نزال لـ»القدس العربي»: الاحتلال عسكر أجساد الفلسطينيات
وفي حوار مع «القدس العربي»، قالت نزال إن نفض اليد من مؤسسات الأمم المتحدة هو قرار صعب في ظل غياب البدائل الموضوعية المتفق عليها فلسطينيا.
ورأت أن النساء في قطاع غزة يواجهن تحديات غير مسبوقة دون أفق منظور لتوقفها، حيث قام الاحتلال بعسكرة أجساد النساء وحولها لمساحة حرب.
وفي ما يلي نص الحوار:
* كيف تصفين واقع المرأة الفلسطينية في ظل حرب الإبادة في قطاع غزة؟
التحديات التي تواجهها المرأة الفلسطينية يوميا غير مسبوقة، حيث تستهدف حياتها وحياة عائلتها بالقتل، علاوة على غياب أمنها وتعرضها لمخاطر متنوعة ونوعية دون أفق منظور إلى نهايتها مع توسع أهداف الحرب. تواجه النساء في قطاع غزة وضعا كارثيا مع استشهاد حوالي 12 ألف امرأة، عدا عن النساء اللواتي ما زلن تحت الأنقاض. يهدف الاحتلال بقتلهن وعسكرة أجسادهن وتحويلها لمساحة حرب بعد العمل على شيطنتهن وإخراجهن من آدميتهن لتبرير هذه الاستباحة، إلى جانب قتل الأمل بالمستقبل وضياع الأثر والإنجازات وزرع الإحباط واليأس في قلوبهن. وتعاني أكثر من مليون امرأة من النزوح الإجباري المتكرر وفقدان مصدر الرزق، حيث تحولت النساء بين عشية وضحاها إلى فقيرات، وعدن إلى الخلف حضاريا حوالي قرن من الزمان على الأقل.
«عادت نساء غزة للغسيل اليدوي، ولطبخ الأعشاب… طوابير أمام المراحيض، ندرة الماء، وغياب الفوط الصحية»
لقد عدن للغسيل اليدوي، والى طبخ الأعشاب البرية بعد جمع الحطب للحصول على النار، كما لم تعد النساء تشعر بالوقت حيث يستهلك وقتها في الرعاية التي تضاعفت بما لا يقاس. كما أن هناك الاصطفاف في طوابير أمام المراحيض أو للحصول على الماء ومنها طوابير للحصول على الماء الحلو أو ماء النظافة أو الحصول على شحن الموبايلات أو الغاز، إلى جانب الوقوف أمام مؤسسات توزيع ما يتوفر من أطعمة.
كما يشكل هاجس النساء في الحصول على الخدمة الصحية، مثل: خدمات الحوامل والاستشارات الطبية حيث تم إحصاء 155 ألف مرضعة وحامل، مع معاناة النساء من جفاف الحليب بسبب نقص التغذية والمكملات الغذائية والاحتياجات النسوية إلى الفوط الصحية، مما يسبب الإحراج لهن أو يتسبب بأمراض جلدية والتهابات. كما لا بد من معرفة أن هناك نحو نصف مليون امرأة في سن الحيض والإنجاب على الأقل، يضاف إلى ذلك الحرمان من التعليم، والاعتقال العشوائي وبخاصة في ظل استباحة أجساد المعتقلات، والممارسات المنافية للأخلاق التي تمارسها إدارة السجون، وتعمد الى تعريتهن أمام المعتقلين، علاوة على إلباسها لباس السجون مع حرف «ع» للإشارة الى إلى أنهن من غزة لتميزهن.
* ذهبت إلى الأمم المتحدة ضمن وفد فلسطيني خاص، ما أهداف الزيارة وما طبيعة الوفد؟
ضمن النظام المعمول به في مجلس الأمن الدولي القاضي بمراجعة قراراته المتخذة لجهة تقييمها والإنجازات المتحققة المسجلة وكذلك العقبات والإعاقات التي تواجهها وهو ما ينطبق على جميع هذا القرارات المتخذة المستندة إلى الباب السادس بما فيها القرار 1352 الخاص بأجندة المرأة والأمن والسلام في الدول التي تشهد الصراع المسلح بمختلف أشكاله وأسباب انفجاره.
