27 كانون الأول 2024 الساعة 00:44

الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الثلاثاء 19/11/2024 العدد 1160

2024-11-20 عدد القراءات : 786

الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

 

 

 

 

معهد بحوث الأمن القومي (INSS) 19/11/2024

 

 

التقييم الاستراتيجي: العلاقة بين الديموغرافيا والأمن (1)

 

 

بقلم: كوبي ميخائيل وأوري فيرتمان

 

تشكل إسرائيل حالة اختبار فريدة ومهمة لفحص التفاعل بين الديموغرافيا والأمن القومي، كدولة كانت منذ تأسيسها أدنى ديموغرافيًا بشكل ملحوظ من بيئتها، في وضع أمني صعب ومعقد، وعرضة لتهديدات وجودية مستمرة. إن إسرائيل دولة قومية صغيرة تعيش في وضع من الصراع العرقي والقومي والديني المتجذر والمستمر مع الفلسطينيين، في حين أن أقلية كبيرة نسبيًا تبلغ حوالي 20٪ من مواطنيها يعتبرون جزءًا من الشعب الفلسطيني، الذي تتعارض إسرائيل معه.

سنستكشف التأثير الديموغرافي على الأمن القومي الإسرائيلي من خلال أربعة أبعاد رئيسية، تشير إلى الروابط الوثيقة بين الديموغرافيا والأمن (الديموغرافيا في إسرائيل، والديموغرافيا بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، والديموغرافيا في السياق الإقليمي، والديموغرافيا ليهود الشتات). كما تم اقتراح نموذج نظري، والذي بصرف النظر عن التفسير الذي يقدمه للتأثير الديموغرافي (المتغير المستقل)، يضع الأساس لمزيد من المناقشة حول التأثيرات المحتملة للمتغيرات الوسيطة على الديموغرافيا.

 

المقدمة

 

منذ الأيام الأولى للحركة الصهيونية، احتلت المسألة الديموغرافية التفكير السياسي لزعمائها وصاغت موقفهم تجاه مشروع استيطان الأرض وتحديد وتطوير الدولة. في الواقع، منذ قرار “صهيونية صهيون” الذي أقره المؤتمر الصهيوني في عام 1905، وخاصة منذ إنشاء الانتداب البريطاني على فلسطين حتى عام 1951، كانت الاعتبارات الديموغرافية مهيمنة وحاسمة في تشكيل السياسة الصهيونية (حلميش 2024). وبالتالي كانت المسألة الديموغرافية أحد العوامل الرئيسية في القرار التاريخي والاستراتيجي الذي اتخذه دافيد بن غوريون، نحو نهاية حرب الاستقلال، بعدم احتلال أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة. بعد حرب الأيام الستة أيضًا، شكلت المسألة الديموغرافية أساسًا لمناقشات الحكومة حول مستقبل الأراضي المحتلة وكيفية إدارة حياة السكان الفلسطينيين والقدس، عندما سرعان ما حل محل الشعور بالنصر القلق بشأن التغيير الديموغرافي في شكل مليون مقيم عربي في الأراضي. وهكذا توصلت حكومة ليفي إشكول إلى قرار (لم ينفذ خلال فترة ولايتها) بتوطين اليهود في الضفة الغربية من أجل خلق حقائق على الأرض مع استمرارية الاستيطان، وهو ما كان يهدف ليس فقط إلى خلق عمق أمني استراتيجي ولكن أيضًا إلى إحداث تغيير ديموغرافي داخل حدود الدولة الجديدة (ميلر-كاتاف 2024).

في هذه المقالة نحاول تحديد تأثير الديموغرافيا على الأمن القومي. في إشارتنا إلى الديموغرافيا ننطلق من المعنى الضيق للمصطلح، والذي يشير إلى حجم وتركيبة السكان بناءً على معايير متفق عليها للنمو أو الانحدار، وعرض الاتجاهات المستقبلية بناءً على النماذج الديموغرافية. لقد اخترنا أن نتعامل مع المصطلح بمعنى أوسع، بما في ذلك الإشارة إلى جوانب اللاجئين، والتوترات بين الأقليات وبين المجموعات العرقية والدينية وتأثيرها على استقرار الحكومة، وعمليات التحضر، والموارد الاقتصادية الأساسية مثل المياه والطاقة، وغير ذلك.

بصرف النظر عن القول إن “الإحصاءات الديموغرافية لإسرائيل (مثلها كمثل إحصاءات الدول الأخرى) هي جزء من البيانات الأساسية التي يستند إليها أمنها القومي. ” رأس المال البشري [لإسرائيل] هو أساس قدرات المجتمع، ونتاج الدولة، وبناء نظام الأمن” (ايفن 2020)، سوف نتعامل أيضًا مع أربعة أبعاد مختلفة للديموغرافيا: الديموغرافيا في إسرائيل (علاقات الأغلبية بالأقلية، من حيث الجوانب الوطنية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والمركز والمحيط وما إلى ذلك)؛ والديموغرافيا بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط ​​(الإسرائيليون/ الفلسطينيون)؛ والديموغرافيا الإقليمية للدول المحيطة؛ والديموغرافيا ليهود الشتات. يشير تأثير كل بُعد وتفاعلاته إلى الروابط الوثيقة بين الديموغرافيا والأمن القومي.

كما نقدم نموذجًا نظريًا، والذي بالإضافة إلى تفسيره المقترح لتأثير الديموغرافيا (المتغير المستقل، المصنف إلى مجموعتين من المتغيرات: داخلية وخارجية، تعكس الأبعاد الأربعة لتحليلنا الحالي) على المتغيرات (القوة الوطنية والتهديدات) التي تتوسط الأمن القومي (المتغير التابع)، يضع الأساس أيضًا لمزيد من المناقشة حول التأثير المحتمل لتلك المتغيرات الوسيطة على الديموغرافيا. تركز هذه المقالة على تأثير الديموغرافيا على الأمن القومي، لكن تحليل وتطوير النموذج أدى إلى نظرة ثاقبة حول إمكانية وجود حلقة تغذية مرتدة بمعنى تأثير المتغيرات الوسيطة على المتغير المستقل، والذي اخترنا تقديمه كاحتمال، وترك مناقشة هذا الاحتمال لمقال آخر.

 

التفاعلات والروابط بين الديموغرافيا والأمن القومي

 

تحظى الديموغرافيا باهتمام متزايد في العلاقات الدولية ودراسات الأمن (تراجاكي 2011). والغرض من الأمن القومي هو “ضمان وجود الأمة وحماية مصالحها الحيوية. والوجود هو الموضوع الأساسي للأمن” (تال 1996). وبالتالي فإن خطر الأمن القومي هو أي حدث أو عملية أو اتجاه أو تطور يضر بقدرة الدولة على العمل بمرور الوقت وضمان أمن ورفاهية سكانها، وتزويدهم بالخدمات الأساسية بمستوى لائق وحماية سيادة أصولها الاستراتيجية (يادلين 2021).

تُعرَّف الديموغرافيا بأنها دراسة التركيبة السكانية والتشتت والتغيرات في الحجم وتأثيرها على عمليات صنع السياسات والسياسة. وفي حين أن الاتجاهات الاجتماعية البارزة عادة ما تكون غير متوقعة ويصعب التنبؤ بها، فإن التطورات الديموغرافية تشكل استثناءً لهذه القاعدة. بمجرد تحديد التطور الديموغرافي، يبدو من الممكن التنبؤ ببعض اليقين (في تقديرنا هذا البيان حتمية للغاية، بسبب الفشل المألوف والهام للتنبؤات الديموغرافية) كيف سيستمر التطور (Goerres & Vanhuysse 2021). على سبيل المثال، من الممكن التنبؤ بأن سكان الدول الأوروبية سوف يتقدمون في السن في القرن الحادي والعشرين – وهو اتجاه يثير تساؤلات حول قدرة هذه الدول على الحفاظ على سياسات الرعاية الاجتماعية السخية (المرجع نفسه). تنطبق توقعات ومخاوف مماثلة بشأن سياسة الرعاية الاجتماعية في الدول الآسيوية مثل اليابان وكوريا الجنوبية (Klein & Mosler 2021)، والصين (Noesselt 2021)،  بينما توجد في إفريقيا عملية ديموغرافية عكسية (Hartman & Biira 2021). وعلى المستوى الوطني، يهتم علم السكان بتحليل تاريخي للمعايير الديموغرافية الرئيسية الأربعة ــ الخصوبة، والوفيات، والهجرة الداخلية، والهجرة الخارجية ــ ولكن أيضا بالتنبؤات التي توفر الأساس للتخطيط الوطني (وينكلر 2022).

وفي حين أن علم السكان يشكل بوضوح موضوعا مهما وحيويا لتحليل الاتجاهات المستقبلية وتشكيل السياسة الوطنية، فإن السؤال يظل قائما حول مكانة علم السكان في مسائل الأمن الوطني وتأثيرها على صنع القرار واستراتيجية الأمن. والواقع أن علم السكان يوفر إطارا لتحليل آثار خصائص السكان واتجاهاتهم على الأمن الوطني، وتقييم تأثير مثل هذه الاتجاهات على الصراعات العالمية في العالم النامي على مدى السنوات العشرين المقبلة (سيوبا 2012). إن التغيرات الديموغرافية والنمو السكاني، إلى جانب الاكتظاظ ونقص الموارد، تؤدي إلى مشاكل سياسية واجتماعية واقتصادية وبيئية، وتسرع عمليات فشل الدولة، مما قد يؤدي بدوره إلى صراعات داخلية يمكن أن تنتشر خارج حدود الدولة، وبالتالي تعريض الاستقرار الإقليمي للخطر (جورجاكيس أبوت وستيفاتشتس، 1999). علاوة على ذلك، فإن البحث الديموغرافي ضروري لاتخاذ قرار بشأن كيفية إدارة الأزمات التي تؤثر على الأمن القومي، مثل الكوارث الطبيعية والأوبئة واسعة النطاق. “من المهم أن نذكر أن الوباء [كوفيد] أكد على أهمية البيانات الديموغرافية لإدارة الأزمات […] كشفت الأزمة عن الحاجة إلى بيانات أكثر تفصيلاً، في الوقت الفعلي (إيفن 2020).

نلاحظ أيضًا أن الارتباط بين القضايا الديموغرافية وقضايا الأمن القومي يجد تعبيرًا له في كل من القوة العسكرية المستمدة من حجم الجيش ونوعية أفراده (كلما كبرت الدولة، زادت قدرتها على الحفاظ على جيش كبير وعالي الجودة وأقوى) وفي قوتها الاقتصادية. من المؤكد أن التركيبة السكانية تؤثر على القوة الاقتصادية لأي بلد، سواء كان ذلك للأفضل أو للأسوأ (كريبس وليفي 2001).

إن التركيز على التغيرات الديموغرافية يمكن أن يمكّن صناع القرار من تحديد الاتجاهات وظهور التهديدات الأمنية، والتنبؤ بكيفية تسبب هذه التهديدات في مشاكل أخرى (جولدستون 2002). يميز أون وينكلر (2004) بين أربعة أنواع رئيسية من التهديدات الديموغرافية: الأول – عندما تشعر الأغلبية بالتهديد من قبل أقلية تطالب بالاستقلال الكامل أو الجزئي، مثل الحكم الذاتي الثقافي والسياسي؛ الثاني – عندما يكون هناك خوف من أن تغمر البلاد بالمهاجرين من ديانات أو أصول عرقية أخرى، مما يؤدي إلى تغييرات في الطابع الثقافي والديني والعرقي للبلد المضيف؛ الثالث – الصراعات الدينية أو العرقية من أجل الأولوية في البلد؛ الرابع – التركيبة العمرية للسكان، مما يؤدي إلى انخفاض معدلات المشاركة في القوى العاملة.

