30 كانون الثاني 2025 الساعة 19:24

الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الاحد 29/12/2024 العدد 1195

2024-12-30 عدد القراءات : 105

الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

 

 

 

هآرتس 29/12/2024

 

حول شمال القطاع واليمن، لا يوجد خلاف بين نتنياهو ورؤساء جهاز الامن

 

 

بقلم: ألوف بن

 

بنيامين نتنياهو يعارض صفقة اعادة المخطوفين مع حماس مقابل انهاء الحرب وانسحاب الجيش الاسرائيلي من القطاع. رئيس الحكومة يبرر موقفه بالحاجة الى القتال حتى تفكيك حماس، لكن التحليل المقبول ينسب له دوافع سياسية: نتنياهو يخاف من ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذان يعارضان الصفقة ويهددان بحل الائتلاف والذهاب الى الانتخابات، التي فيها حسب الاستطلاعات نتنياهو سيهزم.

الابطال الاخيار في القصة هم رؤساء جهاز الامن، الذين كما يبدو يريدون عودة المخطوفين، لكنهم عاجزين امام نتنياهو والاشرار الذين يقفون خلفه. هذه القصة تخدم الصورة العامة للطرفين في اوساط مؤيديهم. نتنياهو يمكنه اتهام قادة الجيس والاستخبارات بالانهزامية والخضوع لحماس، خلافا لموقفه الحازم والوطني كما يبدو. هم يمكنهم عرضه كضعيف وخرقة بالية، وتم ابتزازه على يد الحكام الحقيقيين في الدولة، بن غفير وسموتريتش.

الافعال على الارض خلافا للاقوال والاحاطات، تضع هذه القصة محل شك كبير. الجهد الحربي يتواصل الآن في ساحتين رئيسيتين: شمال قطاع غزة واليمن. في القطاع تعمل اسرائيل على التطهير العرقي والتدمير المادي للبلدات الفلسطينية، من اجل اعداد المنطقة للضم وربما ايضا للاستيطان – العقاب المطلق لحماس بسبب المذبحة في 7 اكتوبر. هنا لا يوجد أي خلاف بين نتنياهو، الذي يحافظ على الضبابية بالنسبة لشمال القطاع، وبين الجيش الذي يستدعي المراسلين لمشاهدة الانقاض في جباليا وتمركز القوات في “ممر نتساريم” الذي مساحته مثل مساحة تل ابيب.

ايضا في ساحة اليمن لا توجد أي فجوة بين رئيس الحكومة وقادة الجيش. جميعهم يؤيدون التصعيد، ويوضحون أن عمليات قصف سلاح الجو في اليمن هي فقط تدريبات استعدادا للعملية الاكبر، مهاجمة المنشآت النووية في ايران. اجيال من الطيارين ورجال الاستخبارات ومخططو عمليات وسياسيون يخططون لهذه المهمة، والآن يبدو أنه توجد فرصة لن تتكرر لتنفيذها. مسار الطيران الى نتناز وبوردو مفتوح على مصراعيه بعد ازالة العوائق التي توجد في الطريق: الدفاعات الجوية الايرانية تم تدميرها، نظام الاسد في سوريا انهار والمليشيات في العراق اعلنت عن وقف اطلاق النار. اسرائيل تنتظر فقط توفر الذخيرة والمصادقة الصورية من دونالد ترامب، وحتى ربما من جو بايدن كهدية وداع.

صفقة تبادل المخطوفين، التي ستؤدي الى وقف الحرب، ستشوش على هذه الخطط. قطاع غزة المدمر سيعاد للفلسطينيين والجيش الاسرائيلي سيعيد انتشاره على خطوط 6 تشرين الاول بدون ضم وبدون استيطان، واذا اوقف الحوثيون اطلاق النار ورفعوا الحصار البحري عن ايلات فان اسرائيل ستجد صعوبة في تبرير مهاجمة ايران، خاصة اذا بعث الهدوء الذي سيسود من السبات الجهود الدبلوماسية المبذولة من اجل التوصل الى اتفاق بين ايران والغرب.

لكن طالما أن المخطوفين موجودين في غزة فان اسرائيل يمكنها مواصلة الجهود الحربية وتعميق سيطرتها في شمال القطاع والأمل بالحصول على مصادقة امريكا على مهاجمة ايران. لذلك فان نتنياهو يقترح على حماس صفقة بديلة: ابقاء عدد من المخطوفين لديها والحفاظ على سيطرتها في جنوب القطاع مقابل فقدان المنطقة التي تقع شمال ممر نتساريم، التي ستبقى في يد اسرائيل. حماس سيتعين عليها الحفاظ على المخطوفين الباقي، الذخر الاخير الذي بقي لها من اجل أن تبقى على قيد الحياة، ولكنها في هذه الاثناء ترفض هذا العرض.

الحرب تحظى بالشعبية في اوساط الجمهور اليهودي في اسرائيل، التي ازدادت منذ استسلام حزب الله وسقوط الاسد. نتنياهو والجيش يتشاجرون على من ينسب هذا الانجاز لنفسه. ولكن رغم الخصومات المغطاة اعلاميا بينهم إلا أنهم يعملون بتناغم في شمال القطاع وفي اليمن، ويستعدون لأم كل العمليات في ايران. وطالما أن هذا هو الوضع فان المخطوفين البائسين سيستمر دفعهم الى آخر الدور.

-------------------------------------------

معاريف 29/12/2024

 

سورية الجديدة: أردوغان يتسلّل إلى حدود إسرائيل

 

 

بقلم: عاميت ياغور

 

بهدوء نسبي في القنوات الإخبارية في إسرائيل، نشهد في هذه الأيام عملية استراتيجية مهمة جداً؛ سيطرة تركيا (وقطر) على سورية، والبدء بصوغ النظام الإقليمي الجديد. ومعنى ذلك أننا نشهد أمام أعيننا نموذجاً للإمبراطورية العثمانية وفق الصورة الأردوغانية، أي منطقة يقودها ويهيمن عليها محور "الإخوان المسلمين" السنّي "المتطرف"، الذي يحل عملياً ونظرياً محل "محور المقاومة" الشيعي الذي انهار نتيجة خروج سورية من المعادلة.

وفي النهاية، أي فراغ لا بد من أن يمتلئ، وقد بدأ أردوغان بملئه على شكل خطوات سريعة، والأداة هي سورية الجديدة.

وتعكس تصريحات المسؤولين الأتراك أجواء التفكير التركي بشأن سورية؛ إذ تحدّث الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في كلام تنبؤي (حاول طمسه لاحقاً) عن سورية كمحافظة في تركيا الكبرى، كما تحدّثت مجموعة من كبار المسؤولين الأتراك عن المساعدة التي تنوي تركيا تقديمها إلى سورية الجديدة، وتشمل موضوعات سورية داخلية مع التشديد على المسألة الكردية (لقد صرّح أردوغان بأن على الأكراد التخلي عن سلاحهم أو سيُدفنون معه بغض النظر عما يقوله مؤيدوهم، ولدى تركيا خططها الخاصة).

ومن الموضوعات المهمة الموضوع الذي تحدّث عنه موقع "بلومبرغ" مؤخراً؛ إذ ينوي وزير المواصلات التركي البدء بمفاوضات مع سورية من أجل ترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط، وهذا الاتفاق سيسمح، بحسب كلامه، "للدولتين بزيادة منطقة نفوذهما في التنقيب عن الطاقة". وأشار الوزير إلى أن تركيا مهتمة بالتعاون مع سورية في مشاريع بنى تحتية، بينها مرافئ.

هذه الخطوة سبق أن قامت بها تركيا عبر توقيعها سنة 2019 مذكرة تفاهم مع ليبيا (طرابلس الغرب) جرى فيها ترسيم حدود بحرية جديدة بين الدولتين عبر تجاهُل اليونان (جزيرة كريت)، واستخدام سفن للتنقيب عن الغاز ترافقها سفن حربية. وفي مقابل ذلك، فقد قدّمت تركيا إلى ليبيا مساعدة عسكرية (عبارة عن سلاح ومسيّرات ومستشارين عسكريين وقوات). لكن لبنان أيضاً شهد زيارة مندوبين عن أردوغان، إذ تحاول تركيا أن تنشئ موطئ قدم لها هناك.

ومن منظور إقليمي (متعدد الأبعاد)، يرتسم أمامنا محور إسلامي سنّي "متطرف" تابع لـ "الإخوان المسلمين" بقيادة تركيا وقطر في الأراضي السورية، بينما قطر البعيدة هي التي تقدم المال من أجل التمويل، وتركيا القريبة (على الرغم من وضعها الاقتصادي الصعب) هي التي تقدّم اليد العاملة والمشاريع والمساعدة العسكرية. وعلاوة على ذلك، وربما الأهم، فمن الممكن جداً أن خطط أردوغان العامة هي إحياء حلم تركيا الكبير، وتحويل تركيا إلى مركز لتسويق الغاز إلى أوروبا (في هذه الأثناء، وقّعت ألمانيا اتفاقاً للتزود بالغاز السائل مع قطر)، وسينطلق أنبوب الغاز من قطر، ويعبر الأراضي البرّية السورية إلى تركيا.

وهذه نقطة مهمة يجب أن تثير اهتمام ترامب؛ فالخط البرّي الجديد الذي سينشأ سينافس الرؤية الاقتصادية للولايات المتحدة، أي الخط البرّي من الشرق عبر الإمارات والسعودية، والذي يمر بإسرائيل، ومن هناك إلى أوروبا.

يبدو لي أن ما وصفته حتى الآن يشكّل عاملاً استراتيجياً جوهرياً في صورة الشرق الأوسط الجديد، لكن مع الأسف هنا أيضاً إسرائيل تتصرف كما تصرفت خلال الحرب كلها، فهي جيدة جداً في التحدث باللغة العسكرية، وفيما يتعلق بسورية نفسها، فقد حسنت بصورة كبيرة منظوماتها الأمنية في الأراضي السورية، بالإضافة إلى تدمير الجيش السوري، وهذا كل شيء، ومن الآن فصاعداً، هناك جمود ومحافظة على الستاتيكو.

