31 كانون الثاني 2025 الساعة 01:22

الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الجمعة 27/12/2024 العدد 1194

2024-12-29 عدد القراءات : 136

 الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

 

 

 

 

هآرتس 27/12/2024

 

 

بين اليمن وايران

 

 

بقلم: عاموس هرئيلِ

 

الاستيقاظ المبكر والمتواتر الذي عانى منه في هذا الأسبوع سكان مركز البلاد في منتصف الليل بسبب اطلاق الصواريخ من اليمن، وضع محل سخرية بدرجة معينة محاولة الحكومة التبجح بالنصر المطلق، الذي يوجد كما يبدو على شفا التحقق. لا شك أن إسرائيل سجلت عدة إنجازات استراتيجية مثيرة للانطباع في جميع الجبهات، بعد الصدمة الفظيعة للمذبحة في 7 أكتوبر من السنة الماضية. ولكن اطلاقات الحوثيين التي في معظم الحالات تم اعتراضها من قبل منظومة “الحيتس”، ذكرت بأن القضية بعيدة عن الانتهاء. إسرائيل وجدت نفسها في حرب استنزاف جديدة، التي في هذه المرة تتم ادارتها من اليمن، وبشكل غير مباشر كما يبدو من ايران.

في جهاز الامن يحتارون في مسألة الى أي درجة يعمل الحوثيون باستقلالية، وما هي قوة التشجيع التي يحصلون عليها من ايران. عندما تم وقف اطلاق النار في لبنان ووقف اطلاق المسيرات من العراق وخفوت القتال في غزة، فان الحوثيين بقوا جبهة التهديد الرئيسية لمركز البلاد، في محاولة يائسة من ناحيتهم. يكفي اطلاق صاروخ واحد  كل يومين بالمتوسط من اجل بقائهم في الذاكرة كآخر من يحملون عبء النضال ضد إسرائيل، في مظاهرة التضامن مع بقايا الذراع العسكري لحماس في قطاع غزة. في المقابل، من اجل الرد فانه يجب على إسرائيل بذل جهود كبيرة – المهاجمة بالطائرات القتالية من مسافة 1800 كم، التي تحتاج الى التخطيط واستثمار موارد كثيرة.

أمس بعد الظهر هاجم سلاح الجو اليمن، للمرة الرابعة منذ بداية الحرب وللمرة الثانية في غضون أسبوع. من بين الأهداف في هذه المرة كانت بنى تحتية مدنية، مثل المطار الدولي في صنعاء. قيادة الحوثيين هددت بالرد على هذه الهجمات. في إسرائيل يعرفون أنه لا يكفي ما تم من اجل انهاء تبادل اللكمات. في جهاز الامن يأملون أنه سيكون بالإمكان تعزيز التنسيق الأمني مع الأمريكيين والبريطانيين لزيادة الضغط على الحوثيين. هناك شك كبير فيما اذا كان هذا التوجه سيساعد. التناقض هو أنه رغم أن حجم الضرر الذي تتسبب به إسرائيل كبير جدا، إلا أنها لا تجد أي طريقة لردع الحوثيين. المتمردون في اليمن، الذين واجهوا بنجاح الحكومة المحلية، السعودية واتحاد الامارات، لا يخافون. يصعب التهديد باعادة الى العصر الحجري نظام هو بقدر معين يوجد فيه، باستثناء قدرته التكنولوجية في القتال.

في هذا الأسبوع نشر أن رئيس الموساد، دافيد برنياع، أوصى رئيس الحكومة بالرد على اطلاق الحوثيين بواسطة مهاجمة ايران. ولكن وراء ازعاج الحوثيين، الذي مشكوك فيه أن يكون له أي حل بدون صفقة التبادل ووقف القتال في قطاع غزة، يختفي موضوع استراتيجي أهم، يتعلق بالمشروع النووي الإيراني وطريقة مواجهته. في الوقت الذي فيه النظام في طهران اقرب من أي وقت مضى الى التوصل الى قدرة نووية كاملة. وحتى أن النظام في ايران سيتخذ قرار التقدم الى هناك، بالذات على خلفية الضربات التي تعرض لها في السنة الأخيرة، التي تشمل المس بحماس، فشل حزب الله، سقوط نظام الأسد والمس بمنظومة الدفاع الجوية وخطوط انتاج السلاح البالستي في ايران نفسها، نتيجة هجوم إسرائيل الأخير في 26 تشرين الأول.

المتغير الأساسي في المعادلة إضافة الى حالة الضعف النادر التي وجدت ايران نفسها فيها، يتعلق بساسة أمريكا. إدارة بايدن اتبعت خط متسامح جدا مع الإيرانيين، لكنها لم تنجح في التوصل الى اتفاق نووي جديد معهم، بدلا من الاتفاق الذي انسحب منه الرئيس السابق (والقادم) دونالد ترامب في 2018. ترامب يعود الى السلطة مع اظهار موقف واضح مناويء لإيران، أيضا هو عرف بأن الإيرانيين تآمروا على اغتياله بعد هزيمته امام بايدن في انتخابات 2020، كانتقام على التعليمات التي أصدرها لاغتيال الجنرال قاسم سليماني. الرئيس الأمريكي المنتخب هو الذي سيتعين عليه التقرير اذا كان سيحاول بلورة اتفاق نووي جديد، متشدد أكثر، أو اذا كان سيدعم عملية عسكرية إسرائيلية، تمس للمرة الأولى بالمنشآت النووية نفسها.

ايران لا توجد فقط في نقطة ضعف استثنائية، بل هي معرضة اكثر من أي وقت للهجوم، إزاء شلل منظومة الدفاع الجوي لديها. منع وصول ايران الى السلاح النووي، حتى بالقوة، هو مبدأ أساسي استراتيجي بالنسبة لنتنياهو منذ عشرين سنة على الأقل. لذلك فان إمكانية مهاجمة إسرائيل، التي ستركز في هذه المرة على ابعاد ايران عن القدرة النووية، ستحلق فوق الشرق الأوسط في الأشهر الأولى من ولاية ترامب الثانية.

توجد ساحة واحدة تم حسم الصراع فيها الآن وهي لبنان. فبعد شهر على دخول وقف اطلاق النار الى حيز التنفيذ، لم تتم مشاهدة أي محاولة حقيقية من قبل حزب الله لخرقه. إسرائيل هي التي تتبع بشكل متعمد مقاربة عنيفة ومصممة من اجل القول للمنظمة الشيعية بأنه من الأفضل لها الامتناع عن الاستفزاز. اضافة الى الاحاطات العسكرية لوسائل الاعلام فان الجيش قدم في هذا الأسبوع للجمهور عرض للغنائم، بما في ذلك كمية كبيرة من السلاح الذي تركه حزب الله خلفه عندما هرب من جنوب لبنان.

-------------------------------------------

إسرائيل اليوم 27/12/2024

 

اختبار جنين

 

 

بقلم: يوآف ليمور

 

سوريا

في الأسبوعين الأخيرين تحطم إسرائيل الرأس لتعرف اذا كان التحول الذي اجتازه زعيم الثوار السوري أبو محمد الجولاني (احمد الشرع)، حقيقي ام هو جزء من حملة تضليل ذكية.

ظاهرا، كل شيء يشير الى الاتجاه المحتمل الأول. فقد استبدل البزة العسكرية بالبدلة، استبدل الخطاب الكفاحي بحلو اللسان وبالوعود بالوحدة والمصالحة. واستبدل العمل العسكري الجهادي برسائل السلام. بالمقابل، هو لا يزال رئيس فرع القاعدة في سوريا، ولا يزال متمسكا بالاسم الذي اختاره لنفسه – الجولان، الذي يدل على ان اصله من الجولان، ولعله أيضا يلمح بخططه المستقبلة.