يمكن للاتجاهات والتطورات الديموغرافية أن تدفع العمليات التي تؤثر على المناعة الوطنية وكذلك طبيعة التهديدات للأمن الوطني. يمكن أن تكون هذه التأثيرات سلبية أو إيجابية، تهديدات أو فرص. ولكن في كل الأحوال من المهم أن نفهم الاتجاهات والعمليات، وأن نتتبعها ونفهم أهميتها بالنسبة للأمن القومي، حتى يتسنى لنا الاستعداد مسبقاً لكيفية التعامل معها. إن الطابع الفريد لإسرائيل ينبع من حقيقة أنها دولة قومية صغيرة نسبياً، ومتميزة عن الدول القومية العربية المحيطة بها، وتوجد في وضع من الدونية الديموغرافية المذهلة مقارنة بالدول العربية، في ظل صراع عرقي وطني ديني راسخ وطويل الأمد مع الفلسطينيين، الذين تربطهم روابط عرقية ودينية بالدول العربية، في حين أن أقلية كبيرة نسبياً تبلغ نحو 20% من مواطني إسرائيل يعتبرون أعضاء في الشعب الفلسطيني، المعادي لإسرائيل. فضلاً عن ذلك، وباعتبارها دولة عاشت منذ تأسيسها في وضع أمني صعب ومعقد في ظل تهديد وجودي مستمر، أصبحت إسرائيل حالة اختبار فريدة ومهمة لجميع جوانب التفاعل بين الديموغرافيا والأمن القومي.

إن تأثير الديموغرافيا على الأمن القومي لا يتجلى فقط في المجال المحلي (ديلا بيرجولا 2024) ولكن أيضاً في المسرح الإقليمي. “إن البيانات الديموغرافية في الشرق الأوسط لها تأثير كبير على سمات البيئة الإقليمية لإسرائيل، بما في ذلك استقرار البلدان المحيطة، وخاصة تلك التي تتمتع بتنوع ديموغرافي واسع” (إيفن 2020). يؤثر التنوع الديموغرافي على استقرار الحكومة المركزية، وخاصة حيث تسيطر عليها مجموعة أقلية (مثل العلويين في سوريا)، وفي حالات التوترات بين مجموعات مختلفة حول هوية الدولة وحدودها (ميلر 2024) وبنية السلطة مثل التوتر الديموغرافي بين الفلسطينيين والبدو في الأردن، وبين الشيعة والسنة في البحرين، وغيره.

لقد صاغ أول رئيس وزراء لإسرائيل، دافيد بن غوريون، مفهوم أمنها القومي بالإشارة إلى دونيتها الديموغرافية إلى جانب مزاياها في مجال رأس المال البشري مقارنة بالدول المحيطة. وأشار إلى أن تشتت السكان داخل أراضيها والوحدة الوطنية كانا مكونين مهمين للدفاع عن حدود الدولة اليهودية (إيفن 2021). وكما هي الحال مع العديد من الجوانب الأخرى لأمن إسرائيل، فإن حجمها الصغير يعني أن حتى التغيرات الديموغرافية الصغيرة نسبيًا يمكن أن يكون لها عواقب سياسية غير متوقعة وخطيرة. وفي هذا السياق، فإن تعريف إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية “يلزمها بالحفاظ على التوازن الديموغرافي بأغلبية يهودية مطلقة” (إيفن 2020). وكان للديموغرافيا تأثير حاسم عندما قررت الحكومة الإسرائيلية بناء الجدار الفاصل الذي يفصلها عن الأغلبية الفلسطينية التي تعيش في الضفة الغربية (توفت 2012)، وكذلك السياج على طول الحدود مع مصر، بهدف منع اللاجئين والمهاجرين العمال من دخول البلاد، لكنها أثرت أيضًا على سياسة تشجيع الخصوبة والهجرة اليهودية.

نهدف هنا إلى دراسة التأثير الديموغرافي على الأمن القومي من خلال أربعة أبعاد ديموغرافية، حيث يشير تأثير كل منها على حدة والتفاعلات بينها إلى الروابط الوثيقة بين الديموغرافيا والأمن القومي.

الأبعاد الديموغرافية الأربعة فيما يتصل بالأمن القومي الإسرائيلي

الأبعاد الأربعة هي: البعد الداخلي؛ بين الأردن والبحر ـ إسرائيل والفلسطينيين؛ البعد الإقليمي؛ إسرائيل ويهود الشتات.

البعد الداخلي:

يشكل التوازن الديموغرافي الشامل بين اليهود والعرب داخل دولة إسرائيل عنصراً حيوياً في أمن إسرائيل ومستقبلها كدولة يهودية وديمقراطية، والتي تحتاج إلى أغلبية يهودية صلبة للحفاظ على هذه الهوية. وفي المجتمعات التي تعيش في حالة من الصراع الوطني المتجذر والمستمر (لدراسة استقصائية عن هذا المفهوم، انظر كولمان 2006)، لابد أن تتمتع المجموعة المهيمنة بأغلبية ديموغرافية ثابتة للحفاظ على الاستقرار. وينطبق هذا أيضاً على حالة إسرائيل في ظل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث يعرّف معظم مواطنيها العرب أنفسهم باعتبارهم أعضاء في الشعب الفلسطيني ويتماهون مع الفلسطينيين الذين هم في صراع مع إسرائيل. وبما أن أغلبية العرب الإسرائيليين وقادتهم ما زالوا يعترضون على وجود إسرائيل كدولة يهودية (رافيد 2018)، فقد اعتقد رؤساء الدولة على مر السنين، بما في ذلك إسحق رابين وبنيامين نتنياهو، أن وجود أغلبية يهودية صلبة داخل حدود الدولة ذات السيادة أمر ضروري لضمان هويتها ووجودها كدولة قومية للشعب اليهودي (فيرتمان 2021؛ رافيد 2011؛ ​​مايكل وفيرتمان 2023).

وفقًا لتقديرات المكتب المركزي للإحصاء، كان عدد سكان إسرائيل حتى نهاية عام 2023 حوالي 9.84 مليون شخص، منهم 7.21 مليون يهودي، أي 73.2% من الإجمالي، و2.08 مليون عربي، أي 21.1% من الإجمالي، و554 ألفًا آخرون – مسيحيون غير عرب وأشخاص غير مصنفين حسب الدين في سجل السكان، ومعظمهم غير معترف بهم كيهود من قبل الهالاخاه أو يعتبرون أنفسهم جزءًا من الأغلبية اليهودية – يمثلون 5.7% من الإجمالي (المكتب المركزي للإحصاء 2023). في حين أن معدل الخصوبة لدى النساء اليهوديات هو ثلاثة أطفال في المتوسط، فإن معدل الخصوبة لدى النساء العربيات أقل عند 2.8 (المكتب المركزي للإحصاء 2022)، على الرغم من أن الخصوبة لدى السكان البدو أعلى من بين اليهود – بمعدل 5.3 طفل لكل امرأة (إيفن 2021). وتشير التوقعات إلى أنه بحلول النصف الثاني من القرن الحادي والعشرين، ينبغي أن تكون هناك أغلبية يهودية كبيرة داخل حدود إسرائيل (بما في ذلك أولئك الذين لا يعترف بهم القانون اليهودي) بنسبة تقترب من 80%، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى انخفاض معدل المواليد العرب في إسرائيل – وهو رقم يوضح أن التهديد بفقدان الهوية اليهودية للبلاد ليس في الأفق (ديلا بيرجولا 2024).

في غياب التهديد للطابع اليهودي لإسرائيل من الأقلية العربية، هناك العديد من الادعاءات التي تشير إلى تهديد ديموغرافي آخر؛ إن النمو ونمط الحياة المنفصل وغير المنتج للسكان اليهود الحريديم في إسرائيل، والذي قد يشكل في نهاية المطاف تهديدًا أمنيًا للقوة الاقتصادية للبلاد، مما يجعلها فقيرة ومتخلفة (إيلان 2019؛ بن ديفيد وكيمشي 2023) بالإضافة إلى القضية الاجتماعية والاقتصادية، فإن حقيقة أن نسبة كبيرة من اليهود الحريديم لا يخدمون في جيش الدفاع الإسرائيلي أو في الاحتياطيات، مقارنة بالسكان اليهود غير الحريديم، أمر مقلق للغاية بشأن قدرة إسرائيل المستقبلية على الحفاظ على جيش كبير بما فيه الكفاية، وبالتأكيد بعد 7 أكتوبر 2023 عندما أصبح من الواضح أن الجيش الكبير والقوي المطلوب يعتمد بشكل كبير على الاحتياطيات (روبنشتاين وأزولاي 2024). في عام 2020، بلغ عدد السكان اليهود غير الحريديم حوالي ثلثي السكان اليهود ككل، ولكن من المتوقع أن يتقلص إلى 55٪ في غضون ثلاثة عقود أخرى (ديلا بيرجولا 2024). وتسلط هذه الديناميكية الديموغرافية الضوء على الانقسامات العميقة داخل المجتمع الإسرائيلي حول التوزيع المتساوي لعبء الخدمة العسكرية (كارني 2024) وهذا من شأنه أن يقوض وحدة المجتمع الإسرائيلي ويؤثر على المناعة الوطنية، وهو عنصر مهم في الأمن القومي.

في نهاية عام 2023 بلغ عدد اليهود الحريديم في إسرائيل 1.34 مليون نسمة، يمثلون 14% من إجمالي السكان. ويبلغ معدل الخصوبة في المجتمع الحريدي 6.4 طفل لكل امرأة، أي أكثر من 2.5 مرة من معدل الخصوبة لدى المرأة اليهودية غير الحريدية، التي تنجب 2.5 طفل في المتوسط. وإذا استمر معدل الخصوبة هذا، فمن المتوقع أن يشكل السكان الحريديم في عام 2065 ما نسبته 32% من سكان إسرائيل، وأن يكون 40% من اليهود الإسرائيليين من الحريديم (كاهانير وملاك 2023، 14-15). ومع ذلك، يبدو أن التحدي الرئيسي لا يكمن في الزيادة الطبيعية للمجتمع الحريدي، بل في الفجوة في مستوى التعليم والتوظيف مقارنة بالسكان بشكل عام. إن المستوى العام للتعليم الحريدي (الدراسات الأساسية التي تمكن من الاندماج في سوق العمل) ليس خبراً جيداً لمستقبل الاقتصاد الإسرائيلي أو لقدرة الحريديم على دخول سوق العمل بالمهن التي تساهم في النمو الاقتصادي المرتفع، حيث أن 16% فقط من التلاميذ الحريديم مؤهلون للحصول على شهادة الثانوية العامة، مقارنة بـ 86% من التلاميذ في أنظمة التعليم الوطني والوطني الديني (بن ديفيد وكيمتشي 2023،  كاهانير وملاك 2023).

من ناحية أخرى، هناك بيانات تظهر اتجاهات إيجابية في اندماج اليهود الحريديم في المجتمع الإسرائيلي، مثل معدل الزيادة السريع للطلاب الحريديم في مؤسسات التعليم العالي، والذي بلغ 258% في الأعوام 2010-2023، مقارنة بارتفاع بنسبة 17% في العدد الإجمالي للطلاب في نفس الفترة. ومع ذلك، في حين يشكل الحريديم 14% من السكان، فإنهم لا يشكلون سوى 5% من إجمالي الطلاب – مما يدل على أنه على الرغم من الاتجاه الإيجابي، فإن الطريق إلى التكامل الكامل للمجتمع الحريدي لا يزال طويلاً (كاهانير وملاك 2023).

هناك أيضًا اتجاه إيجابي في معدل توظيف الحريديم. في عام 2002، بلغ معدل التوظيف في المجتمع الحريدي 42%، بينما وصل في عام 2022 إلى 66%، مقارنة بـ 85% بين اليهود غير الحريديم و79% بين السكان ككل. في الواقع، ترجع الفجوة بشكل رئيسي إلى الرجال في القطاع الحريدي، حيث يعمل 55% منهم، مقارنة بـ 87% من الرجال اليهود غير الحريديين، في حين أن معدل تشغيل النساء الحريديات هو نفسه تقريبًا مثل معدل تشغيل النساء اليهوديات غير الحريديات – 79.5% مقارنة بـ 83% (كاهانير وملاك 2023).

