جنرالات بدون موافقة وزير الدفاع.
المقارنة بالمفتش العام للشرطة، الذي تم تعيينه في اعقاب علاقاته الحميمية مع الوزير ومع زوجة رئيس الحكومة، ليست صدفية. بين بيان استقالة هليفي ونشر قائمة الثلاثة: ايال زمير، تمير يدعي وامير برعام، تم طرح أيضا اسم السكرتير العسكري لرئيس الحكومة رومان غوفمان. حاملو البشرى هم عدد من المراسلين المقربين من رئيس الحكومة، الامر الذي يدل على أن نتنياهو قد تسلى بهذه الفكرة الحالمة. لقد اطلق بالون اختبار، الذي اخرج الهواء منه. خلافا للسكرتاريين العسكريين لنتنياهو، الذين اجتازوا مقابلات قبول لدى “ركيزة حياته”، في هذه الحالة الوحيد الذي جلس بجسده امام المرشحين هو كاتس (هذا ليس لأن فرع ميامي للعائلة لا يحاول التنقيب). على كل الأحوال هو سيكون وزير الدفاع الأقل استقلالية في هذه العملية في كل الأوقات. من غير المستبعد مثلا أنه سيصعب على المرشحين بالسؤال عن “مظاهر الرفض في اعقاب تشريع قانوني” (قانون الاعفاء).
عندما كان غادي ايزنكوت رئيسا للأركان فقد اضطر الى مواجهة لفترة طويلة تلوث سياسي عام على صورة قضية اليئور ازاريا. هليفي واجه مثل هذا التلوث، لكنه اصعب بكثير، بفضل حكومة الكارثة. أي شخص معيب ومصاب بالصرع، من سموتريتش وبن غفير وحتى آخر من يطلقون الهراءات في وسائل الاعلام، قام بشتمه واستهزأ به. اليمين لا ينسى له “التسامح” مع الذين اعلنوا بأنهم سيتوقفون عن التطوع اذا لم يتم وقف الانقلاب النظامي. الموقف الرسمي لهليفي الذي سيكون بالتأكيد أيضا موقف المرشحين لوراثته، هو العمل ضد كل مظاهر الرفض مهما كانت. ولكن الواقع ليس أوراق مواقف؛ الواقع المشوه لكاتس ومن ارسله أسوأ بكثير. هما سيرغبان في معرفة أن المرشحين لهذا المنصب سيفضلون محاربة “الرافضين” من “اخوة في السلاح” على الرافضين الحقيقيين – الشركاء في الائتلاف من شاس ويهدوت هتوراة.
------------------------------------------
هآرتس 24/1/2025
لماذا سمح رئيس الأركان للجيش بارتكاب جرائم حرب؟
بقلم: يعقوب غودو
عند اعلان رئيس الأركان عن استقالته تظهر مشاعر حامضة قليلا. ها هو مدماك رسمي مهم سيغادر منصبه ويختفي في غياهب المجهول. هل كان رئيس اركان جيد؟ هل اداءه خلال ولايته القصيرة كان جيد ويلبي التوقعات؟ هل سيطر على الجيش الذي كان مسؤول عنه؟ هل سيطر على المنظومة المقاتلة في الجيش؟ هل كان يدرك تلاعب بنيامين نتنياهو وأعضاء الحكومة على هيئة الأركان والمجتمع الإسرائيلي؟.
القيادة حسب فهمي تبدأ في السيطرة والرقابة من اعلى. هنا توجد العقبة الأولى: عدم سيطرة تامة على ما يحدث في الضفة الغربية. الجيش في الضفة الغربية، بدءا من قائد الفرقة ومرورا بعدد من قادة اللواء، تحول الى مليشيات مخلصة لحركة الاستيطان مع خيانة مطلقة لوظيفته كقوة محتلة: الدفاع عن السكان المدنيين الفلسطينيين في المنطقة.
قوات الجيش في يهودا والسامرة تحولوا الى متعاونين مع رجال الإرهاب اليهودي في ارجاء الضفة. شركاء في التنكيل، منع المياه عن تجمعات الرعاة، منع وصول المزارعين الفلسطينيين لقطف الزيتون وإعطاء الشرعية لوقوع مذابح في القرى الفلسطينية. قادة الوية قاموا بتأمين زيارات قبر يوسف، وحتى تمت استضافتهم فيها، مع تشويش كبير على حياة الفلسطينيين في المنطقة. هل رئيس الأركان عرف عن خروقات القانون الفظة للجيش الذي يوجد تحت امرته أو أن عيونه لم تر ذلك.
بعد المذبحة الفظيعة، التي قتل فيها ابني توم في بيته في كيبوتس كيسوفيم – هل رئيس الأركان لم ير التلاعب الساخر لنتنياهو الذي استخدمه على الجيش وعلى مواطني إسرائيل باعلانه عن حرب انتقامية استهدفت تعزيز مركزه في السلطة طالما هي مستمرة؟ لماذا لم يستخدم رئيس الأركان كل ثقله من اجل إعادة على الفور جميع المخطوفين، حتى بثمن باهظ يتمثل باطلاق سراح مخربين وانهاء الحرب؟.
لماذا تساوق مع قرارات وهمية للحكومة بتسوية قطاع غزة وقتل عشرات آلاف المدنيين، من النساء والأطفال؟ لماذا وافق على أن يدخل الجيش الذي تحت امرته حاخامات الى الوحدات القتالية ووافق على غسل ادمغة لحرب دينية خلاصية، من خلال تحويل الجيش الى جسم يرتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية؟ لماذا صمت امام ضعف الانضباط في الجيش، الذي تضمن ادخال مدنيين الى مناطق القتال وأدى الى فقدان حياة جنود؟ لماذا سمح بمحاولة التعتيم على التحقيق في الحادثة التي قتل فيها زئيف ايرليخ والجندي غور كهاتي؟.