صحيح حتى هذه اللحظة، العالم أُسر بسحره. وفود دبلوماسية تهبط في دمشق وتقلع منها بوتيرة يدور لها الرأس، بما فيها من الدول الهامة في العالم – وعلى رأسها الولايات المتحدة التي سارعت الى الإعلان بانها سترفع العقوبات الشخصية التي فرضتها عليه في عهد الحرب الاهلية قد نحو عقد. في أوروبا أيضا وقعوا في حب المخرب الذي اصبح دبلوماسيا. الوحيدون الذين يرفضون الانجراف في الانفعال العام هم الزعماء العرب المعتدلون الذين يخافون من أن يكونوا التالين في الدور.

طلب الامريكيون من إسرائيل أيضا إعطاء الجولاني فرصة ومحاولة الحديث معه. لإسرائيل كل الأسباب في العالم لعمل هذا: من تقليص تهديدات محتملة في الحدود الشمالية – الشرقية، عبر تقييد النفوذ الخطير لتركيا على سوريا المستقبلية وحتى التأكد من أن ايران ستبقى خارج دوائر العمل في سوريا.  السؤال هو كم سيكون الزعيم السوري الجديد مستعدا لمثل هذه الخطوة. على هذا توجد ثلاثة أجوبة محتملة. الأول – ان يرفض بأدب. والمعاذير سيجدها بوفرة: من استمرار احتلال الجولان وحتى استمرار الحرب في غزة. الامكانية الثانية هي ان يوافق. احتمال ذلك يبدو طفيفا هذه اللحظة. الامكانية الثالثة هي ان يوافق جزئيا، بمعنى ان يتسكع سرا مع الفكرة ويحاول أن يستخلص منها اقصى وافضل ما يكون. مثلا، مساعدة إسرائيلية مباشرة او غير مباشرة ضد ما ومن كفيل بان يهدد حكمه. ايران وفروعها من جهة، داعش وفروعه – الذين اعلنوا بان الجولاني خان طريق الإسلام – من الجهة الأخرى. الربح المتبادل هنا سيكون كبيرا: للجولاني هو كفيل بان يمدد حياته، ولاسرائيل سيقلل آلام الرأس.

في هذه الاثناء، يحتفظ الجيش الإسرائيلي بجبل الشيخ السوري وبمناطق في مجال الفصل شرقي الحدود الدولية. القسم الأول ضروري لاجل العثور، التشخيص وعند الحاجة إبادة التهديدات. القسم الثاني هو إمكانية كامنة للتورط – مع السكان في الجولان السوري، الذين في البداية أرادوا التواجد الإسرائيلي ومنذ هذا الا سبوع أظهروا (في قسم منهم) استياء وجد تعبيره في احتجاج علني، وامام العالم مما سيستدعي من إسرائيل في لحظة ما أن تنسحب عائدة الى حدود (مؤشرات على ذلك تنطلق منذ الان من أروقة الأمم المتحدة).

معقول لهذا التواجد الا يستمر الى الابد. سيكمل الجيش الإسرائيلي إقامة العائق المكثف على طول الحدود ويسحب قواته (ناقص جبل الشيخ). حتى ذلك الحين سيحاولة تثبيت العلاقات مع المحليين، وكما اسلفنا، ربما أيضا مع الحكم الجديد في دمشق. في هذه الاثناء، يحاول ان يتساءل حول الزعيم ولكن أيضا حول من يحيط به. ان يرسم خريطة الأشخاص، جماعات القوة، القدرات العسكرية. كل المعلومات التي تجمعت في عشرات السنين حيال سوريا أصبحت غير ذات صلة مع تغيير الشخصيات في دمشق ومع تدمير القدرات العسكرية التي ترافقت معها. الان يجب بدء كل شيء من جديد. وهذا تحدٍ استخباري وعملياتي هائل.

وكلمة أخرى عن الجولان: قبل نحو عقد في ذروة الحرب الاهلية في سوريا، وصلت الى إسرائيل معلومات عن أن رجاله يخططون لعملية تسلل من الجولان السوري الى احد الكيبوتسات في هضبة الجولان. أتاحت المعلومات احباط العملية التي كان يفترض ان تقتل إسرائيليين. الجولاني نفسه قررها. الفترة القريبة القادمة ستفيدنا اذا كان تبقى مخربا (لكن في بدلة) ام أنه قطع كل الطريق ليصبح في نهايته أنور السادات

 

جنين

 

في الأسابيع الأخيرة، يتابع جهاز الامن باهتمام الحملة التي تخوضها أجهزة الامن الفلسطينية في جنين. ليس لاحد أوهام في أن السلطة بدأت فجأة تخوض حرب إبادة للارهاب. بالمقابل، بدأت أخيرا تفعل ما تطالبها به إسرائيل منذ سنوات. فاعليتها محدودة في هذه الاثناء. لكن ينبغي الثناء عليها وان كان بسبب الكثافة: فكل عملية تحبطها، كل مخرب يعتقل، كل عبوة تشغل، لا تلتقي في النهاية جنود الجيش الإسرائيلي او مواطنين إسرائيليين.

بدأت هذه الحملة عندما سرق نشطاء إرهاب في جنين سيارتي تندر من قوات امن السلطة. ليس صعبا أن نتخيل ما رأى السارقون امام عيونهم: مخربي النخبة الذين اندفعوا على التندرات نحو النقب في 7 أكتوبر او أولئك الذين اندفعوا على تندرات مشابهة في سوريا في الطريق الى اسقاط الرئيس الأسد. السلطة ورئيسها، الذين يعتبرون فاسدين وغير شعبيين، فهموا التلميح: تندرات تسرق في المعركة الأولى ستندفع نحو المقاطعة في رام الله في المعركة الثالثة.

في إسرائيل رأوا الصور ذاتها وتوصلوا الى الاستنتاجات ذاتها، غير أن مكان المقاطعة في رام الله رأوا امام ناظريهم ارئيل وبيت ايل او نتانيا والعفولة (وليس لان سيطرة جهة متطرفة على السلطة هي سيناريو مرغوب فيه من ناحية إسرائيل). لو لم تعمل السلطة لكان الجيش الاسرائيل عمل، مثلما عمل في حالات لا تحصى في السنة الماضية، وقبلها أيضا. يحتمل أن يكون مطالبا بان يفعل هذا، اذا لم تحقق الاعمال الفلسطينية الحالية أهدافها.

صحيح حتى يوم امس، اعتقل الفلسطينيون عشرات نشطاء الإرهاب في جنين، وضعوا اليد على كميات كبيرة من السلاح وعثروا وعطلوا عبوات ناسفة كثيرة زرعت تحت محاور السير. هم أيضا دفعوا ثمنا – ثلاثة من الشرطة الفلسطينية قتلوا حتى الان في المعارك مع المخربين.

من يبحث عن ادلة عن جدية الحملة سيجدها في حجم القوات. الحملة لا تقوم فقط على قوات محلية بل ضمت كتيبتين من السلطة والكتيبة 101 – اللتين عادة تكونا في منطقة أريحا. من يبحث عن ادلة بغياب الجدية في الحملة سيجدها في وتيرة التقدم: حتى الان لم تصل قوات السلطة الى قلب الموضوع. ما يستغرق الجيش عمله بضع ساعات يستغرقهم بضعة أسابيع.