وعليه اتخذت الأمانة العامة لـ»الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية» قرار المشاركة في الاجتماع الذي أيضا تشارك فيه مجموعة من المؤسسات النسوية المعنية بتطبيق القرار 1352، ومعنية بوضع أولوياتها على الطاولات النسوية والسياسية، والقيام بأعمال المناصرة الدولية والمساهمة بالجهد، وتوسيع دائرة الاشتباك مع الاحتلال في البعد الدولي.
* غالبا ما ذهبت بانطباع خاص، وربما بتصور نفض اليد من كل المنظومة الدولية، هل الموقف بقي على حالة بعد الذهاب وتقديم الواقع الفلسطيني وتحديدا الواقع الخاص بالنساء؟
السؤال مشروع جدا، ولا يوجد فرق كبير بين ما تبدو عليه الأمور من بعيد أو قريب، حيث لا تتغير الكثير من الحقائق المعروفة والمختبرة جيدا فقد طال انتظار الفلسطينيين مجيء اللحظة المنتظرة في تطبيق القرارات المتخذة منذ عقود الأمر الذي يؤكد عجز الأمم المتحدة عن تطبيق.
«12 ألف امرأة استشهدت… وغيرهن ما زلن تحت الأنقاض»
لكن مسألة توفير منصة للنساء لمخاطبة العالم، من وجهة نظر النساء، وتأثير الحرب العدوانية على النساء انطلاقا من أبعاد النوع الاجتماعي مسألة عكست لحظة فارقة مهمة. ونفض اليد من الأمم المتحدة قرار صعب، في غياب البدائل الموضوعية المتفق عليها فلسطينيا، علاوة على أنه ليس من الحكمة الانعزال عن المجتمع الدولي الذي يناصر قضيتنا بشكل عام ويصنع قرارات مهمة في الجمعية العامة تؤدي دورها في عزل إسرائيل… الحكمة تقتضي الضغط الجماعي على تغيير طريقة اتخاذ القرار في مجلس الأمن، وتحييد نظام «الفيتو» الواحد الذي عطل صنع الأمن والسلام وحماية المدنيين ليس في فلسطين فقط، بل في أوكرانيا وفي تايوان أيضا.
المشكلة التي تحتاج إلى الحل تكمن في الموقف الضعيف للدول العربية وعدم استخدامهم لما يملكونه من مواطن قوة ضاغطة كان من المقدر لها لعب دور في تحقيق بعض الإنجازات وصنع الفرق.
* هناك تعاط قطاعي أو فئوي مع تقسيمات المجتمع الفلسطيني، مرة أطفال ومرة نساء ومرة معوقين، هل هذا التقسيم في التعاطي مع إجراءات الاحتلال وتحديدا الحرب مجد؟ هل يحقق نتيجة إيجابية من وجهة نظرك أم أنه يقسم المجتمع ويفتت القضايا؟
وفد نساء فلسطين رفع الصوت في المحافل الدولية
التوجه نحو العروض القطاعية في المناسبات الدولية يستند الى اختلاف انعكاسات وتأثيرات السياسات المختلفة على كل قطاع، المرأة والرجل على أساس اختلاف الجنس، وينطبق الأمر على اختلاف الأثر على قطاعات أخرى كالأطفال والشباب وكبار العمر على أساس العمر. كل قطاع يتميز بخصوصيته وحساسيته تجاه المتغيرات بشكل مختلف عن الآخر، وهذا ما سيظهر بشكل أكثر في ظروف الصراع المسلح كميا ونوعيا وفقا لثقافة المجتمع ومعتقداته وموقع كل قطاع في النظام الاجتماعي. والمرأة بشكل عام في المجتمعات العربية عموما، لها موقعها ووضعيتها الخاصة مبنية على التمييز الممارس على أساس الجنس وفي الحروب المسلحة تصبح أجساد النساء إحدى أدوات الصراع والانتقام بين المتحاربين ومن أجل إلحاق الهزيمة بينهما. وفي الجوانب الأخرى لا بد من ملاحظة الاهتمام القطاعي العالمي في الاستماع للقطاع المقابل وهو اهتمام لا يقف عند حدود الاهتمام المعرفي، بل يخدم عنصر تعزيز الوعي واستنهاض البعد التضامني على أساس معرفي لإيصال الرسائل للجمهور الأوسع بين علاوة على توفيره فرصة أمام تشكيل التحالفات والائتلافات الداعمة وهو هدف مقصود لذاته من قبلنا بنتائجه المتوخاة وإخراج القضية من البعد الثنائي للصراع، وتبني القضية الفلسطينية من قبل عديد الشعوب الحرة وهو ما يمثل أحد الأهداف الموضوعة من قبل المشاركات لرفع صوت المرأة الفلسطينية والمساهمة في نصرتها.
