21 تشرين الثاني 2024 الساعة 23:44

حين تتمرد اسرائيل على النظام الدولي !

2024-10-28 عدد القراءات : 1016

فتحي كليب عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

لم يسبق ان كيانا دوليا تعاطى بعدائية وغطرسة مع الامم المتحدة وعدد واسع من مؤسساتها كما تعاطت اسرائيل، كما لم يسبق ان دولة تمردت على النظام الدولي وتمادت في تحديها للقانون الدولي ولعشرات القرارات التي اصدرتها الامم المتحدة كما فعلت اسرائيل، والسبب في ذلك لا يحتاج لكثير عناء كي يتم اكتشافه، وهو ليس مرده لقوة اسرائيل ونفوها الواسع على دول العالم، بعد ان اكدت تجربة عام على الاقل انها كيان لا يمكن ان يعيش ويتقدم الى الامام الا من خلال الدعم الخارجي، بل ان سبب هذه الغطرسة تعود اولا واخير الى الدعم الذي توفره لها الولايات المتحدة الامريكية وعدد من الدول الغربية، والتي تتحمل مسؤولية كافة افعالها..

في بداية شهر تشرين الاول (اكتوبر) 2024، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي "منع الأمين العام للامم المتحدة، من دخول البلاد"، بسبب عدم إدانته الصريحة للهجوم الصاروخي الذي شنته إيران على إسرائيل، والذي جاء كرد مباشر على اغتيال الشهيد القائد اسماعيل هنية في طهران ونائب قائد الحرس الثوري الإيراني في بيروت.

لم يكن امين عام الامم المتحدة اول من يتم منعه، بل ان عددا كبيرا  من المسؤولين الدوليين سبق ان منعتهم اسرائيل من زيارتها، على خلفية مواقف لا تنسجم مع السياسة الاسرائيلية. فقد شهد العام 2024 منع المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في "الأراضي الفلسطينية المحتلة" فرانشيسكا ألبانيز من الحصول على تأشيرة دخول (شباط) بسبب تصريحات قالت فيها انها لا توافق على "ان هجوم حماس على جنوب (إسرائيل) هو أكبر مجزرة معادية للسامية في قرننا". كما تم منع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل من دخول اسرائيل (ايلول)، بسبب تصريحات قال فيها "أنه باشر بإجراءات لفرض عقوبات على وزراء إسرائيليين(بن غفير وسموتريتش)، لإطلاقهم خطاب كراهية ضد الفلسطينيين واقتراحات تخالف القانون الدولي، والتي تمثل تحريضا على ارتكاب جرائم حرب".

وبغض النظر عن قانونية وجود اسرائيل في الامم المتحدة وما اذا كانت قد التزمت فعلا بالشروط المنصوص عنها في الميثاق، ورغم انها تدين بوجودها للامم المتحدة التي قبلتها عضوا كامل العضوية وفقا للقرار الصادر عن جمعيتها العامة رقم 237 لعام 1949، الا ان العداء كان سمة ملازمة لعلاقة اسرائيل بالمنظمة الدولية، والتي تعود الى عدد من الاسباب منها:

- ان اسرائيل هي "الدولة" الوحيدة في العالم التي قبلت عضويتها في الامم المتحدة بشكل مشروط، مقابل تنفيذها القرارين رقم 181 لعام 1947 الخاص بتقسيم فلسطين، والقرار رقم 194 لعام 1948 والمتعلق بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى قراهم وممتلكاتهم التي هجروا منها بقوة الارهاب الاسرائيلي.

- اصدار الامم المتحدة بكافة منظماتها لعشرات القرارات التي تؤكد على الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وهو ما تعتبره اسرائيل انحيازا متعمدا من الامم المتحدة لصالح الحق الفلسطيني.

 

- اصدار الجمعية العامة عام 1975 للقرار رقم 3379 الذي اعتبر "الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري".. ورغم الغاء القرار عام 1991 نتيجة الانقلاب الذي حصل في موازين القوى الدولية، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، فما زال هذا القرار، يشكل عقدة تاريخية يؤرق اسرائيل والحركة الصهيونية..نتيجة استحضاره الدائم في النقاشات السياسية والفكرية والقانونية التي تشهدها المنتديات الدولية..

