المقاطعة .. سلاح أحرار العالم لعزل الاحتلال وسط الإبادة في غزة
مع انطلاق حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على غزة، علت أصوات المتضامنين لتندد بذلك العدوان، وتدعو لدعم الفلسطينيين في غزة. ولمّا كان الحصار مطبقاً على القطاع، وتعذّر إيصال الدعم والسلاح للشعب الفلسطيني للدفاع عن نفسه، انطلقت حملات مقاطعة الاحتلال وداعميه، كوسيلة متاحة في أيدي الشعوب المتضامنة تعبّر فيه عن موقفها السياسي الداعم لفلسطين.
وقد أصبحت المقاطعة أداة عزل للكيان الصهيوني ولاقتصاده، وأداة ضغط على الحكومات والشركات التي تدعمه، وهي السلاح “السلمي” في أيدي الشعوب المتضامنة مع الشعب الفلسطيني، للمساعدة في رفع الظلم عنه وإيقاف العدوان الإسرائيلي على غزة.
ووفقاً لتقارير منشورة، فقد آتت تلك المقاطعة أكلها، حيث أثرت اقتصادياً على الاحتلال والشركات الداعمة له، كما يظهر من الخسائر التي أصابتها وإغلاق العديد من فروع تلك الشركات وتسريح الآلاف من موظفيها.
المقاطعة عمل مقاوم
اكتسبت حملات مقاطعة العلامات التجارية الداعمة للاقتصاد الصهيوني، بعد الحرب العدوانية على غزة، زخماً شعبياً عربياً وإسلامياً متصلاً، واتخذ ذلك الزخم بعداً عالمياً مدوّياً في حالة بعض الشركات، مثل “ستاربكس” و “ماكدونالدز”.
ويرى الكاتب إبراهيم علوش أنّ ما ساهم في ديمومة حملات المقاطعة شعبياً واتساع نطاقها جغرافياً، كثافة عمليات القتل والتدمير، والوحشية الصهيونية في غزة، وهو ما أيقظ ضمائر الأمّة واستنهضها.
ويضيف أنّ مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في دعم حملات المقاطعة، من خلال نشر جرائم الاحتلال والتوعية بتأثير المقاطعة عليه وعلى داعميه. بيد أنّ صمود أهل غزة هو العنصر الجوهريّ الذي أجّج مشاعر المتضامنين حول العالم، فأصبحت المقاطعة موقفاً سياسياً يعبّر عن موفقهم الداعم لفلسطين والمناهض للعدوان الإسرائيلي وداعميه.
وفيما يتعلق بالحكمة من استهداف العلامات التجارية الداعمة للاقتصاد الصهيوني، يوضح علوش أن لا أحد يستطيع أن يجبرك على التعامل مع علامة تجارية أو مطاعم أو مقاهٍ أو متاجر لها صلاتٌ بالاقتصاد الصهيوني. فهي إذاً وسيلة آمنة لإرسال رسالة سياسية من دون الدخول في صدام مباشر مع الأنظمة الحاكمة.
ويؤكد الكاتب أنّ المقاطعة عمل مقاوم يمكن أن يمارسه الأطفال والشيوخ والنساء والرجال، ولا يحتاج إلى الانخراط في نشاطات حزبية أو سياسية معارِضة، وهي مكمّلة لوسائل المقاومة الأخرى، كما أنها تنطلق من تساؤل منطقي وأخلاقي بسيط: “هل يصح أن تنفق مالاً تعرف أن بعضه سيذهب إلى من يقتلنا ويحتلّ أرضنا، أو إلى من يدعمه؟!”.
