تصاعدت الأصوات على الساحة الدولية التي تتهم إسرائيل بارتكاب جريمة التطهير العرقي في غزة، في الوقت الذي تتواصل فيه أوساط الحكومة الإسرائيلية لـ"تهجير" الفلسطينيين في القطاع، وخفض عددهم إلى النصف.
وأصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً أكدت فيه أن إسرائيل لديها نية تدمير الفلسطينيين، وتوصلت إلى استنتاج بأن تل أبيب ارتكبت بالفعل جريمة الإبادة الجماعية في القطاع.
فيما جمع المؤرخ الإسرائيلي لي موردخاي قاعدة بيانات ضخمة وثّق من خلالها جريمة الاحتلال بارتكاب "التطهير العرقي" ضد الفلسطينيين في غزة بحجج واهية.
يأتي ذلك في الوقت الذي أثار فيه وزير الجيش الإسرائيلي الأسبق موشيه يعالون عاصفة في دولة الاحتلال عندما اتهم دولته بممارسة التطهير العرقي ضد الفلسطينيين.
وأكد يعالون أن التطهير العرقي في غزة لا يشمل القتل الجماعي فقط، بل أيضاً طرد السكان من المنازل وهدمها، وإعداد نواة استيطانية.
وفي الآونة الأخيرة، دعا وزراء اليمين المتطرف إلى خفض عدد الفلسطينيين في قطاع غزة إلى النصف من خلال تشجيع الهجرة الطوعية.
وقال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش: "إن تشجيع الهجرة الطوعية هو احتمال آخذ في الانفتاح، ومن الممكن خلق وضع حيث سيكون في غزة خلال عامين أقل من نصف سكانها الفلسطينيين، مع السيطرة الكاملة من قبل دولة إسرائيل".
من جهته، قال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إنه يعمل جاهداً مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتعزيز تشجيع الهجرة من غزة، مضيفاً: "بدأت أكتشف انفتاحاً معيناً منه بذلك".
ومنذ بداية الحرب على غزة، تذرع الاحتلال بأنه يسعى إلى "القضاء على حماس واستعادة الأسرى الإسرائيليين"، عقب هجوم "طوفان الأقصى" الذي نفذته الحركة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ولكن سلوكه على الأرض يشير إلى أن هدفه هو استكمال عملية التطهير العرقي التي ينتهجها ضد الفلسطينيين منذ عام 1948.
حيث مارس الاحتلال أعنف أشكال التطهير العرقي وما زال حتى يومنا هذا، وهو ما نتج عنه تشريد قرابة نصف مجموع الشعب الفلسطيني الذين تشتتوا في مخيمات اللجوء وشتى بقاع الأرض.
مراحل التطهير العرقي في غزة
والتطهير العرقي الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين يبرز من حيث استخدام العنف العسكري والبيروقراطي الممنهج من أجل تقليص نسبتهم قدر المستطاع داخل الأراضي الفلسطينية.
وخلال الحرب الإسرائيلية على غزة، فإن سياسة التطهير العرقي تتكون من ثلاث مراحل:
إخلاء السكان من أراضيهم عن طريق القتل الجماعي والتهجير القسري.
محو كل ما يثبت الوجود الجسدي والتاريخي والثقافي للشعب الفلسطيني.
ضمان عدم عودة الفلسطينيين إلى المنطقة التي هُجروا منها عنوة.
ومن أبرز مظاهر التطهير العرقي التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة:
الإبادة الجماعية.
التهجير.
محو الأماكن الخدماتية والأثرية والثقافية للفلسطينيين.
نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين.
الإبادة الجماعية
أولا: القتل المباشر
يشير المصطلح القانوني "الإبادة الجماعية" إلى الأفعال التي تُرتكب بقصد الإهلاك الكلي أو الجزئي لمجموعة قومية أو عرقية أو طائفية أو دينية.
وتُعتبر الإبادة الجماعية جريمة دولية، وفقاً لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (1948). تنقسم الأفعال التي تُشكّل إبادة جماعية إلى خمس فئات:
قتل أفراد المجموعة.
التسبب في وقوع أذى جسدي أو عقلي خطير لأفراد المجموعة.
إخضاع ظروف معيشية للمجموعة عمداً يُراد بها تدميرها مادياً كلياً أو جزئياً.
فرض إجراءات تهدف إلى منع التناسل ضمن المجموعة.
نقل أطفال الجماعة بالقوة إلى جماعة أخرى.
واستعانت منظمة العفو الدولية في تقييم القصد الكامن وراء الغارات الإسرائيلية في غزة بالعوامل التالية:
النطاق الكامل للحملة الإسرائيلية.