- تفعيل الامين العام للامم المتحدة في كانون الاول 2023 للمادة 99 من الميثاق والتي تنص على أن "للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أية مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين". وذلك في رسالة بعث بها الى المجلس لحثه على استخدام صلاحياته في وقف العدوان على قطاع غزه باعتباره يشكل تهديدا للسلم والامن على المستوى الدولي. وقد اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي ان "ولاية غوتيريش تشكل خطرا على السلم العالمي". فيما اتهم المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة الأمين العام بـ "الانحراف الأخلاقي".

العلاقة العدائية من قبل اسرائيل بشكل خاص تجاه الامم المتحدة تعود الى المراحل الاولى لنشوء الكيان الاسرائيلي، الذي ترافق مع جرائم ومجازر ارتكبتها العصابات اليهودية ليس ضد الشعب الفلسطيني فقط، بل وضد الامم المتحدة ومبعوثيها، عندما حولت افكارها السياسية وأيديولوجيتها القائمة على الاساطير والخرافات التاريخية الى ادواة قتل وارهاب، فلجأت الى اغتيال وسيط الامم المتحدة الدبوماسي السويدي فولك برنادوت (ايلول 1948)، بعد يوم واحد فقط من وضع تقريره الذي قدم فيه الاسباب الموجبة لضرورة عودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم.. بهدف قطع الطريق على اي امكانية قد تتعرض فيها اسرائيل لضغوط تجبرها على السماح باعادة اللاجئين الفلسطينيين.

وحتى مع الانقلاب الذي حصل في موازين القوى الدولية، التي اخذت تميل لصالح اسرائيل، نتيجة الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية على العديد من الدول، بقيت الامم المتحدة محافظة على الحدى الادنى من صدقيتها في التعاطي مع انظمتها الداخلية، وبقي القسم الاكبر من الدول داعما ومؤيدا للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، رغم التهديدات العلنية من مسؤوليين امريكيين واسرائيليين بمعاقبة الدول التي تؤيد الحقوق الفلسطينية. وقد برز هذا الامر بشكل واضح عام 2017، عندما قالت مندوبة الولايات المتحدة في الامم المتحدة نيكي هايلي "سنبلغ الرئيس ترامب باسماء الدول التي ستدعم مشروع القرار المطروح والذي يرفض اعلان واشنطن الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل".

 وتعتبر فلسطين، كحركة تحرر وطني وكدولة غير عضو، اكثر من حظي بقرارات من الامم المتحدة ومنظماتها داعمة لها وللحقوق الوطنية لشعبها، مقابل اسرائيل التي باتت اكثر دول العالم صدرت بحقها قرارات ادانة من مؤسسات الامم المتحدة. وهذا ما يفسر افتعال اسرائيل للازمات الدائمة مع الامم المتحدة والمؤسسات الدولية، لوضع العالم اولا تحت سيف الابتزاز التاريخي على خلفية المزاعم ذات العلاقة باليهود في اوروبا، وثانيا بهدف حرف الانظار عن حقيقة ان فلسطين ما زالت القضية المركزية ليس فقط بالنسبة للشعوب العربية والشعوب الحرة، بل وايضا بالنسبة لمختلف مؤسسات وهيئات الامم المتحدة.

 ان موازين القوى الدولية داخل الجمعية العامة للامم المتحدة، ما زالت تميل لصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، ويعبر عن ذلك بالقرارات السنوية والدورية التي تصدر عن عدد من مؤسسات الامم المتحدة التي تؤكد على مجموعة من القضايا والتي قدرتها بعض المؤسسات الصهيونية في الفترة بين اعوام (2015 - 2022) فقط بـ 140 قرارا تناولت قضايا: القدس، عمليات وكالة الغوث (الاونروا) وتجديد التفويض، ممتلكات اللاجئين الفلسطينيين والإيرادات الآتية منها، تقديم المساعدة إلى اللاجئين الفلسطينيين، ادانة بناء المستوطنات الإسرائيلية فى الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، والجولان السورى المحتل، السيادة الدائمة للشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية وغير ذلك من عناوين ما زالت تحظى بدعم اغلبية دول العالم  الممثلة في الجمعية العامة..