وفي المقابل، فإن تركيا (كـ "حماس" و"حزب الله") جيدة جداً في الكلام المدني والاقتصادي، وتحقق مصالحها بالوجه المدني (البريء) بعد الحرب، وعبر الحصول على شرعية دولية وتشجيع من مختلف أصحاب المصالح الاقتصادية. وإن التمركز المدني وإعادة الإعمار المدني يحملان دائماً معهما لاحقاً التدخل العسكري.

تتحدث تركيا باللغة المدنية، وتحاول أن تحقق لنفسها الهيمنة والنفوذ المدنيَين، وهو ما سيؤدي لاحقاً إلى الوجود العسكري، وقد صدرت تصريحات تركية بشأن إقامة حلف استراتيجي بين تركيا وسورية الجديدة.

وفي مواجهة كل هذه التطورات، تواجه إسرائيل معضلة وتقف أمام خيارين:

معارضة الحكم الجديد في سورية، والتعامل معه بصفته "ذئباً في ثياب حَمَل" يتبنّى أيديولوجيا إسلامية سنّية متطرفة ويرتدي قناعاً موقتاً للحصول على الشرعية الدولية.

والمغزى من ذلك: في أراضي سورية الجديدة سينشأ عملياً ونظرياً أردوغستان، أي محور إسلامي سنّي متطرف يحظى بحماية وتأييد عسكريَين من الجيش التركي، والذي مع مرور الزمن سيتحدى إسرائيل على حدودها (بحراً وبراً وجواً).

الاعتراف بالحُكم الجديد، بهدف التأثير في الصورة المستقبلية لسورية كجزء من نظام إقليمي جديد، ومن أجل قطْع الطريق على قيام أردوغستان. ومعنى ذلك اعتراف إسرائيلي بالحُكم الإسلامي السنّي المتطرف الذي عند الانتهاء من ترسيخ وضعه الداخلي، سيبدأ في استخدام قواته "المتطرفة" من أجل تحدي إسرائيل.

الخياران مثيران للقلق، لكنهما أفضل من التحدي اليومي الذي كانت تمثله إيران في سورية، من دون الحديث عن "حزب الله" في لبنان كقوة عسكرية مهمة.

لكن الحياة ليست أبيض أو أسود، ويوجد خيار ثالث: إنشاء نظام جديد في الشرق الأوسط يتلاءم مع مصالح إسرائيل البعيدة المدى، والأداة الأساسية هي أداة مدنية وليست عسكرية؛ التسلل والقيادة والهيمنة عبر موضوع إعادة الاعمار (الذي سيحدث سواء شئنا أم أبينا).

وثمة مصلحة مشابهة لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن كل ما له علاقة باليوم التالي في الشرق الأوسط، وهذا يترافق مع مصالح اقتصادية مهمة جداً في مسائل الطرق البرّية من الشرق الأوسط وتوسيع اتفاقات أبراهام. والولايات المتحدة ودول اتفاقات أبراهام هي الوحيدة القادرة على أن تدعم اقتصادياً إعادة الاعمار (الأمر الذي لا يستطيع أردوغان القيام به في ظل الوضع الاقتصادي التركي الصعب حالياً).

والطريقة هي تسخير إدارة ترامب على خلفية المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، من أجل "خطة مارشال" (خطة إعادة إعمار شاملة). وشرط إسرائيل من أجل الاعتراف بالحُكم الجديد هو أن تدرس هذا الحُكم وتتعامل معه بصورة مشروطة وعلى مراحل متدرجة لوقت طويل (وفي مرحلة معينة الطلب منه الاعتراف رسمياً بدولة إسرائيل)، وفي هذه الأثناء، عدم ترك الساحة للمحور التركي - القطري، وهيمنة إسرائيل من وراء الكواليس مع العمل مع طاقم أميركي يدخل الساحة ويُخرج الأتراك منها.

وبصورة مثيرة للدهشة، فإن تطبيق خطة مارشال بقيادة إسرائيل ستحوّل كل المناطق المختلَف عليها عسكرياً مع إسرائيل إلى قاعدة للتعاون، وهو ما سيؤدي عملياً إلى قيام حِلف إقليمي دولي عبر استغلال المصلحة المشتركة لكل اللاعبين، ألا وهي إعادة الإعمار. ومن ناحية أُخرى، فإن هذا سيجعل "حماس" في قطاع غزة وتركيا غير ذات دلالة في مواجهة قوات أكبر منها (كثرة اللاعبين والمال الكثير والمواد والقدرات لبناء اتفاقات أبراهام).

إن النفوذ الأميركي لإدارة ترامب (وليس بايدن) والأوضاع الصعبة للمتمردين سيسمحان بصوغ سورية الجديدة، وحماية الأقليات التي تتعرض للخطر في أثناء كتابة هذه الأسطر (قبل ايام كان دور العلويين في اللاذقية). كما ستجري حماية الأكراد من تركيا، وربما لاحقاً منْع إنشاء دولة "داعش" على حدودنا الشمالية، ومع مرور الوقت، فإن هذا سيسمح بوجود نفوذ داخلي يساعد في إيجاد بديل لمجموعة المتمردين التي تشكّل الحُكم الحالي. وهكذا، وعندما تكون هناك جزرة (في مقابل سلسلة من الشروط) إلى جانب العصا، فسيكون من الممكن صوغ نظام إقليمي جديد والتأثير فيه بدلاً من الجلوس جانباً والمراقبة.

إن المبادرة ستمنح إسرائيل ائتماناً دولياً من جديد، وستساعد، بعكس الماضي، في تأمين المصالح الإسرائيلية (بما في ذلك السيطرة الأمنية الإسرائيلية الشاملة على قطاع غزة). وهذه الخطة ستجعل "حماس" و"حزب الله" والمتمردين في سورية في مواجهة معضلة؛ إذ إن تحركهم ضد جهود إعادة الإعمار سيجعلهم موضع إدانة دولية وإقليمية، وسيُظهرهم للمرة الأولى وبوضوح أنهم يعملون ضد شعوبهم، الأمر الذي سيُلحق ضرراً كبيراً بشرعيتهم الشعبية.

وفي هذه المرحلة، يمكن تحقيق ذلك، بينما سيكون من الصعب في مراحل لاحقة على الولايات المتحدة، وبالتأكيد على إسرائيل، تحقيق مبادئ النظام الجديد في الشرق الأوسط، ومن المرجح أن تضطر إسرائيل إلى التعامل مع التحدي العسكري الذي سيشكله لها الأتراك على الأقل في المياه الاقتصادية، وربما أيضاً على الحدود السورية وفي الأجواء الجوية. إن الأمر يعود إلينا، وهو مهم للغاية وممكن تحقيقه.

-------------------------------------------

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عن "N12" 29/12/2024

 

غارة إسرائيلية أُخرى على اليمن لن تحلّ المشكلة الحوثية

 

 

بقلم: إسرائيل زيف

 

ليست المشكلة الحوثية استمراراً مباشراً للحرب حتى الآن، ولا هي تنويع آخر للمعركة في مواجهة "حماس" أو "حزب الله"، إنما أمر مختلف تماماً، وللعثور على حل لهذه المشكلة فلن تكون مهاجمة بنى تحتية على بُعد آلاف الكيلومترات كافية لحل المشكلة.

إن الحوثيين تنظيم إسلامي "متطرف"، هدفه التمرد على الحُكم المركزي، والسيطرة على اليمن عبر حرب أهلية اندلعت سنة 2015. وعلى الرغم من أن التنظيم ليس كبيراً نسبياً؛ إذ يتراوح عدد أفراده بين 20,000 و30,000 شخص، فقد تمكنوا، بدعم من إيران، من السيطرة على نحو ثلث مناطق غرب اليمن وجنوبها، بما في ذلك ميناء الحديدة والعاصمة صنعاء. وبالإضافة إلى ذلك، فقد نجحوا في عرقلة مسار التجارة في البحر الأحمر، ما ألحق أضراراً بالتجارة العالمية وقناة السويس، وأثّر في إسرائيل بتسببه بتعطّل ميناء إيلات لأكثر من عام.

لم يتمكن التحالف الإقليمي، الذي تقوده السعودية ودول الخليج، والذي يحاربهم منذ سنة 2015 (مع فترات هدنة)، ولا التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في السنة الماضية، من كسر روح هؤلاء، على الرغم من الضربات المهمة التي وُجهت إليهم، فالحوثيون مجهزون بأفضل الأسلحة الإيرانية، بما في ذلك مئات صواريخ كروز، والصواريخ الباليستية، والطائرات المسيّرة، وتنتشر قواتهم في مساحات واسعة ذات طبيعة جبلية توفر لهم المخابئ والقدرة على الصمود. أمّا تواصلهم الداخلي، فهو مختلف، ما يصعب جمع المعلومات الاستخباراتية. وفيما يتعلق بمسألة الثمن الذي يدفعونه على مستوى البنى التحتية، أو مستوى معيشة المواطنين في المناطق التي يسيطرون عليها، فهي لا تثير اهتمامهم.

 

أكبر كثيراً من المشكلة الحوثية

 

لا يمكن أن تقتصر حرب الاستنزاف التي تلوح في الأفق ضد الحوثيين على ضربات جوية من مسافة 2000 كيلومتر، كما أن هجومنا بصورة منفردة على أهداف في إيران كخطوة انتقامية يمكن أن يؤدي إلى اندلاع حرب استنزاف مزدوجة وبعيدة، وهذا الوضع يتطلب مقاربة إستراتيجية مختلفة تماماً.

ولكي نكون فعالين عملياتياً في مواجهة انتشار الحوثيين، فإننا في حاجة إلى أن نكون قريبين جغرافياً، بحيث نتمكن من الحصول على معلومات استخباراتية مستمرة، ومتابعة دقيقة، وقدرة على توجيه النيران في الوقت المناسب، وهذا يستلزم وجود قوة للمهام الكبيرة قريبة من المنطقة، ما يعني ضرورة الانضمام إلى التحالف الإقليمي.