ضراوة الحملة الإسرائيلية ومدتها.
ويختلف تعريف "الإبادة الجماعية" عن التطهير العرقي لدى بعض القانونيين، الذين يشرحون بأن الهدف الأساسي للإبادة الجماعية هو تدمير مجموعة عرقية أو عنصرية أو دينية، أما التطهير العرقي فهو إنشاء مجتمع عرقي صافٍ.
ولكن في الحالة الفلسطينية ووفقاً لتصريحات المسؤولين الإسرائيليين، فإن ما يجري في قطاع غزة هو إبادة مجتمع وإحلال آخر من خلال التأكيد على بناء المستوطنات في القطاع.
وأسفرت عشرات الآلاف من الغارات الجوية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة عن سقوط أعداد غير مسبوقة من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، ومن بين القتلى البالغ عددهم 40,717 الذين أحصتهم وزارة الصحة بالقطاع وحددت هوياتهم، فإن الأطفال والنساء وكبار السن يشكلون ما يقرب من 60%، أما الـ40% الباقون فهم رجال دون الـ60 من العمر.
بحسب بيانات مكتب الإعلام الحكومي بغزة، فإن الاحتلال ارتكب 9,867 مجزرة، 7,160 منها كانت ضد العائلات الفلسطينية.
وتشير البيانات إلى أن 1,410 عائلات فلسطينية أبادها الاحتلال ومسحها من السجل المدني، بقتل الأب والأم وجميع أفراد الأسرة.
كما تذكر البيانات أن 3,463 عائلة فلسطينية أبادها الاحتلال ولم يبقَ منها سوى فرد واحد.
وفي عدة حالات، أظهر تحليل لمنظمة العفو الدولية لشظايا الأسلحة المستخدمة، أن إسرائيل استخدمت قنابل كبيرة الحجم، مثل "ذخائر الهجوم المباشر المشترك" (جدام) أمريكية الصنع ضد الفلسطينيين.
وحتى في الحالات التي استهدفت فيها القوات الإسرائيلية ما يمكن اعتباره أهدافاً عسكرية، فإن استخدامها أسلحة متفجرة تمتد آثارها لمساحة واسعة في هجماتها، وخصوصاً القصف الجوي بقنابل تتراوح زنتها بين 900 – 110 كيلوغرام، على مبانٍ سكنية وبالقرب من المستشفيات، يشكل على الأرجح هجمات عشوائية أو غير متناسبة أو كليهما.
وخلصت منظمة العفو الدولية إلى أن الهجمات المباشرة أو العشوائية التي نفذتها إسرائيل تشكل أفعالاً من قبيل "قتل أعضاء من الجماعة"، وإلحاق أذى بدني أو نفسي خطير بأعضاء من الجماعة، وهو ما تحظره المادتان 2 (أ) و2 (ب) من اتفاقية منع الإبادة الجماعية، حيث إن هذه الغارات تسببت في إيقاع قتلى وجرحى في صفوف المدنيين الفلسطينيين بصورة متعمدة وغير مشروعة.
المؤرخ الإسرائيلي لي موردخاي، الذي جمع توثيقاً شاملاً في تقرير من 100 صفحة، أشار إلى أن الأسباب التي دفعته إلى تعريف تصرفات إسرائيل في الحرب بأنها إبادة جماعية هي:
إبعاد سكان غزة وشمالها.
جعل أجزاء كبيرة من القطاع غير صالحة للسكان.
قتل سكان غزة من خلال العنف المباشر، أو التجويع، أو منع المساعدات والدعم.
وقال: "لقد أحدثت إسرائيل المجاعة في غزة كسياسة فعلية واستخدمتها كسلاح حرب، مما أدى إلى وفاة عشرات المدنيين (معظمهم من الأطفال) بسبب الجوع".
ثانياً: اتخاذ إجراءات تتسبب بقتل المدنيين
يذكر المؤرخ الإسرائيلي أن إسرائيل اتخذت إجراءات تتسبب بقتل المدنيين الفلسطينيين، من خلال:
فرض حصار خانق على السكان الفلسطينيين في غزة منذ بداية الحرب.
تدمير البنية التحتية، لا سيما تلك المخصصة لإنتاج الغذاء في غزة (الأراضي الزراعية، الحقول الزراعية، قوارب الصيد، المخابز، وغيرها).
وفي يونيو/حزيران 2024، وجد مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية أن قرابة 63% من حقول المحاصيل الدائمة والأراضي الصالحة للزراعة في قطاع غزة بدت عليها مظاهر التردي البالغ في جودة محاصيلها وكثافتها.