بعد صدمة 7 أكتوبر رئيس الأركان والجيش استيقظوا وحاربوا واوصلوا إسرائيل الى إنجازات عسكرية هامة جدا. وحتى الآن هناك أسئلة كثيرة تنتظر الإجابة عليها. على بعض هذه الأسئلة لن نحصل على إجابة من المسؤولين. لذلك، يجب أن نطلق النداء لتشكيل لجنة تحقيق رسمية من فوق كل منصة وكل منبر.
نتنياهو يجب أن يتحمل المسؤولية ويستقيل على الفور. سوية مع الوزراء عديمي القدرة الذين يشكلون حكومته المجرمة، ونحن أعضاء المجتمع المدني الليبرالي وحركة الاحتجاج يجب أن نكون موحدين بالمطالبة بإعادة جميع المخطوفين. وفي نفس الوقت إبقاء العيون “على الكرة”: الانقلاب النظامي في ذروته والالتزام الاسمى لنا، مع إعادة المخطوفين، هو منع وزير العدل وامثاله من مواصلة التنكيل بدولة إسرائيل.
------------------------------------------
معهد بحوث الأمن القومي 24/1/2025
لماذا فشلت كلّ المحاولات لحلّ الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي؟
بقلم: عازر جات
مبادرة السلام العربية
هناك أصوات في إسرائيل تطالب بتسوية الصراع، والتغلب على العقبات المذكورة أعلاه ومخاوف الفلسطينيين، من خلال قبول مبادرة السلام العربية في العام 2002، حيث تكررت منذ ذلك الحين وصادقت عليها الجامعة العربية عدة مرات. ووفقاً للمبادرة، فإنه مقابل انسحاب إسرائيلي من جميع الأراضي "والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين متفق عليه وفقاً للقرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ العام 1948"، سوف يقوم العالم العربي بالاعتراف بإسرائيل وصنع السلام معها. يبدو أن الأصوات في إسرائيل ليست لصالح الاقتراح (عندما لا ينسون ذكر بند اللاجئين) وترى أهمية في أنه حين تعترف إسرائيل قانونياً بقبول المبادرة، فإنها تجعل القرار 194 يتمتع بصلاحية قانونية ملزمة، وبالتالي يصبح جزءاً ملزماً من القانون الدولي ـ وهو الأمر الذي تجنبت الجمعية القيام به دائماً من أجل اقتراح حل "نهائي" لمسألة السيطرة على "يهودا" و"السامرة" وفقاً لمقترح بتسلئيل سموتريتش.
بالنسبة لأولئك في إسرائيل، الذين يطالبون بقبول المبادرة، ربما يكون من الواضح أن المطالب الفلسطينية بـ"حل عادل" لمشكلة اللاجئين ستكون معقولة، ولن تتضمن ممارسة واسعة النطاق لـ"حق العودة" وفقاً لما ينص عليه القانون. ومع القرار 194 يجب أن نتذكر أن الفارق هو "سوف يُسمح للاجئين الذين يرغبون في العودة إلى ديارهم والعيش في سلام مع جيرانهم بالقيام بذلك في أقرب وقت عملي".
ويبدو أن مؤيدي اقتراح السلام، الذي تقدمت به الجامعة العربية، لا يهتمون أيضاً بالتطورات في الشرق الأوسط منذ العام 2002 "الربيع العربي"، والحروب الأهلية القاتلة في المنطقة بأكملها - في ليبيا وسورية والعراق واليمن ولبنان، والسودان (وقبل ذلك في الجزائر ولبنان)، مع إضافة نشاط إيران وفروعها. تظهر التجربة أن قدرة الجامعة العربية على منع وتسوية الصراعات والحروب داخل العالم العربي نفسه تتجه إلى الصفر، ومن الصعب الافتراض أن قوتها ستكون أكبر في الصراع مع إسرائيل. وليس من قبيل الصدفة أن المملكة العربية السعودية نفسها - التي لم تتضمن مبادرتها الأصلية، على عكس مبادرة السلام العربية في شكلها النهائي التي تم قبولها بناء على طلب الفلسطينيين وسورية، قبول إسرائيل للقرار 194 - تروج الآن لمقترحات أقل طنانة بشأن القضية الفلسطينية كشرط للتطبيع مع إسرائيل.
خطر عدم توقيع اتفاق سلام مع الفلسطينيين قريباً
إن التقدير بأن تسوية سلمية مع الفلسطينيين لن يتم التوصل إليها في المستقبل المنظور يثير التساؤل عما يحدث وسيحدث في غياب التسوية.
إن فشل جهود السلام وما اعتبر غض الطرف والفشل في توفير مساءلة حقيقية من جانب اليسار في إسرائيل فيما يتعلق بظروف الفشل وعمق عدم الاعتراف بفلسطين، أدى إلى حد كبير بغير قليلين في إسرائيل إلى أن يغيروا مواقفهم، ويتجهوا إلى حركة عامة نحو اليمين في الرأي العام. ولكن يجب أن نفهم أن أخطاء وإخفاقات أحد الطرفين لا تعني أن مواقف الطرف الآخر ليست مخطئة أو محكوماً عليها بالفشل ليس أقل من ذلك، وربما أكثر.