ليس هذا بالقرار السهل، لأن المشاركة الفعلية في حرب مختلفة تأتي بتكاليف ونظام معقد من التداعيات، ناهيك عن أن تحقيق الفاعلية العملياتية سيستغرق وقتاً ليس بقصير. وأخيراً، علينا ملاحظة أن هذه الدولة تعاني جرّاء فقر شديد ونقص في الموارد وضعف في الحكم الفعال؛ فنجاح الحوثيين يعود إلى إخفاق حكومة اليمن. وكما هو الحال في غزة، والآن في سورية، فإن غياب تعزيز قوة الحكومة وقدرتها على فرض سيادتها يؤدي إلى فراغ تملؤه دائماً تنظيمات "إرهابية" تعاود الظهور وتسيطر على ما تبقّى.

وهذا ما يحدث أيضاً عندما تهدر إسرائيل مكاسبها العسكرية الثمينة في غزة بعدم إنشاء حُكم بديل لحركة "حماس" نتيجة ضعف سياسي. وفي سورية، تتصرف إسرائيل بلا حكمة؛ فبدلاً من المساهمة في إنشاء حكومة قوية، فإنها تسيطر على شريط أرضي غير ضروري في المنطقة العازلة، ما سيؤدي إلى بناء الصراع القادم مع الحكومة الجديدة في سورية.

وتتمثل الخطوة الثانية المطلوبة في مواجهة الحوثيين في استهداف "رأس الأفعى" الإيراني؛ فإضعاف الحوثيين لن يتم عبر ضربات انتقامية موجهة ضدهم، إنما عبر حملة تهدف إلى إضعاف إيران بصورة كبيرة، عبر تفكيك برنامجها النووي وتقليص تأثيرها الإقليمي. لقد باتت إيران اليوم تُعتبر "وحشاً جريحاً"، ما يجعلها أكثر خطورة. ولا شك في أن إيران تشجع الحوثيين على الهجوم، وإضعافها بصورة ملحوظة سيوقف هبوب الرياح على أشرعة الحوثيين، وسيؤدي أيضاً إلى إغلاق طريق إمداداتهم المستقبلية.

هذه خطوة دبلوماسية بطبيعتها، متكاملة، ومتفَق عليها، ومدارة بصورة مشتركة مع الأميركيين، ويجب أن تتضمن إنذاراً نهائياً لإيران بالتخلي عن أسلحتها النووية ووقف شحنات الأسلحة إلى المنطقة، فإذا استجابت إيران، فسيتم فرض رقابة صارمة لضمان التنفيذ، ورفع العقوبات بالتدريج، أمّا إذا رفضت، فستتوجه الولايات المتحدة وإسرائيل إلى حملة لتفكيك برنامج إيران النووي بالكامل وصناعاتها العسكرية، وإضعاف الحرس الثوري والنظام بصورة تهدد وجوده. يجب تنفيذ هذه الخطوة عبر تعاون كامل مع الأميركيين.

هذا ما سيؤدي إلى حل مشكلة الحوثيين، حتى لو لم يكن ذلك فورياً، لكن الأهم من ذلك بكثير هو أنه سيقضي على الخطر الذي يتهدد استقرار المنطقة لأعوام طويلة قادمة.

لتحقيق خطوات كبيرة كهذه، يتعين على إسرائيل اتخاذ قرارات جوهرية وحيوية، في مقدمتها إعادة الأسرى وإنهاء الحرب في غزة، ويشمل ذلك إقامة حُكم جديد غير تابع لحركة "حماس"، وسحب القوات الإسرائيلية من سورية، والدفع قُدُماً باتجاه التوصل إلى اتفاق مع السعودية، ما يعني الموافقة على حل مسألة تقرير المصير للسلطة الفلسطينية.

وفي نهاية المطاف، فإن ذلك كله راجع إلى قدرة الحكومة ورئيسها على اتخاذ قرارات تاريخية جريئة، تكون موجهة لمصلحة الأمن القومي لدولة إسرائيل، بعيداً عن المصالح الشخصية والسياسية.

-------------------------------------------

 

 

 

هآرتس 29/12/2024

 

 

ماذا لو اختبأ خمسة مخربين في المستشفى في غزة؟

 

 

بقلم: جدعون ليفي

 

الجيش اقتحم فجر أول أمس مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا وأمر المرضى والجرحى واعضاء الطاقم الطبي باخلائه. عشرات الاشخاص الذين كانوا في حالة ذهول، والذين بعضهم بصعوبة كان يمكنهم الوقوف، تجمعوا في ساحة المستشفى في تلك الليلة شديدة البرد، وعندها أمرهم الجنود بخلع ملابسهم والبدء في السير. هناك فيلم فيديو تظهر فيه قافلة تتمركز فوق الرمال بين الانقاض، رجال بدون ملابس يرفعون ايديهم وحولهم الدبابات، في حالة اذلال كبيرة. تم تركهم بدون ملابس في ليلة باردة في غزة، ومن خلفهم بقي من يحتضرون وبعض اعضاء الطاقم الطبي الذين لم يتخلوا عنهم، 25 شخص تقريبا.

الجيش الاسرائيلي قام بقصف المستشفى، وقتل خمسة من اعضاء الطاقم الطبي، النار اشتعلت واحرقت قسم الجراحة والمختبر في المستشفى. بعض المرضى تم نقلهم الى ما تبقى من المستشفى الاندونيسي الذي اقتحمه الجيش قبل ثلاثة ايام. عشرات الاشخاص تم اختطافهم للتحقيق من مستشفى كمال عدوان، من بينهم مدير المستشفى الدكتور اسامة أبو صفية، الذي تم اطلاق سراحه أمس حسب علمنا. لقد كان اطباء في غزة ماتوا اثناء التحقيق وفي السجن. ابراهيم، ابن الطبيب الذي لم يترك المرضى، قتل قبل بضعة اشهر وتم دفنه في ساحة المستشفى.

أنا كتبت “مستشفى كمال عدوان”، ولكن في المرة الاخيرة التي زرته فيها في 2006، وصفته بـ “عيادة بائسة”. على عربة يجرها حماس نقلوا في حينه مسن مصاب الى ما بدا كعيادة في العالم الثالث أكثر مما يبدو مستشفى.

هناك شك كبير اذا كانت اعمال التطوير والاستثمارات المدنية في غزة في سنوات الحصار التي انقضت منذ ذلك الحين، قد رفعت كمال عدوان الى مستوى مستشفى، لكنه المكان الاخير الذي بقي في شمال القطاع والذي قدم العلاج لبقايا اللاجئين الذين لم يهربوا حتى الآن من التطهير العرقي. كم من المرضى والجرحى سيجتازون الليالي القادمة؟ هذا لا نعرفه.

المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي سارع الى القيام بدوره، التغطية على الجرائم. القوات عملت في المستشفى في اعقاب معلومات استخبارية مسبقة عن وجود مخربين وبنى ارهابية وتنفيذ نشاطات ارهابية في المكان. لم يتم تقديم أي دليل على ذلك أمس، ايضا الحريق في المستشفى لم يقم الجيش باشعاله. هل الجيش الاسرائيلي يقوم باحراق المستشفيات؟ هذا أمر لا يخطر بالبال. “لم يتم العثور على أي صلة بين الحريق وقوات الجيش”، جاء من الجيش. ربما صاعقة اصابت قسم الجراحة، أو أن النار اشتعلت بسبب سيجارة مريض.

في الفترة الاخيرة قتل الجيش الاسرائيلي خمسة من الصحافيين في غزة داخل سيارة كانت تحمل لوحة الصحافة، وقال إن الامر يتعلق بـ “مخربين في قسم الاعلام الحربي”. “الاعلام الحربي” لهم كان بالتأكيد أقل بكثير من الاعلام الحربي لكل المراسلين العسكريين في اسرائيل، لكن لو أن حماس قامت بقتل خمسة من المراسلين الاسرائيليين لكان الصراخ وصل الى عنان السماء. قبل يوم من ذلك منع الجيش اخلاء امرأتين اصيبتا في الهجوم على بيت في مخيم طولكرم، وتمت محاصرتهما في البيت وتوفيتا. غزة ايضا في طولكرم.

لم تعد هناك حرب في غزة، فقط قتل وتدمير من جانب واحد، الذي بين حين وآخر يتم خرقه ببعض التشنجات الاخيرة للمقاومة. ولكن عندما يكون الهدف هو التطهير العرقي والابادة الجماعية فان العمل لا يتوقف للحظة. فهو يبرر كل الوسائل.

بعد 14 شهر على القتل والتدمير الهستيري فانه لم يبق أي “بنى ارهابية” في مستشفى كمال عدوان. ببساطة لأنه لم يبق أي بنى تحتية، سواء للارهاب أو للحياة، في شمال القطاع. هذه القصص الخيالية استهدفت تطهير التطهير العرقي، الذي يقتضي التدمير المطلق من اجل أن لا يستطيع أي أحد العودة الى بيته، بالضبط مثلما في النكبة السابقة. لنفترض أنه من بين المرضى على الأسرة الذين كانوا يحتضرون في المستشفى كان يختبيء خمسة مخربين وربما حتى ستة. في كانون الاول 2024 اسرائيل ما زالت تعتقد أنه مسموح لها الهياج كما تشاء مثلما في تشرين الاول 2023، حتى في المستشفيات.

