25 كانون الأول 2024 الساعة 09:47

كيف تنظر الولايات المتحدة إلى مرحلة ما بعد استشهاد السنوار؟.

2024-10-23 عدد القراءات : 837

أسامة خليفة/ كاتب فلسطيني

من نافل القول التأكيد في كل مرة على دور الولايات المتحدة واستخباراتها في كل عملية اغتيال لقادة فلسطينيين ولبنانيين، الولايات المتحدة لا تقف في صف العدوان الإسرائيلي فحسب، بل هي جزء أصيل من التحالف العدواني على شعبنا، ليست مفاجأة أن يرحب المسؤولون الأميركيون ويتغنون ويغردون على وسائل الإعلام ومواقع التواصل لمقتل يحيى السنوار، فقد أصدر الرئيس جو بايدن بياناً قال فيه «سوف يتحدث مع رئيس الوزراء نتنياهو وغيره من القادة الإسرائيليين لتهنئتهم»، و(الأصح أن يتبادلوا التهاني)، مادام يوم مقتل السنوار هو «يوم جيد لإسرائيل وللولايات المتحدة وللعالم» -حسب الرئيس بايدن- الذي يؤكد في البيان الدور الأميركي في عمليات الاغتيال، وأن السنوار كان على قائمة الاستهدافات الاسرائيلية - الأمريكية، يقول في البيان: «بعد وقت قصير (والأصح بعد ثوان) من «مذابح» 7 تشرين الأول/أكتوبر، وجّهتُ أفراد العمليات الخاصة ومحترفي الاستخبارات لدينا للعمل جنباً إلى جنب مع نظرائهم الإسرائيليين للمساعدة في تحديد موقع السنوار وغيره من قادة حماس المختبئين في غزة وتعقبهم. وبمساعدة من فريق الاستخبارات لدينا، طاردت قوات جيش الدفاع الإسرائيلي بلا هوادة قادة حماس، وأخرجتهم من مخابئهم وأجبرتهم على الفرار.  ونادراً ما كانت هناك حملة عسكرية مثل هذه، حيث يعيش قادة حماس ويتحركون عبر مئات الأميال من الأنفاق، منظمين في طوابق متعددة تحت الأرض، ومصممين على حماية أنفسهم دون أي اهتمام بالمدنيين الذين يعانون فوق الأرض.  ولكن اليوم يثبت مرة أخرى أن أي «إرهابي» في أي مكان من العالم لا يستطيع الإفلات من العدالة، مهما طال الوقت».

يشبه الرئيس الأميركي أحداث 7 سبتمبر بـ«الهولوكوست»، ومازال يتبنى الرواية الإسرائيلية أن السنوار «قد كان العقل المدبر لعمليات القتل والاغتصاب والاختطاف في 7 تشرين الأول/أكتوبر.  بناءً على أوامره، قام «إرهابيو» حماس بغزو إسرائيل لقتل المدنيين عمداً – وبوحشية لا توصف – وذبحهم، ومن بينهم ناجٍ من «الهولوكوست»، وأطفال أمام والديهم، وآباء أمام أطفالهم. لقد قُتل أكثر من 1200 شخص في ذلك اليوم، وهو اليوم الأكثر دموية بالنسبة لليهود منذ «الهولوكوست»، بما في ذلك 46 أميركياً.  كما أُخذ أكثر من 250 رهينة».

ولا يكتفي بتشبيه أحداث 7 أكتوبر بالهولوكوست بل يشبهها بهجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة، ويشبه السنوار بابن لادن، وكأن الرئيس بايدن هو الرئيس أوباما حين أمر بشن غارة لقتل أسامة بن لادن في 2 أيار/ مايو 2011.

ويحدد الرئيس بايدن الهدف من اغتيال قادة حماس بعد أن اقتنع بصعوبة القضاء على الحركة، لقد «كان لإسرائيل كل الحق في القضاء على قيادة حماس وبنيتها العسكرية، كي تصبح غير قادرة على تنفيذ هجوم آخر على غرار 7 تشرين الأول/أكتوبر».