 مصدر كبير قال لي اول أمس انه من السابق لاوانه حياكة البدلات. الفلسطينيون مصممون اكثر من أي وقت مضى، لكنهم لن يعملوا في جنين الى الابد، كما أنهم لا يعملون بالتوازي بذات التصميم في جبهات أخرى. هذا الأسبوع فقط، بالتوازي مع الاحداث في شمال السامرة، كان الجيش الإسرائيلي مطالبا بان يعمل في طولكرم، بما في ذلك في هجوم من الجو واعتقل عشرات المخربين في كل ارجاء الضفة. هذا ينضم الى المعطيات العامة للعام 2024 التي تنتهي مع نحو 2500 اعتقال لنشطاء إرهاب ووضع اليد على اكثر من 1000 قطعة سلاح. هذا العمل المكثف أدى الى انخفاض في معطيات الإرهاب الصعب (من نحو 850 عملية في 2023 الى نحو 250 عملية هذه السنة)، والى انخفاض موازٍ في احداث الإرهاب الشعبي (من نحو 3200 حدث في السنة الماضية الى نحو 1100 حدث هذه السنة.

سألته أي علامة تعطيها للعمل الفلسطيني. قال ان الطلب الإسرائيلي منهم واضح: عالجوا او تنحوا جانبا ونحن نعالج. في هذه الاثناء هذا ينجح، وهذا يخدم مصلحة إسرائيل أيضا، في هذه الحالة يناسبها الكليشيه الذي يقول ان نجاحهم هو نجاحنا.

ثمة من يدعي بان عمل السلطة هذا هو نتيجة إحساس بالكرامة. فسرقة التندرات مهين للأجهزة التي قررت أن تريهم من هو السيد. آخرون يدعون بان هذه نتيجة خوف مما يحصل في سوريا وربما مما ستفعله إسرائيل اذا لم تعمل هي.

وهناك احتمال ان تكون الدوافع مختلفة تماما. فترامب سيكون رئيسا بعد لحظة والسلطة تريد أن تريه بانها تجتهد. هذا هام لها مرتين. كي تري انها جيدة ليس فقط في الاقوال والوعود بل وفي الأفعال أيضا. ولسبب عمليا اكثر أيضا. السلطة معنية بان تعود الى غزة وتتلقى السيطرة في اليوم التالي للحرب. من ناحيتها جنين هي اختبار دليل – على القوة، لإسرائيل وللعالم أيضا.

-------------------------------------------

 

هآرتس 27/12/2024

 

 

ايران تبحث عن استراتيجية جديدة

 

 

بقلم: تسفي برئيل

 

يوجد للمرشد الأعلى في ايران علي خامنئي حلم وخارطة طريق حول الطريقة التي ستتصرف فيها سوريا بعد سقوط الأسد. “نحن نُقدر بأن تجمع قوي ومحترم سيقوم في سوريا، حيث أنه الآن لا يوجد للشباب في سوريا ما يخسرونه؛ المدارس والجامعات والبيوت والشوارع غير آمنة”، قال خامنئي في خطابه الذي القاه في بداية هذا الأسبوع. “لذلك فانهم ملزمون بالوقوف بتصميم ضد الذين يخططون وينفذون عدم الامن هذا”، شرح وكأنه محلل في صحيفة إيرانية رسمية.

في الوقت الذي كان يتحدث فيه قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأنه “من السابق لاوانه الحكم الآن. هناك جهات كثيرة ستؤثر على مستقبل هذه الدولة (سوريا)”. في الواقع بصورة ضبابية. هذه التصريحات لم يتم استيعابها بسهولة من قبل الزعماء الجدد لسوريا. وزير الخارجية المؤقت اسعد الشيباني وجه لطهران سهم حاد من خلال تهديد غير مخفي. “نحن نحذرهم (الإيرانيين) من زرع الفوضى في سوريا، ونعتبرهم المسؤولين عن التداعيات التي ستكون للملاحظات الأخيرة التي اصدروها”، قال الشيباني الذي لم يكن يتحدث فقط باسمه.

قبل بضعة أيام من ذلك قام القائد الجديد لسوريا، احمد الشرع، في تأطير تدخل ايران في سوريا على النحو التالي: “في ظل الأسد سوريا أصبحت منبر، سيطرت من خلاله بعض العواصم العربية ووسعت الحرب وضعضعت الخليج بواسطة المخدرات، مثل حبوب الكبتاغون. في مقابلة مع صحيفة “الشرق الأوسط” قال الشرع إنه “باسقاط نظام الأسد أعادت المعارضة مشروع ايران الإقليمي أربعين سنة الى الوراء. حول إعادة فتح السفارة الإيرانية في دمشق لا يتحدثون الآن، وبعد أن نشرت ايران بأنها تقيم علاقات مع القيادة الجديدة، يبدو أن العلاقات بين الدولتين هي بالأساس عبر وسائل الاعلام وهي لا تبشر بالخير لإيران.

سوريا أعلنت أنها تنوي مقاضاة ايران على الاضرار التي حدثت فيها اثناء الحرب الاهلية، وتطالبها بحوالي 300 مليار دولار، هذا في حالة حاولت ايران طلب تسديد الديون المتعلقة بالاستثمارات وخطوط الائتمان التي وفرتها لنظام الأسد، التي تقدر بـ 30 – 50 مليار دولار. ولكن قضية تسوية الدين هي الآن ثانوية إزاء الضربة الشديدة التي تلقتها ايران، سواء في سوريا أو في لبنان. الآن يجب عليها وضع الاستراتيجية الإقليمية والدولية الخاصة بها على طاولة الرسم كي تفحص كيف تموضع نفسها من جديد وكيف تحافظ لديها على الذخائر التي بقيت لها، بالأساس تعزيز مواقع سيطرتها في العراق الذي تحول بعد فقدان سوريا ولبنان الى المعقل الاستراتيجي الأهم بالنسبة لها.

الضغط الأمريكي على رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، من اجل حل المليشيات الشيعية المؤيدة لإيران، لا يمكن أن يضمن نتائج عملية. ومثلما في لبنان فان هذه المليشيات وزعماءها، العسكريين والسياسيين، هي جزء لا يتجزأ من القيادة العراقية والبرلمان والحكومة. أي قرار لنزع سلاحها أو فصلها عن ثدي خزينة الدولة، يمكن أن يثير مواجهات عنيفة تهدد استقرار الحكومة، التي هي في الأصل لا تعاني من فائض في دعم الجمهور. خوف ايران هو من أن المشاعر العامة المناوئة لها في العراق يمكن أن تثير “عمليات سورية” وتحدد مجال تاثيرها.

لكن الخوف على سلامة الذخائر القريبة هو فقط جزء من الضغوط التي تمليها الثورة في سوريا على ايران، وسيطرتها في سوريا ولبنان، وتطوير مشروعها النووي دفعها الى مكانة قوة استراتيجية إقليمية، الامر الذي ساهم في تغير مواقف الدول العربية منها. استئناف العلاقات مع دولة الامارات قبل سنتين تقريبا، ومع السعودية مؤخرا، وانضمامها لمنظمة “بريكس” ومنظمة التجارة في شنغهاي، وتدخلها في الحرب في أوكرانيا بواسطة الصواريخ والمسيرات والوسائل القتالية التي زودت روسيا بها؛ التعاون مع الهند التي وقعت ايران معها في شهر أيار الماضي على عدد من الاتفاقيات لادارة ميناء شبهار، الميناء الرئيسي للتواصل بين الهند ووسط آسيا؛ مشاركة ايران في “الممر الشمالي – الجنوبي” الذي يربط بين روسيا والخليج الفارسي – كل ذلك منح طهران موقع تأثير قوي وجعلها بؤرة جذب استراتيجية، ليس فقط بسبب موقعها الجغرافي.

اذا كان مفهوم “محور الشر” يهدف الى وضع ايران وتأطيرها كجزء من الدول الداعمة للارهاب، فهي الآن عامل رئيسي في “محور الشر”، الاقتصادي والسياسي، الذي تشارك فيه روسيا والصين وكوريا الشمالية، الذي يسعى الى كبح ما يسمى في هذه الدول بـ “المحور الامبريالي” للغرب برئاسة الولايات المتحدة. أيضا هذا الحضن الدولي الدافيء هزته الثورة في سوريا.