-------------------------------------------

 

هآرتس 29/12/2024

 

 

الحرب أخذت تتضح بأنها اكثر حروب اسرائيل اجراما

 

 

بقلم: ديمتري شومسكي

 

لا شك أن مذبحة الابادة الجماعية في 7 اكتوبر لا يمكن تفسيرها فقط في سياق الاحتلال الاسرائيلي. التفسير الكامل للمذبحة يكمن في الايديولوجيا الوطنية – الجهادية لحماس، التي بحسبها بين النهر والبحر لا يوجد مكان لدولة يهودية. القتل بدون تمييز، ولكن المخطط له مسبقا للاسرائيليين، الذي كان سيستمر بدون توقف لولا أنه تم صد وحوش حماس على يد جنود الجيش الاسرائيلي، استهدف نقل رسالة قاطعة وواضحة لاسرائيل، وهي أنه في فلسطين الكاملة لا يوجد حق مستقل لوجود اسرائيل. جرائم الحرب المخجلة التي ترتكبها اسرائيل الآن في القطاع، كما يتبين ضمن امور اخرى من اقوال حاييم هار زهاف والشهادات الكثيرة التي جمعها زميلي الدكتور لي مردخاي وعدد كبير من مقالات “هآرتـس”، لا يمكن فهمها فقط كرد انتقامي على مذبحة 7 اكتوبر. ايضا ليس التطهير العرقي للفلسطينيين الذي تنفذه اسرائيل في شمال القطاع، حسب تشخيص موشيه (بوغي) يعلون.

الرؤية الاساسية الايديولوجية للحكومة القومية – الكهانية الحالية هي بمثابة صورة مرآة معكوسة لرؤية حماس والجهاد الاسلامي: ارض اسرائيل الكاملة هي لشعب اسرائيل، وفيها لا يوجد حق مستقل لوجود الفلسطينيين. بناء على ذلك فان القتل والدمار الذي تزرعه اسرائيل في القطاع توجد له اهداف استراتيجية واضحة: توسيع بقدر الامكان سيطرة اسرائيل على اراضي الفلسطينيين والتوضيح للجميع ولكل من لا يزال له أي شك، بأن الدولة الفلسطينية لن تقام الى الأبد.

هذه الاقوال سارية ايضا على حرب “السيوف الحديدية” كلها، وليس عبثا أن نتنياهو يصمم على أن يسميها “حرب النهضة”. يجب تذكر أنه من ناحية اليمين الايديولوجي – الفاشي الذي يسيطر الآن على الدولة فان نهضة اسرائيل في هذه الايام لم تستكمل بعد طالما لم يتحقق حلم خلاص اسرائيل بكاملها. ومن اجل تجسيد هذا الحلم الخيالي فانه يقتل عشرات ألاف الفلسطينيين في غزة ويسقط المئات من جنود الجيش الاسرائيلي.

هذه النقطة مشحونة وتحتاج الى التوضيح لأنها غير مفهومة ضمنا لمعظم الاسرائيليين. لأنه منذ البداية الاهداف المعلنة لحرب 7 اكتوبر كانت القضاء على القدرة العسكرية والحكومية لحماس. ولكن كلما اتضح أن اعادة السيطرة على اجزاء من القطاع هي في متناول اليد فان الاهداف تم تحديثها بحيث أنه الآن الاسم الوحيد المناسب لهذه الحرب هو سلامة نتنياهو واكتمال البلاد – لا يفصلها حتى شعرة واحدة عن حرب الابادة الجماعية للشعب الفلسطيني.

إن الحرب التي بدأت كحرب عادلة من بين حروب اسرائيل، اخذ يتضح أنها اكثر حروب اسرائيل اجراما، الحرب التي وجهها هو وجه العميد يهودا فاخ من كريات اربع، رؤيته المثيرة للاشمئزاز التي بحسبها يجب افراغ شمال القطاع من مئات آلاف سكانه الفلسطينيين، وصفت مؤخرا في مقال ينيف كوفوفيتش (“هآرتس”، 18/12).

رؤية حماس الانتحارية الشاذة، التي في مركزها يوجد محو الوجود السياسي اليهودي بين البحر والنهر، انزلت على الشعب الفلسطيني كارثة وطنية بحجم النكبة. وشبيها بذلك ايضا حرب الاحتلال والاستيطان الاسرائيلي في القطاع يتوقع أن تدهور المشروع الوطني الصهيوني نحو الهاوية.

مشروع الاستيطان المستقبلي في قطاع غزة ربما سيحظى بحصانة الرعاية الامريكية على يد دونالد ترامب، لكن عندما سينزل عن منصة التاريخ فان اسرائيل يمكن أن تصبح، بشكل نهائي، دولة منبوذة بما يشبه جنوب افريقيا في فترة الابرتهايد.

في مواجهة الكارثة الوطنية والاخلاقية التي تحدق باسرائيل وحرب اوريت ستروك ودانييلا فايس، يواجه الوطنيون الحقيقيون في البلاد معضلة صعبة. من جهة، هم يحبون دولتهم اكثر بكثير من الوطنيين المزيفين في القناة 14، المتحمسين للتضحية بدولة اسرائيل على مذبح ارض اسرائيل. ومن جهة اخرى، لا مناص من التوصل الى الاستنتاج المؤلم وهو أنه من اجل انقاذ الدولة اليهودية من الكارثة المحتمة التي تنتظرها في المستقبل القريب، بسبب استمرار هذه الحرب اللعينة، فانه يجب على الوطنيين الاسرائيليين اثارة الضغط الدولي الذي لا هوادة فيه على اسرائيل الكهانية – البيبية بهدف وقف الحرب على الفور.

-------------------------------------------

 

إسرائيل اليوم 29/12/2024

 

 

الحوثيون ليسوا إزعاجا بل تهديد استراتيجي

 

 

بقلم: ايال زيسر

 

في اعقاب هجمة الإرهاب في 7 أكتوبر، سارع وكلاء ايران في ارجاء الشرق الأوسط للانضمام الى حرب حماس ضد إسرائيل. هكذا منظمة حزب الله في لبنان وهكذا أيضا الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق وحتى في سوريا. وانضم الى كل هؤلاء أيضا الحوثيون في اليمن البعيد، الذين بدأوا يهاجمون سفنا إسرائيلية في البحر الأحمر بل واطلقوا المُسيرات والصواريخ نحو إسرائيل.

في البداية بدا التهديد في اليمن كتهريج، وفي اقصى الأحوال كازعاج، بالتأكيد في ضوء التهديد الذي وقفت امامه إسرائيل في حينه في غزة وحيال حزب الله في لبنان. اما اليوم فواضح ان جبهتنا السابعة أصبحت جبهة تهديد مركزية ملزمة فيها إسرائيل ان تحقق حسما، اذا كانت تريد أن ترمم قدرة ردعنا في المجال المحيط وإزالة سيف التهديد الإيراني الذي لا يزال يسلط على رقابنا.

الساحة اليمنية أصبحت هامة ليس فقط لان إسرائيل هزمت أو ردعت اعداءها في ساحات المواجهة الأخرى وبالتالي يمكنها الان أن تركز على الساحة اليمنية. الأهمية التي ينبغي ايلاؤها للحوثيين تكمن في أنهم اصبحوا تهديدا حقيقيا سيحتدم فقط – بداية على كل روتين الحياة في إسرائيل، لكن أيضا على الاستقرار الإقليمي. شل الملاحة في البحر الأحمر أدى الى تعطيل ميناء ايلات لكنه أدى أيضا الى ضربة قاضية للاقتصاد المصري الذي يعتمد على المداخيل من الملاحة في قناة السويس. للضربة في مصر كفيلة بان تكون تداعيات على استقرار نظام الجنرال السيسي وعلى أي حال على الاستقرار الإقليمي أيضا. وتجدر الإشارة الى أن الحوثيين لن يتوقفوا في مصر – فالسعودية أيضا، والامارات وحتى الأردن كلهم يوجدون على بؤرة اسهدافهم.

الحوثيون، الذين يتخذون اسمهم من مؤسسهم حسين بدر الدين الحوثي، والمعروفون كايضا بأُسم أنصار الله، هم منظمة إرهاب نمت في أوساط الأقلية الشيعية – الزيدية في اليمن، التي تشكل نحو 30 في المئة من سكان الدولة (مثل الشيعة في لبنان الذين هم أيضا يشكلون نحو ثلث سكان الدولة لكنهم يمسكون بعناقها).

يستغل الحوثيون انهيار الدولة اليمنية في ظل ثورات الربيع العربي التي اجتاحت العالم العربي في العقد الماضي. سيطروا على القسم الشمالي من الدولة، وبرعاية إيرانية من ميليشيا مسلحة الى جيش ذي قوة، صواريخ متطورة ومُسيرات. وكانت السعودية اول من شعر بالخطر ومنذ 2015 شنت حربا ضدهم لكن بضغط امريكي اضطرت للتوصل معهم الى وقف للنار.

المسألة الفلسطينية لا تعني الحوثيين أيضا، لكنهم يستخدمونها كي يصبحوا قوة إقليمية ذات مكانة وتأثير حتى خارج حدود اليمن، ولاجل تجنيد التأييد في العالم العربي – بما فيه السني أيضا. ومع ذلك، مهم ان نذكر ان هدفهم المعلن هو الكفاح حتى الموت ضد اعدائهم في العالم العربي، في الغرب، في إسرائيل واليهود أيضا.

وعدت الولايات المتحدة “بمعالجة” الازعاج الحوثي، لكن الهجمات الامريكية محدودة وعديمة التأثير. يبدو ان في واشنطن يخشون التورط في اليمن والتدهور الى حرب إقليمية شاملة. إسرائيل هي الأخرى نفذت بضع هجمات علاقات عامة ضد اهداف بنى تحتية في الأيمن على امل أن يوقف الحوثيون مهاجمتها. لم يكن في هذا ما يكفي. فللحوثيين يوجد منطق خاص بهم، والهجمات المتلعثمة والمحدودة ضدهم تعززهم فقط. وعلى أي حال اليمن هو دولة ضعيفة وهجوم على شبكة الكهرباء المعطلة لديهم لا تقدم ولا تؤخر من ناحية الحوثيين.

ان الطريق لمعالجة الحوثيين هو رفع حدة الضغط العسكري وتصعيده ضدهم. لكن الى جانب ذلك – مثلما في الحرب ضد داعش، ينبغي تجنيد تحالف محلي يقوم على أساس الـ 70 في المئة من سكان اليمن المعارضين للحوثيين، بحيث يسيطرون على شمال اليمن ويسقطون الحكم. في جنوب اليمن تعمل حكومة ترى في الحوثيين عدوا، والى جانب هذا السعودية ودول خليج أخرى تنتظر الفرصة لطرد الوكيل الإيراني الذي اكتسب سيطرة في ساحتهم الخلفية.