بالإضافة إلى هذين الجانبين الديموغرافيين، من المهم ملاحظة الاختلافات في تشتت السكان – بين مركز البلاد ومحيطها – وتحليل أهميتها بالنسبة للفرص المتعلقة بالتعليم والتوظيف ومستوى ونوعية الحياة. إن عملية مركزية السكان لا تهدد سيادة معظم دول العالم، التي يعترف المجتمع الدولي بحدودها، لكن إسرائيل تشكل استثناءً. إن العرب المسلمين في إسرائيل، الذين يشكلون 20% من السكان كما ذكرنا ولا يتماهون مع الرؤية الصهيونية، يعتبرون أنفسهم جزءاً من الأمة الفلسطينية ويتركزون بشكل رئيسي في المناطق المحيطة بالمدينة ــ وهذا له أهمية خاصة بالنسبة لأمن الدولة (سوفر وبيستروف 2008). وعلاوة على ذلك، فإن التركيز العالي للسكان في منطقة محدودة يخلق حالة من الضعف في أوقات الحرب، وخاصة بالنظر إلى خصائصها المعاصرة التي تنطوي على تهديد الصواريخ الدقيقة والقذائف مثل الطائرات بدون طيار المسلحة. وفي ظل ظروف التشتت الديموغرافي الحالي في إسرائيل، مع تركيز معظم السكان والبنية الأساسية الوطنية في منطقة ضيقة معرضة للخطر، فإن احتمالات حدوث أضرار واسعة النطاق لأهداف حيوية أعلى كثيراً.

إن تعزيز السكان في المناطق المحيطة بالمدينة سيكون له تأثير كبير على اقتصاد إسرائيل وقدرتها الإنتاجية، وتقليص الفجوات الاجتماعية، وتعزيز التضامن الاجتماعي والوحدة، الأمر الذي سيؤثر بدوره على المرونة الوطنية. كما أن الجوانب الديموغرافية لتشتت السكان لها أهميتها في الحفاظ على أراضي الدولة وتعزيز المناطق الحدودية، مما يساهم بشكل غير مباشر في أمن الحدود وشرايين المرور الضرورية لنقل القوات في حالات الطوارئ، وكذلك قوات الإغاثة والإنقاذ في حالات الكوارث البيئية.

باختصار، في حين لا يوجد تهديد ديموغرافي من جانب العرب الإسرائيليين لهوية إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية في المستقبل المنظور، فإن السكان الحريديم يمثلون تحدياً خطيراً للأمن القومي. لقد قطع المجتمع الحريدي شوطاً طويلاً من حيث تضييق الفجوات بينه وبين المجتمع اليهودي غير الحريدي، والذي يعتمد عليه الاقتصاد الإسرائيلي والجيش الإسرائيلي، ولكن على الرغم من الاتجاه الإيجابي وفي ضوء معدل النمو الطبيعي المرتفع للسكان الحريديين، فإنه يتعين عليه أن يبذل المزيد من الجهد للحاق بالركب من حيث معدلات التوظيف والمعايير التعليمية، وبالطبع معدلات التجنيد في الجيش الإسرائيلي، لتقاسم العبء العسكري والاقتصادي وضمان قدرة إسرائيل على مواجهة مجموعة كاملة من التحديات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية بنجاح. تؤثر هذه الجوانب الديموغرافية، مثل جوانب تشتت السكان وغيرها، على مكونات مختلفة من قدرة إسرائيل على ضمان الأمن القومي.

 

بين الأردن والبحر- إسرائيل والفلسطينيين

 

لقد كان النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، والذي بدأ في نهاية القرن التاسع عشر، يشتمل على عناصر ديموغرافية (زوريك 2003، 619). وفي حين يبدو أن إسرائيل سوف تحتفظ بأغلبية يهودية قوية في المستقبل المنظور، فإن الأرقام تظهر أنه عندما نأخذ في الاعتبار الفلسطينيين الذين يعيشون داخل منطقة السلطة الفلسطينية وقطاع غزة، فإن الأغلبية اليهودية بين البحر الأبيض المتوسط ​​ونهر الأردن سوف تختفي في غضون عقد من الزمان. ونظراً للأعداد المتساوية من اليهود والعرب في كامل منطقة فلسطين الانتدابية، فمن الواضح أنه في غياب الفصل الواضح بين الشعبين، فإن القضية الديموغرافية سوف تصبح تهديداً وجودياً للدولة اليهودية. والواقع أن المناقشة الديموغرافية أصبحت جوهر الخطاب السياسي الاستراتيجي حول مستقبل إسرائيل كدولة قومية ديمقراطية للشعب اليهودي. هناك من يحذر من فقدان الأغلبية اليهودية، مما يؤدي إلى فقدان الهوية اليهودية للدولة أو إلى نظام الفصل العنصري، مشيرين إلى الاختلاف في الوضع المدني بين سكان المنطقة الجغرافية التي يتم تحديدها مع الدولة حتى لو لم يتم تطبيق السيادة الرسمية على الكل. لكن آخرين يفسرون الاتجاهات الديموغرافية وأهميتها، ومسار العمل المطلوب، بطريقة مختلفة (إيتنجر 2006؛ مايكل 2014؛ ميلستين 2022؛ سوفر 2006؛ أبولوف 2014؛ لوستيك 2013). وفقًا للرؤية الأكثر تشاؤمًا، فإن إسرائيل لديها خيار واحد فقط للحفاظ على هويتها وشخصيتها اليهودية والديمقراطية، وهو حل الدولتين. يزعم آخرون أن هناك حلولًا أخرى ممكنة. يزعم بعضهم أن نموذج الحكم الذاتي الفلسطيني قد يكون هو الحل، في حين تؤيد أقلية ضم الأراضي، ومنح الإقامة الدائمة للفلسطينيين مع مسار طويل وصارم للحصول على الجنسية (مثل نموذج القدس الشرقية أو ما شابه)، وهناك أيضًا أولئك الذين يرغبون في تطبيق السيادة الإسرائيلية على جميع الأراضي ولن يترددوا في منح الجنسية الإسرائيلية للفلسطينيين.

 

لقد أدرك معظم قادة إسرائيل على مر السنين الخطر الكامن في التهديد الديموغرافي وبالتالي اختاروا منع تهديد الدولة ثنائية القومية. وهذا ما فعله رئيس الوزراء إسحق رابين بقراره تعزيز عملية أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية في الأعوام 1993-1995، بناءً على الرغبة في خلق فصل بين إسرائيل والفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبالتالي حماية مستقبل إسرائيل اليهودي والديمقراطي (فيرتمان 2021). أعلن رابين :

أنا واحد من أولئك الذين لا يريدون ضم 1.7 مليون فلسطيني كمواطنين في إسرائيل. لذلك أنا ضد ما يسمى بإسرائيل الكبرى […] في الظروف الحالية، بين الدولة ثنائية القومية والدولة اليهودية، أفضل الدولة اليهودية. إن تطبيق السيادة على كامل فلسطين الانتدابية يعني أننا سنحصل على سبعة ملايين مواطن فلسطيني داخل دولة إسرائيل. ربما تكون دولة يهودية فيما يتعلق بحدودها، ولكنها ثنائية القومية في محتواها وديموغرافيتها وديمقراطيتها […] لذلك أنا ضد الضم (نيريا 2016).

كان هذا أيضًا عنصرًا أساسيًا في قرار رئيس الوزراء أرييل شارون بتنفيذ الانفصال الأحادي الجانب عن قطاع غزة في عام (ايفن 2005،  2021، سوفير2006 ). وبالمثل، كان التهديد الديموغرافي والرغبة في تجنب الدولة ثنائية القومية بمثابة دليل في الاعتبارات الاستراتيجية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فيما يتعلق بالصراع (مايكل وورتمين 2023). “مع تجديد العملية السياسية لدينا هدفان رئيسيان: منع إنشاء دولة ثنائية القومية بين البحر ونهر الأردن، مما يعرض مستقبل الدولة اليهودية للخطر، ومنع إنشاء دولة إرهابية أخرى تحت رعاية إيران داخل حدود إسرائيل، والتي لن تكون أقل خطورة بالنسبة لنا”، كما أعلن (تيفون 2013).

--------------------------------------------

 

هآرتس 19/11/2024

 

 

في تسوية بين إسرائيل ولبنان بشار الأسد سيكون شريكا هادئا

 

 

بقلم: تسفي برئيل

 

عودة المبعوث الامريكي عاموس هوخشتين، الذي يتوقع أن يهبط اليوم في بيروت بعد تسلمه رد لبنان على مسودة اتفاق وقف اطلاق النار، يتم تفسيرها بأنها دليل آخر على تقدم حقيقي قبل استكمال الاتفاق. “المناخ الايجابي” و”التفاؤل”، حسب تعبير رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، الذي يتفاوض باسم حزب الله، وتفاصيل كثيرة التي تنشر حول مضمون الخطة، تدل كما يبدو على احتمالية التوقيع “خلال بضعة ايام”.

للوهلة الاولى بقي “فقط” أمران مختلف عليهما بين اسرائيل ولبنان: مطالبة اسرائيل حرية العمل في لبنان في أي حالة يخرق فيها حزب الله الاتفاق، وطريقة اقامة وتشكيل لجنة الرقابة الدولية. ولكن على الاقل حسب ما نشر في لبنان، فان هناك ايضا حوالي 12 قضية، بعضها تصريحية وتهدف الى الحفاظ على كرامة لبنان كدولة سيادية، وبعضها عملياتية وتحتاج الى التسوية والموافقة قبل التوقيع.

من بين هذه القضايا مطالبة لبنان بمنع اسرائيل من القيام بطلعات المراقبة والتصوير في سماء لبنان، وحق كل طرف، ليس فقط اسرائيل، في الدفاع عن نفسه في حالة الخرق، حيث كل رد من أي طرف سيكون بحاجة الى التشاور مع لجنة الرقابة التي ستكون ملزمة بالتشاور مع الطرفين، تشكيلة لجنة الرقابة لن توسع، وهي ستشمل لبنان، اسرائيل، الامم المتحدة، الولايات المتحدة وفرنسا، قوة اليونفيل ستبقى في اطارها الذي تحدد في القرار 1701، سواء من ناحية الحجم أو الصلاحيات، طلب لبنان عدم السماح لاسرائيل بأن تطلب من لجنة الرقابة الاذن لاقتحام مواقع في لبنان أو العمل ضد نشاطات على اراضي لبنان لأن ذلك سيمثل مس بسيادة لبنان؛ السماح بعودة المهجرين اللبنانيين في الايام الاولى لدخول وقف اطلاق النار الى حيز التنفيذ من اجل منع اسرائيل من امكانية اقامة في جنوب لبنان منطقة امنية؛ تحرير جميع الاسرى الذين اعتقلتهم اسرائيل في الحرب في لبنان.

طلب آخر للبنان يشمل تعهد بحسبه يكون لبنان له صلاحية حصرية في كل قرار يتعلق باعادة الاعمار، دون أن يكون لاسرائيل حق التدخل في قضايا تتعلق بطبيعة التأهيل، أو المصدر الذي سيمول اعادة الاعمار. هذا بند حيوي بالنسبة لحزب الله الذي يستهدف تمكين ايران من ضخ الاموال لحزب الله بصورة شرعية بذريعة المساعدة في اعادة الاعمار، وهكذا زيادة مكانة الحزب باعتباره جهة تفي بالتزاماتها لمساعدة مواطني الدولة المتضررين من الحرب.

معظم هذه الطلبات، حتى قضية الرقابة وبند حرية عمل اسرائيل، الذي في السابق حصل في اسرائيل على وصف “الدفاع عن النفس”، ليست طلبات ستمنع الاتفاق، لأن اسرائيل ولبنان تطمحان الى التوصل الى التوقيع عليه. ولكن في الديناميكية المعروفة لادارة المفاوضات، التي فيها كل طرف يريد عرض نفسه على أنه الطرف الذي حقق انجازات واجبر الطرف الثاني على التنازل، يتوقع كما يبدو أننا سنكون بحاجة الى مزيد من ايام النقاشات وتبادل الرسائل. خلال ذلك سيتم توضيح الصياغة وتهذيبها وتدقيقها، وبالاساس سيتم تضييعها، وخلالها سيقتل المزيد من الجنود والمدنيين. مهم فقط التذكر بأن الدقة القانونية التي رافقت صياغة القرار 1701 في 2006 لم تساعد كثيرا عندما وضع هذا القرار على محك التطبيق.