الخطر الرئيسي في الواقع الذي لا يُتوقع فيه التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين في المستقبل المنظور، هو استمرار وتوسيع الاستيطان اليهودي في عمق الأراضي، في قلب المناطق المكتظة بالسكان الفلسطينيين في الضفة الغربية. هذه هي العملية التي تتعمق بشكل افتراضي من خلال عمل المستوطنين، سواء بإذن أو دون إذن، حتى عندما لا تكون هناك سياسة حكومية رسمية تشجعها وبالتأكيد عندما تكون موجودة. ونتيجة لذلك، فإن الواقع يتطور في المناطق حيث لن يكون من الممكن بعد الآن الفصل بين السكان الفلسطينيين واليهود. وهذا هو أخطر خطر على الصهيونية ومستقبل دولة إسرائيل - ما يعرف بالدولة اليهودية العربية ثنائية القومية، والتي ستؤدي إلى قيام دولة عربية إسلامية على كامل أراضيها.
وفي مقابل ذلك، ينشر اليمين الإسرائيلي، بمختلف ألوانه، الأطروحة المفاهيمية التالية: إن رؤية اليمين المتطرف، التي تعتمد جزئياً على مفهوم الخلاص المسيحاني، تدعو إلى تطبيق السيادة الإسرائيلية على كافة الأراضي، في حين تعمل على تفكيك السلطة الفلسطينية، والاستيطان اليهودي الواسع النطاق، وقمع المقاومة الفلسطينية من خلال الإجراءات العسكرية القاسية وعمليات الترحيل نقطة تلو الأخرى؛ والتشجيع النشط والقوي لهجرة واسعة النطاق للفلسطينيين من "المناطق"، مع ترك الباقي في وضع سكان دون جنسية. كما يؤيد التيار اليميني توسيع الاستيطان، مع فرض قيود على هذا وذاك، والعديد منهم يشتركون في الأمل بإمكانية إحداث تغيير حقيقي في التركيبة السكانية في "المناطق" من خلال تشجيع هجرة الفلسطينيين إلى بلدان أخرى. ومع ذلك، وبصرف النظر عن الرغبة في ضم أجزاء كبيرة من الأراضي إلى إسرائيل، خاصة تلك ذات الكثافة السكانية المنخفضة نسبياً من قبل الفلسطينيين والتي تخضع حالياً للسيطرة الإسرائيلية المباشرة (المنطقة ج)، فإن الحكم الذاتي الفلسطيني يُنظر إليه في تيار اليمين على أنه الأقل أهمية. وهو سيئ من حيث الترتيب طويل الأمد في "المناطق" التي لن يتم ضمها فيما يتعلق بالسيطرة الفعلية على التجمعات السكانية الفلسطينية وإدارتها.
مقترحات اليمين في اختبار النقد
في رأي كاتب هذه السطور لا توجد فرصة لإحداث تغيير جوهري في الواقع الديموغرافي في إسرائيل: هناك مجموعتان سكانيتان عرقيتان قوميتان مختلفتان - اليهود والعرب - وهم هنا ليبقوا. إن الجدل حول ما إذا كنا نقترب من المساواة العددية أو حتى الأغلبية العربية بين البحر ونهر الأردن، أو ما إذا كانت هذه المساواة لن تتحقق وسيتم الحفاظ على أغلبية يهودية نسبية، لا معنى له حقاً. إن دولة إسرائيل، التي يشكل العرب حوالى 20% من سكانها، هي دولة يهودية وديمقراطية، حيث يمكن الحفاظ على المساواة المدنية والاندماج المناسب للأقلية العربية. إن الدولة التي لديها أقلية عربية تبلغ حوالى 40 في المائة ستكون في الواقع دولة ثنائية القومية، حيث سيتم التعامل مع جميع القضايا من زاوية الصراع العرقي. ويصدق هذا حتى فيما يتعلق ببلجيكا، التي تنقسم فعلياً بين الفلمنكيين والوالونيين، حتى عندما لا يكون هناك صراع عنيف.
إن مسألة ما إذا كان عرب البلاد شعباً فلسطينياً منفصلاً يحق له تقرير المصير في إطار دولته المستقلة، أو ما إذا كانوا جزءاً فريداً من الهوية العربية في الشرق الأوسط، هي مسألة فارغة. المشكلة الحقيقية هي كيف ستكون جنسيتهم، لأنه لا يوجد وضع في العالم اليوم يُحتجز فيه السكان في ظروف انعدام الجنسية. وعندما غزت الصين التبت، أو استولت روسيا على أجزاء من أوكرانيا، واحتوت كل منهما سيادتها على هذه الأراضي، كان من الطبيعي أن يتضمن ذلك جعل سكانها مواطنين، سواء طوعاً أو كرهاً. ولكن لا الصين ولا روسيا العملاقة تواجه مشكلة ديموغرافية نتيجة لذلك.
ويبدو أن الجواب المقبول اليوم في أوساط اليمين الإسرائيلي على مسألة مواطنة عرب "المناطق" هو، كما ذكرنا، أن الغالبية العظمى منهم لن يتم ضمهم إلى إسرائيل، بل سيبقون مواطنين في السلطة الفلسطينية. لكن الحكم الذاتي يُمنح لمواطني دولة ما في المنطقة المشمولة داخل حدودها. الحكم الذاتي يعني أن سكان منطقة الحكم الذاتي يتمتعون بحكم ذاتي محدود يختارونه، وكذلك الحق في المشاركة في اختيار الحكومة المركزية التي يخضع لها حكمهم الذاتي، كما هو الحال في إقليم الباسك في إسبانيا، الذي سكانه هم مواطنون إسبانيون، ويصوتون في انتخابات البرلمان الإسباني، ويحق لهم الترشح له، بما في ذلك للمناصب القيادية. وينطبق هذا الوضع أيضاً فيما يتعلق بوضع إسكتلندا في المملكة المتحدة، ووضع غرينلاند داخل الدنمارك.