الولايات المتحدة هي من ينبغي أن تقود هذه الخطوة الإقليمية والدولية، بمساعدة إسرائيل. الحوثيون لا ينبغي فقط ضربهم بل ينبغي اسقاط حكم الحوثيين .

-------------------------------------------

 

هآرتس 29/12/2024

 

 

وإن لم تكن إبادة جماعية؟ الازمة الانسانية في قطاع غزة هي من صنعنا!

 

 

بقلم: تومر برسيكو

 

بين 16 – 19 آب 1982 ناقشت الجمعية العمومية للامم المتحدة نشاطات اسرائيل العسكرية في لبنان، في اطار ما اطلقت عليه اسرائيل في حينه عملية “سلامة الجليل”، ممثلو 23 دولة، من بينها نيكاراغوا، تشيكوسلوفاكيا، المغرب، بولندا، سيريلانكا والاتحاد السوفييتي سابقا، اعتبروا أن سلوك اسرائيل في بيروت يساوي الابادة الجماعية، وبعض هذه الدول طلبت فرض العقوبات عليها.

في 16 كانون الاول من نفس السنة، بعد مذبحة صبرا وشاتيلا، قررت الجمعية العمومية بشكل رسمي بأن قتل الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين هو ابادة جماعية، وكانت هناك دول قالت بأن الامر يتعلق بتنفيذ سياسة متعمدة لاسرائيل. اتهام اسرائيل بالابادة الجماعية، ربما تتفاجأون من سماع ذلك، تكرر ايضا في عملية “الجرف الصامد” في العام 2014، لكن في هذه المرة من منظمات لحقوق الانسان.

بنظرة الى الوراء هذه الاتهامات تظهر مثل روايات تاريخية مضحكة، لكنها تسلط الضوء على ما يحدث في هذه الفترة. اتهام اسرائيل بالابادة الجماعية لا يعتبر أمر جديد، والآن مثلما كان في ذلك الوقت، الحديث يدور قبل أي شيء آخر ليس عن تقييم علمي للحقائق، بل عن اداة سياسية في حملة استمرت لسنوات كثيرة من اجل تشويه سمعة اسرائيل.

الهدف بالنسبة لكثيرين ليس فحص افعال أو سياسة اسرائيل، بل حرمانها من شرعية مجرد وجودها، من خلال تلطيخ اسمها بأكثر الجرائم فظاعة التي يمكن لدولة ان ترتكبها، وتحويل اسرائيل الى كيان سياسي ميؤوس منه، يتم لفظها من أسرة الشعوب وطردها من الحوار المشروع. والأكثر من انقاذ حياة الفلسطينيين الهدف هو قتل الدولة اليهودية.

الاتهام بالابادة الجماعية هو ايضا صورة معتدلة لانكار الكارثة، سواء من ناحية تسطيح واختزال أي حرب الى ابادة جماعية، الامر الذي يرمز الى أنه يبدو أنه لم يحدث أي شيء استثنائي لليهود والارمن والتوتسي، أو من ناحية الاستمتاع الخاص بتشويه سمعة اليهود، وتحويل الضحية المطلقة الى الشرير المطلق، أو المقارنة السخيفة بين اليهود والنازيين، التي تساوي في جدول النتائج العالمي الظلم الذي ارتكب ضد اليهود ما يحدث الآن للفلسطينيين. نوع من “الاصلاح التاريخي” المعكوس، الذي يحول الجميع الى نفس النوع من المساكين، ويلغي في المستقبل أي ادعاء لليهود بكونهم ضحية.

هذا يرتبط ايضا بعدم استعداد اجزاء من اليسار الراديكالي قبول أي نوع من الضحية اليهودية. لأنه في نهاية المطاف اذا كان في العالم الاخلاقي ما بعد الكولونيالية الضحية تحمل دائما طلب شامل لعدالتها فانه يجب نزع من اليهود أي اشارة تشير الى أنهم ضحية. ببساطة، من غير المعقول أن يكون وضع معقد ومشوش اليهود فيه في نفس الوقت هم ضحايا ويتسببون بضحايا، مثل “البيض” و”الكولونياليين” يجب أن يكونوا هم المعتدين وليس المتضررين. هكذا نحصل على فرية مزدوجة، التي فيها اليهود يتم اتهامهم بأخطر الجرائم، وفي نفس الوقت يكونون ضحايا لاخطر جريمة يتم شطبها.

للاسف، هذا التمرين الذهني هناك من يحاولون تنفيذه بشكل معكوس. بالنسبة للبعض منا فان حقيقة أن اليهود عانوا كثيرا، سواء في الكارثة أو في 7 اكتوبر، تحصنهم من امكانية أن يكونوا مجرمي حرب، أو تكفر مسبقا عن أي جريمة يرتكبونها. ومثل الذين يشهرون باسرائيل، ايضا بالنسبة لبعض اليهود الذين يدافعون عن اسرائيل فانه لا يمكنهم أن يكونوا في نفس الوقت ضحايا ويتسببون بضحايا. اذا كان بالنسبة لليهود الاوائل هم فقط معتدون فانه بالنسبة للاخيرين فان اليهود فقط هم المتضررون.

لكن للاسف الشديد نحن اليوم ايضا معتدون. في نهاية المطاف المشكلة الكبيرة لنا ليست اللاساميين أو الذين يريدون الاحتجاج على حق اسرائيل في الوجود، بل مشكلتنا هي ما يحدث الآن بالفعل في غزة. بأي اسم سمينا ذلك، فان استمرار الحرب لفترة طويلة جدا بعد انجاز معظم الاهداف، يدخل نشاطات اسرائيل ضد السكان الغزيين الى مسار سلبي ومظلم. اسرائيل تصمم على احتجاز مليوني شخص في مخيمات خيام بشكل مكتظ جدا وبدون وسائل توفر المستوى المعقول للحياة وبدون أي أفق للنهاية.

في المؤتمر الصحفي الذي عقده بنيامين نتنياهو عشية تقديم شهادته في المحكمة (9/12)، اعترف، ربما للمرة الاولى، بأنه لا يدخل بما فيه الكفاية من المساعدات الانسانية الى سكان القطاع. وقد تحدث عن “الحمائل” التي كان يمكنها توفير المواد الغذائية، ولكنها وفشلت في ذلك، وقال إن اسرائيل تبحث عن طريقة “لفعل ذلك بشكل كامل”. اشارة رئيس الوزراء الى فشل “الحمائل” تشير الى الهاوية الاخلاقية التي غرقنا فيها. المسؤول عن توفير احتياجات السكان في مناطق الحرب هو القوة المحتلة – في هذه الحالة اسرائيل. المسؤولية تقع علينا، ومن البداية كان واضحا لكل شخص عاقل بأن “الحمائل” لا يمكنها فعل ذلك، وهناك شك في أنها تريد توفير الخدمات المعقولة للسكان المدنيين.

اسرائيل فشلت في التعامل مع السكان في القطاع لأنها غير مستعدة لصياغة لنفسها ما تريده في غزة. حتى “اليوم التالي” لم تتم مناقشته، ونحن يتم جرنا الى حرب عديمة الهدف. كجزء من هذا الوضع اسرائيل ترفض تطبيق حكم عسكري كامل في القطاع وتحمل المسؤولية عن توفير الغذاء، بسبب النقص في القوة البشرية والتكلفة العالية التي يقتضيها ذلك، وبسبب أن الجنود الاوائل الذين سيقتلون بسبب العبوات التي تم زرعها تحت طرق ارساليات الشحنات اليومية على مداخل خانيونس، سيثيرون الجمهور ضد الحكومة.

من جهة اخرى، اسرائيل ترفض ادخال الى القطاع قوة متعددة الجنسيات، عربية و/أو السلطة الفلسطينية، وبالتالي، البدء في اعادة اعمار القطاع ونقله الى سلطة ليست حماس. لأن هذه العملية ستفكك الائتلاف الحكومي. الاطراف الاصولية في الحكومة ما زالت تحلم بالاستيطان في غزة، وهي غير مستعدة لانهاء الحرب في غزة، ونتنياهو اضعف من أن يقف أمامها.

في الوسط هناك 2 مليون شخص عالق، نصفهم من الاطفال. الشتاء حل وذروته امامنا. هؤلاء الناس لا يوجد لديهم ما يكفي من المياه والغذاء والاطباء والادوية ووسائل التدفئة. يمكن الافتراض أن الاكبر سنا والاقل سنا من بينهم، بالتحديد الذين من الواضح أنه ليست لهم أي علاقة باعمال حماس الفظيعة، يتعرضون لخطر الموت الحقيقي بسبب البرد والامراض، والآخرون ايضا سيعانون من الامراض والاعاقات المختلفة والصدمة بعد أن يستطيعوا محاولة بناء حياتهم.

نتنياهو يقوم باطالة الحرب بدون أي فائدة. ففي الطريق هو يتسبب بازمة انسانية كبيرة، معاناة غير مسبوقة لملايين الاشخاص. يمكن ويجب رفض باحتقار الاتهام بالابادة الجماعية، التي هي ليست إلا حلقة اخرى في سلسلة فريات طويلة وقذرة. في المقابل، يجب الاهتمام بما يحدث تحت مسؤوليتنا للملايين. يجب على الحكومة توفير وبشكل فوري مساعدات انسانية كافية للسكان الغزيين، هذه هي مسؤوليتها ومسؤوليتنا ايضا.

ما يحدث حقا في غزة سيطاردنا لفترة طويلة بعد أن يتضح أن الاتهام بالابادة الجماعية هو رواية تاريخية اخرى. الازمة الانسانية هناك هي من انتاجنا. الملايين الذين يعانون هناك هم تحت مسؤوليتنا، ونحن سنتحمل هذا الظلم التاريخي الذي سيغرقنا فيه هذا الوضع لسنوات كثيرة. الأمهات لا ينجحن في اطعام الاولاد والاطفال يرتجفون بسبب البرد ونحن نتحدث عن “الحمائل”. هذا يحدث الآن ونحن لا نفعل بما فيه الكفاية للمساعدة. اليوم التالي سيأتي، وذات يوم ستكون نهاية لهذه الحرب، وغزة ستبدأ في ترميم نفسها. ونحن حينها يجب علينا اعادة ترميم بقايا ضمائرنا والاخلاق اليهودية وصورة دولة اسرائيل.