يرى بايدن أن مقتل السنوار سيمهد لمناقشة «المسار المؤدي لإعادة الرهائن إلى عائلاتهم، وإنهاء هذه الحرب بشكل قاطع ونهائي، والتي تسببت في الكثير من الدمار لأناس أبرياء. وأن الفرصة أصبحت سانحة لـ «اليوم التالي» في غزة من دون حماس في السلطة، وللتوصل إلى تسوية سياسية توفر مستقبلا أفضل للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.  لقد كان يحيى السنوار يشكل عقبة كأداء أمام تحقيق كل هذه الأهداف. والآن لم تعد هذه العقبة قائمة، ولكن لا يزال أمامنا الكثير من العمل».

يبدو تلخيص المشكلة في شخص السنوار قناعة أميركية، بتحميله فشل التوصل لوقف إطلاق النار وانهاء الحرب، وعدم عقد صفقة تبادل أسرى، وتبرئة نتنياهو وهو المعطل الحقيقي، والمصر على الاستمرار في حرب الإبادة، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، يقول: إن «واشنطن تريد استئناف المحادثات، بشأن مقترح لوقف إطلاق النار، وتحرير الرهائن في قطاع غزة بعد مقتل يحيى السنوار زعيم حركة (حماس)». وزعم ميلر أن السنوار «رفض التفاوض تماماً في الأسابيع القليلة الماضية»..

وقال ميلر في إفادة صحفية دورية إن السنوار كان «العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى نهاية للحرب التي اندلعت بعد هجوم شنته حماس على جنوب إسرائيل، ويُعتقد أن السنوار هو من خطط له». وكان المعيق الأول لعمل إدارة الرئيس جو بايدن التي «عملت دون جدوى لعدة أشهر مع الوسطاء من قطر ومصر للتوصل إلى اتفاق يُفضي إلى وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة في مقابل إطلاق سراح الرهائن الذين احتجزتهم حماس في الهجوم قبل أكثر من عام بقليل».

ووصف ميلر مقتل السنوار بأنه «حدث مزلزل»، فهذه « العقبة أزيلت، لا يمكنني أن أتوقع أن هذا يعني أن من سيحل محل السنوار سيوافق على وقف إطلاق النار، لكن مقتله يزيل ما كان في الأشهر الماضية عقبة رئيسية أمام التوصل إلى وقف إطلاق النار... وواشنطن ستضاعف جهودها وتحاول إعطاء دفعة لاتفاق وقف إطلاق النار».

وتوالت ردود فعل المسؤولين الأميركيين بشأن مقتل يحيى السنوار حتى المرشح لانتخابات الرئاسة المقبلة والرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب علق بأن السلام في الشرق الأوسط بات أكثر سهولة بعد اغتيال قائد حركة حماس يحيى السنوار.

أما المرشحة الأخرى في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عن الحزب الديمقراطي كامالا هاريس ونائبة الرئيس الأمريكي بايدن، قالت إن « قتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، يحيى السنوار يتيح لنا أخيراً فرصة لوضع نهاية للحرب في غزة». كما قالت إن حماس «دُمرت وتم القضاء على قيادتها. هذه اللحظة تعطينا فرصة لإنهاء الحرب في غزة أخيراً».

وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إن «مقتل السنوار فرصة لإيجاد طريق للتوصل لاتفاق لاستعادة الرهائن... لقد كان السنوار يسعى لتأجيج الفوضى وسنواصل العمل مع إسرائيل وقطر ومصر من أجل إطلاق سراح الرهائن».

في الخطوات العملية للإدارة الأميركية أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أنه سيرسل وزير خارجيته أنتوني بلينكن إلى إسرائيل لمحاولة الدفع نحو وقف لإطلاق النار في قطاع غزة بعد مقتل يحيى السنوار. وجددت واشنطن على الفور جهود التوصل لصفقة، وهاتف أنتوني بلينكن، الخميس، رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ووزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان والرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، للبحث فيما بعد مقتل السنوار، والحاجة إلى مضاعفة الجهود لإنهاء الصراع وتأمين إطلاق سراح المحتجزين في غزة، مع توقع توجهه للمنطقة الأسبوع القادم.