* ما أبرز ما حدث مع الوفد الفلسطيني فيما يتعلق بتقديم قضايا وواقع النساء في ظل الحرب، هل هناك موقف مثير أو نتيجة يمكن البوح فيها وعرضها على المهتمين؟
الحقيقة كان برنامجا مكثفا حاولنا تغطية كافة المواضيع السياسية من جهة التطورات والتحديات التي تواجه إحلال الأمن والسلام كما تناولنا أثر الحرب الوحشية على غزة، والواقع الجديد المتشكل بما جعل حياتهن تشبه جهنم من فقد ونزوح وجوع ومخاطر وتهديد يومي، كما تعرضنا إلى الانتهاكات الجنسية في سجون الاحتلال بما فيها ما تتعرض له الأسيرة خالدة جرار من تعذيب على يد إدارة السجون.
بالنسبة لي، كانت مشاركاتي تذهب باتجاه رفع أصوات النساء عاليا، وتقديم إحاطات بذلك، والإجابة على التساؤلات المطروحة. لكن في جلسة خاصة بالشبكات التي تعبر عن تجمعات نسوية كبيرة، قمنا بقلب الصورة، طلبت من إدارة الجلسة أن نغير آلية الجلسة بحيث قمت بتوجيه الأسئلة عوضا عن استقبالنا لها، لقد جعلنا الجلسة تبدو كعملية مساءلة حول ما يفعلونه لرفع صوت غزة والأنشطة التي يقومون بها لكسر الصمت والضغط على المستوى الرسمي، وأعتقد، وهو ما تم استخلاصه، أن ذلك قد أدى الغرض وأحدث الصدمة اللازمة ورد الفعل المطلوب.
* ما أبرز مساحات العمل، هل هناك موقف من الحركات النسوية وخطاب النسوية والخطابات الحقوقية في ظل الحرب التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، ما طبيعة الموقف من ذلك؟
سؤال مهم جدا، هنا لا بد من الإشارة الى التطورات التي شهدها المصطلح والمفهوم الذي ينطوي عليه حيث تعرض للانتقاد والرفض من باحثات في الدول التي تقع في العالم الثالث بسبب قصوره عن رفضه لكل أشكال السيطرة، لقد طالبت النساء في دول العالم الثالث بضرورة البحث عن صيغة غير إشكالية تذهب بمعناها نحو رفض جميع أشكال القمع من جهة وإعادة بنائه ليأخذ بالحسبان الخصوصية المحلية لحياة النساء في الدول والسياقات المختلفة، وتحليل أسباب القمع لتأخذ النسوية معنى النضال ضد الأبوية والطبقة والهيمنة الذكورية ورفض الأبعاد الثلاثة للاضطهاد القومي والطبقي والجنسي، وبذلك تصبح غير مقتصرة على النساء، بل تضم الرجال أيضا. هذا المفهوم الذي ساهمت النسويات المعاصرات بتطريزه، وبخاصة النسويات من أصول أفريقية وآسيوية، حيث تحدثن عن الاستعمار ورفضن اختزال الحقوق بقضايا النساء وطالبن بعدم تجاهل خصوصية النساء في المناطق الأخرى. وبهذا أصبحت النسوية سياسية، من هنا أخذ النضال ضد الاحتلال والعنصرية معنى شاملا وتقاطعيا، وأخذ مساحته في البرنامج الحقوقي بما هو الحق في الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير واحتل دوره في المهام والأنشطة.
وقد انعكس المفهوم أعلاه بشكل عملي في تنظيم الأنشطة والشعارات المساندة لفلسطينيين في نضالهم ضد الاحتلال وضد الحرب على غزة وفي الضغط لإحداث التغيير، وتجلى في ممارسة الضغط على الحزب الديمقراطي (الأمريكي) في الانتخابات التمهيدية سواء بالأوراق البيضاء، أو عدم الالتزام، وقد لمسناه في الندوات التي نظمنها لنا للإحاطة بالواقع المعاش للنساء تحت الاحتلال وحرب الإبادة.
أضف تعليق