-------------------------------------------

 

إسرائيل اليوم 29/12/2024

 

 

إسرائيل تفكر بالبقاء في جنوب لبنان

 

 

بقلم: يوآف ليمور

 

تفحص إسرائيل إمكانية إبقاء قوات الجيش الإسرائيلي في بضع نقاط مسيطرة في جنوب لبنان حتى بعد أن تنتهي الـ 60 يوما التي تقررت في الاتفاق كموعد يفترض فيه بالجيش الإسرائيلي أن يكمل الانسحاب من لبنان الى خط الحدود الدولية.

إمكانية إبقاء تواجد إسرائيلي في جنوب لبنان طرحت في الأيام الأخيرة في عدة مداولات أجريت في القيادة السياسية – الأمنية. وهي تنبع من سببين أساسيين. الأول، الانتشار البطيء للجيش اللبناني في جنوب الدولة؛ والثاني كثرة سلاح وذخيرة حزب الله التي لا تزال تنكشف في المنطقة مثلما هي أيضا جهود المنظمة حتى الان لاعادة تعاظم القوة بمساعدة إيرانية.

في إسرائيل يجدون صعوبة في شرح التأثير في انتشار الجيش اللبناني في المنطقة. سبب محتمل ما هو مشاكل عملياتية تنبع من الحاجة لارسال قوات كبيرة وخبيرة اكثر من الماضي الى جنوب لبنان.

سبب محتمل آخر هو ضغط حزب الله على الجيش اللبناني للامتناع عن “استلام مواقع في جنوب لبنان لاجل ترك فراغ تملأه قوات المنظمة في المستقبل. في الأسابيع الأخيرة اشتكت إسرائيل بضع مرات امام محافل دولية مختلفة عن النشاط البطيء للجيش اللبناني، وأوضحت بانه اذا لم يلتزم لبنان بتعهده الذي تقرر في اطار الاتفاق بين الدولتين، ستضطر إسرائيل لان تبقى في جنوب لبنان كي تحمي أمن بلداتها.

في نهاية الأسبوع عثر الجيش الإسرائيلي ودمر بنى تحتية إضافية لحزب الله في جنوب لبنان بينها نفق تكتيكي للحزب ووسائل قتالية مختلفة. التقدير هو أنه توجد في المنطقة وسائل قتالية وبنى تحتية أخرى، ويبذل جهد جم للعثور عليها وتدميرها في الأسابيع القادمة. وهذا بالتوازي مع الاعمال التي تنفذي على الحدود السوري – اللبنانية، وهدفها منع محاولات حزب الله (وأسياده الإيرانيين) بان يهربوا الى لبنان وسائل قتالية كانت تحت تصرفهم في سوريا، قبل ان تسقط في ايدي الثوار الذين سيطروا على الدولة.

في هذا الاطار نفذ سلاح الجو في الأسبوع الماضي بضع هجمات ضد اهداف لحزب الله في الحدود السورية – اللبنانية. في إسرائيل يعتقدون بانه نتيجة لذلك ستبحث ايران عن سبل أخرى لتهريب السلاح المتطور الى حزب الله في محاولة لترميم قواته العسكرية. بعد اغلاق المجال السوري وفي ظل الحصار البحري العملي الذي يفرضه سلاح البحرية على لبنان، يبدو ان الإيرانيين كفيلون بان يختاروا مسارا امتنعوا عنه في الماضي – رحلات جوية مباشرة الى مطار بيروت.

خطوة إيرانية كهذه ستتسبب لإسرائيل بمعاضل معقدة، من الحاجة الى الابعاد بل والاعتراض للطائرات (بعضها طائرات مسافرين يهرب السلاح تحت غطائها) وحتى الحاجة للعودة الى الهجوم في بيروت. معقول ان في هذه المسألة أيضا ستسعى إسرائيل لان تخطر مسبقا الولايات المتحدة (ودول أخرى) لان اعمالا إيرانية كهذه تتناقض والاتفاق المتحقق وتلزم إسرائيل بالعمل بشكل مستقل.

 

الخطر: استئناف الحرب

 

إمكانية إبقاء قوات الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان ستفحص مع الإدارة الامريكية الراحة والوافدة بان الموعد النهائي للانسحاب سيكون بعد تنصيب الرئيس ترامب وادارته الجديدة. قرار كهذا كفيل بان يؤدي الى خرق موازٍ للاتفاق من جانب حزب الله ايضا، واستئناف الحرب على نطاق ضيق أو واسع.

نشدد هنا على أن قرار بإبقاء قوات في جنوب لبنان لم يتخذ بعد نهائيا. الموضوع سيبحث بتواصل في الأسابيع القريبة القادمة حتى انتهاء الموعد المقرر للاتفاق ويبدو أنه حتى لو اتخذ قرار بذلك ستبقى القوات في نقاط محدودة فقط سيصعب منها على الجيش الإسرائيلي منح أمن لبلدات الشمال لانه لم يستكمل حولها بعد بناء البنى التحتية ومجالات الدفاع الجديدة التي تقررت.

في الجيش الإسرائيلي يستعدون أيضا لان يبقوا في هذه المرحلة القوات التي تعمل في الأراضي السورية – في قمة جبل الشيخ وشرقي الحدود الدولية في الجولان. بخلاف الانفعال العالمي لسلوك زعيم الثوار أبو محمد الجولاني، في إسرائيل يتابعون بقلق العنف المتزايد الذي يستخدمه رجاله ضد من كانوا ينتمون الى حكم الأسد والجيش السوري الذي عمل تحت قيادته.

في الأيام الأخيرة وصلت تقارير كثيرة عن اعدامات جماعية بما في ذلك قطع رؤوس أعداء النظام الجديد، وكذا عن اهانات علنية لاقليات مختلفة، من العلويين أساسا. هكذا في شريط مسجل نشر في نهاية الأسبوع في الشبكات الاجتماعية، ظهرت مجموعة من الرجال العلويين ممن الزموا بالزحف على الأرض والعواء. في شريط آخر ظهر جلد لضابط سابق في الجيش السوري، اشتبه بانه عمل ضد الثوار في اطار الحرب الاهلية.

 

اعتراض امريكي في إسرائيل

 

المحور الإسرائيلي – الأمريكي يعمل في هذه الأيام ساعات إضافية في سياق الساحة الحوثية في اليمن أيضا. منظومة اعتراض الصواريخ الامريكية “ثاد” كانت مسؤولة عن اعتراض الصاروخ الذي اطلق في ليل يوم الخميس على إسرائيل، ومنظومة حيتس اعترضت الصاروخ الذي اطلق من اليمين في ليل السبت. التقدير هو أن الحوثيين سيواصلون اطلاق الصواريخ في الأيام القادمة أيضا في محاولة للاظهار بانهم لا يتراجعون رغم الهجوم الإسرائيلي يوم الخميس الماضي الذي ضرب بنى تحتىة مختلفة تستخدمها المنظمة.

معقول ان تتواصل هذه الاعمال من حيث هجمات إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا.  وكما نشر، في إسرائيل يركزون الان جهودا استخبارية بهدف ضرب اهداف مختلفة للحوثيين بما في ذلك زعماء المنظمة.

يوجد بين المحافل المهنية اختلافات في الرأي كم يمكن ردع الحوثيين من مواصلة هجماتهم. وفي إسرائيل قلقون من تداعيات استمرار النار على جملة فروع في الاقتصاد – وعلى رأسها الطيران، السياحة والتجارة.

والى ذلك شدد الجيش الإسرائيلي في نهاية الأسبوع الاعمال العسكرية في غزة. في مستشفى كمال عدوان اعتقل نحو 250 فلسطينيا نقلوا الى التحقيق في إسرائيل وبالتوازي نفذت هجمات في منطقة بيت حانون حيث اطلق صاروخان نحو القدس والسهل الساحلي.

في إسرائيل يأملون بان تشديد الضغط سيحشر في الزاوية زعيم المنظمة محمد السنوار ويدفعه لان يلين قليلا بحيث يتاح الاختراق المنشود في المفاوضات لتحرير المخطوفين الـ 100 الذي لا يزالون يحتجزون في القطاع.

-------------------------------------------

 

يديعوت احرونوت 29/12/2024

 

 

يجب انهاء المأساة الوطنية للمخطوفين والقتال في غزة

 

 

بقلم: شمعون شيفر

 

القاضية رفقة فريدمان فيلدمان مسؤولة عن المحاكمة الأكثر ضرورة اليوم في كل ما يتعلق باستمرار الحرب. “حتى الابد محدود”، قالت للطرفين في محاكمة نتنياهو. عمليا، كان هذا نداء يائسا لانهاء هذه القصة. آمل ألا تغضب علي اذا ما استخدمنا تعبيرها في المحكمة فنصرخ به في ان للحرب في غزة أيضا يجب تحديد الزمن. وباختصار: انهاء الحرب، الخروج من غزة. ان شئتم الإعلان عن “نصر مطلق” وبذل كل جهد لاعطاء كل شيء مقابل كل شيء وتلقي مخطوفينا وشهدائنا. كفى.

انهاء الحرب سينهي على نحو شبه مؤكد الليالي الكابوسية مع الصواريخ التي تطلق علينا من اليمن، وسيتيح لنا الاستعداد للدفاع عن سماء إسرائيل بمعونة إقامة ائتلاف دولي يضرب الحوثيين. قبل كل خطوة، يجب انهاء المأساة الوطنية للمخطوفين والقتال في غزة. فليس طبيعيا مواصلة حرب قلة لا تزال تعتقد بان لها غاية.