ان كافة منظمات الامم المتحدة ومؤسساتها والقرارات الصادرة عنها كانت وما زالت موضع عداء من قبل اسرائيل ومع الولايات المتحدة. ولولا الدعم الذي تحظى به اسرائيل من بعض اعضاء مجلس الامن (فيتو الولايات المتحدة)، لكانت اسرائيل منذ زمن خارج الامم المتحدة، نظرا لخرق تعهدها الوارد في طلب الانضمام الى الامم المتحدة وعدم احترام تعهداتها بما يتعلق باحترام نص المادة الاولى من الميثاق لجهة احترام الشعوب وحقها في تقرير مصيرها ونص المادة الرابعة بما يتعلق باحترام الالتزامات التي يتضمنها، وايضا مخالفة المادة الثانية التي تفرض على الدول بأن تمتنع عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها.. اضافة الى اعلانها وبشكل صريح رفضها تطبيق القرارات الصادرة عن الامم المتحدة..

وخلال فترة زمنية قصيرة، اتخذت اسرائيل مواقف حادة وصلت الى درجة العداء التام مع عدد كبير من مؤسسات الامم المتحدة ومسؤوليها، واثيرت الكثير من المخاوف على المستوى الدولي بشأن مصير المؤسسات الدولية العاملة في الاراضي الفلسطينية المحتلة، بعد ان تعرض اعضاءها ليس لاستهداف سياسي بل ولتهديدات وصل بعضها حد القتل، ومن هذه المنظمات والممارسات على سبيل المثال:

1) محكمة العدل الدولية على خلفية تبنيها لثلاثة قرارات: الاول في تموز 2004 باعتبار جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية غير قانوني ومطالبة إسرائيل بإزالته. والثاني في ايار 2024 عندما طالبت إسرائيل بالوقف الفوري لعملياتها العسكرية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة وانسحاب قواتها. وهذا ما دفع ببعض المسؤوليين الاسرائيلية الى اعتبار المحكمة "منظمة سياسية ومعادية للسامية". والثالث في تموز الماضي حين اعتبرت المحكمة "ان استمرار وجود دولة إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة غير قانوني. وان الأمم المتحدة، ملزمة بعدم الاعتراف بشرعية الوضع الناشىء عن هذا الوجود غير القانوني.

2) المحكة الجنائية: اصبحت المحكمة محل عداء مع اسرائيل، بعد ان اصدر مدعيها العام في ايار 2024 أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ووزير حربه غالانت، وفي العام 2021 ايضا، فتحت المحكمة تحقيقا في جرائم حرب محتملة في غزة. وقد اعتبر الرئيس الاسرائيلي وقتها "ان محاولة استخدام المحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل التي تحارب الإرهاب، تشكل خطرا واضحا ومباشرا على الديمقراطيات والدول الحرة"، فيما اعتبر نتنياهو "ان قرار المدعي العام بحقه أمر سخيف وإن هذه الخطوة تستهدف إسرائيل بأكملها".

3) مجلس حقوق الانسان: اسرائيل واحدة من الاعضاء الـ 193 الذين يشكلون الجمعية العامة للامم المتحدة ويخضعون من قبل اعضاء المجلس البالغ عددهم 47 دولة لاستعراض دوري حول حقوق الانسان في دولهم، وعادة ما تستعرض كل الدول الاعضاء ملفاتها امام المجلس، الا ان اسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة، تستحضر كافة اشكال الضغوط على الدول الاعضاء الذين كلما ناقشوا ملف اسرائيل، كلما كان هذا الملف محط ادانة من قبلهم، وكلما كان هناك افتعال في اثارة لقضايا جانبية لحرف النقاش عن مساره..

 

لقد تبنى المجلس العديد من القرارات التي ادانت اسرائيل على انتهاكها لحقوق الانسان الفلسطيني، واستخدام تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، وفي دعوة جميع الدول إلى وقف بيع ونقل وتحويل الأسلحة والذخائر وغيرها من المعدات العسكرية إلى إسرائيل، والى تشكيل لجنة تحقيق في جرائم الحرب الاسرئيلية..

 واسرائيل هي العضو الاكثر تعرضا للادانة من قبل الدول الاعضاء في المجلس. ومؤخرا أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن إسرائيل قطعت علاقاتها مع المكتب ولم تعد تتم الاستجابة لطلبات الحصول على تأشيرات. ولم تسمح للمفوضية بإعادة فتح مكتبها في الضفة الغربية والوصول إلى غزة، كما لم تعد طلبات الحصول على التأشيرة تحظى بالإجابة، وهو السلاح الذي تستخدمه اسرائيل ضد مؤسسات ومسؤولي الامم المتحدة في اطار عمليات ابتزاز لتغيير مواقفهم من ملفات حقوق الانسان. وقد سبق لاسرائيل وان قاطعت احدى جلسات المجلس، بحجة أن الانتقادات الموجهة إلى اسرائيل غير عادلة، وتضامنت معها الولايات المتحدة واعلنت عن انسحابها من المجلس بسبب زعمها إنه منحاز ضد إسرائيل، لكنها عادت الى المجلس في تشرين الاول 2021، بعد ثلاث سنوات من الانسحاب.