هذا ليس سؤالاً دلالياً بحتاً. ولا تعترف المعايير الدولية بالفصل بين سيادة الدولة والمواطنة. في أي دولة سيكون سكان السلطة الفلسطينية مواطنين؟ رئيس الوزراء، مناحيم بيغن، الذي طرح فكرة الحكم الذاتي وفهم معناها تماماً، اقترح بروح جابوتنسكي أن بإمكان سكان السلطة الفلسطينية الاختيار بين الجنسية الأردنية والجنسية الإسرائيلية. كما وافق كأمر طبيعي على أن العرب في "يهودا" و"السامرة" وغزة الذين يختارون المواطنة الإسرائيلية سيكون لهم الحق، كمواطنين، في التصويت للكنيست والاستقرار في إسرائيل. وكان يأمل، ربما بسذاجة، أن تختار الغالبية العظمى من عرب "المناطق" الجنسية الأردنية، وألا يعرضوا الطابع اليهودي والديمقراطي لإسرائيل للخطر.
الرئيس دونالد ترامب، في ولايته الأولى، ودود للغاية تجاه إسرائيل، ودون احترام كبير لأي أعراف أعلن، وفقاً لإرادته، ما صدم الإسرائيليين، أنه لا يهمه دولة واحدة أو دولتان، أياً ما تريدون يقبله. كما أنه لم يتصور سيادة الدولة دون جنسية.
هناك من في اليمين سيظلون يشرحون أن هذه مسألة دلالية في الأساس، وسيكونون على استعداد لتسمية حلهم المفضل "دولة فلسطينية محدودة" وليس "حكماً ذاتياً". ومع ذلك، بقدر ما يتعلق الأمر بالفعل بموافقة إسرائيلية على إقامة دولة فلسطينية، مع قيود مختلفة، هناك نقطتان تتطلبان التوضيح:
1- لا يمكن الاحتفاظ بها على شكل "الجبنة السويسرية"، مثل "جزر" ضمن السيادة الإسرائيلية، ومحدودة بـ30 في المائة من الأراضي، كحلم اليمين. هذا هو بالضبط مفهوم الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، حيث كانت البانتوستانات "مستقلة". العالم كله، بما في ذلك أصدقاء إسرائيل، لن ينظروا إلى الأمر إلا بهذه الطريقة.
2- لن يكون من الممكن منع عودة الفلسطينيين إلى ذلك البلد في الاتفاق وفي الممارسة العملية. سواء من حيث جوهر المشكلة أو من حيث تقييد السيادة، لن يقبل ذلك أحد في العالم، وليس فقط الفلسطينيون.
لذلك، فإن ما هو ضروري ومعقول الإصرار عليه ضمن القيود هو في الواقع نزع السلاح، ضمن القيود المذكورة أعلاه لهذا المفهوم اليوم، وحق إسرائيل في التدخل العسكري في المنطقة ضد التهديدات العسكرية و"الإرهاب"، إذا لم تفعل الدولة الفلسطينية ذلك. كممارسة لحق الدفاع عن النفس، على غرار الخطوط المتفق عليها مع الأميركيين فيما يتعلق بجنوب لبنان في اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في تشرين الثاني 2024 بعد صراع بين إسرائيل و"حزب الله".
إن إقامة كونفدرالية إسرائيلية - فلسطينية، أو حتى كونفدرالية إسرائيلية - فلسطينية - أردنية، حيث يحمل كل طرف جنسيته الخاصة، هي فكرة تتردد في الوقت نفسه، وعلى نحو متناقض، سواء على اليمين أو على اليسار الإسرائيلي. ففي اليمين ينظر إليه على أنه وسيلة لمنع تقسيم البلاد والحفاظ على الاستيطان في أرجائه كحق مشروع، بينما الانفصال الوطني من حيث «الوجود مع الشعور بالغياب». بينما في أقصى اليسار يُنظر إليه على أنه وسيلة لضمان حقوق وطنية ومدنية متساوية لطرفَي الصراع في واقع تبدو فيه إمكانية التقسيم بعيدة مادياً على الأرض، وأيضاً كحل لن يبقي أقليات قومية مظلومة في أي من البلدين.
الكونفدرالية مفهوم غامض للغاية. لكن الشائع الافتراض أن المفهوم يشمل حرية التنقل والإقامة في جميع أنحاء أراضيها، والحق في اختيار الجنسية المطلوبة لكل شخص على أساس فردي. إن أولئك الذين يطرحون الفكرة في اليمين لا يدركون ما يعتبره أنصارها في اليسار ميزة في إطار رؤية يوم القيامة لحياة مشتركة يسودها السلام والأُخوة: حركة السكان والاختلاط ليس فقط في اتجاه واحد بل في كل الكونفدرالية بالكامل. وحتى أولئك الذين يعتقدون أنه من الممكن الإصرار على مواطنة منفصلة داخل حدودها، يجب أن يأخذوا في الاعتبار الاستيطان الهائل لعرب "المناطق"، والعرب من جميع أنحاء الشرق الأوسط، في أراضي إسرائيل، والذي يقدم فرصاً هائلة من حيث المزايا الاقتصادية. وكما هو الحال في العالم كله، وعلى عكس آمال اليمين، فإن ضغط الهجرة غير المنضبط سيكون باتجاه العالم المتقدم، إلى إسرائيل، وليس منها.
