21 تشرين الثاني 2024 الساعة 23:31

"ذي غارديان": الهجوم على شمال غزة يغرق "إسرائيل" أكثر في حملتها الفاسدة

2024-10-19 عدد القراءات : 828

صحيفة "ذي غارديان" البريطانية تنشر مقالاً للكاتب أوين جونز، يتحدّث فيه عن "خطة الجنرالات" التي تقوم بها "إسرائيل" في شمال غزةّ، التي تشمل تجويع الفلسطينيين، وجعل المنطقة غير صالحة للعيش، بهدف التوصّل إلى هدف تفريغ شمال القطاع بالكامل من الفلسطينيين.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

إن حقول القتل في شمال غزة تتحدّث عن جريمة تمّ الاعتراف بها منذ زمن بعيد. تقول منظمة أطباء بلا حدود إنّ "الدولة" الإسرائيلية تخلق "صحراء بلا حياة" و"أرضاً قاحلة غير صالحة للعيش"، "وتفرغ فعلياً شمال القطاع بالكامل من حياة الفلسطينيين".

ووفقاً لمعايير الهجوم الإسرائيلي الإبادي الذي استمرّ عاماً كاملاً، فإنّ الهجمات التي شنّتها "إسرائيل" هذا الخريف على الشمال كانت تتسم بمستويات مروّعة من الانحطاط. ومع ذلك، قبل عام تقريباً، تمّ تفصيل هذه النتيجة على صفحات مجلة بريطانية غامضة على ما يبدو.

ووصف الجنرال الإسرائيلي المتقاعد جيورا آيلاند، غزة في عام 2004، بأنّها "معسكر اعتقال ضخم" وفقاً لبرقيات دبلوماسية أميركية سرّبتها "ويكيليكس". وآيلاند هو الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، ويقول إنّه يعمل الآن مستشاراً لوزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت.

في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، رسم آيلاند رؤيته لمستقبل غزة في مجلة "فاثوم"، وهي المجلة الفصلية التي يصدرها مركز الاتصالات والأبحاث البريطاني الإسرائيلي، وهي جماعة ضغط بريطانية بارزة مؤيدة لـ "إسرائيل". وفي إطار دعمه للحصار الشامل الذي فرضه غالانت على ما أسماه "الحيوانات البشرية"، زعم آيلاند أنّ "إسرائيل" لا بدّ وأن "تمنع الآخرين من تقديم المساعدة الواضحة لغزة"، وأنّ السكان الفلسطينيين لا بدّ وأن يغادروا "إمّا مؤقتاً أو بشكل دائم". ولم يكن آيلاند يبالغ في هذا. فقد أعلن أنّه "يجب أن يُقال للناس إنّ أمامهم خيارين، إما البقاء والموت جوعاً، أو المغادرة". وإذا لم يوافقوا على هذا التطهير العرقي الجماعي، فإنهم "سوف يموتون جوعاً ليس بسبب القنابل الإسرائيلية، بل لأن المياه لن تكون متوفّرة في غزة".

وفي الوقت نفسه تقريباً، أكد في مقال له في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية الحاجة إلى حظر دخول الوقود إلى غزة، محذراً من أنّ هذا يعني أنّ الفلسطينيين سيقدّمون للعالم "أطفالاً ماتوا في حاضنات نتيجة لانقطاع التيار الكهربائي بسبب نقص الوقود"، لكن هذا كان "شرطاً ضرورياً" في "حرب وجودية، ونحن نواجه موقفاً إما نحن أو هم"، بحسبه.

وبعد أقلّ من ثلاثة أسابيع، بدأ الأطفال حديثي الولادة يموتون بالفعل عندما قطعت "إسرائيل" الوقود عن مستشفى الشفاء المدمّر الآن إلى حد كبير. في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، ندّد آيلاند بالحديث عن نساء غزة "الفقيرات"، على أساس أنهن "جميعهن أمهات أو أخوات أو زوجات لقتلة حماس"، وحثّ "إسرائيل" على تعزيز انتشار الأوبئة لأنها "ستقرّب النصر وتقلّل من الخسائر بين جنود جيش الدفاع الإسرائيلي".

وفي الآونة الأخيرة، أعد آيلاند ما يسمّى "خطة الجنرالات"، والتي تأمر فيها "إسرائيل" المدنيين بمغادرة شمال غزة المحاصر بالكامل وتعلنها منطقة عسكرية مغلقة، مع اعتبار الباقين أهدافاً مشروعة. وقد أكد آيلاند أنّ "هذا لا يعني بالضرورة أننا سنقتل كلّ شخص. لن يكون ذلك ضرورياً. لن يتمكّن الناس من العيش هناك. سوف تجفّ المياه".

علناً، تنكر السلطات الإسرائيلية تنفيذ الخطة، وهو أمر غير مفاجئ، لأن هذا يعني الاعتراف بارتكاب جرائم حرب خطيرة، ولكن أحد المسؤولين قال لوكالة "أسوشيتد برس" إنّ أجزاء من الخطة يجري تنفيذها بالفعل، وقال ثلاثة من جنود الاحتياط لصحيفة "هآرتس" إنهم يعتقدون أنّ الخطة تُستخدم في شمال غزة.