وعزت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو" هذا الدمار الواسع النطاق إلى "التجريف، وحركة المركبات الثقيلة، والنسف والقصف".
وزعمت إسرائيل أن هذا التدمير كان ضرورياً، متهمة حماس بوضع راجمات الصواريخ وفتحات الأنفاق في مناطق زراعية. لكنها نفذت التدمير الواسع النطاق للممتلكات والأراضي الزراعية بعد أن بسطت سيطرتها العملياتية على هذه المناطق، ما يعني أن التدمير لم ينشأ عن الأعمال القتالية بين الجيش الإسرائيلي وحماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة، ومن الواضح أنه لا تبرره أي ضرورة عسكرية ملحة، بحسب منظمة العفو الدولية.
تدمير البنية التحتية الأساسية للمياه (الآبار، الخزانات، محطات تحلية المياه):
وبحسب إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2024، فإن الاحتلال الإسرائيلي دمّر 7,717 بئر مياه وأخرجها عن الخدمة.
في قطاع المساعدات والاحتياجات الأساسية الضرورية:
لم يسمح الاحتلال إلا بدخول عدد قليل جداً من الشاحنات المحملة بالاحتياجات الإنسانية الضرورية.
عرقلة دخول الشاحنات من خلال خلق مشاكل متعددة أو شن هجمات من الجيش الإسرائيلي عليها.
عرقلة وصول الشاحنات إلى شمال قطاع غزة.
وعلى سبيل المثال، اشترطت إسرائيل قبل السيطرة على معبر رفح، إدخال شاحنات المساعدات إلى غزة وهي نصف ممتلئة، وطالبت بالفصل التام بين سائقي الشاحنات المصريين (الذين يعبرون القطاع ثم يفرغون حمولتهم ويغادرون) وسائقي الشاحنات الفلسطينيين (الذين ينتظرون مغادرة المصريين، ويأتون بشاحنات ويحملونها ويسلمون المساعدات إلى مستودعات الأمم المتحدة).
وبحسب تحليل ذكره المؤرخ الإسرائيلي، فإن إسرائيل شنت ما لا يقل عن 80 هجوماً منفصلاً على المساعدات في غزة بين يناير/كانون الثاني 2024 ومنتصف مايو/أيار 2024.
كما تشير البيانات إلى أن ما لا يقل عن 37 هجوماً شنه الجيش الإسرائيلي على المدنيين أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات.
وتذكر استطلاعات الرأي في إسرائيل أن حوالي 60% من اليهود يعارضون المساعدات الإنسانية المقدمة إلى غزة، وهو معدل ثابت منذ بداية الحرب، كما يذكر المؤرخ الإسرائيلي.
وقد قام النشطاء اليهود بإغلاق مدخل المساعدات إلى غزة بالكامل في عدة مناسبات في الأشهر الأخيرة.
كما سجل جنود في الجيش الإسرائيلي أنفسهم في مقاطع فيديو وهم يدمرون ويحرقون مستودعات الأغذية في غزة.
وكشف تحقيق لصحيفة الغارديان أن الجنود والشرطة الإسرائيلية يبلغون الجماعات المتطرفة بتوقيت ومسار الشاحنات القادمة إلى غزة.
وتفاخر نائب رئيس الكنيست بأنه منع شاحنات المساعدات بسيارته الخاصة. وفي منتصف يونيو/حزيران 2024، ذكر رئيس الشرطة أنه حاول إلغاء مرافقة العناصر للشاحنات.
ثالثاً: تفكيك المنظومة الصحية
فككت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة النظام الصحي، ونتيجة لذلك، يموت مزيد من الناس بسبب حالات قابلة للعلاج وإجراءات طبية صعبة مثل البتر والولادة القيصرية التي يتم إجراؤها بدون تخدير.
ويشير المؤرخ الإسرائيلي إلى أن "الوفيات الإجمالية في غزة غير معروفة، ولكنها بالتأكيد أعلى بكثير من حصيلة القتلى الرسمية".
وبحسب بيانات المكتب الإعلامي الحكومي، فإن الاحتلال أخرج 34 مستشفىً و80 مركزاً صحياً و162 مؤسسة صحية و134 سيارة إسعاف عن الخدمة.
وأصبح نحو 3,500 طفل معرضاً للموت بسبب سوء التغذية. كما أن 12,650 جريحاً بحاجة إلى العلاج بالخارج، في ظل شح الأدوية وإغلاق المعابر.
كما أن عدد المصابين بالسرطان والذين بحاجة للعلاج اللازم بلغ نحو 12,500 مريض، ناهيك عن وصول عدد المصابين بأمراض مزمنة إلى 350,000 مريض.