نماذج من الصور المنشورة ضمن حملة مقاطعة المنتجات الداعمة للاحتلال
دعم المنتج الوطني
منذ بداية عدوان الاحتلال على قطاع غزة، شارك المواطنون الفلسطينيون في الضفة الغربية في حملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، مستفيدين من خبرتهم السابقة في هذا المجال أثناء الانتفاضة، ويؤكد ذلك إقبالهم على منتجهم الوطني بشكل ملحوظ والذي بات ينافس بضائع الاحتلال ويتفوق عليها، حسب مراقبين ومختصين، ونال استحسان المستهلك الفلسطيني.
ووفقاً لوكيلة وزارة الاقتصاد الفلسطيني، فإنّ جودة المنتج المحلي زادت من إقبال الفلسطينيين عليها بالرغم من انخفاض القدرة الشرائية للمواطن بشكل عام، بحيث أصبحت حصة بعض المنتجات الفلسطينية عالية بالسوق، وأن المنتج الإسرائيلي تقريباً لم يعد موجوداً.
وتضيف أنّ العديد من البضائع الفلسطينية لم يكن يعرفها المستهلك، ودفعته المقاطعة لتجربتها، مشيرة إلى ارتفاع نسبة المنتجات المحلية في السوق، فقطاع الألبان يلبي 85% من حاجة السوق، ومثله قطاع الأثاث، ويستحوذ البلاستيك على 75%، بينما تتجاوز الأدوية 55%.
ووفقاً لحركة مقاطعة إسرائيل “بي دي إس” في الضفة الغربية، فإنّ أثر المقاطعة على المستوى المحلي فلسطينياً يظهر في “انخفاض الطلب والاستهلاك الفلسطيني للمنتج الإسرائيلي أكثر من 50%”.
ووفق معطيات وزارة الاقتصاد الفلسطينية التي نشرت في أغسطس/ آب الماضي، فإنّ المنتجات الإسرائيلية شكلت ما نسبته 72% مما ضبطته طواقم حماية المستهلك في الضفة الغربية خلال يوليو/ تموز الماضي، أي من بين 141 طناً من المنتجات التالفة في سوق الضفة، فإن نحو 102 منها منتجات إسرائيلية، تتنوع بين سلع غذائية ومستحضرات تجميل ومواد كيماوية.
أمّا عن السبب فأرجعته الوزارة إلى “تنامي الوعي الشعبي إزاء مقاطعة منتجات وسلع الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء العدوان على غزة، فضلاً عن تراجع القدرة الشرائية للمواطنين”.
وتشير المعطيات إلى انخفاض نسبة شراء المنتجات الإسرائيلية من العصائر والمشروبات إلى 82%، كما تراجعت نسبة شراء منتجات الحليب والألبان إلى 60% في السوق الفلسطينية، وفي المقابل أشارت إلى نجاحات في قطاع المشروبات وشركات التنظيف والكيميائيات بزيادة إنتاجها بنسبة 200 إلى 300% جراء الإقبال عليها بعد مقاطعة المواد الأخرى.
استجابة المواطنين لحملات المقاطعة ساهمت في دعم المنتجات المحلية
وما ينطبق على الضفة الغربية يسري على العديد من الدول التي أظهرت شعوبها تضامناً مع الشعب الفلسطيني من خلال حملة المقاطعة. وقد أدّت استجابة المواطنين في تلك الدول إلى دعم المنتج الوطني، إضافة إلى دعم المنتجات العربية والإسلامية على حساب منتجات الدول الداعمة للعدوان.
خسائر الشركات المقاطعة
في ظلّ العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، نشرت العديد من المواقع على الإنترنت قوائم بأسماء الشركات التي لها علاقة بالاحتلال الإسرائيلي أو أظهرت دعمها لإسرائيل للدعوة إلى مقاطعتها، وقد لاقت تلك المبادرة دعماً شعبياً على مستوى العالم وخصوصاً في الدول العربية والإسلامية.