على سبيل المثال، العلاقات بين ايران وتركيا حصلت على ضربة شديدة بعد اتهام خامنئي لتركيا (في الواقع دون ذكر اسمها) بالمشاركة في “المؤامرة الصهيونية – الامريكية” لابعاد نظام الأسد. دخول تركيا السريع الى مكان ايران وتبني النظام الجديد في سوريا واحتضانه، أوضح لإيران من هو صاحب البيت الجديد في دمشق. تركيا، وليس ايران، هي التي يتوقع أن تكون الدولة التي ستوجه سياسة الشرع، وتقود الجهود لاعادة اعمار سوريا، وهي ستجني أيضا المكاسب الدولية التي ستأتي مع هذه الشراكة. تغير الأدوار هذا لا يعني القطيعة بين ايران وتركيا، لأنه يوجد لهما حتى الآن مصالح اقتصادية وعسكرية، تلزمها باستمرار التعاون، مثل الغاز الذي تشتريه تركيا من ايران، أو الحرب المشتركة ضد التنظيمات الكردية. ولكن وزن ايران في ميزان القوة بينهما تضاءل بشكل كبير، ومن شأنه أن يؤثر أيضا على العلاقات بينها وبين دول عربية أخرى.

ايران ليست وحيدة في دائرة الدول التي تضررت من الانقلاب في سوريا. أيضا روسيا تحصي اضرارها في المنطقة. مكانتها في سوريا افضل من مكانة ايران، لكنها أيضا لا تثق بأنه يمكنها الحفاظ على قواعدها في حميميم وفي ميناء طرطوس. ولكن السؤال الأكثر أهمية هو كيف ستؤثر التطورات في سوريا على العلاقات بين ايران وروسيا.

للوهلة الأولى، يبدو أن العلاقات بين ايران وروسيا تعتمد على أسس متينة، ليس فقط بسبب التعاون الأمني بينهما في أوكرانيا. ولكن هذه العلاقات يشوبها الشك وعدم الثقة. ففي كانون الأول 2022 نشرت وسائل الاعلام في ايران بأن روسيا ستقوم ببيع طائرات قتالية لإيران من نوع “اس.أو 35، وقد مرت سنتين وهذا الوعد بقي على الورق. وفي شهر تموز الماضي وقعت روسيا على بيان مشترك مع زعماء دول الخليج يرفض طلب ايران السيادة في الجزر الثلاثة في الخليج الفارسي، التي تدعي سيادتها عليها دولة الامارات. روسيا أيضا تؤيد إقامة ممر يربط بين نحتسيفان وأذربيجان، خلافا لموقف ايران.

عند بدء التمرد في سوريا وسقوط مدينة حلب وجه بوتين الانتقاد للجيش السوري و”المليشيات المؤيدة لإيران التي انسحبت بدون قتال”. بعد شهر قال بوتين إن ايران طلبت مساعدة روسيا من اجل اخلاء 4 آلاف جندي إيراني. “في السابق طلب الأصدقاء الإيرانيون المساعدة على نشر وحداتهم في سوريا، ولكنهم الآن يطلبون المساعدة من اجل انسحابها”، قال بوتين في مؤتمر صحفي. طهران غضبت جدا. “لم يكن لنا أي جنود في سوريا. فقط كان لنا مدربون”، هكذا احتج المتحدث بلسان وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي. وقد أكد على أنه تم حقا اخلاء مواطنين إيرانيين من قاعدة حميميم، لكن بطائرات إيرانية وليس روسية.

هذا الحوار الذي جرى عبر وسائل الاعلام يظهر كحدث هامشي، لكنه يضاف الى ادعاءات اكثر عمقا بين الطرفين، تشمل ضمن أمور أخرى، احتجاج ايران على أن روسيا سمحت لإسرائيل بالعمل في سوريا ضد الأهداف الإيرانية، وبأن موسكو حصلت على معظم التسهيلات الاقتصادية من نظام الأسد، في حين أن ايران حصلت على الفتات، رغم أنها هي التي وفرت معظم التمويل لتفعيل النظام.

في هذا الأسبوع زار ايران وفد روسي رفيع، ضم نائبان لرئيس الحكومة الروسية، ميخائيل ميشوستن. في وسائل الاعلام نشر أن هذه الزيارة ركزت على وضع اللمسة الأخيرة لاتفاق التعاون الاستراتيجي، بهدف التوقيع عليه قبل دخول ترامب الى البيت الأبيض.

لكن النقاشات حول هذا الاتفاق الاستراتيجي مستمرة منذ ثلاث سنوات، وايران لا يمكن أن تكون على ثقة بأنه في هذه المرة سيتم التوقيع عليه حقا، واذا تم التوقيع عليه فهل لن يكون مصيره مشابه للاتفاق الضخم الذي وقعت عليه ايران مع الصين، الذي تقدر قيمته بحوالي 400 مليار دولار. حتى الآن استثمرت الصين فقط بضع مئات الملايين في مشاريع في ايران. النتيجة من شأنها أن تكون أن ايران بعد سوريا ستجد نفسها في مكانة الوكيل بدلا من الشريكة الاستراتيجية. وعن الوكيل، كما تعلمت ايران، يمكن أيضا التنازل.

السقوط في سوريا والضربة لمكانة طهران والشرخ في العلاقات بين ايران ودول المنطقة، لا سيما تركيا، تضاف اليه المشكلة المزمنة، الازمة الاقتصادية الشديدة التي تواصل تغذية مظاهرات الاحتجاج والانتقاد الشديد أيضا من قبل شخصيات رفيعة في المؤسسة. “كيف يعقل أن 20 مليون لتر من البنزين تختفي كل يوم، في حين أننا نحن الذين نقوم بانتاجها وتزويدها”، هكذا تم اقتباس الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في هذا الشهر في موقع “تبناك” الحكومي. “هذه الاقوال تسري أيضا على الغاز والكهرباء والمياه وكل شيء آخر”، أضاف.

البنك المركزي في ايران نشر في هذا الشهر بأن النمو في الأشهر آذار – أيلول انخفض بالنصف مقارنة مع السنة الماضية، وبلغ 2.9 في المئة فقط. الكثير من مصانع الادوية أغلقت، وقوة بشرية مدنية تركت المجال أو انتقلت الى دول أخرى؛ مدارس أغلقت بسبب نقص الوقود لتشغيل التدفئة؛ تصدير النفط عانى من تخفيض حقيقي. عندما تسلم منصبه اعلن بزشكيان بأن هدفه الاسمى هو تخليص ايران من الازمة الاقتصادية. وأنه سيعمل على رفع العقوبات عن ايران. وقد حصل على الضوء الأخضر من خامنئي لاجراء المفاوضات مع الدول الأوروبية، وحتى مع الولايات المتحدة، حول بديل عن الاتفاق النووي الذي سيؤدي الى رفع العقوبات.

لكن مثل الرئيس روحاني، أيضا بزشكيان واجه قوات معارضة قوية، سواء داخل حرس الثورة أو من قبل سياسيين محافظين، الذين يدفعون نحو زيادة وتيرة تخصيب اليورانيوم ويهددون بإعادة فحص “العقيدة النووية” لإيران. وهو تهديد يعني التقدم نحو تطوير السلاح النووي خلافا للسياسة المعلنة التي تقول إن النووي الإيراني تم اعداده للاهداف السلمية. حتى أن محللين محافظين قالوا إنه بالذات بعد الانقلاب في سوريا والخطاب في إسرائيل الذي يدعو الى “مواصلة الزخم ومهاجمة ايران”، فان طهران ملزمة باظهار قدرتها على الردع من اجل أن لا يكون مصيرها مثل مصير سوريا. القرار حتى الآن لم يتم اتخاذه، وهو سيكون مرهون بدرجة كبيرة بسياسة الرئيس ترامب. ولكن ليس بها فقط. فالارث الذي يريد خامنئي أن يخلفه سيكون له دور حاسم.