والواقع أنّ "إسرائيل" منعت وصول الغذاء وغيره من الضروريات الأساسية للحياة إلى 400 ألف فلسطيني متبقّين شمال وادي غزة. وكما أخبرتني ليز ألكوك من منظّمة المساعدة الطبية للفلسطينيين، والتي كانت في غزة لشهور، فإنّ أوامر الإخلاء الإسرائيلية "تعطي انطباعاً بأنّ الناس سوف يجدون ممراً آمناً، ولكنهم لا يجدون ممراً آمناً على الإطلاق". وتشير إلى أنّه وفقاً لتحليل حديث، لم ينتقل سوى نحو 150 فلسطينياً إلى الجنوب في الأسابيع القليلة الماضية.

وبحسب ما أطلعني عليه أحد مسؤولي الأمم المتحدة في غزّة، فإنّ قوافلهم تعرّضت لإطلاق نار متكرّر، أثناء مرورها بجثث فلسطينيين مصابين بالرصاص إلى جانب الطريق، ولم يكن بحوزتهم أي أسلحة. هناك العديد من المسنّين أو المعوّقين أو المرضى، الذين لن ينجوا من مثل هذه الرحلة على أي حال. وآخرون منهكون بسبب عمليات النزوح القسري المتعددة، ومصدومون من قتل "إسرائيل" للعديد من أحبّائهم. يقول المسؤول الأممي: "إنّهم لا يعيشون أي نوع من الحياة، إنهم يكافحون من أجل البقاء يوماً بعد يوم، ويفضّل البعض الموت في منازلهم بدلاً من الاضطرار إلى الانتقال مرة أخرى، لأنّ السلامة ليست مضمونة في أي مكان.. أتحدّث إلى الناس هناك كلّ يوم، وهم إما مرعوبون أو فقدوا الأمل تماماً في الحياة".

لا يوجد مكان آمن في غزة، والفلسطينيون المحطّمون عاطفياً قرّروا أنّه من الأفضل أن يُقتلوا في الشمال "بدلاً من الذهاب إلى الجنوب للعيش في خيمة، وحفر حفرة للذهاب إلى المرحاض، وربما يُقتلون على أي حال". وفي مخيم جباليا المحاصر، يُحرم 18 ألف فلسطيني من الماء والغذاء والوصول إلى الرعاية الصحية، ثم هناك "الطائرات الرباعية والمروحيات"، وهي طائرات "إسرائيل" المسلحة من دون طيار.

وقال الدكتور نظام محمود في أيلول/سبتمبر بعد أن عاد من التطوّع في مستشفى ناصر لمدة شهر، إنّ نحو ثلثي الضحايا الذين شوهدوا هناك كانوا من النساء والأطفال. وأضاف أنّ وصول الضحايا كان متواصلاً، إذ إنّ الطائرات من دون طيار كانت تطلق طلقات مميّزة، بعضها داخل الصدر؛ وبعضها الآخر، في الظهر، بينما كان أهدافها يهربون.

الآن، تغطّي أوامر التهجير القسري 86% من غزة، وكما ذكر الأمين العام للأمم المتحدة أنّ نحو "مليوني فلسطيني يحشرون الآن في مساحة بحجم مطار شنغهاي الدولي". ولكن النقطة الأساسية هنا هي أنّ غزة بأكملها أصبحت غير صالحة للسكن، وهو ما أكده تقرير جديد للأمم المتحدة، وجد أنّ "إسرائيل"، "نفّذت سياسة منسّقة لتدمير نظام الرعاية الصحية في غزة". ووصفت الأمم المتحدة استهداف "إسرائيل" المتعمّد والمستمر للمرافق الصحية بأنّه يشكّل "جريمة ضدّ الإنسانية تتمثّل في الإبادة". وفي مستشفى الأقصى، احترق المرضى أحياء في أسرّتهم، وكان بعضهم لا يزال متصلاً بالحقن الوريدي، في أعقاب ضربة صاروخية إسرائيلية هذا الأسبوع.

في العادة، تبذل الدول التي ترتكب فظائع ضد المدنيين جهوداً كبيرة للتغطية عليها. لكن الهجوم الإبادي الإسرائيلي ليس مثالاً على ذلك. ففي كل يوم، توثّق مجموعة من الصحافيين الفلسطينيين الناجين، الذين يتقلّص عددهم باستمرار، الجرائم الفظيعة، بينما ينشرها الجنود الإسرائيليون على وسائل التواصل الاجتماعي للتسلية.

أصبحت الفظائع الإنسانية العظيمة ممكنة، سواء من خلال التواطؤ النشط أو الصمت، بما في ذلك من قبل أولئك الذين اعتبروا أنفسهم إنسانيين ومعقولين ومعتدلين. واليوم صرنا نعرف ونعيش جريمة تمّ الاعتراف بها بصوت عالٍ وبلا خجل منذ اليوم الأول، وهي جريمة موثّقة أكثر من أي جريمة أخرى.

أضف تعليق