اللاجئون في تجمع الشبريحا في لبنان يعانون من تداعيات الحرب "الإسرائيلية"
مع انتهاء الحرب "الإسرائيلية" على لبنان، بدأت تتكشف فصولاً جديدة من معاناة اللاجئين الفلسطينيين في منطقة صور، خاصة في تجمع الشبريحا شمال مدينة صور، الذي تعرض للقصف "الإسرائيلي" خلال الحرب، ما أسفر عن استشهاد لاجئة فلسطينية وتدمير منازل عدة، بينها منزل شما محمود كندي (أم حسين)، التي أصبحت رمزاً لمعاناة اللاجئين في هذا التجمع المهمّش.
أُنشئ تجمع الشبريحا في عام 1952، على أرض تعود ملكيتها لبلدية العباسية في منطقة صور، ويضم التجمع نحو 450 عائلة فلسطينية تنحدر أصولهم من صفد، حطين، الحولة، وغيرها من قرى شمال فلسطين المحتلة.
ويتشارك سكانه الحياة مع عدد من العائلات اللبنانية، إذ يدفعون معاً ثلاثمئة ألف ليرة شهرياً كرسوم لتشغيل بئر المياه وجمع النفايات، بحسب مسؤول اللجنة الشعبية في التجمع علي محمود عبد الرحمن.
ورغم وجود عيادة صحية تابعة لوكالة "أونروا"، التي تفتح أبوابها ليومين أسبوعياً، إلا أن الوكالة لا تعترف بالتجمع كأحد المخيمات الرسمية، ما يحرم سكانه من الحصول على الخدمات التي تقدمها الوكالة للمخيمات الفلسطينية الأخرى، ما يجعل معاناتهم مضاعفة في أوقات السلم والحرب على حد سواء.
شما محمود كندي (أم حسين)، لاجئة فلسطينية في عقدها الخامس، تعود أصولها إلى قرية البصة شمال عكا، وتعيش مع زوجها المصاب بشلل نصفي وابنيها، أحدهما يعاني حساسية الربو المزمن، وقد تدمر منزلها بالكامل خلال القصف "الإسرائيلي" لمسجد محاذٍ لمنزلها.
ومع غياب مصدر دخل، أصبحت أم حسين المعيل الوحيد لأسرتها، إذ تعيش ظروفاً قاسية بين الفقر والمرض، فيما نزحت أم حسين مع أسرتها إلى مخيم نهر البارد شمالًا، حيث مراكز الإيواء المؤقتة. تقول بحسرة: "رغم مرارة الخروج من المنزل لما له من قيمة غالية وذكريات جميلة، إلا أن النزوح خلال الحرب كان الخيار الأفضل للمحافظة على حياتنا".
حال أم حسين لا يختلف كثيراً عن هند صادق، اللاجئة الفلسطينية التي تنحدر من قرية دير القاسي، والتي نزحت مع والدتها المسنّة إلى مدينة صيدا هرباً من القصف وأصوات الطائرات الحربية، لتوفير رعاية آمنة لوالدتها التي تعاني من متاعب الشيخوخة.
أما محمد صادق، الحاج الثمانيني الذي عاش مرارة اللجوء وأثقال الحياة، فقد اضطر إلى النزوح إلى بيروت مع زوجته المريضة وابنته التي ترعاهما. يقول محمد: "لم يعد في العمر أكثر مما مضى. نزحنا بعد القصف الأول للتجمع، واستقبلتنا إحدى بناتي المتزوجات في منطقة الدبية ببيروت".
الشباب في تجمع الشبريحا لم يكونوا بمنأى عن المعاناة. بلال، حسين، وزكريا، هم أمثلة على معاناة الشباب الذين فقدوا مصادر رزقهم الوحيدة، واضطروا للنزوح مع عائلاتهم بحثًا عن الأمان.
ورغم صعوبة النزوح، تمكن بعض أهالي التجمع من استئجار شقق سكنية في المدن الآمنة مثل صيدا، بيروت، وطرابلس، بينما لجأ آخرون إلى مراكز الإيواء.
اللافت أن العديد من أبناء التجمع يعملون في دول الاغتراب، ما يخفف بعض الأعباء عن ذويهم مقارنة بالعائلات التي لا تمتلك مثل هذا الدعم.
بينما يعيش أهالي الشبريحا أوضاعاً معيشية صعبة، يشكو السكان من غياب الدعم الكافي من وكالة "الأونروا" والمؤسسات الإنسانية، ويصف علي محمود عبد الرحمن، مسؤول اللجنة الشعبية في التجمع، الوضع بقوله: "لا تقدم الأونروا للتجمع الخدمات كما تقدمها للمخيمات الرسمية، ما يترك السكان في مواجهة أعباء النزوح والحياة القاسية بمفردهم".
تجمع الشبريحا، الذي وُلد من رحم النكبة، يواجه اليوم محنة جديدة تحت وطأة الحروب والنزوح. ومع قصص النزوح المؤلمة التي تركت جروحاً غائرة في ذاكرة السكان، تبقى الحاجة إلى تكاتف الجهود المحلية والدولية لتقديم الدعم اللازم للتجمع وأهله، خاصة في ظل التهميش المستمر وغياب الاعتراف الرسمي بخدمات "أونروا".
أضف تعليق