قدّم خمسة فلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة، شكوى تنظيمية رسمية في ألمانيا ضد شركة الإعلام الألمانية العملاقة أكسل شبرينغر، بتهمة المساهمة في انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين. تتركز الشكوى حول نشاط منصة الإعلانات الإسرائيلية "ياد2" Yad2، التي تملكها "أكسل شبرينغر"، وتدعم المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة من خلال إعلانات بيع وتأجير العقارات والمشاريع الجديدة.
ياد2 ودورها في تعزيز الاستيطان
توفر منصة ياد2 خدمة استضافة الإعلانات العقارية مقابل رسوم، بما في ذلك الإعلانات المتعلقة بالمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية بموجب القانون الدولي. ويقول الفلسطينيون إن "ياد2" تساهم بشكل مباشر في توسيع هذه المستوطنات، التي تشكل انتهاكًا لحقوقهم، حيث تستولي على أراضيهم وتدفعهم خارج ممتلكاتهم. وقد أشار الفلسطينيون في الشكوى إلى أن هذه الأنشطة تغذي عمليات الاستيلاء على الأراضي التي تنتهك حقوق الإنسان، ما يخالف القوانين الدولية.
القانون الألماني وسلاسل التوريد
تعتمد الشكوى على قانون "العناية الواجبة في سلاسل التوريد" (Supply Chain Due Diligence Act) الذي أقرته ألمانيا العام الماضي، وهو قانون يفرض على الشركات الألمانية التأكد من أن أنشطتها وسلاسل التوريد التابعة لها لا تساهم في انتهاكات حقوق الإنسان، سواء كانت تلك الأنشطة داخل ألمانيا أو في الخارج. وفي هذه الحالة، يتهم الفلسطينيون شركة أكسل شبرينغر بالتورط في دعم أنشطة الاستيطان من خلال منصة ياد2، ما يمثل انتهاكًا مباشرًا للقانون.
تقول المستشارة القانونية في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان في برلين، أنابيل بروغمان لموقع ذي إنترسبت: "إن المشاركة في سرقة الأراضي والإخلاءات غير القانونية للفلسطينيين في الضفة الغربية يعد انتهاكًا واضحًا لقانون العناية الواجبة في سلاسل التوريد". وأضافت: "على أكسل شبرينغر ضمان عدم مساهمتها في استمرار هذه الانتهاكات من خلال أنشطتها التجارية".
المطالب والإجراءات المتوقعة
يطالب الفلسطينيون بإجراءات فورية من "المكتب الاتحادي للشؤون الاقتصادية ومراقبة الصادرات" (BAFA)، الهيئة المنظمة المسؤولة عن مراقبة التزام الشركات الألمانية بالقوانين التجارية. ويطالب المشتكون بفرض غرامات على "أكسل شبرينغر" قد تصل إلى 2 % من إيراداتها السنوية، والتي تتجاوز قيمتها ملايين اليوروهات، بالإضافة إلى تعليق جميع الإعلانات المرتبطة بالمستوطنات الإسرائيلية على "ياد2".
يقول المحامي روبرت غرابوش، أحد المحامين الداعمين للمدعين في القضية: "إذا تحركت الجهة التنظيمية الألمانية بسرعة، يمكن إزالة الإعلانات غير القانونية خلال أيام قليلة". وأضاف أن إثبات التأثير القوي لـ "أكسل شبرينغر" على شركة "يد2" التابعة لها يمكن أن يؤدي إلى إجبار الجهة التنظيمية الألمانية على إزالة الإعلانات المخالفة.
الصراع القانوني الدولي
تمثل هذه القضية جزءًا من التحرك الدولي المتزايد لمحاسبة الشركات التي تساهم في دعم الأنشطة الإسرائيلية غير القانونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتستند الشكوى إلى الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية في يوليو/تموز 2024، الذي أكد ضرورة منع الدول من دعم الأنشطة التي تعزز الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني.
تأتي هذه الشكوى في وقت تتزايد فيه حدة الصراع والعنف في الضفة الغربية، حيث شهدت المنطقة أكثر من 1400 هجوم نفذه المستوطنون الإسرائيليون منذ أكتوبر 2023، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة. وقد ساهمت الدعوات العلنية التي أطلقها وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش لضم الضفة الغربية في زيادة الجرأة لدى المستوطنين لتنفيذ المزيد من الهجمات والاستيلاء على الأراضي.
تُعد "أكسل شبرينغر" واحدة من أكبر الشركات الإعلامية في أوروبا، حيث تمتلك العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية الشهيرة، بما في ذلك "بوليتيكو" و"بيزنس إنسايدر" في الولايات المتحدة، و"بيلد"، أكبر صحيفة في ألمانيا. كما تمتلك الشركة تطبيق "أبداي"، أكبر تطبيق لتجميع الأخبار في أوروبا. وتعتبر "أكسل شبرينغر" دعم إسرائيل جزءًا من سياستها الأساسية، التي تلزم جميع الشركات التابعة والموظفين بالالتزام بها. وفصلت الشركة موظفًا لبنانيًّا في أكتوبر 2023 بسبب انتقاده لسياسات الشركة المؤيدة لإسرائيل.
وتُواجه الشركة انتقادات متزايدة لدورها في تشكيل الخطاب الألماني حول الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. وتعرضت صحيفة "بيلد" لاتهامات بالتحيز ضد الفلسطينيين، بينما أفادت تقارير بأن إدارة تطبيق "أبداي" أصدرت توجيهات خلال الحرب على غزة تُعطي الأولوية لتغطية الخسائر الإسرائيلية على حساب الخسائر الفلسطينية.
أضف تعليق