-------------------------------------------

 

 

 

يديعوت احرونوت 27/12/2024

 

 

مروان البرغوثي سيشغل إسرائيل، الفلسيطينيين، والشرق الأوسط لزمن طويل

 

 

بقلم: د. ميخائيل ميلشتاين

 

“المعلومات الإعلامية عن إمكانية ان يتحرر مروان البرغوثي في صفقة مستقبلية وينفى الى تركيا ليست معروفة لنا”، يوضح قسام، ابنه، في حديث أول امس من رأم الله حيث يسكن. بعد أسبوع من عودته من قطر، هناك، كما علم، بحث أبناء العائلة مع كبار مسؤولي حماس في ادراج ابيه في الصفقة، هو يقول في الحديث: “نحن اكثر تفاؤلا مقارنة بالماضي، وواضح أن صفقة فقط ستؤدي الى التحرر من السجن. كعائلة، لا يهمنا الى أين يتحرر، حتى ولو الى كوالا لمبور، ولا حتى تهمنا المعاني السياسية للخطوة”.

رد الفعل من جانب “مسؤول إسرائيلي كبير” على التقارير الإعلامية كان سريعا وقاطعا: لا يوجد أي بحث في تحرير البرغوثي. مسألة تحرير البرغوثي بحثت لاكثر من عقدين في إسرائيل وتأكدت جدا منذ 7 أكتوبر والانشغال الواسع بصفقة يتحرر فيها سجناء امنيون. على مدى السنين سمعت في الساحة السياسية والإعلامية أصوات – أخذت في التضاؤل – ادعت بان البرغوثي هو زعيم ذو تأثير جماهيري واسع، ورغم انه كان مشاركا في الانتفاضة الثانية في عمليات قتل فيها خمسة اشخاص حكم عليها بخمس مؤبدات و 40 سنة، بقي مخلصا للمفاوضات السياسية.

قائمة الداعين الى تحريره منذ اعتقاله في 2002 ضمت ضمن آخرين بنيامين بن اليعيزر، جدعون عيزرا وافرايم سنيه وانضم اليهم مؤخرا عامي ايالون. بالمقابل، يعارض الكثيرون تحريره بمن فيهم من يدعون بان الحديث يدور عن “عرفات صغير” او عن “سنوار 2” – المتمسك برؤيا كفاحية ومع تحريره سيواصل الدفع قدما بالكفاح العنيف.

البرغوثي هو في نفس الوقت رمز وطني ولغز. الزعيم ابن الـ 65 الذي ولد في قرية كوبر المجاورة لرام الله يمثل جيلا نما في المناطق في السبعينيات والثمانينيات، يتماثل مع الانتفاضة الأولى، ويقف كبديل متحدٍ لجيل المؤسسين بقيادة عرفات الذي جاء من تونس وسيطر على قيادة السلطة، في ظل دحر الشبان.

مر البرغوثي بعدة محطات ثبتت مكانته كزعيم، بينها المشاركة في تأسيس الشبيبة، منظمة الشباب والطلاب من فتح؛ ابعادهم الى الأردن في 1987، نشاطه الى جانب القيادة التاريخية لفتح، مثل أبو جهاد وأبو اياد؛ العودة الى المناطق في اعقاب اتفاق أوسلو وإقامة جسم قيادة فتح في الضفة الذي تحدى عرفات؛ وبالطبع العودة الى الكفاح المسلح في العام 2000، حين منح المساعدة والتوجيه لكتائب شهداء الأقصى من فتح. مثل الكثيرين من أبناء الجيل الضائع إياه، البرغوثي أيضا يعرف إسرائيل جيدا، يعرف العبرية وعقد عددا لا يحصى من اللقاءات مع إسرائيليين قبل الانتفاضة الثانية.

 

 

قبل مشعل بكثير

 

اما اللغز فيتناول حقيقة أنه رغم ان البرغوثي غاب عن الميدان لاكثر من عقدين (نحو ثلث حياته) لا يزال المرشح الأكثر شعبية لقيادة الساحة الفلسطينية. لاكثر من عقد تظهر استطلاعات الرأي العام في المناطق انه في كل سيناريو انتخابات يهزم كل منافس بما في ذلك ممثلي حماس. هكذا تبين من استطلاع نشره هذا الأسبوع معهد “اوراد” الذي يعمل في رام الله بان 54 في المئة من الفلسطينيين سيؤيدون البرغوثي في الانتخابات للرئاسة مقابل 10 في المئة فقط يؤيدون خالد مشعل (التأييد لاسماعيل هنية ويحيى السنوار اللذين صفيا كان اعلى بكثير، لكنهما هما أيضا لم يتفوقا على البرغوثي في الاستطلاعات).

حسب فلسطينيين كثيرين، يعجب الناس بالبرغوثي الرمز رغم انه لا يعرفون مروان الانسان. عموم الجمهور، وبخاصة الشبان الذين ولدوا بعد أن سجن، يرون فيه تجسيدا للمثل الوطنية، وعلى رأسها المقاومة، الصمود والتضحية.

“القائد مروان هو الزعيم الوحيد الذي يمكنه ان يعيد تشكيل الساحة الفلسطينية المنقسمة، ويرمم فتح من الدرك الذي يوجد فيه التنظيم، والذي منذ إقامة السلطة اندمج مع الحكم، فقد هويته الخاصة وتعفن. البرغوثي قادر على ان يتحكم بالقيادات الميدانية التي نما منها، لكن بالتوازي ان يدير أيضا استراتيجية سياسية مركبة. كمن جاء من الوسط القروي، يفهم لغة واحتياجات الشعب. وحتى من السجن يواصل الاهتمام بمشاكل الفلسطينيين البسطاء وليس فقط بالمسائل الكبرى”، هكذا يشرح احمد غنيم (أبو ضمير)، من قادة معسكر المؤيدين للبرغوثي ومن سكان شرقي القدس.

“إسرائيل هي الأخرى تفهم تأثيره الواسع وتحاول من خلال إساءة ظروف اعتقاله منذ 7 أكتوبر اغتياله، ضمن وسائل أخرى من خلال العزل الطويل وممارسة العنف”، يشرح قدوره فارس، رئيس نادي الأسير الفلسطيني الذي يعتبر هو أيضا من الموالين للبرغوثي. اما مصلحة السجون فنفت الادعاءات نفيا باتا.

زوجة البرغوثي، فدوى، بذلك جهدا خاصا من تحويله من رمز وطني الى ايقونة عالمية، في ظل موازاته بنلسون مانديلا. في العقد الأخير تخوض حملة لممارسة ضغط دولي على إسرائيل لتحريره، أدت منذ الان الى تسمية شارع على اسمه في المدينة الفرنسية فالتون، ومنحه لقب مواطن شرف في 15 مدينة أوروبية أخرى، ورفع ترتشيحه لجائزة نوبل للسلام، الخطوة التي لاجلها جند الحاصل على الجائزة الارجنتيني ادلفو برس اسكيفان. “نجحنا في تثبيت مكانة البرغوثي كايقونة تمثل الكفاح من اجل الحرية”، أعلنت فدوى في خطاب القته في شهر أيار في الجامعة الامريكية في القاهرة.