يرفع الجيش خلاصات التحقيقات عن كارثة 7 أكتوبر في غضون شهر.  وماذا عن التحقيقات المتعلقة باصحاب القرار، لحكومة اليمين على المليء؟ محظور التخلي عن مطلب إقامة لجنة تحقيق رسمية – فليس طبيعيا الا يتحمل أولئك الذين يبعثون بابنائنا الى ميدان المعركة المسؤولية. هذا ليس طبيعيا.

حساب النفس الذي يجرونه في أمريكا بعد انهيار النظام السوري مشوق. هكذا، في كتاب لاسرة تحرير “وول ستريت جورنال” سُئل اين وزير الخارجية الأسبق جون كيري الذي في أيلول 2016 شكر نظيره الروسي سرجيه لافروف على “تصميم السلام” في سوريا، خطوة ساعدت النظام الدموي لبشار الأسد وتعزيز نفوذ روسيا في الشرق الأوسط. وماذا عن أوباما، يسأل الكاتب – الرئيس الأسبق الذي هدد الأسد بانه اذا ما استخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه فانه يكون اجتاز خطا أحمر، وعندما فعل الأسد هذا رغم التهديد، لم يفعل شيئا.

وأتذكر كيف أن كيري اقترح على إسرائيل في حينه خطة أمنية في الطريق الى إقامة دولة فلسطينية في الضفة – خطة رفضها بوغي يعلون باحتقار. نجونا.

ومع ذلك، ماذا عملوا كي يوقفوا المواجهات الدموية بيننا وبين الفلسطينيين في الضفة؟

وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر لا تجرى معه لقاءات صحفية عندنا، بل في أمريكا فقط. في مقابلة مع “وول ستريت جورنال” هزأ بالاتهامات ضد إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة. “نحن نحظى بجوائز نوبل اكثر من أي شعب آخر. لكننا اغبياء بقدر ما يتعلق بالامر بارتكاب جرائم حرب، إبادة جماعية”، قال، وشرح: “السكان الفلسطينيون اكثر عشرة اضعاف مما كانوا في 1948”.

هكذا يقول وزير الشؤون الاستراتيجية. هذا ليس مضحكا.

أيام الحانوكا تجلب معها، الى جانب اشعال الانوار، قصص بطولة أيضا – تثير أحيانا الحرج واحيانا نوعا من الضائقة. عدتُ الى ليئا غولدبرغ، التي رفضت التجند في حينه لتشجيع المشاركة في الحرب بكل مشاكلها. “أؤمن بانه لطيف اكثر سماع القصيدة الأكثر غباء لروضة الأطفال من سماع أصوات المدافع من النوع الأكثر تطورا”، كتبت تقول وأضافت: “اؤمن بان الجسد الحي، الدافيء، الذي يحمل معه إمكانيات الحب والمعاناة بكل اشكالهما، جسد الانسان الحي، اهم لهذه الحياة من كل جثث القتلى (وحتى لو كانوا ابطالا في ميدان التقتيل…). لانه حتى في أيام الحرب تفوق قيمة الحب قيمة القتل”.

لا تنسوا: أُعطينا جميعا الفرصة للتفكير وللتعبير عن الرأي. والا سنواصل العيش في واقع غير طبيعي.

-------------------------------------------

 

يديعوت احرونوت 29/12/2024

 

 

وقت فقط الى أن يتحول وضعنا في سوريا ليكون في طالحنا

 

 

بقلم: يوآف زيتون

 

بعد أسبوع أول هاديء ومتفائل نسبيا، مع احتلال بدون قتال وحوارات إيجابية بين ضباط الجيش الإسرائيلي ومخاتير سوريين خلف الحدود في الهضبة، سجل في الأسبوع الأخير حادثتان أوليان – وعلى ما يبدو ليستا أخيرتين أيضا – بين جنود الجيش ومتظاهرين سوريين احتجوا على اجتياح الجيش الى المناطق. بالتوازي، فان قادة يعملون في المجال يصفون واقعا عملياتيا “بعيدا عن الجدوى والمعنى”، إذ ان الجنود يوجدون في الغالب في مواقع ثابتة، في بعض من المناطق الابعد نحو 18 – 20 كيلو متر عن الحدود أيضا.

“مسألة وقت فقط الى أن نتعرض هنا الى صاروخ مضاد للدروع مفاجيء او قذيفة هاون على قوتنا، فيقتل بضعة جنود لا سمح الله، وكل شيء يتحول الى طالحنا. من الصعب الشرح للجنود معنى المهمة هنا. إذ لا يوجد هنا عدو ونحن لا نقوم باي هجوم او مهام عملياتية ذات قيمة على طول اليوم. فقد خرج المقاتلون عن روتين مكثف من القتال والمبادرة في جنوب لبنان ضد حزب الله وقبل ذلك في غزة حيال حماس، والان هم ينظرون أساسا الى فلاحين سوريين يفلحون أراضيهم ولا يرون أي عدو، وليس فقط في المناظير. هذا التواجد الصاخب لنا هنا، مع دبابات تجتاز قرى كل يوم، من شأنه أن يجتذب هنا خلايا ومجموعات مسلحة كأثر معاكس”، هكذا يصف ضابط من قيادة المنطقة الجنوبية، حيث يأملون في ان بالتوازي تنفذ خطوة سياسية تستغل الوضع الجديد لفرصة افضل للعلاقات بين إسرائيل وسوريا، فما بالك ان النهج العام في إسرائيل تجاه الجولاني شكاك جدا.

في الجيش لم يلحظوا بعد خلايا مخربين تقترب الى منطقة الجولان السوري التي احتلها الجيش الإسرائيلي، ولا حتى من بين منظمات ثوار إسلامية في جنوب سوريا، جنوب درعا. مسلح ببدلة وبلحية مرتبة، ينشغل الحاكم الفعلي بسوريا بتوحيد الدولة ومنظمات الثوار الكثيرة فيها، والتي قتل منها العشرات في الأيام الأخيرة في معارك مع مؤيدي الأسد في “سوريا الصغرى” محافظة العلويين المحاذية للشاطيء. درعا، كمدينة كبيرة مجاورة للاردن، تبعد بضع عشرات الكيلومترات عن الجولان السوري – مسافة ساعة سفر في سيارات التندر للمسلحين الإسلاميين.

 

لا يسارعون للهجوم

 

لكن في الاستخبارات الإسرائيلية يلاحظون بوادر أولية لنوايا تلك المجموعات الوصول الى الهضبة السورية. في الحادثة الثانية مثلا، التي اطلق فيها الجيش الإسرائيلي النار هذا الأسبوع فأصاب متظاهرا واحدا على الأقل في القرية المجاورة لمدينة القنيطرة، احتج السكان – مثلما في يوم الجمعة الأخير – ضد تواجد الجيش الإسرائيلي في منطقتهم. في الجيش يدعون بان الجنود “شعروا بالتهديد” ويجتهدون الا يسارعوا مع الاصبع على الزناد بسبب الحساسية القابلة للتفجر والنية بالذات لربط الـ 70 الف سوري الذين يعيشون خلف الحدود. في وضعية شاذة أخرى ما كان يمكن تخيلها حتى قبل شهر، لوحظ عدد من المسلحين السوريين الذين اقاموا حاجزا في مدخل احدى القرى في جنوب الهضبة السورية. استعدوا في الجيش لمهاجمتهم، لكن في النهاية ندموا بعد أن وعد أولئك بانهم فعلوا هذا كي يمنعوا خروج الناس من تلك القرية إياها بالسلاح.

في الجيش السوري يقولون ان “القوات مشغولة بجمع سلاح كثير موجود في هذه القرى، نحو 20 في عددها. يدور الحديث عن مئات قطع السلاح القديمة وكذا عن قطع سلاح اخذت من استحكامات جيش الأسد عندما فر الجنوب منها قبل نحو ثلاثة أسابيع. في معظم الحالات يوجد معهم تعاون، والكثيرون منهم يتذكرون إيجابا المساعدة التي منحناها إياهم قبل نحو عقد في زمن الحرب الاهلية في دولتهم. كما أننا نجمع وسائل قتالية كثيرة تبقت في المنطقة ولا يدور الحديث فقط عن دبابات سوفياتية قديمة بل أيضا عن صواريخ مضادة للدروع جديدة، ذخيرة كثيرة وقاذفات هاون”.

الجولان السوري ليس جبلة واحدة. في جنوب الهضبة، في قرى مثل جملة ورفيد فوق جدول الرقاد، سجلت احتجاجات اكثر ضد جنود الجيش الإسرائيلي وحواجز نصبها الجيش هناك. هذه القرى استضافت في العقد الماضي بعثات من داعش نفذت أيضا عمليات تفجير في الحدود الإسرائيلية ضد قوات الجيش الإسرائيلي في حينه. من جهة أخرى، في قرية جبتة الخشب أيضا في شمال الهضبة، المجاورة للقرية الدرزية الإسرائيلية مسعدة، لم يسارع السكان الى تسليم سلاحهم الى جنود الجيش الإسرائيلي – الذين من جهتهم انذروهم 48 ساعة لتسليم وسائلهم القتالية والا فان الجيش الإسرائيلي سيدخل الى قريتهم.

 

إشارة إيجابية للدروز

 

حجم قوات الجيش الإسرائيلي في سوريا يبلغ لوائين نظاميين. بعد معضلة غير بسيطة تقرر عدم زعزعة قوات الاحتياط للسنة القادمة، رغم استمرار الاعمال جنوب لبنان وقطاع غزة وإبقاء هذه المهمة في ايدي القوات النظامية.

في موقع أعمق، باتجاه جبل الدروز شمالي درعا يعيش نحو 300 الف درزي تلقوا منذ الان إشارات إيجابية من الجيش الإسرائيلي بانه سيحميهم اذا ما وعندما تتعرض مدينة السويداء لاعتداء من منظمات سلفية. بالتوازي، علم في سوريا ان مندوبي الطائفة الدرزية في الدولة التقوا في الأيام الأخيرة مع القيادة الجديدة في دمشق التي وعدت بانهم لن يصابوا بأي ضرر. نقطة درزية – سورية أخرى تحظى منذ الان بحماية قريبة من الجيش الإسرائيلي هي في قرية الحضر في سفوح جبل الشيخ، مقابل مجدل شمس. فقد اقتحم الجيش الإسرائيلي منذ الان الجدار الذي على تلة الصراخ بين القريتين، ويُسير الدوريات بانتظام حول الحضر وفي التلال الأدنى التي تطل عليها. للدروز في سوريا تواجد أيضا قرب دمشق حيث منح الجولاني حماس سيطرة على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في اطراف المدينة.

