اسم مروان البرغوثي سيشغل الشرق الأوسط لزمن طويل
“المعلومات الإعلامية عن إمكانية تحرير مروان البرغوثي في صفقة مستقبلية ونفيه إلى تركيا ليست معروفة لنا”، يوضح قسام، ابنه، في حديث أول أمس من رام الله حيث يسكن. بعد أسبوع من عودته من قطر، هناك، كما علم، بحث أبناء العائلة مع كبار مسؤولي حماس في إدراج أبيه في الصفقة، يقول في الحديث: “نحن أكثر تفاؤلاً مقارنة بالماضي، وواضح أن الصفقة وحدها ستؤدي إلى تحرره من السجن. كعائلة، لا يهمنا إلى أين يتحرر، حتى ولو إلى كوالا لمبور، ولا حتى تهمنا المعاني السياسية للخطوة”.
كان رد الفعل من جانب “مسؤول إسرائيلي كبير” على التقارير الإعلامية سريعاً وقاطعاً: لا يوجد أي بحث في تحرير البرغوثي. مسألة تحرير البرغوثي بحثت لأكثر من عقدين في إسرائيل وتأكدت منذ 7 أكتوبر والانشغال بصفقة يتحرر فيها سجناء أمنيون. سمعت في الساحة السياسية والإعلامية لسنين أصوات ادعت بأن البرغوثي زعيم ذو تأثير جماهيري واسع. وعلى الرغم أنه كان مشاركاً في الانتفاضة الثانية في عمليات قتل فيها خمسة أشخاص حكم عليهم بخمسة مؤبدات و40 سنة، بقي مخلصاً للمفاوضات السياسية.
قائمة الداعين إلى تحريره منذ اعتقاله في 2002 ضمت ضمن آخرين بنيامين بن اليعيزر، وجدعون عيزرا، وأفرايم سنيه، وانضم إليهم مؤخراً عامي أيالون. بالمقابل، يعارض كثيرون تحريره، بمن فيهم من يدعون بأن الحديث يدور عن “عرفات صغير” أو عن “سنوار 2” – المتمسك برؤيا كفاحية، ومع تحريره سيواصل الكفاح العنيف.
البرغوثي رمز وطني ولغز. الزعيم ابن الـ 65 الذي ولد في قرية كوبر المجاورة لرام الله، يمثل جيلاً نما في المناطق في السبعينيات والثمانينيات، يتماثل مع الانتفاضة الأولى، ويقف كبديل متحدٍ لجيل المؤسسين بقيادة عرفات الذي جاء من تونس وسيطر على قيادة السلطة، في ظل دحر الشبان.
مر البرغوثي بعدة محطات ثبتت مكانته كزعيم، بينها المشاركة في تأسيس الشبيبة، منظمة الشباب والطلاب من حركة فتح؛ وإبعاده إلى الأردن في 1987، ونشاطه إلى جانب قيادة فتح التاريخية، مثل أبو جهاد وأبو إياد؛ والعودة إلى المناطق عقب اتفاق أوسلو وإقامة جسم قيادة فتح في الضفة الذي تحدى عرفات؛ وبالطبع العودة إلى الكفاح المسلح في العام 2000، حين منح المساعدة والتوجيه لكتائب شهداء الأقصى التابعة لفتح. مثل الكثيرين من أبناء الجيل الضائع إياه، البرغوثي يعرف إسرائيل جيداً، يتحدث العبرية، وعقد عدداً لا يحصى من اللقاءات مع إسرائيليين قبل الانتفاضة الثانية.
قبل مشعل بكثير
أما اللغز فهو على الرغم من غياب البرغوثي عن الميدان لأكثر من عقدين (نحو ثلث حياته) لا يزال هو المرشح الأكثر شعبية لقيادة الساحة الفلسطينية. لأكثر من عقد، تظهر استطلاعات الرأي العام في “المناطق” أنه يهزم كل منافس في أي سيناريو انتخابات، بما في ذلك ممثلو حماس. هكذا تبين من استطلاع نشره هذا الأسبوع معهد “أوراد” الذي يعمل في رام الله، بأن 54 في المئة من الفلسطينيين سيؤيدون البرغوثي في الانتخابات للرئاسة مقابل 10 في المئة فقط يؤيدون خالد مشعل (التأييد لإسماعيل هنية ويحيى السنوار اللذين صفيا كان أعلى بكثير، لكنهما لم يتفوقا على البرغوثي في الاستطلاعات).
حسب فلسطينيين كثيرين، يعجب الناس بالبرغوثي الرمز رغم أنهم لا يعرفون مروان الإنسان. عموم الجمهور، وبخاصة الشبان الذين ولدوا بعد سجنه، يرون فيه تجسيداً للمثل الوطنية، وعلى رأسها المقاومة والصمود والتضحية.
“القائد مروان هو الزعيم الوحيد الذي يمكنه إعادة تشكيل الساحة الفلسطينية المنقسمة، ويرمم “فتح” من الدرك الذي هي فيه، والتي منذ إقامة السلطة اندمجت مع الحكم، وفقدت هويتها الخاصة وتعفنت. البرغوثي قادر على التحكم بالقيادات الميدانية التي نما منها، لكنه بالتوازي يدير أيضاً استراتيجية سياسية مركبة. كونه من الوسط القروي، يفهم لغة الشعب واحتياجاته. وحتى من السجن يهتم بمشاكل الفلسطينيين البسطاء وليس فقط بالمسائل الكبرى”، هكذا يشرح أحمد غنيم (أبو ضمير)، من قادة معسكر المؤيدين للبرغوثي ومن سكان شرقي القدس.
“إسرائيل هي الأخرى تفهم تأثيره الواسع وتحاول اغتياله من خلال إساءة ظروف اعتقاله منذ 7 أكتوبر، من خلال العزل الطويل وممارسة العنف”، يشرح قدورة فارس، رئيس نادي الأسير الفلسطيني، الذي يعتبر هو أيضاً من الموالين للبرغوثي. أما مصلحة السجون فنفت الادعاءات نفياً باتاً.
زوجة البرغوثي، فدوى، بذلت جهداً خاصاً من تحويله من رمز وطني إلى أيقونة عالمية، في ظل موازاته بنلسون مانديلا. في العقد الأخير، تخوض حملة لممارسة ضغط دولي على إسرائيل لتحريره، أدت إلى تسمية شارع على اسمه في المدينة الفرنسية فالتون، ومنحه لقب مواطن شرف في 15 مدينة أوروبية أخرى، ورفع ترشيحه لجائزة نوبل للسلام، الخطوة التي لأجلها جند الحاصل على الجائزة الأرجنتيني ادلفو برس اسكيفان. “نجحنا في تثبيت مكانة البرغوثي كأيقونة تمثل الكفاح من أجل الحرية”، أعلنت فدوى في خطاب ألقته في أيار في الجامعة الأمريكية في القاهرة.
أضف تعليق