إلى ذلك، نجم عن تدمير البنية التحتية في القطاع إصابة نحو 71,338 شخصاً بالتهاب الكبد الوبائي، ونحو جميع سكان القطاع بحالات إصابات معدية.
التهجير القسري
أصدر الاحتلال الإسرائيلي حتى 30 سبتمبر/أيلول 2024 ما لا يقل عن 59 أمر إخلاء منفصلاً للمدنيين الفلسطينيين في مختلف أنحاء قطاع غزة، منفذاً بذلك أكبر موجة تهجير قسري للفلسطينيين منذ عام 1948، بحسب منظمة العفو الدولية.
وحشرت أوامر الإخلاء تلك المدنيين في جيوب آخذة في التقلص وسط وجنوب قطاع غزة، في منطقة تفتقر إلى أبسط المقومات الضرورية للحفاظ على أرواح المدنيين.
ومع اتساع نطاق المواقع التي تستهدفها أوامر "الإخلاء"، لم يعد المهجرون يجدون أرضاً ينصبون فيها خيامهم، ولم يجد بعضهم مناصاً من افتراش الأرض بجوار مكبات النفايات الصلبة أو بالقرب من أنابيب الصرف الصحي.
طوال تلك الفترة، امتنعت إسرائيل عن الوفاء بالتزاماتها بصفتها سلطة احتلال بضمان سلامة وصحة الفلسطينيين المهجرين، بما في ذلك تيسير سبل الحصول على احتياجاتهم الأساسية، مثل المأوى الآمن واللائق وما يكفي من الغذاء والماء والدواء ومرافق الصرف الصحي المناسبة، في المناطق التي هُجروا إليها.
وتسببت أوامر الإخلاء المتكررة في إخضاع الفلسطينيين في القطاع عمداً لظروف معيشية يُراد بها تدميرهم.
وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، فإن إسرائيل هجّرت نحو 1.9 مليون فلسطيني قسراً، أي نحو 90% من سكان القطاع، مرة واحدة على الأقل.
وكثير منهم هُجروا مرات عدة، وصلت إلى عشرات المرات في بعض الحالات. وبحلول نهاية أغسطس/آب 2024، كانت 84% من مساحة القطاع قد خضعت لأوامر الإخلاء.
وحتى كتابة التقرير، لم يُسمح للفلسطينيين الذين هُجروا من منطقة شمال وادي غزة إلى جنوبها بالعودة إلى ديارهم.
تدمير جميع المعالم الثقافية والأثرية والاجتماعية
بينما لا يُعد تدمير الممتلكات أو التراث التاريخي والثقافي والديني من الأفعال التي تحظرها اتفاقية منع الإبادة الجماعية، فقد أقرت محكمة العدل الدولية بأن مثل هذا التدمير يمكن أن يقدم دليلاً على قصد التدمير المادي للجماعة إذا نُفذ على نحو متعمد.
وقام الاحتلال بتدمير شامل لأهداف ليس لها قيمة عسكرية، مثل الأرشيفات والمكتبات والجامعات والمساجد والمواقع التراثية.
ووفقاً للإعلام الحكومي بغزة، فإن الاحتلال دمّر:
132 مدرسة وجامعة.
أعدم 144 عالماً وأكاديمياً وأستاذاً جامعياً وباحثاً.
أكثر من 819 مسجداً تدميراً كلياً، و153 دمرها بشكل بليغ.
3 كنائس مسيحية، و19 مقبرة.
وتشير الإحصائيات إلى أن الاحتلال الإسرائيلي دمّر 206 مواقع أثرية وتراثية في قطاع غزة، وكان للكثير منها أهمية كبيرة بالنسبة للهوية الوطنية الفلسطينية والذاكرة الجمعية والنسيج الاجتماعي.
ووفقاً للقانون الدولي الإنساني، يجب على إسرائيل الامتناع عن شن هجمات على المواقع ذات الأهمية الكبيرة للتراث الثقافي ما لم تتوفر ضرورة عسكرية تقتضي ذلك.
ولكن بحسب تحليل لمنظمة العفو الدولية، ومن خلال مقاطع فيديو نشرها الجنود الإسرائيليون على الإنترنت، تبين أنه لم تكن ثمة ضرورة عسكرية حتمية لتدمير معظم المعالم الأثرية.
وأكدت منظمة العفو الدولية أن تدمير المواقع الثقافية والدينية الفلسطينية كان في حد ذاته الهدف الذي ابتغاه الجنود الإسرائيليون من وراء أفعالهم.