عندما سيتم استكمال الاتفاق سيكون موقع عليه من قبل حكومة لبنان، لكن في جوهره هو اتفاق بين اسرائيل وحزب الله وايران. اتفاق تم اعداده لتقييد بالاساس نشاطات حزب الله في جنوب لبنان والتمكين من عودة المهجرين على جانبي الحدود الى بيوتهم. مكانة حزب الله ومكانة ايران في لبنان كقوى سياسية مهمة يمكنها املاء سياسة لبنان، لا يتوقع أن تتضرر. الجيش اللبناني المعزز يتوقع أن يجند حوالي 6 آلاف جندي اضافي، والاستفادة من زيادة الميزانية من اجل الحصول على السلاح والذخيرة. هذا الجيش سينتشر على طول الحدود، وهكذا سيطبق البنود ذات الصلة المشمولة في القرار 1701 والقرار السابق 1559 من العام 2004، لكن مشكوك فيه اذا كان هذا الجيش يستطيع، أو يتخذ قرار، نزع سلاح حزب الله وتحييد تهديده العسكري الذي يفرضه في داخل لبنان.

هذه يتوقع أن تكون نقطة من نقاط الضعف في الاتفاق. في الواقع حكومة لبنان، ايضا حسب القرارات السابقة، مطلوب منها منع ادخال السلاح والذخيرة الى الدولة باستثناء ما هو مطلوب للجيش اللبناني. ولكن امتحان الدولة وامتحان الاتفاق المتبلور يكمن في قدرة الحكومة على العثور على ووقف انبوب تزويد السلاح الذي سيأتي الى حزب الله من سوريا وعبر البحر. السؤال الذي سيقف امام اسرائيل والدول الضامنة للاتفاق، لا سيما الولايات المتحدة، هو هل ادخال السلاح غير القانوني الى لبنان سيشكل خرق للاتفاق، الخرق الذي سيعطي اسرائيل شرعية رسمية للعمل في لبنان، وبهذا تعريض الاتفاق للخطر.

 

روسيا غير مشاركة

 

من اجل تطبيق هذا البند في الاتفاق يجب على اسرائيل أن تجد “شريك هاديء”، الذي يجلس في دمشق. حتى الآن اسرائيل عملت تقريبا بدون تقييد، بالاساس في سوريا، ولكن ليس فقط فيها، من اجل اغلاق قنوات تزويد السلاح. مؤخرا نشر أنها حتى توجهت الى روسيا وطلبت العمل على منع نقل السلاح من سوريا. رد روسيا كان ردا باردا. المبعوث الروسي في سوريا، الكسندر لبرنتييف، اوضح بأن روسيا رفضت طلب اسرائيل لأن ذلك ليس دورها، وأن هذا الامر “خارج تفويض قوات روسيا التي تعمل في سوريا والتي هدفها مكافحة الارهاب”. اضافة الى ذلك الاستجابة لهذا الطلب ستلزم روسيا باقامة حواجز على الطرق والرقابة على المعابر الحدودية والقيام بالخطوات التي تحتاج الى موافقة نظام الاسد.

اسرائيل من ناحيتها وسعت مؤخرا حدود منطقة هجماتها في سوريا، وقصفت ضمن اهداف اخرى، اهداف في دمشق وفي ادلب وفي حمص وفي حماة، وهي حالات اصيب فيها جنود سوريون. هذا اضافة الى نشاطات محددة في سوريا التي فيها قامت بأسر ناشط في حزب الله أو تفجير منشآت معينة. بصورة استثنائية هاجمت اللاذقية قرب مطار حميميم، الذي يوجد تحت سيطرة روسيا.

الاسد ليس بحاجة الى اشارة سميكة جدا كي يعرف الخطر الذي يشكله وجود ايران في بلاده، أو أن سوريا اصبحت شارع سريع لنقل السلاح من ايران الى لبنان. ولكن اعتماده الاقتصادي على ايران التي توفر له ربع – نصف حاجته من الوقود، وخطوط اعتماد لتمويل نشاطات النظام، لا يمكنه من المطالبة بسحب قواتها. في المقابل، الاسد اوقف معظم محاولات قوة القدس وحزب الله لتحويل سوريا الى منصة لانطلاق الهجمات ضد اسرائيل، وبالاساس هو تبنى سياسة حيادية تجاه الحرب في غزة. ليس فقط أنه لم يشارك بالفعل في “وحدة الساحات” كجزء من “حلقة النار” الايرانية، بل هو ووسائل الاعلام السورية تجاهلوا تماما حماس، وقوات الامن السورية منعت اجراء مظاهرات تأييد في مخيمات اللاجئين في سوريا. عندما فحصت ايران امكانية انتقال قيادة حماس من قطر الى سوريا فان الاسد رفض ذلك بشكل حازم.

الاسد الذي عاد في السنة الماضية الى “الحضن العربي” والجامعة العربية التي علقت عضوية سوريا فيها في 2011، يسيطر على 70 في المئة من اراضي الدولة بالاساس بفضل المساعدة العسكرية الكثيفة لروسيا وليس بفضل مساعدة ايران. ولكن يمكن أن يكون قد وجد الآن الفرصة لترميم مكانته ايضا امام الولايات المتحدة، بالتحديد بعد فوز ترامب. لأنه ليس فقط الدول العربية استأنفت علاقاتها مع دمشق. مؤخرا صاغت سبع دول اوروبية، على رأسها ايطاليا، مشروع قرار “اعادة فحص سياسة الاتحاد الاوروبي تجاه سوريا”، واستئناف العلاقات الدبلوماسية معها كقناة ستمكن من التخلص من ملايين اللاجئين السوريين الموجودين في اوروبا.

ترامب في الحقيقة كان الرئيس في 2019 عندما تمت المصادقة على “قانون القيصر”، الذي يفرض عقوبات شديدة بشكل خاص على سوريا، لكنه ايضا كان وما زال كما يبدو الرئيس الذي يطمح الى سحب حوالي الـ 900 جندي امريكي الموجودين في سوريا. تحقيق هذه الغاية سيقتضي من ترامب تجنيد مساعدة سوريا وتركيا من اجل حماية سلامة الاكراد في سوريا، حلفاء الولايات المتحدة في حربها ضد داعش. من غير المستبعد أن يقوم ترامب، هاوي “الصفقات الكبيرة”، بـ “اعادة فحص” سياسة امريكا تجاه سوريا، وأن يطرح خطوة ربما لن تبعد ايران من سوريا. ولكنه سيحاول ضمان أن السلاح لن يتم نقله من سوريا الى لبنان، وبالتالي، تحويل الاسد الى “شريك هاديء” في اتفاق لبنان.

--------------------------------------------

 

معاريف 19/11/2024

 

 

القيادة الإيرانية امام خيارين: تلطيف التوترات مع الغرب ام تواصل الخط الكفاحي

 

 

بقلم: زلمان شوفال

 

في كتاب الطبيب دولتل يُروى عن حيوان برأسين كل واحد منهما يتجه في اتجاه آخر. هذا على ما يبدو هو الوضع الذي من شأنه أن يميز سياسة الولايات المتحدة تجاه ايران في الفترة التي بين إدارة بايدن الراحلة وإدارة ترامب الوافدة في 20 كانون الثاني. المثل الذي يقول “السقوط بين كرسيين” وكأن به ابتكر بخاصة لهذا الوضع، وفي هذه الاثناء يسمح الوضع لطهران بالنزول عن الشجرة العالية التي تسلقتها وان تقرر الا تقرر اذا كانت تهاجم إسرائيل ومتى.

في الأسابيع الأخيرة تنافس فيما بينهم خبراء ومحللون في طرح فرضيات وتخمينات في هذا الموضوع. كان هناك من حلل الوضع كحرب نفسية إيرانية ضد الجمهور الإسرائيلي. لكن في نظرة ادق يتبين ان هذه ليست حربا نفسية، بل تشخيص للقيادة الإيرانية لمكانتها الاستراتيجية المتدنية ومباديء عقيدة الامن لديها.

الهجوم الإسرائيلي في 26 أكتوبر على المنشآت الأمنية في أراضي ايران، والاعمال العسكرية الإسرائيلية النشطة ضد وكلاء ايران، حماس وحزب الله، وضعت في الشك عقيدة الامن الإيرانية والتي قامت على أساس الامتناع عن مواجهة مباشرة مع إسرائيل، فما بالك مع الولايات المتحدة وعلى الاستناد الى وكلاء ايران كخط دفاع أول. إضافة الى ذلك، اشارت الهجمات الإسرائيلية لإيران بان استراتيجيتها النووية أيضا قد تتعرض للتهديد او للتأخير على الأقل. إضافة الى ذلك، فان التدهور الاقتصادي في الدولة كنتيجة للعقوبات من شأنه أن يمس باستقرار الحكم، حين تكون المبالغ الطائلة التي تنفق على الزبائن الفلسطينيين هي شوكة في عيون الجمهور الإيراني الذي يكافح ضد أزماته الاقتصادية المتفاقمة. كل هذا وضع القيادة الإيرانية امام معضلة: هل تحاول تخفيف حدة التوترات مع الغرب ومع الولايات المتحدة بخاصة، كما تريد القيادة المدنية أم تواصل الخط الكفاحي للحرس الثوري الذي يرى في الولايات المتحدة “الشيطان الأكبر” ويسعى الى إبادة إسرائيل.

التناول السليم لهذه المعضلة الإيراني، واستخلاص الاستنتاجات العملية منها، سيكون الاختبار لادارة ترامب. وها نحن نعود للحيوان ذي الرأسين للدكتور دولتل: الى أين ستتجه الولايات المتحدة؟ لقد تعهد الرئيس بايدن الا يكون لإيران في ورديته سلاح نووي، واتجه أساسا الى استئناف الاتفاق النووي معها. لكنه لم يرد على سؤال ماذا يعني هذا في موضوع الفترة التي بعد نهاية ورديته. في الفترة المتبقية لها تبذل إدارة بايدن في هذه كل جهد، سواء بخطوات دبلوماسية أم بمرابطة قوات في الشرق الأوسط، لاجل منع اتساع المعارك العنيفة من هذه المنطقة الى حرب إقليمية واسعة من شأنها أن تورط الولايات المتحدة أيضا.

وأشار مراقبون في العالم الى أن نتنياهو أثبت منذ الان بانه عندما تكون مصلحة امنية حيوية على جدول الاعمال، فان الاستجابة لمطالب الولايات المتحدة، مع كل أهميتها، لا تشكل دوما اعتبارا حصريا. لكن إسرائيل ملزمة بان تأخذ في الحسبان الان سيناريوهات محتملة بعد 20 كانون الثاني. صحيح ان ترامب أوصى رئيس الوزراء ان “يعمل ما يجب” لكنه لم يفصل. ومثلما كتب مؤخرا جون بولتون، مستشار الامن القومي للرئيس ترامب في ولايته الأولى (الى أن تنازع): “واضح ان تحت ترامب سياسة الشرق الأوسط الامريكية ستتغير، لكن السؤال هو هل ستغيير بما يكفي؟”. يطرح بولتون تخوفا من أن يعود ترامب أساسا الى سياسته في “الضغط الأقصى” أي تشديد متطرف للعقوبات وغيرها من القيود الاقتصادية على ايران، ولن يتخذ وسائل أخرى، حتى لو لم تكن خطوات حربية مباشرة وفورية، تشكل تهديدا مقنعا باتخاذ مثل هذه الخطوات في المستقبل.