في الأسبوع الماضي كشفت “يديعوت احرونوت” عن خطة عاجلة في الجيش الإسرائيلي لتثبيت السيطرة في جبل الشيخ السوري، الذي احتل أيضا بدون معارك: استحكامات يقيمونها في قسم التكنولوجيا واللوجستيات في مستويين، على ارتفاع 2400 متر وفي قمة الجبل بارتفاع 2800 متر – مع بنى تحتية بعيدة المدى لمئات المقاتلين الذين سيستولون هناك على المنطقة، مخازن ووسائل تغذية لفترات انقطاع بسبب عواصف ثلجية وطرق تشق من الجانب الإسرائيلي.

-------------------------------------------

 

هآرتس 29/12/2024

 

 

متى كان قتل أكثر من 10 آلاف طفل “ضرراً جانبياً”؟

 

 

بقلم: إيريس ليعال

 

أحب سينما الرعب التي تتحدث عما بعد نهاية العالم، لا سيما أفلام “زومبي”. يصعب علي تحديد ما هو نوع الراحة الخاصة التي أجدها في صور المدن الكبيرة والفارغة من الناس والمتروكة، والثقافة المدمرة وأسراب الزومبي المتعطشة للدماء التي تسير بين الأنقاض. لكني أحب ذلك بشكل مرضي. النمط هو نفس النمط: جرثومة أو فيروس تم إنتاجه في المختبر الذي ينتقل من القرود إلى بني البشر، ويحولهم جميعهم إلى زومبي مجنون، ودافعه الذي لا يمكن السيطرة عليه هو نقل العدوى للآخرين والقضاء على البشرية.

حسب هذا النوع، فإن الأبطال دائماً هم مجموعة صغيرة من الناجين الذين يحاولون إعادة بناء المجتمع والثقافة. أفضل فيلم من هذا النوع “بعد 28 يوماً” – اسم الفيروس هو “الغضب”. في 7 تشرين الأول، أصابت مجموعات النخبة القاتلة المجتمع الإسرائيلي بفيروس قاتل معد. لا شيء مما نشاهده الآن كان يمكن أن يحدث لو لم نصب بالعدوى ونتحول إلى زومبي لديه دافع واحد فقط: الانتقام. هناك توافق أخلاقي واضح بين اللامبالاة المطلقة تجاه التجمد حتى الموت في غزة لثلاثة أطفال بسبب أفعالنا، وبين إهمال المخطوفين واللامبالاة تجاه معاناتهم.

في 7 تشرين الأول، أصابت مجموعات النخبة القاتلة المجتمع الإسرائيلي بفيروس قاتل معد

بعد سنة وربع على الإصابة بعدوى هذا الفيروس، يقول الوزير عميحاي الياهو ما يعرفه الجميع، وهو وجود مكائد سياسية على رأس سلم الأولويات، تهدف إلى الحفاظ على الحكومة وليس المخطوفين. الدولة التي بنيتها التحتية الأخلاقية تسمح لأطفال غزة بالموت بسبب انخفاض حرارة الجسم، يمكنها تحمل نساء إسرائيليات يتم اغتصابهن في الأنفاق. التخلي عن المخطوفين وجرائم الحرب ترضع نفس الشر العشوائي.

أنا لا أقلل من حجم التهديد الذي يشكله نتنياهو على الجمهور، لكن دعمه تآكل، والتعاطف معه تآكل بشكل أكبر. هناك حدود لما يستطيع الناس تحمله، ولكن الفيلم الذي نشره قبل وقت قصير من إعلان المستشارة القانونية للحكومة بوجوب التحقيق مع زوجته عقب تقرير “عوفداه”، تجاوز هذه الحدود. سارة مكروهة، ونفد لدى بيبي الأوكسجين الذي زوده به بني غانتس، وتسونامي ارتفاع الأسعار والقرارات الاقتصادية يقترب من الشاطئ ويهدد بإغراقنا. “الوطنيون” بدوا متكدرين مؤخراً.

لكن فيروس “الغضب” ما زال في حالة هياج. فهو الذي مكن، حسب تقرير “نيويورك تايمز”، حدوث القتل الجماعي والعشوائي في غزة. الضباط الذين تحدثوا مع الصحيفة قالوا إن السياسة التي كانت متبعة هي: دمروا كما تشاؤون. وخطة التجويع أكملت حملة القصف غير المسبوق الذي قضى على عائلات كاملة. يمكن التحاور حول موثوقية البيانات، لكن هناك اتفاقاً على الرقم المتواضع لأكثر من عشرة آلاف طفل، الذين تحولوا إلى ضرر جانبي.

هكذا يبدو المجتمع المفلس، ثقافة انهارت وأصبحت بربرية. بعد المذبحة فإن مبدأ الأخلاق المسيطر، حتى في أوساط الوسط واليسار الصهيوني والليبرالي المعارض لنتنياهو، هو عدم الشفقة الواضح تجاه الغزيين بسبب ما فعلوه، وكأن من ذبح الأطفال في بلدات الغلاف سمح لنا أخلاقياً بقتل الأطفال في غزة بشكل جماعي.

مجموعات من الناس الذين لم يفقدوا صورتهم الإنسانية، الناس الذين تم إبعادهم في الدولة، اليسار الراديكالي، ومنظمات حقوق الإنسان والمراسلين الأتقياء مثل نير حسون، يحاولون الحفاظ على مجتمع غير ملوث كي يكون بالإمكان إقامة المجتمع من جديد بعد انقضاض الزومبي على نفسه. كما قلنا، هناك صلة وثيقة بين غياب الشفقة تجاه مصير الأطفال الفلسطينيين الذين تجمدوا حتى الموت، والرضا ببقاء المخطوفين هناك. هاتان الظاهرتان تنبعان من نفس التشوش الأخلاقي. حكومة نتنياهو ستسقط في النهاية، لكن المجتمع الإسرائيلي سيحتاج إلى أجيال كي يعالج الفيروس الذي جعله يتجاهل موت أطفال في الجانب الآخر للجدار.

-------------------------------------------

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

هآرتس 29/12/2024

 

 

قانون محاكم التفتيش

 

 

بقلم: أسرة التحرير

 

اليوم سيرفع إلى اللجنة الوزارية مشروع قانون غريب على نحو خاص من مصنع رئيس لجنة الدستور، القانون والقضاء، النائب سمحا روتمان. المشروع سيمنح لجان الكنيست، أو للدقة الأغلبية الائتلافية السائدة في اللجان صلاحيات تعسفية للغاية: فهي ستتمكن من فرض "عقوبات مالية" على موظفي الدولة وموظفي الهيئات التي أقيمت حسب القانون (بحجم ربع أجرهم!)، إذا لم يأتوا إلى بحث استدعوا إليه، بل سيتمكنون حتى في حالات معينة من إصدار أمر جلب للموظف العام بالقوة. في الجلسة نفسها سيلزم الموظف بالإجابة عن كل سؤال يُسأل وحتى في حالات كهذه، إذا لم يتعاون أو يخرج من الغرفة التي تنعقد فيها الجلسة تفرض عليه عقوبات مالية.

 

اضافة اعلان

 

إذا ما أقر القانون في الكنيست، فسيتعرض الموظفون العموميون، مع التشديد على موظفي جهاز القضاء والنيابة العامة لوابل من الإهانات، التحقيقات والتنمرات في بعض من اللجان. أحيانا لا ينجح الموظف في "التفوه بجواب" أمام جوقة النواب الذين يستغلون الفرصة لتصفية حسابات مع كل من لا ينحني أمام المستوى السياسي ولأجل كسب النقاط أيضا لدى "القاعدة". وعليه إذا ما منحت صلاحيات بعيدة الأثر لأعضاء اللجان التي ستجعلهم ليس فقط مشرعين، بل وأيضا محققين، قضاة ومنفذين فإننا سنشتاق لمداولات اللجان في الصيغة التي تجرى فيها حتى اليوم.

يتعلق مشروع القانون بذريعة "الرقابة البرلمانية" على السلطة التنفيذية عن الكنيست كجزء من التوازنات والكوابح في الديمقراطية. وبالفعل، للكنيست دور مهم للغاية كسلطة رقابة. غير أنه تحت هذه الذريعة يتم تجاهل الحاجة للرقابة على الحكومة وتقلب الجرة رأسا على عقب: تقوي الحكومة، تكافح حماة الحمى لأنهم يقومون بعملهم بإخلاص. لا يدور الحديث عن توازنات وكوابح بل العكس، فقدان اللجام والكوابح. وضع يكون فيه بمقدور أعضاء لجنة الدستور استدعاء كبار رجالات النيابة العامة وجهاز إنفاذ القانون يبيح دمهم ويمس باستقلاليتهم ويجسد عمليا الدعوة الشعبية لرئيس الوزراء قبل خمس سنوات "للتحقيق مع المحققين".

هذه خطوة أخرى في الانقلاب النظامي، كلها معدة لتقوية الحكومة وتعزيز قوة وصلاحية الأغلبية الائتلافية في الكنيست والمس بكل من يزعج الحكم من أن يفعل ما يشاء حتى بخلاف القانون، المستشارين القانونيين، النيابة العامة، رابطة المحامين أو كل جسم مستقل.

قانون كهذا، سيجعل لجان الكنيست محاكم تفتيش. وعليه فإنه إذا ما أجيز سيعتزل مناصبهم موظفون عامون شرفاء، إذ من سيرضى أن يكون تابعا لجنونات رئيس لجنة الدستور؟ هذا، في نهاية الأمر، هو هدفه الحقيقي. هكذا تتمكن الحكومة من أن تملأ كل الأجهزة بجنود سياسيين طائعين.

------------------انتهت النشرة----------------

أضف تعليق