وأمس الثلاثاء 22 نشرين الأول / أكتوبر وفي إطار الزيارة الحادية عشرة لوزير خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن إلى المنطقة منذ اندلاع الحرب على غزة، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي مؤكداً على ضرورة الاستفادة من مقتل السنوار لإنهاء حرب غزة، بينما ركز بنيامين نتنياهو على التهديد الإيراني، وضرورة توحيد جهود البلدين في مواجهته.

في الظاهر، وربطاً بالتصريحات الأميركية، وربطاً بتصريحات نتنياهو، يبدو أن توقعات الإدارة الأميركية لا تتطابق تماماً مع الرؤية الاسرائيلية في شأن المرحلة القادمة لما بعد اغتيال يحيى السنوار، فقد قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن «مقتل يحيى السنوار يقدم فرصة لإحلال السلام في الشرق الأوسط .. لكن الحرب في قطاع غزة لم تنتهِ بعد، وأن إسرائيل ستواصل الحرب حتى إعادة الرهائن». وفي بيان قال نتنياهو: «اليوم قمنا بتسوية الحساب. اليوم تعرض الشر لضربة لكن مهمتنا لم تكتمل بعد. إلى عائلات الرهائن الأعزاء أقول: هذه لحظة مهمة في الحرب. سنواصل بكل قوتنا حتى يعود جميع أحبائكم، أحبائنا، إلى ديارهم».

ذلك سيؤدي إلى تصعيد التوتر في الشرق الأوسط حيث تتزايد المخاوف من اتساع رقعة الصراع الإقليمي مع عزم إسرائيل الرد على الهجوم الصاروخي الإيراني عليها في الأول من تشرين الأول /أكتوبر. في الوقت ذاته، طالبت بعض الأصوات المتشددة من أنصار إسرائيل في الولايات المتحدة بضرورة استغلال مقتل السنوار لإعادة تقييم نهج الصراع، حيث يجب الجمع الآن بين التدابير الأمنية المستدامة والجهود الدبلوماسية لمنع استغلال أي وقف إطلاق نار مستقبلي من قبل حركة حماس بإعادة بناء قدراتها المسلحة.

كان استشهاد السنوار حدثاً مزلزلاً لكنه ليس الحدث الوحيد، وقد يتعقد الصراع ويتوسع الآن ليشمل إيران لينتج أزمة إقليمية واسعة، وبيان نعي السنوار، لا يمهد الطريق لإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين ووقف القتال في قطاع غزة، إلا بشروط حماس، بالمقابل ترى الولايات المتحدة وإسرائيل أن نجاح الاغتيالات نصر يفرض ميزان قوى لصالح المفاوض الإسرائيلي في فرض شروطه، مما سيطيل أمد الحرب بدلاً من انهائها، وغياب السنوارقد لا يكون فرصة كبيرة كما يعتقد بل من الممكن أن يحبط كل الجهود الرامية إلى صفقة. في هذا السياق جهات بحثية تبين أن رحيل السنوار لن يعكس أو يغير مسار حماس، لكنه يزيل زعيماً أصولياً متشدداً بشكل خاص، فقد اعتبر ماثيو ليفيت، خبير الشؤون الدولية بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن استهداف القادة فقط قد يؤدي إلى اللامركزية وصعود فصائل جديدة، كما كشفت التجارب مع تنظيمي القاعدة وحماس من قبل، فالقضاء على أسامة بن لادن لم يقض على القاعدة، كما لم يؤد قتل الشيخ أحمد ياسين إلى تفتت حركة حماس والقضاء عليها.

فقد نعت حركة حماس الجمعة 18 أكتوبر/تشرين الأول رئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار، مؤكدة أن ذلك لن يزيدها إلا قوة وصلابة وتمسكاً بثوابت الحركة. وقال عضو المكتب السياسي للحركة خليل الحية ناعياً القائد السنوار: «نقول للمتباكين على أسرى الاحتلال لدى المقاومة، إن هؤلاء الأسرى لن يعودوا لكم إلا بوقف العدوان على شعبنا في غزة». وأضاف أن حركة حماس ماضية حتى إقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس، ودماء السنوار، وقادة حماس، ستظل توقد لنا الطريق، وتشكل دافعا للصمود والثبات..

 

أضف تعليق