ثمة من يذكر انه في ولايته الأولى أيضا، تحدث ترامب في مرحلة معينة عن تحسين الاتفاق النووي وليس عن الغائه. آخرون يحذرون من أن تؤدي سياسة “الضغط الأقصى” الى توثيق العلاقات الاقتصادية والجغرافية السياسية لإيران مع محور المقاومة الذي يضم الصين، روسيا وكوريا الشمالية. وفي مقلوب على مقلوب يحذرون من أنه اذا ما تعاظم في إدارة ترامب ميل الانعزالية والامتناع عن التزامات دولية، فان من شأن السعودية والامارات أيضا أن تتخذا خطوات لتحسين العلاقات مع ايران.

اذا ما تطورت بالفعل اتصالات بين الطرفين، سواء في ما تبقى من ولاية بايدن (غير محتمل) ام بعد قيام إدارة ترامب، واضح أن العلاقة بين ايران ووكلائها ستكون هي أيضا على جدول الاعمال. ايران ستطلب وقف الاعمال العسكرية الإسرائيلية ضدهم، فيما ستطلب الولايات المتحدة تفكيك هؤلاء الوكلاء أو تقييدهم على الأقل. في كل حال سيتعين على إسرائيل ان تعمل على اسماع مواقفها وقبولها – خشية أن نعود الى الوضع المشوه الذي ساد بعد حرب لبنان الثانية، وضع خلق مظهر تسوية فقط كي ينشأ في غضون وقت قصير واقع أخطر بكثير.

--------------------------------------------

 

هآرتس 19/11/2024

 

 

عشرون سنة على موت عرفات. في حلمه رأى غصن الزيتون الى جانب تصفية اسرائيل

 

 

بقلم: آفي غيل

 

في هذا الاسبوع مرت 20 سنة على موت عرفات. في الذاكرة الوطنية الاسرائيلية اسمه نقش الى الابد كارهابي متعطش للدماء. على خلفية معرفتي بهذا الشخص يطاردني سؤال نظري كما يبدو وهو كيف كان التاريخ سيذكر عرفات لو أنه عند عودته من احتفال التوقيع على اتفاق اوسلو في 13 ايلول 1993 تم قتله من قبل الشبيه الفلسطيني بيغئال عمير؟.

ليس من المستبعد تخيل مغتال فلسطيني قرر بأن عرفات يستحق الموت. لأنه باعترافه باسرائيل خان ابناء شعبه وحقهم في العودة الى وطنهم وتحريره كليا من الاحتلال اليهودي. اذا كان هذا الشخص المغتال المتخيل قد نجح في مهمته فان عرفات كان سينضم الى قائمة فلسطينيين آخرين دفعوا حياتهم لأنهم تجرأوا على السير في مسار المصالحة والسلام. رصاصة واحدة كانت ستحول رأسا على عقب التفسير الدارج لنظرية عرفات. المحللون الضليعون مرة اخرى لم يكونوا سيشرحون باللهجة الواثقة التي تميزهم بأن عرفات توجه الى طريق اوسلو من خلال نيته خداع اسرائيل، وأنه عمل بناء على “نظرية المراحل” التي بواسطتها خطط لتصفية الكيان الصهيوني.

رجال المخابرات يتمسكون بشكل عام باساليب تحليل تنسب العقلانية والشمولية للاعبين في الساحة التي عليهم تفسيرها. بالنسبة لهم فانه تحت كوفية عرفات كان يوجد حاسوب متقدم، لم يتوقف عن القيام بعمليات ذكرة تؤدي الى هدف واحد ووحيد وهو تصفية اسرائيل. لقد قام باجراء حساب دقيق للربح والخسارة، ووفقا لذلك رفع وخفض بدقة اللهب الذي اشعله.

انطباعي من عرفات مختلف. ففي اللقاءات التي شاركت فيها تبين أن هذا الشخص هو طاغية، مصاب بجنون العظمة وبعيد عن الاستقرار العقلي. هو في نظري قادر على أن يحلم في نفس الليلة حلمين مختلفين كليا. في واحد منهما يوقع على اتفاق دائم مع اسرائيل ويقف على المنصة في اوسلو، حيث غصن الزيتون في يده، من اجل الحصول على جائزة نوبل. وفي الثاني هو يرمي كل الاسرائيليين في البحر ويعيد ابناء شعبه الى وطنهم الخالي من اليهود.

عرفات كان يفحص خطته باستمرار وبدون توقف، وبدون قلق من التناقض بين هذين الحلمين. شخصيته هي حبة جوز صلبة يصعب على المحللين كسرها، الذين يصممون على فرض منطقهم على شخص متقلب بعيد عن الاتزان النفسي. هو غير مناسب للنماذج التي تفترض أن الاشخاص الذين يجري تحليلهم توجههم اعتبارات عقلانية (غربية). حسب تقديري بالنسبة له اوسلو عكس مشاعر وتطلعات متناقضة: تنازل تاريخي يمكن شعبه من السيادة وتقرير المصير الى جانب اسرائيل، وايضا مكون في خطة المراحل التي ستؤدي الى تصفيتها. عرفات شعر بالاجلال الذي حظي به من زعماء العالم واعتباره بطل “سلام الشجعان”، وفي نفس الوقت رافقه الشعور بالندم من أن يذكره التاريخ بأنه حطم الحلم الفلسطيني ووقع ضحية مكر الاسرائيليين.

اسرائيل لا تختار الزعماء الذين يقفون امامها. يجب عليها أن تعرف كيفية استخلاص منهم اكبر قدر من اجل الدفع قدما بمصالحها. هل زعيم فلسطيني غير مصاب بجنون العظمة مثل عرفات كان سيوقع على وثائق الاعتراف باسرائيل، التي جاء فيها بأن “م.ت.ف تعترف بحقها في الوجود بسلام وأمن”؟. عرفات قام في اوسلو بانعطافة دراماتيكية. فقد تخلى فعليا عن لاءات الخرطوم الثلاثة (1967): لا للاعتراف، لا للمفاوضات ولا للسلام مع اسرائيل. وتداعيات قراره التاريخي ما زالت تدوي حتى الآن. فقد مهد الطريق امام مبادرة السلام العربية (2002) التي بسذاجتنا تجاهلنا الوعد الذي جاء فيها (المبادرة تمت المصادقة عليها ايضا من قبل منظمة التعاون الاسلامي). باعترافه باسرائيل فان عرفات اعطى الشرعية لعمليات سلام اخرى مثل اتفاق السلام مع الاردن واتفاقات ابراهيم وامكانية التطبيع مع السعودية.

هذه العبرة يجب أن تقف امام ناظرينا لنرى القادم. ورثة الزعيم الفلسطيني الحالي، محمود عباس، يمكن أن يكونوا اشخاص يحملون على اكتافهم صندوق افاعي (مروان البرغوثي وجبريل الرجوب وآخرين)، ولكن اذا لبوا شروطنا في اجراء المفاوضات من اجل التسوية، واذا كان يمكنهم أن يقودوا شعبهم الى مصالحة، عندها يجب أن لا نفوت الفرصة للنقاش معهم. بالتحديد “صندوق الافاعي” هو الذي يعطي الشرعية الشعبية للزعيم الفلسطيني الذي يريد التوصل الى مصالحة مع اسرائيل، والذي هو مصمم على محاربة الذين سيحاولون من ابناء شعبه أن يفشلوا كل اتفاق.

يجب عدم الغرق في وهم أن من نتباحث معهم سيتوقفون عن الاتكاء على احلام الماضي. حلم “خطة المراحل” سيواصل لعب دوره في تهدئة التناقض الذي سيزعجهم – خيانتهم لحلم العودة الى فلسطين الكاملة. يجب علينا استخدام عدد متنوع من الادوات كي نمحو بالتدريج العداء العميق تجاهنا. رسالة الحائط الحديدي “اسرائيل قوية ولا يمكن هزيمتها”، هي شرط حيوي، لكنه غير كاف. نحن بحاجة الى “حائط حديدي ذكي”. يجب اضافة للقوة العسكرية خطوات سياسية، اقتصادية – اجتماعية، تعزز المصلحة الفلسطينية في مواصلة التعاون مع اسرائيل والابتعاد عن العنف ضدها. هذه الخطوات تشمل خطة سياسية موثوقة تؤدي الى الاتفاق الدائم، وتجنب خطوات تخرب امكانية المصالحة (مثل توسيع المستوطنات في المناطق التي يمكن أن تكون تحت السيادة الفلسطينية)، والمساعدة المتواصلة للتطوير الاقتصادي وتحسين جودة الخدمات المقدمة للجمهور الفلسطيني، وخطوات كثيرة تساعد الفلسطينيين على الاقتناع بأن طريق المصالحة والسلام هي طريق مجدية ويفضل عدم التخلي عنها.

ضرورة السير في هذا المسار الصعب للسلام لا تنبع من السعي الساذج وراء ارث الأم تريزا. هذه هي الطريقة الفعلية والوحيدة لمنع الانزلاق الى واقع ثنائي القومية، الذي سيصفي الطابع اليهودي لاسرائيل. اذا كان الهدف هو دولة يهودية وديمقراطية فيجب علينا تقسيم البلاد. ومن اجل ذلك نحن بحاجة الى شريك فلسطيني. حماس وامثالها الذين يعملون على تصفية اسرائيل، سيلتقون في القبضة القاسية التي لا هوادة فيها، لكن المستعدين لانهاء النزاع يعتبرون شركاء جديرين.

عندما سيأتي الوقت الذي سيصافح فيه زعيم اسرائيلي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، سنتذكر أن هذا الشخص هو المسؤول عن قتل وتقطيع جثة الصحافي جمال الخاشقجي. نحن لن ننسى ذلك، لكننا سنصافحه كما صافحنا انور السادات الذي حت قيادته قتل 2700 جندي من جنودنا. في عالمنا المتوحش يجب اتخاذ قرارات مؤلمة جدا من اجل اعطاء اولادنا احتمالية التحرر من نير نزاع دموي. طالما أن افعال الشركاء تخدم اهدافنا، يجب أن لا نرتدع من الاحلام الظلامية التي ما زالت تأتي في كوابيسهم. تحدي سياسة اسرائيل كان وما زال “ايقاظ” عرفات ومن جاءوا بعده، على الحلم الذي يدور في ذهنهم والذي يخدم مصلحة اسرائيل، وعندها التقدم معهم في طريق طويلة نحو هدفنا.

--------------------------------------------

 

هآرتس 19/11/2024

 

 

مكتب رئيس الوزراء طلب من الشباك فتوى تمنع نتنياهو من الشهادة

 

 

بقلم: ميخال هاوزر طووف

 

مكتب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو طلب مؤخرا من الشباك كتابة رأي أمني يمكن نتنياهو من الامتناع عن الشهادة في المحاكمة، التي ستبدأ في 2 كانون الاول. هذا ما علمته “هآرتس”. في المكتب طلبوا من الشباك تحديد هل نتنياهو لا يستطيع التواجد لفترة طويلة في اماكن ثابتة يكون وصوله اليها معروف مسبقا. مع ذلك، الشباك رفض اعطاء رأي كهذا، وبدلا من ذلك بدأ في فحص واسع اذا كان يمكن تقديم شهادته كما هو مخطط لها، مع الحفاظ على المتطلبات الامنية لرئيس الحكومة.

في الفترة الاخيرة ضغط المقربون على نتنياهو كي يقيل على الفور رئيس الشباك رونين بار. جهات رفيعة في جهاز الامن قالت للصحيفة بأنها تعتقد أن الضغط ينبع من رفض بار تقديم رأي يكون مرضيا لنتنياهو. وحسب اقوال هذه المصادر فان قرار بار فحص بجدية الامكانية الامنية لعقد المحاكمة شجع الدعوات لاقالته. وحسب تقرير “واللاه” فان نتنياهو وبحق يفحص اتخاذ هذا الاجراء ويتساءل اذا كان يمكن استخدام الالعاب النارية البحرية باتجاه بيته كذريعة لفشل امني يبرر الاقالة.

مؤخرا يقوم الشباك بعدة فحوصات في اطار الرأي الذي طلب منه اعداده. ضمن امور اخرى، جهات رفيعة في الشباك وصلت الى المحكمة المركزية في القدس بهدف ايجاد حلول امنية تمكن من تقديم الشهادة وحماية في نفس الوقت رئيس الحكومة. اضافة الى ذلك اذا وجد الشباك بأنه لا يمكن حماية أمن رئيس الحكومة فهو سيقدم رأي طبقا لذلك.