في النهاية، حتى لو لم يكن للمواطنين الفعليين في إسرائيل، بموجب الاتفاق، الحق في الحصول على الجنسية الإسرائيلية، فإنهم سيطالبون، كمقيمين دائمين في إسرائيل وجزء لا يتجزأ من سكانها، بهذه المواطنة، وبالتأكيد أحفادهم الذين سيتمتعون بها. المولودون في إسرائيل سيطالبون بها، ولن يكون من الممكن حرمانهم منها لفترة طويلة. وبالنظر إلى الديموغرافيا الإقليمية، فإن هذا يعني نهاية دولة إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، ونهايتها على الإطلاق. إن الفصل السياسي بين الشعبين هو المصلحة العليا لدولة إسرائيل.
------------------------------------------
عن "N12" 24/1/2025
سبب بقاء «حماس» في السلطة هو الإخفاق الدبلوماسي وليس صفقة التبادل
بقلم: تسيبي ليفني
وزيرة الخارجية الإسرائيلية في عهد رئيس الوزراء أرئيل شارون، وزعيمة حزب كاديما
أستطيع تفهُّم هؤلاء الذين يشعرون بالتشنج لأن "حماس" لا تزال في السلطة في غزة، أنا مثلهم أيضاً. لكن هذا لم يحدث بسبب صفقة التبادل التي انطلقت، إنما بسبب الإخفاق الذي بدأ يوم 8 تشرين الأول، ولا يزال مستمراً حتى اليوم، وهو رفض الحكومة المقصود لنقاش "اليوم التالي" واستبدال "حماس" في غزة.
مَن لا يفرّق بين "حماس" الجهادية "القاتلة" وبين جهات سلطوية فلسطينية أُخرى تعمل في التنسيق الأمني مع إسرائيل، هو يختار "حماس" فعلياً. هذه كانت الرؤية قبل 7 تشرين الأول، ويمكن أن تستمر معنا مستقبلاً أيضاً. إذا بقيت هذه الحكومة في السلطة فـستبقى "حماس" أيضاً في السلطة.
جميعنا نريد تفكيك "حماس" وسلطتها في غزة. كان هناك دعم غير متحفظ لجميع أهداف الحرب. خرج الجيش إلى حرب مبررة على جميع الجبهات التي قامت ضدنا، وألحق ضرراً مذهلاً "بالإرهاب" وقادته، وحقق لإسرائيل إنجازات عسكرية كبيرة تم التوصل إليها بفضل المقاتلين الشجعان الذين هاجموا، من دون أيّ تردد، وبثمن باهظ جداً دفعوه، هم وعائلاتهم الكثيرة، التي انضمت إلى العائلات الثكلى.
منذ أشهر طويلة تشهد إسرائيل حرباً بكثافة عالية من دون أيّ إزعاج - كما يقول الشعار - الجميع منح الفرصة للجيش لينتصر. وعلى الرغم من ذلك من الواضح أنه لا يوجد انتصار مطلق، عسكري فقط. لا يستطيع الجيش تفكيك سلطة لا بديل لها، أو تفكيك تنظيم "إرهابي" حتى آخر "إرهابي"، من دون أيّ تغيير سلطوي بعيد المدى. وعلى الرغم من ذلك، فإنه يجب القول إن الإنجازات العسكرية لم تذهب سدىً، بل بالعكس، يمكن تفكيك سلطة "حماس"، ويجب تفكيكها. المطلوب القيام بذلك، من دون سنوات طويلة من القتال، إنما عبر الاتفاقيات الإقليمية برعاية أميركية ضد "حماس"، وتتضمن أيضاً إعادة المخطوفين، واستبدال حُكم "حماس" لتحل السلطة الفلسطينية مكانها، والتي ستتعزز قوتها أيضاً بفضل القوات الإقليمية الأُخرى. وفي هذا السياق يمكن الدفع بالتطبيع مع السعودية.
لو كان هناك حلف كهذا في مقابل "حماس"، وكان من الواضح أن السلطة التي ستحل محلها ستكون فلسطينية، لكان من الصعب على "حماس" أن تطرح ذاتها حامية الشعب الفلسطيني. تستطيع إسرائيل، عبر هذا التحالف، أن تحفظ لذاتها القدرة على العمل ضد "الإرهاب"، وأيضاً استغلال الإنجازات العسكرية في جبهات أُخرى، كالضربة المؤلمة التي تلقاها المحور الإيراني، من أجل خلق تغيير في الواقع الأمني الإقليمي لوقت طويل.
إن حكومة مسؤولة كانت ستستكمل هذه الخطوة وتلخصها، حسبما أشرت الآن، في موازاة الحرب، ويكون العالم كله شريكاً. لا يزال هذا ممكناً في الوقت الذي صرّح رئيس الولايات المتحدة، المرة تلو الأُخرى، التزامه عودة المخطوفين ونزع الشرعية عن "حماس" كسلطة، ورغبته في التوصل إلى اتفاق تطبيع بين السعودية وإسرائيل. ما يجب القيام به، قبل كل شيء، هو إعادة المخطوفين إلى إسرائيل. يمكن، ويجب أيضاً إزالة "حماس" من السلطة، وبذلك، يتم تحقيق هدفَي الحرب المتبقيَّين وتوسيعهما إلى تفاهمات وتحالفات إقليمية ضد "حماس".