 

سيحقق مصالحة داخلية

 

في حماس أيضا يفهمون الامكانية الكامنة في البرغوثي، وليس صدفة انهم يصرون على تحريره. في نظرهم الامر كفيل بان يحقق بضعة إنجازات: تثبيت صورة الحرب التي بادرت اليها المنظمة كخطوة وطنية حققت مكسبا لكل الفلسطينيين: عودة زعيم محبوب الى الميدان قريب من حماس في ارائه، بخلاف معظم زعماء السلطة، يمكنه ربما أن يحقق المصالحة في المستقبل تتيح دخول المنظمة من الحكم في الضفة؛ وخلق نوع من “الحساب” الذي بسببه سيشعر انه مدين للمنظمة بتحرره.

هكذا، في شباط من هذا العام اعلن أسامة حمدان، من قادة حماس في الخارج بان المنظمة ستطالب بتحرير زعماء فلسطينيين ليسوا من صفوف حماس وعلى رأسهم البرغوثي واحمد سعادات الأمين العام للجبهة الشعبية.

البرغوثي نفسه يشهد على العلاقات القريبة مع حماس. ومنذ 2002 حاول الدفع قدما بالمصالحة بين فتح والمنظمة، كانت ذروة ذلك في وثيقة السجناء التي صيغت بغموض عمدا ونشرت في 2006. الأساس لكل تسوية مستقبلية مع إسرائيل هو مصالحة فلسطينية داخلية، ومن اجل هذا وضعنا الوثيقة التي بلورت لأول مرة اجماعا مع حماس على خطة سياسية، وفي أساسها الموافقة على إقامة دولة في حدود 1967، تشكل اعترافا بالامر الواقع بإسرائيل (كل هذا دون التزام من حماس بالاعتراف بها او الإعلان عن نهاية المواجهة معها).

“على مدى السنين طرأ تشويش في الفجوات التي بين فتح وحماس، وان كانت لا تزال هناك فوارق في عدد من المسائل الجوهرية، وعلى رأسها الموقف من إسرائيل”، قال البرغوثي في لقاء اجريته معه في السجن قبل نحو عقد، وأوضح فيه أيضا بان في نيته التنافس في المستقبل على رئاسة الساحة الفلسطينية.

القسام، الذي تشارك مع ابيه غرفة في السجن الإسرائيلي في عامي 2006 – 2007 ويحمل اسم عز الدين القسام يضيف فيقول: “ابي غير معني بمصالحة شكلية، الجهد الذي يجري العمل عليه منذ 20 سنة ولا يؤدي الى أي تغيير. هو يقصد وحدة سياسية واسعة حول توافق من عمول الفصائل، وبخاصة حماس للانخراط في م.ت.ف كالقيادة الوطنية. حقيقة انه يعرض حلا للجرح الأكثر ايلاما في المجتمع الفلسطيني (الانقسام الوطني) تساهم كثيرا في العطف الجماهيري عليه. نقطة استحقاق أخرى جناها في اثناء السنين عندما وقف على رأس الكفاح ضد الفساد في السلطة”.

 

دحلان يؤيده

 

السلطة من جهتها تبدي نهجا ملتبسا تجاه تحرير البرغوثي. علنا، يعرض مسؤولوها تأييده له وللكفاح من اجل تحريره من السجن. لكن من الجهة الأخرى هناك غير قليلين في رام الله تقلقهم إمكانية أن يصبح منافس سائد في السباق على خلافة أبو مازن ومن أن من شأنه أن يدفع نحو المصالحة مع حماس التي يتحفظ الكثير من كبار رجالات السلطة منها.

“تحرير البرغوثي سيكون أنباء سيئة لإسرائيل، لكن أيضا بالنسبة للكثيرين الذين يستفيدون من مجرد وجودها”، هكذا يلمح بلذع حسام خضر، كبير فتح في مخيم اللاجئين بلاطة في نابلس، المعروف بانتقاده للقيادة في رام الله.

 

فدوى البرغوثي أيضا في زيارتها قبل نحو نصف سنة الى مصر صاغت حديثها بحذر إذ قالت: “السلطة نفسها معنية بتحرير البرغوثي، لكن توجد فيها جهات غير معنية بمثل هذه الخطوة، وهم بذلك يشهدون على انهم ليسوا حقا وطنيين فلسطينيين”. 

سامر سنجلاوي، من قادة معسكر دحلان ومن سكان شرقي القدس، اقل دبلوماسية بكثير: كبار رجالات السلطة يرون في البرغوثي تهديدا. فهو يتمتع بشعبية تبرز صورتهم المتردية، وبعض منهم على الاطلاق يفضلون أن يبقى في السجن”.

محمد دحلان نفسه يرى في البرغوثي حليفا طبيعيا لمعسكر كبار مسؤولي فتح الذين دحرهم أبو مازن الى الهوامش واعتبرهم كتهديد. في السنوات الأخيرة توثق الحلف بينهما ووجد تعبيره في تعاون سياسي قبيل الانتخابات التي كانت يفترض أن تجرى في 2021، حين أقام الرجلان قوائم فتح منفصلة عن القائمة الرسمية برئاسة أبو مازن وادارا بينهم علاقة وثيقة.

هذا الانقسام، كما من المعقول الافتراض كان سيؤدي الى هزيمة فتح، مثلما حصل في انتخابات 2006 لو لم يلغِ أبو مازن الحدث في اللحظة الأخيرة، حين فهم بان الفشل مضمون.

يشرح سنجلاوي فيقول: “مجموعات كثيرة في فتح تنتظر تحرير البرغوثي وترى فيه الزعيم الوحيد الذي يمكنه أن يوجد كل الجهات في الحركة المنقسمة، وبخاصة أولئك الذين ابعدوا من صفوفها وعلى رأسهم رجال دحلان وتحقيق اصلاح ديمقراطي داخلي وترميم الصورة الجماهيرية لفتح”.

 

رغم النفي

 

التخوف الإسرائيلي من تحرير محتمل للبرغوثي ينبع أساس من التقدير بانه سيستغل الحرية للدفع قدما بالعنف. القلق يستند، ضمن أمور أخرى، الى تصريحاته من سنواته في السجن، والتي برأي الكثيرين تجسد بانه تطرف في مواقفه. هكذا مثلا كتب في رسالة نشرها في الذكرى السنوية العاشرة لوفاة عرفات في 2014: “المواجهة المسلحة تجسد بامكانة طريق عرفات والمباديء التي على أساسها مات الاف السجناء. على السلطة ان توقف فورا التنسيق الأمني مع إسرائيل الذي يعزز الاحتلال فقط”.

القسام من جهته يدعي هذا الأسبوع: هذه تخويفات عبثية. أبي هو الشريك المثالي لإسرائيل والذي يتمسك برؤيا الدولتين، يحظى بعطف جماهيري واسع ويمكنه أن يشكل عنوانا مستقرا، موحدا ومتفقا عليه في الجانب الفلسطيني.

رغم النفي في إسرائيل حول تحريره، يوجد احتمال ان نرى البرغوثي يعود لينخرط في الساحة الفلسطينية، قريبا. ويمكن للامر أن يكون لابعاده الى الخارج او عودته الى الضفة وباحتمال اقل الى قطاع غزة، الفكرة التي طرحها هو أيضا حسب التقارير في وسائل الاعلام في اطار مباحثات الصفقة.

وعلى حد قول مسؤول كبير في فتح مطلع على الاتصالات بين عائلته ومحاميه وبين قيادة حماس، “معقول الافتراض ان تحريره لن يتحقق في الدفعة الأولى من الصفقة بل في مراحل لاحقة. حماس لا تصر على عودة البرغوثي الى الضفة وشرحت لعائلته بان عليها ان تفكر بفكرة ابعاده الى الخارج”.

في السيناريو السيء الذي تخشاه إسرائيل، مع تحرره، سيشجع البرغوثي العنف ضد إسرائيل وبالتوازي سيعمل على المصالح مع حماس. مثل هذا السيناريو سيستدعي من إسرائيل ان تعمل وبخاصة اذا ما عمل البرغوثي في الضفة.