4) وكالة الغوث (الاونروا): في العام 2018، قال رئيس وزراء العدو نتنياهو: "ان وكالة الغوث (الاونروا)، التابعة للامم المتحدة تديم قضية اللاجئين الفلسطينيين، وتخلد كذلك رواية ما يسمى حق العودة، لذلك يجب ان تزول". ومنذ ذلك العام والحرب الشاملة على الاونروا لم تتوقف؛ حيث لجأت اسرائيل الى كل اشكال الضغط والتحريض على الوكالة، ومارست كل انواع الكذب والخداع لدفع الدول المانحة على وقف مساهماتها المالية كمقدمة لنزع الشرعية عن الوكالة التي ما زالت تحظى بدعم غالبية اعضاء الجميعة العامة للامم المتحدة التي تعتبر مرجعيتها الوحيدة.

وبعد معركة "طوفان الأقصى"، زعمت اسرائيل ان عددا من موظفي الاونروا شاركوا فيها، ما دفع الامم المتحدة الى تشكيل عدد من لجان التحقيق التي اجمعت في تحقيقاتها على ان ما قدمته اسرائيل من وثائق كان عبارة عن مجرد اتهامات، بعد عجزها عن اثبات صحة مزاعمها ضد الوكالة، لكن هذا لم يمنع 18 دولة غربية واطلسية من قطع تمويلها عن الوكالة، سرعان ما استأنفته، بعد ان تأكدت من عدم صحة الاتهامات الاسرائيلية، باستثناء الولايات المتحدة التي ما زالت على قرارها برفض تمويل الاونروا..

 

وفي حربها على وكالة الغوث، لجأت اسرائيل الى عدد من الاجراءات الهادفة الى تصفية اعمالها منها: قصف مراكزها في قطاع غزه ومنعها من ممارسة مهامها بتقديم الخدمات الى اللاجئين، سن قوانين من قبل الكنيست الاسرائيلي اعتبرت الاونروا منظمة ارهابية، مصادرة اراضي المقر الرئيسي للوكالة في القدس، اضافة الى سحب التأشيرات من بعض موظفيها، واسرائيل تتهيأ لالغاء اتفاقية المقر التي ستعني الغاء الحصانات والامتيازات التي تتمتع بها الوكالة وموظفيها الدوليين، ما يعني اعلان حرب شاملة على الاونروا وعلى الامم المتحدة بشكل عام.

5) قوات اليونيفيل في لبنان: خلال عدوان نيسان عام 1996، ارتكبت اسرائيل مجزرة داخل مقر الأمم المتحدة في بلدة قانا في جنوب لبنان بحق العشرات من النساء والاطفال (110)، الذين لجأوا الى المقر ظنا منهم ان مقر القوات الدولية يشكل لهم مجأ آمنا، كما استشهد وجرح ايضا عددا من اعضاء القوات الدولية المتواجدين في المقر.

وخلال العدوان الحالي على لبنان، تعرضت قوة الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) لإطلاق نار من قبل العدو الإسرائيلي، ليتبين ان الامر لم يكن خطأ في التقدير، بل امرا متعمدا تأكدت صحته بعد مطالبة نتنياهو الأمم المتحدة بشكل رسمي بإخلاء قوات "اليونيفيل" لمواقعها في جنوب لبنان، الامر الذي استجر مواقف دولية لم تخرج عن اطار التنديد العام الذي من المؤكد انه لم يصل الى مسامع المسؤولين الاسرائيليين..

ان وصف اسرائيل لاحدى منظمات الامم المتحدة "منظمة ارهابية"، كان يجب ان لا يمر دون عقاب ومحاسبة، وهو لم يكن ليحصل بالغطرسة التي حصل فيها، لولا الدعم العلني والصريح الذي تلقاه من الولايات المتحدة ومن دول غربية اخرى تدعي دفاعها عن القانون الدولي وعن حقوق الانسان وعن محاكم دولية يبدو انها صممت على مقاس الدول الكبرى. لكن العبرة الاهم هنا ان ما يحصل يؤكد في الاستنتاج العام ان النظام الدولي الحالي استنفذ وظائفه، كونه نظام تم تشكيله من قبل الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، ولم يعد قادرا على الصمود امام غطرسة القوة الامريكية والاسرائيلية بشكل خاص، بل لم يعد قادرا على حماية نفسه، ولم يعد باستطاته اقناع احد بأنه الخيمة التي تحمي الشعوب المقهورة، ما يعني ان الصراع المستقبلي من اجل نظام دولي اكثر عدالة يجب ان يكون مطلب جميع احرار العالم. وحتى ذلك الحين، فمن حق جميع شعوب الارض وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني حماية نفسه عبر اللجوء الى كافة اشكال المقاومة.. وواجب كل دول العالم وشعوبه دعم هذا الخيار..