هذا هو "النصر المطلق" الحقيقي. نحن أمام فرصة تاريخية، إن لم تلتقطها إسرائيل، فستجد ذاتها أمام إمكانين سيّئين لأمنها وحصانتها. ليس فقط أن الصفقة ستنفجر وبعض المخطوفين سيُتركون لمصيرهم، بل سنكون أمام إمكانين سيّئين جداً: يمكن أن ننجرّ إلى سلطة إسرائيلية في غزة وإعادة احتلال، وهو ما يمكن أن يكون حلماً لأقلية، لكنه سيكون كابوساً لنا. وسنكون مسؤولين عن الرفاه والاقتصاد والصحة والتعليم لمليونَي فلسطيني. وهذا كله في الوقت الذي سيستمر "الإرهاب" ضد كل إسرائيلي في القطاع وخارجه، بغض النظر عمّا إذا كان جندياً، أم مدنياً؛ بالإضافة إلى الإمكان السيئ، وهو بقاء حكم "حماس".
هؤلاء الذين قالوا قبل 7 تشرين الأول إن "حماس" هي الرصيد والسلطة الفلسطينية هي المشكلة، هم ذاتهم الذين يهددون الآن بتفكيك الحكومة. هذا هو السبب الذي يجعل نتنياهو لا يتجرأ على إنهاء الحرب، وهذا هو أيضاً السبب وراء أن صفقة التبادل ستُنفّذ على مراحل وأجزاء، وتستمر وقتاً طويلاً. بعد 15 شهراً، بات من الواضح أن الوعد بأن الانتصار المطلق سيأتي بمزيد من الضغط، هو أمر طفولي في أفضل الأحوال، ومسيحاني، أو منافق في أسوأ الأحوال.
لذلك، فإن الصفقة الحقيقية اليوم هي صفقة سياسية: ما دامت "حماس" في السلطة يمكن الاستمرار في الحرب. مَن يحلم ببناء المستوطنات سيستمر في الاحتفال، وسيبقى نتنياهو في الحكم بثمن مرعب سيدفعه المخطوفون والجنود الذين سيستمرون في وضع حياتهم في خطر. ستتحول الحرب إلى صراع عبثي، وسيتعمّق عدم شرعية إسرائيل، وسيلاحَق جنودنا في الخارج. هناك أثمان يجب دفعها أحياناً من أجل أمن الدولة، لكن سيكون الأمر مدمراً إذا كنا ندفعها من أجل بقاء الحكومة.
منذ أكثر من عام، يبرر الوزراء، ورئيس الحكومة على رأسهم، الحرب والتخلي عن المخطوفين كثمن مقبول، حيث على الكفة الأخرى من الميزان هناك الحساب الأمني في المدى البعيد. في نظرهم، إذا أنهينا الحرب فسنعرّض مواطني إسرائيل لموجة "الإرهاب" القادمة، والموت والخطف...
أعلم أن قسماً من الإسرائيليين مقتنع بأن هذه الخيارات لا تزال أمامنا، حسبما عرّفها نتنياهو: صفقة، أو هزيمة - أو بكلمات بن غفير "صفقة غير مسؤولة". في الحقيقة، العكس هو الصحيح، لقد عانى المخطوفون وعائلاتهم كثيراً، لأن صفقة التبادل ليست هي التي تُبقي "حماس" في الحكم في غزة، إنما الإخفاق السياسي المستمر منذ 15 شهراً. لا يحتاج هذا الإخفاق إلى لجنة تحقيق؛ لأنه سياسة معلنة في وجوهنا جميعاً، وليس فقط أنها لن تحقق لنا الانتصار المطلق، بل أيضاً ستدفع إلى التخلي عن قسم من المخطوفين، وبغطاء من الشعارات الكاذبة، ستذهب الإنجازات العسكرية سدىً، وسنضيّع الفرص التي أمامنا، كما أنها ستترك "حماس" في السلطة، وتحوّل الحرب المبررة والضرورية إلى جولة أُخرى.
الوقت الذي يمرّ يجعل التوصل إلى اتفاق صعباً، لكن لا يزال استكمال جميع أهداف الحرب ممكناً. أولاً، يجب تحرير جميع المخطوفين، ثم استكمال خطوة استبدال "حماس" لتحل مكانها سلطة وحلف إقليمي. هذا ممكن الآن.
------------------------------------------
خيبة أمل إسرائيلية من تصاعد الخلافات الداخلية.. "الارتباط بيننا ضعيف"
تتواصل خلافات الإسرائيليين في الظهور يوما بعد يوم، وتأخذ أشكالا متطرفة من الصدامات، وكيل الاتهامات، وتوجيه التهديدات، وفي غمار ذلك يضعون بينهم مزيدا من الجدران والأسوار، ورغم ما أظهرته دولة الاحتلال من دموية بشعة في عدوانها على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وما تزعمه عن تحقيق تفوق على أعدائها على كافة الجبهات التي خاضتها، لكنها لا تزال قابلة للهزيمة، مع وقوع كارثة لا تحدث بالضرورة في ساحة المعركة، بل في أماكن أخرى من العالم، وداخل المجتمع الإسرائيلي.
تامار أُسروف الكاتبة في صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، ربطت "خلافات الإسرائيليين الجارية بعدم انتباههم للتطورات الحاصلة حولهم، مكتفين بما بنته الدولة من جدران وأسوار بزعم حمايتهم من الأخطار الخارجية، لكنهم اكتشفوا بعد فوات الأوان أن أي جدار مادي يمكن اختراقه في نهاية المطاف، مقدمة لتدميرهم من الخارج، بعد أن يكونوا هم قد دمروا أنفسهم بشكل أساسي بسبب الكراهية المجانية في صفوفهم".