خطاب إسرائيلي ينزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين
تركز الخطاب الإسرائيلي على نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين إلى الحد "الذي جعل الغالبية العظمى من اليهود الإسرائيليين يؤيدون التدابير ضد الفلسطينيين"، بحسب المؤرخ الإسرائيلي موردخاي.
وقاد أعلى المسؤولين الإسرائيليين، وفقاً لموردخاي، حملة نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين، ولا يزال هذا الخطاب مدعوماً من "الدولة والجيش".
وأصبح نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين منتشراً على نطاق واسع في المجتمع المدني الأوسع. ويقول موردخاي: "إن التحدث عن الفلسطينيين بلغة إبادة جماعية أمر مشروع في الخطاب الإسرائيلي".
ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الصراع بأنه "بين أبناء النور وأبناء الظلام، وبين الإنسانية وقانون الغاب"، وفي تصريحات أخرى قال إن "هذه الحرب هي حرب الحضارة ضد البربرية".
كما استخدم اقتباسات من التوراة لتحريض الجيش الإسرائيلي على الفلسطينيين في قطاع غزة. وفي رسالة خاطب فيها جنوده قال: "اذكر ما فعله بك العماليق".
وهذه فقرة من سفر التثنية نصها: "اذكر ما فعله بك عماليق في الطريق عند خروجك من مصر".
ويمثل العماليق ذروة الشر في التقاليد اليهودية، ويُستخدم هذا التعبير للإشارة إلى الشعوب التي تهدد الوجود اليهودي.
كما صرّح الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ بأن إسرائيل لا تميز بين المسلحين والمدنيين، وكتب بنفسه رسالة على قذيفة مدفعية ليتم إطلاقها على غزة. فيما وصف وزير الجيش المقال يوآف غالانت الفلسطينيين في غزة بأنهم "حيوانات بشرية".
قام الجيش الإسرائيلي بتفعيل قناة على "التليغرام" للدعاية للجمهور الإسرائيلي، بمقاطع فيديو وصور تصور عمليات القتل والجثث في غزة، واستخدام لغة صريحة قارنت الفلسطينيين بالصراصير والجرذان.
كما أحضرت قيادة الجيش الإسرائيلي حاخامات بالزي الرسمي للتحدث إلى الجنود، وذكر أحدهم أنه يجب تدمير جميع سكان غزة وإطلاق النار عليهم.
وكثيراً ما كرر آخرون، من بينهم الجنود في قطاع غزة، اللغة التي استخدمها المسؤولون الإسرائيليون، مما يوضح السبب وراء سلوكهم. ويتجلى هذا في التحليل الذي أجرته منظمة العفو الدولية لـ62 مقطع فيديو وتسجيلات صوتية منشورة على الإنترنت.
إذ يظهر الجنود الإسرائيليون وهم يطالبون بتدمير قطاع غزة أو حرمان سكانه من الخدمات الأساسية، أو يحتفلون ويهللون لتدمير المنازل والمساجد والمدارس والجامعات الفلسطينية، بما في ذلك من خلال عمليات النسف، بدون ضرورة عسكرية واضحة في بعض الحالات.
ومن أبرز المشاهد التي قام بها الجنود في غزة:
إطلاق النار على مدنيين يحملون الأعلام البيضاء.
التنكيل بالأسرى والجثث.
إحراق المنازل وتدمير المؤسسات المختلفة، بما فيها الدينية.
حرق الكتب داخل المكتبات، وحرق المصاحف داخل المساجد.
تحويل المساجد إلى أماكن لتناول الطعام.
نهب الممتلكات الشخصية.
إطلاق النار العشوائي حتى على الحيوانات.
وفي الشهر الأول من الحرب، تم رصد نحو 18 ألف دعوة لتسوية غزة أو محوها وتدميرها على حسابات النشطاء الإسرائيليين على منصة (إكس).
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وقع 90 طبيباً إسرائيلياً على رسالة تدعو إلى قصف المستشفيات في غزة.
ويقول المؤرخ موردخاي إن نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالزيادة الحادة في النزعة العسكرية الإسرائيلية. وأصبح من الشائع للغاية أن يقوم الجنود والاحتياطيون أثناء الحرب بتحميل محتوى مرتبط بالحرب على حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
وتتقاطع الأدلة التي عرضها المؤرخ الإسرائيلي مع تقرير منظمة العفو الدولية، وجميعها كافية لاستنتاج أن إسرائيل ترتكب بالفعل تطهيراً عرقياً ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وتقوم بأفعال تحظرها اتفاقية منع الإبادة الجماعية.
أضف تعليق