مع ذلك، يوجد سيناريو معقد اكثر، تنشأ فيه “معضلة الجولاني 2، أي السير في طريق زعيم الثوار في سوريا: محاولة بث صورة معتدلة، بما في ذلك اجراء اتصالات مباشرة مع جهات غربية وإسرائيلية، فيما تحوم مسألة هي هذا استعراض تسويقي في الوقت الذي يواصل فيه البرغوثي في داخله وقف بذرة العنف التي ستتفجر مثلما حصل في الانتفاضة الثانية.

حتى لو لم يندرج البرغوثي في الصفقة، فمن المتوقع ان يؤثر على الصورة المستقبلية للساحة الفلسطينية ومن هنا على الوضع الاستراتيجي لإسرائيل أيضا. يبدو أنه مصمم على التنافس على قيادة السلطة في انتخابات مستقبلية سواء من داخل السجن أم من المنفى. واذا ما فاز فيها – كما يتبين من الاستطلاعات – ستتعزز صورة “مانديلا” وينشأ على إسرائيل ضغط خارجي وبالتوازي قد يثور اضطراب داخل السلطة التي ستجد نفسها مقودة من رئيس سجن في دولة تقيم معها تنسيقا مدنيا وامنيا، رئيس يتمسك بالكفاح ضد تلك الدولة ولا تكون معه علاقة جارية. سواء من داخل السجن ام من ميادين رام الله يبدو ان اسم مروان البرغوثي سيشغل سواء إسرائيل أم الفلسيطينيين والشرق الأوسط لزمن طويل آخر.

-------------------------------------------

هآرتس 27/12/2024

 

الى أن تتعلموا التساوق مع قيم البيبية

 

 

بقلم:  كارولينا ليندسمان

 

مع اقالة يوآف غالنت من وزارة الدفاع، لم يعد في محيط بنيامين نتنياهو أي عنصر مستقل له وزن. الحريديون يخضعون للحاخامات، وعلاقتهم مع الحكومة هي في الأصل علاقة وظيفية. أعطهم ما يحتاجونه وافعل ما تريد في جهاز القضاء ووسائل الاعلام والجيش الإسرائيلي وغزة ومع المخطوفين. يوجد لايتمار بن غفير والمستوطنين قوة سياسية، لكنهم أصلا شركاء في الطريق حتى منذ أيام أوسلو السعيدة.

إسرائيل كاتس هو فزاعة، لكن من النوع المتعثر الذي حتى الطيور تسخر عندما تشاهده. تعيينه يدل على أنه بالنسبة لنتنياهو الحرب الحقيقية انتهت. أي أن التهديدات الكبيرة تمت ازالتها. والآن بعد أن أنقذه الجيش الإسرائيلي، الذي ما زال يحتفظ بشيء ما من إسرائيل التي كانت ذات يوم، من الفشل الذريع المشترك بينهما في 7 أكتوبر، فانه يمكن البدء في قطع الرؤوس فيه. نعم، تفكيك الجيش وجهاز الامن بالطريقة التي أعطيت فيها الأجهزة الأخرى في الدولة لوكلاء التفكيك (جهاز القضاء لياريف لفين والشرطة لبن غفير والاعلام لشلومو كرعي).

مثلما في أي انقلاب فانه بعد تدمير العالم القديم سيأتي ما وعد به في الصيف رئيس طاقم نتنياهو السابق والمقرب منه حتى الآن نتان ايشل: على الفور بعد انتهاء الحرب سنجري احتفال استبدال النخب. هكذا، في “القوميين”، أبلغت عيريت لينور، التي تفسر اقوال الوزير دافيد امسالم الذي يقود جهود اقالة المستشارة القانونية للحكومة، بأنه لا تكفي اقالتها، لأنه ماذا سيحدث مع نائبها غيل ليمون، وامثالها في كل جهاز المستشار القانوني؟.

للمفارقة، يبدو أن امسالم غارق في أيديولوجيا بيبية اقل من لينور. فهو ما زال يؤمن بأن هذا الامر يتعلق بالذات ببهراف ميارا وروح القائد. وهو لا يدرك أن المنظرين للانقلاب البيبي، الذين تجدر الإشارة الى أنه يحتل الصدارة بينهم اشخاص كانوا في السابق في اليسار مثل غادي تاوب، يخططون لتغيير طبقي على طول وعرض كل الأجهزة، بما يتناسب مع العرض الهزلي التاريخي لديكتاتورية البروليتاريا. إذا ما العمل؟ امسالم هو مجرد بروليتاري هبط بالمظلة وأصبح وزيرا، وهو ليس عبقري اشكنازي مثل لينور وتاوب، اللذان قاما بصياغة البيان البيبي للبروليتاريا الشرقية.

الغضب البروليتاري – الطائفي المبرر لا يتم استخدامه كوقود لتحريك تعديل مناسب وحيوي، بل هو يخدم برنامج انقلابي يوجد في مركزه تفكيك قواعد الأجهزة. وهذا بالضبط ما سيحدث عندما سيتم استكمال عملية التغيير: لن  تكون أجهزة تعمل وتكون مفتوحة امام الجميع، التي يترأسها اشخاص من خلفيات مختلفة، بل هياكل وجبهات أجهزة لا يمكنها العمل لأنه تم تحويلها الى أجهزة تخدم الانقلاب وليس الدولة. هل تريدون النظر الى كيف تبدو الدولة بدون شرطة؟ هاكم نبأ من الامس: الشرطة قامت بتقليص انفاذ القانون، وهناك المزيد من الإسرائيليين يقتلون في حوادث الطرق. دولة بدون وزارة تعليم؟ انظروا كيف هي إنجازات الطلاب في إسرائيل في مادة الرياضيات والعلوم، تتحطم.

في هذا الأسبوع أعطيت بريدي الالكتروني لموظف في أحد البنوك. وقد قال لي بجدية: “من حسن حظك أن بريدك الالكتروني وصل الي، البريد الالكتروني لصحيفة “هآرتس”، لأن أصدقائي كانوا سينظرون اليك وكأنك تعملين في منظمة معادية”. أحد زملائي في الصحيفة أعترف لي بأنه ذات يوم كان يتفاخر بأنه يعمل في “هآرتس”، في حين أنه الآن يتردد قبل أن يقدم نفسه كأحد العاملين في الصحيفة. في الحقيقة، امسالم أوضح في المقابلة بأنه يجب البدء في اعتقال مراسلي “هآرتس”.

المثال الواقعي الذي قدمته هذا الأسبوع يظهر أن الميدان أصبح ناضجا. المحاكمة الصورية لمعارضي النظام حول نشاطات الاحتجاج الغبية، بدأت. بعد ذلك، في قفص الاتهام ستجلس القيادة التي كانت في 7 أكتوبر – المستشارة القانونية للحكومة، مراسلو اليسار، “عوفداه”، “ارض رائعة”، قنوات الذعر والقضاة. كل من كان ذات يوم في النخبة يحتاج الى إعادة تثقيف الى أن يتعلم كيفية التساوق مع قيم الثورة البيبية.

-------------------------------------------

صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية 27/12/2024

 

السوريون غاضبون من التوغل الإسرائيلي.. ووقوع إصابات قد يغيّر المشهد

 

 

بقلم: أنات بيليد

 

مع انهيار النظام السوري، سيطر "الجيش" الإسرائيلي بسرعة على منطقة الحدود مع سوريا، وتحرّك لنزع سلاح القرى المجاورة لإنشاء منطقة عازلة أمنية. والآن، تقاوم بعض هذه القرى ما تخشى أن يصبح احتلالاً إسرائيلياً مطوّلاً.

صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية تنشر تقريراً للكاتبة أنات بيليد، تحدّثت فيه عن الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الحدودية في سوريا، والغضب لدى السوريين من التوغّلات الإسرائيلية، التي أفضت إلى تظاهرهم ووقوع إصابات منهم برصاص الاحتلال.

يعارض العديد من السوريين الوجود العسكري الإسرائيلي داخل قراهم وجهودها لنزع سلاحهم. ومع انهيار نظام الأسد هذا الشهر، سيطر "الجيش" الإسرائيلي بسرعة على منطقة الحدود مع سوريا، وتحرّك لنزع سلاح القرى المجاورة لإنشاء منطقة عازلة أمنية. والآن، تقاوم بعض هذه القرى ما تخشى أن يصبح احتلالاً إسرائيلياً مطوّلاً.

واندلعت الاحتجاجات في الأيام الأخيرة في بعض القرى السورية الجنوبية ضدّ الوجود العسكري الإسرائيلي. وأظهرت لقطات على الإنترنت حشوداً تحمل أعلام سوريا الحرّة، وهي ترمي الحجارة في 20 كانون الأول/ديسمبر، في اتجاه المركبات العسكرية الإسرائيلية في قرية المعريه الحدودية. كما ترفض بعض القرى تسليم أسلحتها للقوات الإسرائيلية، قائلة إنّها ستسلّمها فقط لقوات الحكومة السورية.

وأصيب شاب برصاصة في احتجاجات المعريه بينما حاول "الجيش" الإسرائيلي صدّ المتظاهرين. وقال الأشخاص الذين شاركوا في الاحتجاج إنّ القوات الإسرائيلية حذّرت المتظاهرين عبر مكبّرات الصوت من التراجع قبل فتح النار. وفي احتجاج آخر في قرية سويسة يوم الأربعاء، قال "الجيش" الإسرائيلي إنه أطلق طلقات تحذيرية تجاه المتظاهرين الغاضبين الذين اقتربوا منه، وهو الحادث الذي قال السكان المحليون إنه أدى إلى إصابة عدة أشخاص.

اشتكى سكان بعض القرى من أنّ حركتهم ووصولهم إلى السلع الأساسية مثل الغذاء والمياه والكهرباء قد تعطّلت بسبب الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة. واتهم البعض القوات الإسرائيلية بمنع المزارعين من الوصول إلى حقولهم. ووقّع رؤساء ثماني قرى في محافظة القنيطرة على بيان مشترك يطالب القوات الإسرائيلية بالتراجع.

وقال أيمن جواد التميمي، الخبير في الشؤون السورية وزميل منتدى الشرق الأوسط، وهو مركز أبحاث مقره فيلادلفيا، في إشارة إلى الوجود العسكري الإسرائيلي في الأراضي السورية: "إنه يولّد الخوف والانزعاج والغضب. وكلما طال أمد هذا، زاد الخوف من أن يتحوّل هذا إلى مواجهة مسلّحة".

لقد استولت "إسرائيل" على المنطقة العازلة، بما في ذلك قمّة جبلية استراتيجية، لبناء وسادة أكبر بين مواطنيها وأي قوة تنشأ في سوريا بعد الإطاحة ببشار الأسد من منصبه كرئيس في 8 كانون الأول/ديسمبر. لكنّ توغّلاتها في الأراضي السورية تخاطر بمواجهة مسلّحة في المنطقة، والتي قد تتحوّل إلى نقطة اشتعال مع حكّام سوريا المستقبليين. وقد أثارت تحرّكات "إسرائيل" بالفعل انتقادات من الأمم المتحدة والحكومات الأوروبية والعربية.

وبحسب سكان وصور على الإنترنت تمّ التحقّق منها من قبل "Storyful"، المملوكة لشركة "News Corp"، الشركة الأمّ لصحيفة "ذا وول ستريت جورنال"، فقد دخلت القوات الإسرائيلية عدة قرى على بعد ميل واحد تقريباً من المنطقة العازلة، واستولت على بعض المواقع السورية المهجورة وعبرت المناطق الريفية بناقلات الجنود والدبابات.

ويقول العديد من السكان الذين تابعوا عن كثب الحملات العسكرية الإسرائيلية في غزة ولبنان إنّهم لا يثقون في القوات التي يرونها في قراهم.

وقال ضرار البشير، محافظ القنيطرة السابق وأحد الموقّعين على البيان المشترك لثماني قرى حدودية والذي يدعو الإسرائيليين إلى الانسحاب من المنطقة، إنّه تمّ استدعاؤه إلى اجتماع مع "الجيش" الإسرائيلي في مرتفعات الجولان التي تسيطر عليها "إسرائيل"، حيث حاول المسؤولون العسكريون التفاوض على تسليم الأسلحة.

في الاجتماع، الذي قال البشير إنّه استمرّ عدّة ساعات، أشار إلى أنّ مسؤولاً عسكرياً إسرائيلياً أخبره أنّ "إسرائيل" تريد السلام مع سوريا. وقال البشير: "أخبرناه أنّ السلام لا يأتي بالقوة أو الغزو ولكن من خلال استعادة الحقوق وحسن الجوار والمصالح المتبادلة".

وقال البشير إنّ الجنود الإسرائيليين استولوا على الأراضي المرتفعة حول البلدات، وإنّ الحواجز الآن تعزل القرى، مما يجعل الحركة صعبة وأحياناً مستحيلة. وألحقت المركبات العسكرية الثقيلة أضراراً بالطرق والبنية التحتية في بعض المناطق، مما أدى إلى قطع الكهرباء والماء وخطوط الهاتف مؤقتاً. وأضاف البشير: "ظلت بعض القرى من دون مياه لمدة 10 أيام، حيث قطعت إسرائيل الإمدادات.. وهناك اشتباكات مستمرة بينهم وبين السكان المحليين".

كان زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع يجتمع مع دبلوماسيين من جميع أنحاء العالم في محاولته تحويل قوته القتالية إلى قوة حاكمة. ويبدو أنّ الشرع، الإرهابي الذي صنّفته الولايات المتحدة والذي تخلّى عن الاسم الحربي "أبو محمد الجولاني"، يتجنّب الاحتكاك مع "إسرائيل"، على الأقل في الوقت الحالي.

واستغرق الشرع أكثر من أسبوع لإدانة الهجمات الإسرائيلية على المنشآت العسكرية السورية ووجودها داخل سوريا. وقال للصحافيين هذا الشهر "لا يوجد مبرّر للإسرائيليين لقصف المنشآت السورية أو التقدّم داخل سوريا"، مضيفاً أنّه لا يرغب في خوض حرب ضد "إسرائيل". ويحذّر المحللون من أنّ الشرع قد يتعرّض لضغوط لتغيير آرائه إذا تدهور الوضع على الأرض.

وحذّر إيال زيسر، رئيس قسم تاريخ الشرق الأوسط المعاصر في جامعة "تل أبيب"، من أنّ التوترات قد تشتعل إذا أصيب مدنيون في أي حادث يتعلّق بالقوات الإسرائيلية. وقال: "في مرحلة معيّنة، ستدهس دبابة تابعة لنا الناس هناك عن طريق الخطأ. وسيصاب الناس بالانزعاج".

وقال إياد ناصر، عمّ الشاب البالغ من العمر 19 عاماً الذي أصيب برصاصة في احتجاج يوم الجمعة، ماهر حسين، إنّ ابن أخيه اضطر إلى الخضوع لثلاث عمليات جراحية باهظة التكلفة. وعلى الرغم من تفرّق الحشود بسرعة في أعقاب الحادث، إلا أنّ ذلك لم يهدّئ مخاوف القرويين.

وقال ناصر: "حتى الآن، لا تزال المركبات العسكرية تدخل وتخرج من المنطقة. يخشى الناس أن تتفاقم الأمور في مناطقهم".

------------------انتهت النشرة----------------

أضف تعليق