 ليس مبالغة القول: ان ما تقوم به اسرائيل من جرائم عابرة للحدود لا يؤهلها لأن تكون عضوا قادرا على تحمل الالتزامات التي يقرها ميثاق الامم المتحدة وبشهادة غالبية دول العالم التي اعطت صوتها لفلسطين وادانت اسرائيل على جرائمها وعلى خرقها الدائم للميثاق، فاسرائيل بخلفيتها الايديولوجية والدينية المستندة الى خرافات ومزاعم واساطير، هي كيان يتصرف كأنه فوق القانون لا بل فوق النظام الدولي بكافة مؤسساته، وهي غير قادرة على الوفاء بأهم تعهد وهو احترام رغبة الشعوب بتقرير مصيرها بحرية.

ان الافلات من العقاب وعدم محاسبة من ينتهك القانون الدولي، ومن يستسهل ارتكاب الجرائم ضد الاطفال والنساء، ومن يتفاخر بعداءه للاسرة الدولية ممثلة بالأمم المتحدة وبالمنظمات الدولية، كلها اسباب تجعل من إسرائيل كيانا فوق الشرعية الدولية. وبالتالي فاذا كانت المؤسسات الدولية عاجزة عن اتخاذ اجراءات رادعة ضد اسرائيل، رغم الإدانات الدولية المتكررة، فمن حق شعوب العالم ان تأخذ زمام المبادرة في الدفاع عن نفسها، وفقا لما اقرته الشرعية الدولية التي أعطت للدول، فرادى أو جماعات، الحق في الدفاع عن أنفسهم وعن مصالحهم وحقوقهم الوطنية..

لقد بات ملحا نظرة جديدة من قبل المجتمع الدولي في التعاطي مع اسرائيل، التي تشكل عنوانا للافلات من العقاب، و رمزا للتمرد على الإجماع الدولي. وطالما ان صيغ الشكاوى والادانات اللفظية لم ولن تحقق اهدافها بثني المجرم عن مواصلة اجرامه، فان المجتمع الدولي مطالب بعزل إسرائيل لإجبارها على احترام حق الشعب الفلسطيني في التعبير عن ذاته على المستوى الوطني، وهذا لن يتحقق الا من خلال انسحاب اسرائيلي كامل من كافة الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة لتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه الوطنية في دولة مستقلة بعاصمتها القدس على ارضها المحتلة بعدوان عام 1967 وضمان عودة اللاجئين الى ديارهم وممتلكاتهم..

آن الاوان للدول الغربية ان تقتنع، بعد اكثر من قرن من الصراع، ان خلق كيان اسمه إسرائيل فوق أرض فلسطين وتهجير شعبها، كان خطأ تاريخيا، بعدما تأكد ان الاصرار على توفير الدعم والحماية لهذه الاسرائيل يعني ادامة الصراعات في المنطقة، ما يشير الى ان استمرار دعم الكيان ومده بكل اشكال الديمومة والحياة يعني كذبا ونفاقا سياسيا من قبل دول تزعم حمايتها للقانون والديمقراطية وحقوق الانسان، وهذا ما يتناقض بشكل كامل مع فلسفة حماية اسرائيل القائمة على الاحتلال والقتل والعدوان والتطهير العرقي لشعب فلسطين.. واسرائيل التي أعلنت عداءها مع الامم المتحدة وتمردها على النظام الدولي بكافة اطره، يجب عزلها وطردها ليس فقط من الأمم المتحدة، بل ومن كافة الاطر الدولية. وغير ذلك، فان دول وشعوب العالم لها كامل الحق بالتمرد على القانون الدولي وعلى الشرعية الدولية حين ترى أنها أصبحت عائقا وحاجزا أمام مصالحها وعقبة أمام النهوض بمستقبلها..

أضف تعليق