وأضافت أن "الإسرائيليين اليوم ليسوا أقوياء بما يكفي، فالارتباط بينهم ضعيف، ورغم أنهم ما زالوا في حالة حرب لأكثر من عام، ولم تنته بعد، فإن مؤشر تماسكهم الداخلي تأثيره قوي على ما يحدث في المعركة الخارجية، لكن الغريب أنهم بينما لا يزالون يحاربون أعداءً خارجيين، فلا زالوا يخوضون حروبا داخلية، والفجوة بين الجهد المبذول في ساحات المعركة، والخطاب العدائي الداخلي، لا تُطاق".
وزعمت أن "أكثر من حرب طاحنة تجري في الخارج أثبتت أن لدى الاحتلال مزيدا من القوة لمحاربة أعدائه، لكن الإسرائيليين ذاتهم ذهبوا إلى أقصى الحدود في الحروب والاتهامات الداخلية، مع أن هذا ليس الوقت المناسب، لأنها تُضعفنا وتُؤذينا، والحروب الداخلية تمنعنا من رؤية كيف تزداد قوة حماس، وكيف تشتعل صفارات الإنذارات مرة أخرى في غلاف غزة، وكيف يستمر مقتل المزيد والمزيد من الجنود في معاركها، وهكذا يصل العدو إلى الأسوار".
ودعت الكاتبة إلى "تخصيص المزيد من أيام المستقبل للتعامل مع الفجوات الداخلية، رغم أن هذا ليس الوقت المناسب بعد، فأي شخص ليس في ساحة المعركة، ويريد أن تنتهي هذه الحرب بانتصار، يجب أن ينظر لما وراء الجدران الصغيرة التي أنشأها الإسرائيليون داخل أنفسهم".
مايكل أورين السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن، أكد أنه "بعد خمسين عامًا من الآن، سيتعلم الطلاب في الكليات العسكرية حول العالم عن الحرب الإسرائيلية المسماة "السيوف الحديدية"، ويتعلمون أنه لم يواجه أي جيش في التاريخ تحدياً مثل الذي واجهته غزة، وهي منطقة مكتظة بالفلسطينيين محمية بثلاثين ألف مسلح، وسط مليونين ونصف مليون مدني بقدرة محدودة للغاية على الهروب من منطقة القتال، ويقاتلون ضد قوات الاحتلال، ليس فقط فوق الأرض، بل أيضًا تحتها في 400 كيلومتر من الأنفاق".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، وترجمته "عربي21"، أن "جيش الاحتلال كما واجه تحديات غير مسبوقة في غزة، فقد واجه تحديات كبيرة مع حزب الله، أحد أكبر الجيوش وأقواها في الشرق الأوسط، وواجه زيادة كبيرة في المقاومة بالضفة الغربية، وهجمات الصواريخ والطائرات بدون طيار التي يشنها وكلاء إيران في سوريا والعراق واليمن، ناهيك عن التعامل مع هجمات الصواريخ الباليستية الضخمة التي تشنها إيران نفسها".
وأشار إلى أنه "على كل الجبهات، يواجه الاحتلال تهديدات متزايدة، ورغم ما أسفرت عنه هذه الحرب من تغيير جيو-استراتيجي بعيد المدى في الشرق الأوسط، وضربة قاتلة للمنظمات الجهادية، ونهاية سوريا كدولة موحدة تهدد جيرانها، وأوقفت التوسع الإيراني في المنطقة، وهكذا فإن الشرق الأوسط الجديد الذي تصوره الرئيس شمعون بيريس يتحقق، ولكن ليس بالطريقة التي تصورها من خلال السلام، بل من خلال الحرب".
واستدرك بالقول إنه "رغم كل ذلك، فإن الاحتلال قد يخسر هذه الحرب، ولن تقع الكارثة بالضرورة في ساحة المعركة، بل داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه، لأن الفشل بالحفاظ على وحدته الداخلية من شأنه أن يعرض كل إنجازات الدولة العسكرية للخطر، لا سيما في الإخفاق بالتوصل لحلّ قضية الخدمة العسكرية لليهود المتدينين، أو تجدد الجدل حول الانقلاب القانوني، وكل هذا من شأنه أن يضعف المجتمع الإسرائيلي مرة أخرى، ويقلّل إلى حدّ كبير من قدرته".
وأضاف أنه "فوق كل ذلك، فإن الفشل باستنفاد كل الوسائل الممكنة لإطلاق سراح المختطفين سيخلف شرخاً دائماً في المجتمع الإسرائيلي، لأن الحفاظ على المناعة الداخلية لا يقل أهمية عن ضرب حماس وحزب الله وإيران، بل يجب أن يكون نصب أعين الإسرائيليين كهدف استراتيجي".
------------------------------------------
لقد ارتكب زعماء "إسرائيل" إبادة جماعية في غزة وعليهم أن يدفعوا الثمن
يجب محاسبة "إسرائيل" وحلفائها السياسيين والإعلاميين الذين شجّعوها على ارتكاب إبادة جماعية في غزّة، ويجب عليهم أن يدفعوا الثمن.
صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر مقال رأي للكاتب أوين جونز، قال فيه إنّ زعماء "إسرائيل" ارتكبوا إبادة جماعية في غزة، ويجب عليهم أن يدفعوا ثمنها، ويجب على حلفائهم السياسيين والإعلاميين أن يدفعوا ثمنها أيضاً.