ومن أشهر تلك الشركات المستهدفة بالمقاطعة مقاهي “ستاربكس” التي أصدرت بياناً أدانت فيه تغريدة “التضامن مع فلسطين” التي نشرتها نقابة العاملين، بعد أيام من طوفان الأقصى، لأنّها كانت تخوض صراعاً ضدّ تأسيس نقابة عاملين لديها، ولم تدرك أن الشباب الأميركي بدأ يتحوّل إلى جانب فلسطين، فوقعت في كارثة مزدوجة، نقابية محلية وسياسية دولية.
وبحسب تقرير لموقع “بلومبيرغ” في 1-2-2024، ارتفع عدد المنشورات المطالِبة بمقاطعة مقاهي “ستاربكس” من نحو 3200 في الشهر قبل بيان الشركة إلى نحو 466 ألف مطالبة شهرياً بمقاطعتها من بعده. وتصاعدت المقاطعة ضد “ستاربكس” في الغرب، وفي الوطن العربي والعالم الإسلامي.
وفي شهر يونيو/ حزيران الفائت، أعلنت مجموعة الشايع الكويتية، التي تدير 1900 فرعٍ لـ “ستاربكس” في دول الخليج ولبنان والأردن ومصر والمغرب وتركيا، عن تسريح 2000 من موظفيها من جراء تباطؤ مبيعاتها وإغلاق بعض فروعها. وقد دفع تصاعد حملة المقاطعة مالكي أسهم “ستاربكس” إلى بيع أسهمهم، لينهار سعرها، وتخسر الشركة 11 مليار دولار من قيمتها السوقية.
ومن الشركات التي أظهرت دعمها للاحتلال شركة الوجبات السريعة “ماكدونالدز” عندما تباهى فرعها في إسرائيل بتوزيع 100 ألف وجبة مجانية على قوات الاحتلال بعد أيام من بدء عدوانها على غزة.
وقد أدّت الأشهر الأولى لمقاطعة “ماكدونالدز” إلى خسارتها 7 مليارات دولار من قيمتها السوقية بحسب ما أعلنه مديرها المالي في 14-3-2024.
ومن الشركات المساهمة في قطاع الأغذية والمشروبات في الاقتصاد الإسرائيلي، “كارفور” و”نستلة” و”بيبسي”. وبعد استشهاد القيادي إسماعيل هنية احتفل بعض العاملين في فرع “كارفور” في إسرائيل باغتياله، وهو ما ساهم في تجديد الحملات الداعية لمقاطعتها.
كما أصابت المقاطعة عربياً وإسلامياً أيضاً مبيعات شركات مثل “بيرغر كينغ”، و “كنتاكي فرايد تشيكن”، و “بيتزا هَت”، “كوكاكولا”، “بيبسي”، و “زارا”، و “بوما”، وغيرها ممن عبّرت صراحةً عن تأييدها لإسرائيل، أو أنها ترتبط بعلاقات وطيدة باقتصادها.
وكانت “مطاعم أميريكانا” أعلنت في مايو/ أيار الماضي أنّ أرباحها في الربع الأول من سنة 2024 بلغت نصف مستواها في الربع الأول من سنة 2023. وهذه المطاعم هي صاحبة امتياز فروع “كنتاكي” و”بيتزا هَت” و”هارديز” و”تي جي أي فرايديز” و”كريسبي كريم” في الوطن العربي.
وبسبب تأثير المقاطعة على مبيعاتها، أعلنت شركة “بوما” الألمانية للألبسة والأحذية الرياضية عدم تجديد رعايتها لـ “رابطة كرة القدم الإسرائيلية”. كما طالبت شركة “بن أند جيري” للمثلّجات رسمياً بوقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة.
لقد أثبتت المقاطعة تأثيرها على الشركات الداعمة للاحتلال، واتضح ذلك من خلال الخسائر التي أعلنتها، وبالتالي فهي كانت مؤذية اقتصادياً وسياسياً لإسرائيل. ولكي تكون أداة فعالة، فهي بحاجة إلى أن تصبح ثقافة مجتمعية، وليس ردة فعل موسمية.
أضف تعليق