“الشباك هو حارس عتبة حقيقي”، قال مصدر رفيع في جهاز الامن. “اذا احتاج الامر فانهم سيعززون الحماية ليئير نتنياهو في ميامي مهما كانت تكلفة ذلك. في المقابل هم لن يعطوا رأي أمني لا اهمية له اذا لم تكن هناك حاجة حقيقية لذلك”. في مكتب نتنياهو اختاروا عدم الرد.

الموقف الذي سيقدمه الشباك مهم بالنسبة لنتنياهو، الذي يصمم على تأجيل بداية شهادته. هذا لأنه بعد أن رفضت الهيئة القضائية في محاكمته طلبه تأجيل شهادته لاعتبارات امنية، فانهم في محيط نتنياهو يأملون الحصول من الشباك على رأي رسمي يؤكد هذه الامور ويمكن من تاجيل الشهادة. القضاة كتبوا في القرار بأنهم لم يقتنعوا بأنه سيحدث تغيير جوهري في الظروف، يبرر تأجيل قضية الدفاع في المحاكمة، لأنه في القرار الذي يقضي بأن يبدأ نتنياهو في تقديم شهادته في كانون الاول تم الاخذ في الحسبان “جميع الاعتبارات المتعلقة بالموضوع، من بينها وضع الحرب”. واشار القضاة ايضا الى أنه اعطي لطاقم الدفاع خمسة اشهر من اجل الاستعداد للشهادة.

القضاة ردوا ايضا على ادعاء نتنياهو الذي تمت مناقشته امامهم في جلسة سرية، الذي بحسبه هناك معلومات تراكمت مؤخرا في جهاز الامن “تؤثر على الاسلوب الذي يمكن به أن تُسمع شهادته”. منذ فترة قصيرة قال رجال رئيس الحكومة بأن حضوره الدائم في المحكمة في هذا الوقت يعرض حياته وحياة المشاركين الآخرين في القاعة للخطر. الى جانب ذلك قال محامو نتنياهو بأنه “حدثت سلسلة احداث استثنائية حولت اعداد رئيس الحكومة لتقديم الشهادة في الملف الى أمر غير ممكن في ظل الظروف الحالية”.

المحامون ذكروا عدة احداث بارزة من بينها اغتيال قائد الذراع العسكري في حماس محمد ضيف، الاتصالات مع حماس لعقد صفقة لتحرير المخطوفين، الحرب ضد حزب الله والمواجهة المباشرة مع ايران. “هذه الاحداث (وغيرها) أدت الى أنه في معظم المواعيد التي كان يجب فيها اعداد رئيس الحكومة لتقديم شهادته، تم الغاءها لاحتياجات أمنية أو احتياجات سياسية ملحة”، كتب في الطلب. في هذا الشأن قرر القضاة بأنه في هذه المرحلة لم يقدم لهم “اساس كاف يمكن من اعطاء أي تعليمات فعلية”.

هذه ليست المرة الاولى التي يطلب فيها نتنياهو تأجيل محاكمته بعد أن طلب محاموه في شهر حزيران أن تبدأ المناقشة في القضية في آذار 2025.

أمس اعتقلت الشرطة مشتبه فيه رابع في التورط في اطلاق الالعاب النارية البحرية نحو بيت رئيس الحكومة في قيصاريا، المشتبه فيه هو ابن ضابط كبير في الاحتياط الذي اعتقل في هذا الاسبوع على يد الشباك والشرطة بتهمة التورط في اطلاق الالعاب النارية. وقد اعتقل في مكان عمله في مصنع امني في شمال البلاد واخذ للتحقيق. الحادث اثار الضجة في اوساط اعضاء الحكومة. وكثيرون منهم قالوا بأن هذا حدث على خلفية التحريض، وحسب رأيهم، ضد رئيس الحكومة.

--------------------------------------------

 

يديعوت احرونوت 19/11/2024

 

 

الاتفاق المرتقب بين لبنان وإسرائيل لا ينص على مطلب إسرائيل التدخل لفرض الاتفاق

 

 

بقلم: سمدار بيري

 

منذ أربعة أيام والبروفيسور تشارل شبتوني اللبناني ابن الطائفة المسيحية المارونية يتراكض بين الاستديوهات التلفزيونية في بيروت. وفي كل مرة من جديد يحرص على التشديد على ان إسرائيل ليست عدونا، حزب الله ينزل الى حياتنا ويمنع النظام السليم في لبنان ونحن ملزمون بالتخلص منه. وبينما يقف المتحدثون الآخرون ممن يتماثل بعضهم مع حزب الله – ايران ضد المواقف الشاذة للبروفيسور شبتوني ويطالبون باعتقاله وتقديمه الى المحاكمة على الخيانة، فان الجمهور، الذي في معظمه من الشباب، يصفق له ويهتف “استمر، نحن معك”. البروفيسور ليس فقط لم يعتقل بل انه يواصل التنقل بين الاستديوهات واقواله تدخل عميقا الى قلوب مواطني لبنان. “اذا كنا نريد ان نعيد بناء لبنان”، كما يكرر القول “فان الشرط الأساس هو التخلص من حزب الله، الذي هزم في الحرب ضد إسرائيل”.

لقد نقل الرد اللبناني على مقترح التسوية منذ الان الى الأمريكيين، ويمكن التخمين انه وصل الى القدس أيضا. فبعد ان أجل عاموس هوكشتاين رحلته في اعقاب “عدة إيضاحات” طلبها لبنان في اللحظة الأخيرة، فانه يأتي الى بيروت في محاولة للحصول على التوقيع النهائي، وهو اخر يعرف بان هذا ليس مؤكدا. فلبنان لن يسلم باقتحام قوة إسرائيلية في حالة انتهاك الاتفاق. اما البروفيسور شبتوني فيسير شوطا أبعد ويدعو “المسؤولين” الى تبني اتفاقات إبراهيم التي وقعتها امارات الخليج والمغرب لاجل إعادة بناء اقتصاد لبنان. أقواله لا تحظى بتعقيب من قادة الحكم. كبار المفاوضين يصمتون. وبدلا من أن يقدم البروفيسور الى المحاكمة يبدو وكأنه مبعوثهم الذي يعمل على تهيئة الرأي العام للوضع الجديد اذا ما اقر اتفاق التسوية.

ماذا سيتضمن الاتفاق، اذا ما خرج الى حيز التنفيذ؟ انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان، ابعاد حزب الله في صالح نزول جيش لبنان الى الجنوب – خطوة جديدة تستهدف تجاوز الحزب والسماح لرئيس الأركان جوزيف عون خلق واقع جديد. يمكن للقصر في بيروت ان يراقبه؛ تطبيق قرار الأمم المتحدة 1701 الذي يحظر على حزب الله التواجد في جنوب نهر الليطاني مما يسمح له بتشديد الهجمات على بلدات الشمال كاستعراض للقوة الى أن يحظر اذا ما حظر؛ وفي اطار نقل المهام فان الجيش اللبناني هو من سيتلقى القيادة على أمن الدولة.

كما ستتشكل لجنة للرقابة على تطبيق قرار انسحاب قوات حزب الله، برئاسة ضابط امريكي كبير وجنرال فرنسي. وسيكون مسموحا لإسرائيل أن تعمل فقط اذا ما فشلت اللجنة في مهامها. وهذا فيما يكون جيش لبنان هو من سيحتل المواقع في الجنوب، قبالة إسرائيل، وسيكون الجسم الشرعي الوحيد الذي يمكنه أن يعمل في المنطقة. جيش لبنان سينفذ ضمن أمور أخرى تمشيطات للبحث عن السلاح وقوة اليونيفيل ستتعزز فيما ليس واضحا من هي الدول التي ستبعث بالقوات اليها.

يدور الحديث عن اتفاق مؤقت سيوضع قيد الاختبار. بعد نحو شهرين سيستأنف عمل اللجنة الثلاثية – إسرائيل، لبنان وقوة اليونيفيل – للبحث في تحديد نقاط الحدود البرية، بينها 13 نقطة موضع خلاف. وتدعي صحيفة “المستقبل” اللبنانية بان بندا واحدا فقط مزعج: لجنة المتابعة الدولية لتنفيذ القرار، بسبب مشاركة المانيا وبريطانيا في الرقابة على حدود سوريا – لبنان.

من المجدي الانتباه الى الحقائق: طلب إسرائيل العودة الى العمل داخل لبنان في حالة انتهاك من جانب حزب الله، لا يوجد في مسودة التسوية. فمحافل مدنية رفيعة المستوى في لبنان تحرص على الايضاح بانه اذا ما نجحت جهود التسوية، فسيعلن عن وقف نار في غضون بضعة أيام. وبالتوازي مع التقارير عن التقدم في المفاوضات للتسوية اطلق حزب الله امس وابلا من الصواريخ نحو غوش دان واظهر انه لن يتوقف (الى ان يتخذ قرار ملزم).

--------------------------------------------

 

 

 

 

 

هآرتس 19/11/2024

 

الصهيونية المسيحـانيـة تنـتـصر على دولــة إسرائيل

 

 

بقلم: تسفي كاسا

 

في 19 تشرين الأول 1967، أبلغ رئيس الحكومة في حينه، ليفي أشكول، الرئيس الأميركي في حينه، لندن جونسون، بأن "المناطق" التي تم احتلالها في الضفة هي وديعة للسلام. وقد رفض موشيه ديان ومناحيم بيغن توثيق هذا البلاغ كقرار للحكومة. وبعد شهر، في 22 تشرين الثاني، التقى عشرات الأشخاص من نخبة المثقفين والسياسيين – اليسار والوسط واليمين، علمانيين ومتدينين – وهم في حالة صدمة النصر في حرب "الأيام الستة"، وفي حالة انجرار للموجة المسيحانية التي أغرقت المجتمع الإسرائيلي، وقاموا بنشر بيان "أرض إسرائيل الكاملة".

وقد كان من بين هؤلاء نتان الترمان، اهارون امير، حاييم غوري، منشه هرئيل، راحيل بن تسفي، بني مارشك، اسحق تبنكين، موشيه تبنكين، اسحق تسوكرمان، تسفيا لوفتكين، اليعيزر لفني، موشيه شمير، يعقوب اورلاند، زئيف فلنائي، اسحق شليف، زروفابل جلعاد، اوري تسفي غرينبرغ، شموئيل عغنون، دان فون فايزل، حاييم هزاز، يهودا بورلا، اهارون رؤوبيني، الحاخام موشيه تسفي نيريا، ابراهام لفنسون، إسرائيل الداد، شموئيل كاتس، دان تولكوفسكي، رؤوبين هيخت، ايسر هرئيل، اليعيزر شيفر، افنر حاي شاكي، عوزي فاينرمان، اهارون هرئيل – فيش، ابراهام كريف، يهودا اليتسور، رفكا كاتسنلسون، موشيه موسكوفيتس، موشيه اتار، آريه هرئيل، يوحنان اهاروني، دوف سدان، حاييم بن آشر، عوفيد بن عامي، يهوشع بنتسيون، مناحيم دورمان، هيلل دان، الياهو بن حور، دافيد كورمان، تسفي شيلوح، حاييم يحيل، عيري جابوتنسكي، وابراهايم يافيه.

وضع البيان سجادة فكرية تحت أقدام الانقلاب الذي قاد من صهيونية الدولة إلى الصهيونية الكولونيالية، أي أننا لم نأت لإقامة دولة في "ارض إسرائيل"، بل لتحويل "ارض إسرائيل" كلها دولة يهودية. شعار اليمين "هذه لنا وهذه أيضا لنا" هو الذي انتصر. انتهت سياسة التقسيم التي ميزت الصهيونية الطلائعية والسياسية، التي أدت إلى إقامة دولة إسرائيل.