إنّ العواقب الوحشية التي ستترتّب على الإبادة الجماعية في غزة لن تقتصر على تلك الأرض المحطّمة، ما لم تتمّ محاسبة المتواطئين فيها. لقد وفّر وقف إطلاق النار بين "إسرائيل" وحماس راحة للناجين المصابين بصدمات نفسية. ولكن إعلان دونالد ترامب عن عدم ثقته في استمرار وقف إطلاق النار أدّى إلى تجدّد الرعب. فمن قرار الرئيس الجديد برفع الإيقاف المؤقت عن شحنات القنابل التي يبلغ وزنها 2000 رطل إلى "إسرائيل"، والتي أُسقطت مراراً وتكراراً على المدنيين في ما يسمّى بالمناطق الآمنة، إلى اختياره لمنصب السفير الأميركي في "إسرائيل"، مايك هاكابي، الذي قال ذات مرة إنه "لا يوجد شيء اسمه فلسطيني حقاً"، فإنّ أولئك الذين يأملون في السلام الدائم محقّون في القلق من أن تبدأ المذبحة قريباً مرة أخرى.
إنّ الهجوم على غزة يعمل على تطبيع العنف الذي لا حدود له تقريباً ضد المدنيين، والذي تيسّره وتبرّره حكومات غربية متعدّدة ومنافذ إعلامية.
ومن الجدير أن نتذكّر تدمير غرنيكا على يد القوات النازية والإيطالية خلال الحرب الأهلية الإسبانية قبل ما يقرب من تسعة عقود من الزمان. كانت غرنيكا واحدة من أولى عمليات القصف الجوي الجماعي لمجتمع مدني، وقد أثارت فضيحة عالمية. وقد أعرب الرئيس الأميركي آنذاك فرانكلين روزفلت عن أسفه لكيفية "قتل المدنيين، بما في ذلك أعداد هائلة من النساء والأطفال، بلا رحمة من الجو". وكتب الصحافي جورج ستير من صحيفة "التايمز" أنّ "الغارة على غرنيكا، من حيث شكل تنفيذها وحجم الدمار الذي أحدثته، لا مثيل لها في التاريخ العسكري". ولكن للأسف، تحوّلت غرنيكا إلى نموذج تجريبيّ لإبادة المدن الأوروبية جواً بعد بضع سنوات: فقد أخبر الزعيم العسكري النازي هيرمان جورينج محاكمات نورمبرج أنّ غارنيكا سمحت للنازيين باختبار سلاحهم الجوي.
ولكن ماذا عن غزة؟ في الأسبوع الماضي، زعم جو بايدن أنّه قال لبنيامين نتنياهو: "لا يمكنك قصف هذه المجتمعات بالمدفعية"، في بداية الهجوم العسكري الإسرائيلي في تشرين الأول/أكتوبر 2023. ومن المفترض أنّ الرئيس السابق كان يعتقد أنّ إخبار العالم بما قاله من شأنه أن يساعد في تبرئته. ولكن يبدو الأمر أشبه باعتراف غير مقصود بالتواطؤ الجنائي. فالولايات المتحدة، بعد كلّ شيء، سلّمت "إسرائيل" أسلحة بقيمة 18 مليار دولار تقريباً في العام التالي، عندما علم، أو كان ينبغي له أن يعلم، أنّ حملة نتنياهو الجوية تنتهك القانون الدولي. وفي الأسابيع الثلاثة الأولى من الصراع، وفقاً لمنظمة إيروارز غير الحكومية، قُتل ما لا يقل عن 5139 مدنياً. وكان هذا تقديراً متحفّظاً، حيث ربما يكون العدد الحقيقي أعلى. والقنابل التي قتلتهم زوّدتهم بها الولايات المتحدة في الغالب.
ما الغرض العسكري من هذا؟ يبدو أنّ الولايات المتحدة ليست لديها إجابة. فقد قال وزير خارجيتها السابق، أنتوني بلينكن، الأسبوع الماضي إنّ حماس "جنّدت عدداً من المسلّحين الجدد يكاد يكون مساوياً لعدد من فقدتهم". إن كان هذا صحيحاً، فإنه يقوّض الهدف المعلن لوحشية "إسرائيل"، والذي كان القضاء على حماس. وكان الهدف الآخر الذي زعمته "إسرائيل" هو إعادة الأسرى بالقوة العسكرية. ومع ذلك، وكما قال أحد المعلّقين في صحيفة "إسرائيل اليوم" الإسرائيلية مؤخّراً إنّه "يمكننا أن نؤكّد على وجه اليقين أنّ الضغط العسكري قتل عدداً من الأسرى أكبر من عدد الذين أعادهم أحياء". تمّ إطلاق سراح معظم الأسرى من خلال اتفاق وقف إطلاق النار، وليس نتيجة لعمليات "الجيش" الإسرائيلي. لذا من الصعب ألا نستنتج أنّ تصرّفات "إسرائيل" كانت بمثابة مذبحة في حدّ ذاتها.
أدّت معظم وسائل الإعلام الغربية دوراً محورياً في تطبيع هذه الفحش. من أكتوبر 2023 إلى يناير 2025، قُتل 1091 طفلاً في غزة، وهو عدد أكبر من العدد الإجمالي للمدنيين الإسرائيليين الذين قُتلوا في 7 أكتوبر. قُتل ما مجموعه 17400 طفل، ما يعادل طفلاً واحداً كلّ 30 دقيقة. أفادت دراسة حديثة في مجلة "لانسيت" أنّ العدد الإجمالي للوفيات في غزة هو أكبر من التقديرات.
-----------------انتهت النشرة-----------------
أضف تعليق