21 تشرين الثاني 2024 الساعة 23:25

اسرائيل في الاستراتيجية الامريكية: من قيادة تحالف امني اقليمي الى مهيمن إقليمي

2024-10-09 عدد القراءات : 626

د. هاني الروسان


كثرت في الاونة الاخيرة الاحاديث والتحليلات التي في سياقها يحاول اصحابها فهم مصير ومآلات حرب اسرائيل على غزة وكل فلسطين ولبنان وعموم المنطقة، التي تقول بأن الاسرائيلي قد تغير وان نتنياهو قد انتقل بمعادلة مؤسيسي اسرائيل من تغليب الثمن على الهدف قبل الاقدام على اي عمل مرورا بمعادلة شارون التي ساوت بين طرفي المعادلة الى تغليب الهدف على الثمن اليوم حيث تغيب عن حسابات نتنياهو الخسائر والاثمان التي يمكن دفعها مقابل الاهداف التي ينوي تحقيقها.

وهنا لابد من التوقف امام حقيقتين اولاهما ان اسرائيل وبعد هزيمة عام 1967 بدأت انحيازا تدريجيا نحو اليمين توقفت سرعته وعمقه على مستويات التراجع العربي والقبول بالواقع امرا محتما لا فرار منه، مما عزز صحة افتراضات العقائد التلمودية نحو الاخر ووسائل التعامل معه ووسع من نطاق انتشارها وتزايد اعداد اتباعها ختى وصلت الى ما نشاهده اليوم من صناعتها لمجتمع يميني متطرف يقف بقوة وراء نتنياهو للاستمرار في هذه الحرب الوحشية.

 والحقيقة الثاتية هي ان التوافق في الاتجاه بين صانع القرار وميولات الرأي العام يضفي على قرارات السياسي مستوى اعلى من الشرعية، غير انه لا يغير من اتجاهاتها، بالمعنى الذي تذهب اليه بعض الدراسات العلمية خاصة في عصر انتشار تكنولوجيات وسائل الاتصال الحديثة وتراجع قدرة الدولة على احتكار المعلومة والتحكم في مسارات تلقيها والاهم احتكار تفسيرها، والتي تفترض خاطئة او يغيب عنها ان صابع القرار  يمتلك نفس الوسائل وان له جيش من الاتباع الذي يروجون لوجهة نظره، يضاف الى ذلك ان هناك عدة حروب وازمات سار خلالها صانع القرار باتجاهات تتناقض وميولات الرأي العام.

وحتى لا نبتعد كثيرا نعود للاشارة الى ان هذا التدحرج اكثر نحو النزوع اليمني للمجتمع الاسرائيلي هو نتاج طبيعي لنتائج صحة افتراضاته التي تقوم على مبدأ ان التصعيد في استخدام القوة يولد مزيدا من تراجع الاخر، وان هذا الاخر في طبيعة تراجعاته وكيفياتها يعزز صورته في مخيال اتباع التعاليم التلمودية ويمنحهم قوة اضافية للاستمرار في الضغط اكثر فاكثر، ولو كان قد حدث العكس لانقلبت الصورة وعاد الاسرائيلي الى طبيعته الاولى، وهذا ما يخيف نتنياهو ويدفعه للذهاب الى بعض الاعمال من تلك التي تعزز صورة اليهودي التلنودي الذي لا يقهر والاخر المهزوم مثل الاغتيالات الفردية لشخصيات وازنة مثل الامين العام لحزب الله ومختلف قيادات الصف الاول في الحزب.

من هنا لا بد من التأكيد والموافقة على اننا ازاء مجتمع اسرائيلي يميني ينزاح بصورة واضحة نحو اشكال جديدة من العنصرية والفاشية، غير ان كل ذلك لا يفسر وحده اصرار نتنياهو على الاستمرار بهذه الحرب والسعي لتوسيع نطاقها بغطاء من الدعم العسكري الامريكي اللامحدود والخداع الدبلوماسي المكشوف  لمنح دول النظام العربي للمزيد من استمرار امكانيات الصمت بحجة تفغيل الجهود الدبلوماسية لاحتواء مخاطر نشوب حرب اقلينية واسعة النطاق، وهو في الحقيقة لمنح الولايات المتحدة واسرائيل الوقت الكافي لاستكمال تنفيذ استراتجية تفويض اسرائيل لادارة شؤون الاقليم والتي لا يستقيم امرها بالوضع الجيوسياسي الراهن والذي لوح نتنياهو الى ضرورة تغيره جذريا مع كل ما يستتبعه ذلك من ضرورات تغيير جغرافية المنطقة السياسية وحدود دولها القائمة حاليا.

والحقيقة ان بوادر استراتيحية من هذا القبيل كانت قد بدأت مع الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب الذي ينتظر نتنياهو عودته للبيت الابيض  لاستكمال ذلك حيث كانت قد أعلنت وزارة الدفاع الأميركية مطلع عام 2021، نقل إسرائيل من مسؤولية القيادة الأوروبية إلى منطقة القيادة المركزية التي يمتد نطاق مسؤوليتها الى كل أنحاء الشرق الأوسط ووسط آسيا، بما يشمل الخليج والعراق وسوريا فضلا عن أفغانستان وباكستان، والتي فسرت في حينها على انها تأتي في اعقاب  انخفاض التوتر بين إسرائيل وجيرانها العرب نتيجة اتفاقيات ابراهيم”، وانها فرصة لتنسيق الجهود ضد التهديدات المشتركة في الشرق الأوسط في اشارة الى ايران.

وعلى الرغم من عودة  الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ لدعوة ما سماها بالقوى السياسية في الشرق الأوسط إلى الوقوف صفا واحدا ضد إيران وتشكيل تحالف مثل “الناتو” لمواجهة من وصفهم بالمتطرفين قائلا إن التهديد الحقيقي لأمن الشرق الأوسط ينبع من إيران، الا ان ذلك لا يعدو ان يكون ذرا للرماد في العيون وان هدف اسرائيل الحقيقي – في ظل هذا التناغم غير المسبوق  بينها وبين واشنطن لدورها الاقليمي الذي يزيده قوة اكبر هذا الصمت العربي المريب – صار الهيمنة المطلقة على المنطقة وان ذلك لن يستقيم لها مع استمرار وجود الجغرافيا السياسية القائمة حاليا وان الخطوة التالية ستكون تغيير هذه الخارطة الذي اشار له نتنياهو اكثر من مرة.

يبقى ان نقول ان اسرائيل التي تجد في الرؤية الامريكية الجديدة لدورها ما يستحيب وخيالات يمينها الديني المتطرف في اقامة اسرائيل الكبرى ورفضت كل عروض السلام الفلسطينية والتنازلات المرة التي اقدمت عليها القيادة الفلسطينية ورفضت اي شكل من اشكال مشاركة الوجود مع الفلسطينيين لن تقبل هذه المشاركة لا مع المصريين ولا الاردنيين ولا السعوديين ولا غيرهم من اصناف العرب الذين ان طال صمتهم فان عليهم الاستعداد لسيد خبره الفلسطينيون طويلا وذاقوا المرين منه وما زالوا.



أضف تعليق