تبدل قاموس الصهيونية مرة واحدة. "ارض إسرائيل" حلت مكان دولة إسرائيل. كل البلاد في أيدينا. هي لنا. لا يوجد احتلال. لا يوجد شرق الأردن. لا يوجد شعب فلسطيني. ليس كل شعب يستحق الدولة. لا توجد قيم دولية. توجد حقائق القوة.

كيف لم يفهم الحكماء، العلمانيون والمتدينون، الذين وقعوا على البيان بأنهم يشاركون في ثورة تكتونية، تحول إسرائيل من دولة ديمقراطية وإنسانية إلى كولونيالية مجرمة وفاسدة، ومن صهيونية تقوم على نظرية "نحن أيضا" للآباء المؤسسين حاييم وايزمان ودافيد بن غوريون إلى صهيونية "نحن فقط".

كان هذا بمثابة إعلان حرب على الشعب الفلسطيني. المعنى هو أنه ليس فقط لن تكون دولة للفلسطينيين، بل أيضا جوهر وجود إسرائيل كدولة سيهتز. هذه ستكون الدولة الديمقراطية في العالم التي تقوم بقمع شعب آخر. الوضع الجديد الذي نشأ ليس دولة شعب إسرائيل، بل بلاد فيها شعبان يقتل أحدهما الآخر.

الموقعون، الذين هم قوميون، ليبراليون، ديمقراطيون، يساريون، قوميون دينيون متطرفون، أصيبوا بالعمى المسيحاني، ولم يلاحظوا أن احتلال شعب سيؤدي إلى "الإرهاب". وأن هذا "الإرهاب" سيكون جوهر الوضع السياسي والاجتماعي. كل حكومات إسرائيل من العام 1967 ستستند إلى ائتلافات "ارض إسرائيل الكاملة". وبعد جيل أو جيلين سينضم القوميون المتطرفون القبليون من "الليكود" إلى تحالف رجال كهانا، غولدشتاين، وبن غفير، ورجال دين وفاشيين وسموتريتشيون، من اجل تتويجهم على الإسرائيليين اتباع نظرية الدولة.

قامت حكومات "ارض إسرائيل الكاملة" بطرد الملك حسين، الذي جعل الفلسطينيين أردنيين، وضمت للدولة مليوني فلسطيني، واستسلمت لانقلاب "غوش ايمونيم" في سباسطية، ورعت منفذي الهجرة الاستيطانية إلى "المناطق" المحتلة، وجلبت الانتفاضة الأولى والانتفاضة الثانية وكارثة عيد الغفران وتحطيم اتفاقات أوسلو، وأضعفت السلطة الفلسطينية، التي اعترفت بإسرائيل، وفضلت "حماس"، وقامت بتمويلها من أجل الإثبات بأنه لا يوجد من نتحدث معه.

وضعت هذه الحكومات في يد المتدينين الصهاينة المسيحانيين نشاطات الطرد والسلب للشعب الفلسطيني، باسم الأيديولوجيا الدينية، "شعب إسرائيل، توراة إسرائيل وارض إسرائيل". وحسب رؤية الصهيونية الدينية فإنه ليس الدولة، بل الخلاص المسيحاني هو الذي سيضمن استمرار وجود اليهود، فما هي قيمة الدولة أمام الخلاص؟ ماذا يعني القانون والقضاء و"الأبرتهايد"؟ ما هي المعايير الرسمية أمام بداية ظهور الخلاص؟ ما هي الوصايا العشر أمام الفلسطينيين؟. جميع أدوات ومؤسسات المملكة، الحكم العسكري، الجيش الإسرائيلي، الشرطة، "الشاباك" وجهاز القضاء، يجب وضعها لخدمة ثورة الخلاص، حتى بثمن خصي وإنهاء صفة الدولة الرسمية الإسرائيلية.

كل الصعوبات التي تواجهها إسرائيل منذ اليوم التالي لحرب "الأيام الستة"، بما في ذلك فضيحة محاولة الانقلاب النظامي، هي نتيجة صعود الصهيونية المسيحانية، التي هي نقيض الصهيونية الأصلية ومصدر كارثة 7 تشرين الأول. لن يوجد أي تهديد وجودي من جهات خارجية (هذا ما وعد به بن غوريون). الاستعمار الملعون أمام الفلسطينيين والعالم المتنور هو الخطر الوجودي الذي ينشأ في الداخل.

--------------------------------------------

 

 

 

"معهد القدس للإستراتيجية والأمن" 19/11/2024

 

 

إيران تعيد التفكير في إستراتيجيتها مع عودة ترامب

 

 

بقلم: أفيرام بلايش

 

على خلفية عودة ترامب إلى الرئاسة الأميركية، تعيد إيران التفكير في إستراتيجية جديدة، بينما تواجه قيادتها في الأسابيع الأخيرة معضلة تتعلق بتوقيت الرد على الهجوم الإسرائيلي الذي وقع في 26 تشرين الأول، على ضوء الانتخابات في الولايات المتحدة ونتائجها.

هناك في طهران مَن فضّلوا مهاجمة إسرائيل قبل الانتخابات، وادّعوا أن تركيز الولايات المتحدة عليها يقلل من احتمال نشوب حرب شاملة. مع ذلك، فإن الحجة المضادة هي التي حسمت الموقف، واتُّخذ القرار بأن توجيه ضربة قبل الانتخابات يمكن أن تزيد في فرص فوز دونالد ترامب.

من الواضح أن نتائج الانتخابات صدمت النظام في إيران، الذي اعتمد على استطلاعات الرأي التي توقعت فوز نائبة الرئيس، كامالا هاريس. وبرز مَن ادّعى أن فوز ترامب يؤكد مرة أُخرى ضرورة التزام الحذر في التعامل مع استطلاعات الرأي، وحتى مع مصادر، مثل "نيويورك تايمز".  وهناك مَن قال: إن ترامب، الذي تعلم من ولايته الأولى، أصبح أكثر خطراً الآن على إيران. وهذا الأمر يطرح مسألة ما إذا كان النظام سيردّ بصورة مختلفة على الهجوم الإسرائيلي، وهو ما يشير إلى أن النظام في إيران هو أيضاً تعلّم من ولاية ترامب السابقة.

واستناداً إلى تقارير مختلفة في إيران، نُشرت بعد الانتخابات الأميركية، يدّعي مؤيّدو النظام أن ترامب استخلص الدروس من الأعوام الأربعة الأخيرة. وفي رأيهم، فإن هذا ما عزّز قاعدته السياسية، وقضى على خصومه وأعدائه في الداخل، وهو الآن في موقع قوي للغاية مع سيطرة حزبه على مجلسَي النواب والشيوخ.

لقد تميزت الولاية السابقة لترامب باتخاذ خطوات قاسية ضد إيران: مثل الانسحاب من الاتفاق النووي، واغتيال قاسم سليماني، وفرض عقوبات على بيع النفط، الأمر الذي أضرّ كثيراً بالاقتصاد الإيراني. وكشفت خطوات ترامب إستراتيجيته في التفاوض التي شملت الهجوم أولاً، ثم فرض تنازلات على الطرف الثاني، هذه الإستراتيجيا، بحسب محللين إيرانيين، أدت إلى زيادة في حدة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران.

هل تفكر إيران في إعادة النظر بإستراتيجيتها مع عودة ترامب إلى الرئاسة؟ يعود ترامب إلى البيت الأبيض، بينما إيران ضعيفة ومكشوفة أكثر من الناحيتين الاقتصادية والأمنية مما كانت عليه في سنة 2016. وهذا يعود بصورة أساسية إلى العقوبات التي فرضها ترامب خلال ولايته الأولى، والأزمات الاجتماعية التي عانت جرّاءها، وكذلك نتيجة الحرب في 7 تشرين الأول، التي قضت على عشرات الأعوام من العمل على تعاظُم قوة أذرعها وجيشها، بما فيها مشتريات عسكرية كبيرة (مثل منظومة الدفاع الجوي إس-300).

هناك مَن ينتظر أن ينتهج ترامب إستراتيجية مشابهة في ولايته الجديدة: خطوات عدائية، ضغط اقتصادي على مداخيل النفط، بذل الجهود من أجل تقليص مداخيل طهران بصورة عامة. ومن المتوقع أن يدفع ترامب قدماً بمشروع الممر الاقتصادي من الهند - الشرق الأوسط - وأوروبا (IMEC)، وأن يدعم أذربيجان فيما يتعلق بممر زانجزور [الذي تعارضه أرمينيا وإيران، والذي يربط أذربيجان بمنطقة معزولة تابعة لها تقع في الجنوب الغربي من أرمينيا، بالقرب من الحدود الإيرانية]، بهدف الحد من وصول إيران إلى أوروبا. ويدّعي الخبراء أنه في ضوء الضرر الذي يمكن أن تُلحقه هذه السياسة بالصين، فإن أمل إيران الوحيد هو بازدياد حدة المواجهة بين الولايات المتحدة والصين، الأمر الذي يمكن أن يقرّب بكين من طهران.

تذّكر تصريحات ترامب بشأن "إنهاء الحرب" بسياسة الرئيس هاري ترومان الذي أنهى الحرب العالمية الثانية. وفي تقدير المحللين أن ترامب سيسمح لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بتدمير "حماس" تدميراً كاملاً في غزة، وسيعطيه حرية العمل ضد إيران وإضعافها، اقتصادياً وإقليمياً، وتهديد استقرار النظام الإيراني.

لا يمكن التنبؤ بما سيفعله ترامب. ومع ذلك، من الواضح وجود 4 عوامل في سياسته في الشرق الأوسط:

عامل شخصي خاص، مساعدوه والمقربون منه، بينهم نائبه جي دي فانس، وهو من المسيحيين الإنجيليين الموالين لإسرائيل، وهناك علاقاته الوثيقة بلاعبين إقليميين، مثل وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، وعلاقته بنتنياهو.

بناءً على ذلك، تعيد طهران دراسة خطواتها. وعلى خلفية عودة ترامب، تتخوف من أن يؤدي أيّ استفزاز للرئيس الأميركي إلى تحريك تأثير هذه المكونات الأربعة، بحيث يصبح ترامب أكثر خطورةً مما كان عليه قبل 4 أعوام. وعلى هذه الخلفية، يعتقد النظام أن عليه التصرف بطريقة مختلفة في الوضع الجديد، والتفكير في إستراتيجيا جديدة.

يطالب بعض هؤلاء الخبراء بإقامة قناة اتصال تفاوضية، مثل تلك الموجودة مع إدارة بايدن، على أمل التوصل إلى "صفقة أفضل" مع رجل الأعمال ترامب، تشكل إنجازاً لإدارته الجديدة، مقارنةً بالإدارة السابقة. كذلك يعمل النظام الإيراني على تعزيز العلاقات مع السعودية، مع الاعتقاد أن المصالحة معها، ولو ظاهرياً، ستقلل من قوة الضغط الذي يمكن أن تمارسه الرياض ضد طهران.

هذه الخطوات الإيرانية، فضلاً عن الأمل بأن يفي ترامب بوعوده لناخبيه من المسلمين بشأن إنهاء الحرب في غزة ولبنان وإعطاء الأولوية لإعادة البناء الاقتصادي، يمكن أن تلجم السياسات العدائية في الشرق الأوسط.

--------------------------------------------

هآرتس 19/11/2024

 

سحب المساعدات الإنسانية من يد «حماس» دون الانجراف وراء أوهام التهجير والتجويع

 

 

بقلم: داني أورباخ

 

يتوفر في التاريخ العسكري العديد من الأمثلة لخطط عسكرية بدت منطقية تماماً على الورق، لكنها فشلت وضاعت في غياهب النسيان بسبب عدم قابليتها للتنفيذ، سياسياً. فعلى سبيل المثال، خلال الحرب الروسية - اليابانية (1904-1905)، خطّط القائد الروسي، أليكسي كوروباتكين، لاستدراج اليابانيين إلى عمق الأراضي الروسية، الأمر الذي يؤدي إلى إطالة خطوط إمداداتهم، ثم سحقهم بهجوم مضاد عندما يصبحون ضعفاء ومنهكين وجائعين. نظرياً، لم يكن هناك أيّ شيء يمكن أن ينقذ اليابانيين من هذه الخطة البسيطة، والذكية، والقاسية. لكن من الناحية السياسية، كانت هذه الخطة مشروعاً لم يُكتب له النجاح، ولم يكن في الإمكان أن ترى النور. حدث هذا، أساساً، لأن القيصر، نيكولاي الثاني، الذي كانت له الكلمة الفصل في الخطط الحربية، لم يستطع أن يفهم لماذا يجب أن تتراجع قوة أوروبية عظمى، مثل روسيا، أمام اليابانيين الذين كان يحتقرهم. وكلما ازداد تراجُع كوروباتكين فقد القيصر ثقته بقائده العسكري. في النهاية، دفع كوروباتكين ثمن التراجع، فأقاله القيصر قبل أن يتمكن من تنفيذ خطته. لم يدرك القائد الروسي أن السياسة في مسائل الحرب هي صاحبة الكلمة الأخيرة دائماً.

على هذا النحو، تبدو خطة الجنرال المتقاعد، غيورا آيلاند، "خطة الجنرالات"، والتي تتضمن تهجير سكان شمال قطاع غزة، وعزل المقاتلين الموجودين هناك وتجويعهم، مع المدنيين الذين يقررون البقاء، منطقية على الورق، لكنها في الواقع خطة خاطئة وضارة ومدمرة، لأنها تفتقر إلى الجدوى السياسية، والقانونية، وحتى الأخلاقية. والأسوأ من ذلك أن تنفيذها بشكل جزئي قد يكلف إسرائيل ثمناً باهظاً من دون أن تجني الفوائد المرجوة.

من الناحية العسكرية البحتة، هناك منطق كبير في طروحات آيلاند. فإسرائيل تعاني جرّاء نقص في القوى البشرية، وإنهاك منظومة الاحتياط، وفقدان صبر الجمهور على استمرار القتال والخسائر في قطاع غزة. إن هذا الصبر هو مورد محدود، والغارات المتكررة على مناطق سبق أن "تم تطهيرها" تستهلكه. وإجلاء المدنيين عن منطقة معادية سيمكّن إسرائيل من عزل مقاتلي "حماس". وبهذا، يستطيع الجيش الإسرائيلي السيطرة على نقاط استراتيجية رئيسية من دون أن يتكبد ثمناً باهظاً في المال والأرواح، بالإضافة إلى ضرب "حماس" في نقطة ضعفها الأكثر إيلاماً: خسارة الأراضي بشكل دائم.

آيلاند محقّ أيضاً في قوله إن إسرائيل تقوم بتغذية "حماس"، بضغط من المجتمع الدولي. فالحركة تستولي على المساعدات الإنسانية التي تمررها إسرائيل إلى القطاع، وهو ما يعزز سيطرتها. وبدلاً من تقصير مدة الحرب، تعمل إسرائيل على إطالة أمدها عبر تغذية العدو بالطعام والوقود، ما يزيد في معاناة جميع الأطراف. أيضاً آيلاند محق في زعمه أن تقديم المساعدات الإنسانية يعيق عودة الأسرى. يجب التذكير بأن "حماس" وافقت على الصفقة الأولى، التي تم بموجبها إطلاق سراح نصف الأسرى، ليس فقط بسبب الضغط العسكري، بل أيضاً لأن إسرائيل خنقتها بحصار شامل في ذلك الوقت. وعندما بدأ تدفُّق المساعدات، تراجع دافعها إلى إبرام صفقة أسرى جديدة.

ومع ذلك، ومثل المثال الروسي، ليس كل ما يبدو صحيحاً من الناحية العسكرية يمكن اعتباره منطقياً من الناحية الأخلاقية، أو القانونية، أو السياسية. فلا يمكن لإسرائيل تجويع الآلاف من المدنيين الذين قد لا يكون لديهم وسيلة لمغادرة المناطق الخطِرة، وإن تم تحذيرهم، وخصوصاً إذا لم تُقدَّم لهم بدائل آمنة. وعلى الرغم من أن القانون الدولي يسمح بإجلاء المدنيين بشكل مؤقت عن مناطق النزاع، فإن ذلك الإجلاء يقتصر على الفترة التي تستمر فيها المخاطر، ولا يجوز أن يكون دائماً؛ أيضاً من المؤكد أنه لا يجيز إلحاق الضرر المتعمد بالمدنيين الذين بقوا في تلك المناطق.

علاوةً على ذلك كلّه، تعدّ الخطة غير قابلة للتنفيذ من الناحية السياسية. فعلى الرغم من أن قواعد وزارة الدفاع الأميركية تسمح بفرض حصار على منطقة معادية، فإن الإدارة الحالية (على الأقل) لا تسمح لإسرائيل بالعمل، وفقاً للمعايير المتساهلة التي تطبّقها على نفسها. وحتى لو سمحت إدارة دونالد ترامب بذلك، فإن إسرائيل لا يمكنها أن تتحمل عواقب حرق ما تبقى من جسور تربط بينها وبين أوروبا، ومصر، والأردن، والإمارات، والسعودية.

لقد دعوت، مراراً، إلى اختبار حدود صبر المجتمع الدولي إلى أقصى مدى من أجل تحقيق الهدف الرئيسي للحرب: القضاء على حركة "حماس". ومع ذلك، فإن منع المساعدات الإنسانية بالكامل سيؤدي إلى نفاد صبر المجتمع الدولي، وهو ما سيؤثر في إمدادات السلاح إلى إسرائيل. بينما سيمثل تنفيذ خطة آيلاند، جزئياً، الخيار الأسوأ على الإطلاق: إذ إن إسرائيل ستتحمل تداعيات الغضب الدولي، وسترضخ في النهاية للضغوط، وستضطر إلى إدخال المساعدات، لكنها لن تنجح في تحقيق أهدافها.

في السياق نفسه، لن نتمكن من تجاهُل المعضلة التي يطرحها آيلاند: وهي معضلة قيام إسرائيل بتغذية العدو، والتي تساهم في حفاظ "حماس" على قدرتها في غزة، إن لم يكن كدولة فعلية. هذه الحقيقة تجبر الجيش الإسرائيلي على العودة، مراراً، إلى المناطق التي "طهّرها" مسبقاً، وهذا يمثل استنزافاً للمال والذخيرة، والأهم من ذلك، أرواح الجنود. والحل الوحيد لهذه المعضلة هو توجيه المساعدات الإنسانية إلى المناطق الواقعة تحت السيطرة الكاملة لإسرائيل، وتوزيعها هناك تحت إشرافها.

على إسرائيل إنشاء "مناطق آمنة" في شمال قطاع غزة وجنوبه ووسطه. وإقامة مخيمات مجهزة بالمياه والغذاء والأدوية في هذه المناطق، بإدارة منظمات دولية، وتحت إشراف إسرائيلي. وتقوم إسرائيل بدعوة سكان القطاع إلى هذه المناطق، حيث سيتم إخضاعهم لعملية فحص أمني يُجريها جهاز "الشاباك" لتحديد واعتقال عناصر "حماس". وسيوجّه الجيش الإسرائيلي، بالتدريج، المساعدات الإنسانية المرسلة إلى القطاع نحو هذه المناطق، على حساب المناطق التي تخضع لسيطرة "حماس".

على هذا النحو، ستفي إسرائيل بالتزامها، بصفتها قوة محتلة، من ناحية توفير المساعدات الإنسانية للسكان، وستمنع حركة "حماس" من التحكم بالمجتمع في غزة من خلال توزيع المساعدات. وبمرور الوقت، قد تتمكن إسرائيل أيضاً من إنشاء قاعدة لحكم عسكري مؤقت. وسيُستبدل هذا الحكم في المستقبل بسلطة فلسطينية محلية، تخضع لإشراف إسرائيلي، أو دولي موثوق به، وتبدأ عملية طويلة لنزع تأثير "حماس" والتطرف من السكان في قطاع غزة. فقط من خلال هذه العملية، يمكن تأسيس أساس للتعايش الإسرائيلي - الفلسطيني في المستقبل. الشرط الأساسي لتحقيق ذلك هو سحب السيطرة على المساعدات الإنسانية من يد "حماس"، من دون الانجراف وراء أوهام التهجير والتجويع الجماعي.

--------------------------------------------

هآرتس 19/11/2024

 

إذا كان وقف الحرب في لبنان “هدية” لترامب… ماذا عن غزة و”المخطوفين”؟

 

 

بقلم: أسرة التحرير

 

 يبعث التقدم في المحادثات نحو اتفاق وقف نار بين إسرائيل وحزب الله أملاً في إنهاء الحرب في الجبهة الشمالية وإعادة السكان إلى بيوتهم بأمان. فقد تحقق التقدم بعد أن أزيلت بضعة عوائق في المفاوضات بين الطرفين، بما في ذلك التنازل من جانب حزب الله (وإيران) عن وقف الحرب في غزة كشرط أساس لوقف النار في الشمال.

 مع ذلك، عندما وضع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إنهاء الحرب في الشمال على رأس اهتماماته، وعندما تعرب إسرائيل، وإيران أيضاً، عن استعداد لمنح ترامب وقف النار “هدية” في ظل الاستعداد من جانب حزب الله وإيران للتنازل عن مبدأ “وحدة الساحات” الذي أملى الارتباط بين لبنان وغزة – علينا حينئذ أن نتساءل عن تداعيات لذلك على استمرار الحرب في غزة وعلى مصير المخطوفين.

 المخطوفون الإسرائيليون محتجزون لدى حماس منذ أكثر من 400 يوم. الجهاز الصحي لقيادة عائلات المخطوفين نشرت الأسبوع الماضي تقريراً عن وضعهم الصحي. فهم يعانون من سوء تغذية حاد، وبعضهم فقد حتى 50 في المئة من وزنه، وهم معرضون لحالات من التلوث والالتهابات في أجهزة التنفس. عائلاتهم تخشى ألا ينجوا في الشتاء الثاني وهم في الأسر. وهذا حتى دون الأخذ بالحسبان الخطر الدائم على حياتهم من جانب حماس وكنتيجة لنشاط الجيش الإسرائيلي.

 غير أن وضع المخطوفين والخطر على حياتهم ومعاناة عائلاتهم، لا تهم الحكومة. نتنياهو وحكومته مغتربون عن المخطوفين. فقد اجتازوا حاجز الخجل. كل يوم يظهر محفل آخر داخل الائتلاف الأكثر وحشية في تاريخ إسرائيل ويخرج علينا بعرض من جلافة قلب متطرفة. وهذا الأسبوع، حان دور رئيس لجنة الدستور سمحا روتمان، الذي منع عن أخي المخطوف متان انغرست، إسماع تسجيله من الأسر أثناء مداولات اللجنة. بالتوازي، تنبسط أمام الجمهور الصورة الكاملة عن حملة الوعي التي زعم أن محيط نتنياهو القريب أدارها ضد مواطني الدولة وعلى رأسهم عائلات المخطوفين بهدف تقليص التأييد لصفقة مخطوفين.

 إن الاعتبار الوحيد الذي يوجه نتنياهو هو بقاء الحكومة. ولما كان بخلاف الاتفاق في الشمال سيكلفه إنهاء الحرب في غزة وتحرير المخطوفين وجود حكومته، فإن الحرب في غزة ستستمر إلى الأبد، بثمن ترك المخطوفين لمصيرهم، ومقتل جنود، واستمرار ضرر غير متوازن بالمواطنين الغزيين. هدف الحرب في غزة كان غامضاً منذ البداية. وإذا ما حاكمنا الأمور وفقاً لسلوك الحكومة في الميدان، فإنها تبدو مصممة على دحر الفلسطينيين جنوباً والبقاء في غزة على مدى زمن غير محدود، بما في ذلك إقامة مستوطنات يهودية.

 ينبغي إنهاء الحرب في كل الجبهات. ويجب عدم بقاء غزة والمخطوفين على مذبح بقاء الحكومة. وينبغي السعي إلى صفقة مخطوفين وإنهاء الحرب في غزة، إلى جانب السعي إلى اتفاق في الشمال.

------------------انتهت النشرة------------------

أضف تعليق