حرب الاستنزاف في قطاع غزة: على جبهة تعزيز صمود الشعب وإلتحامه بالمقاومة
ونحن على أبواب اختتام العام الأول من حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية، في قطاع غزة، تتزايد احتمالات الولوج إلى العام الثاني، بعدما تبين، أن رئيس حكومة الفاشية في إسرائيل، يرفض رفضاً باتاً، الوصول إلى اتفاق لوقف النار أو تبادل الأسرى، وأنه كلما يحين التوصل إلى اتفاق، وتنفيذه، يقدم مطالب وشروطاً جديدة، من شأنها أن تعيد المفاوضات إلى نقطة الصفر، ما يوفر له الغطاء السياسي، الإقليمي ليواصل حربه الهمجية ضد قطاع غزة، وقد امتدت إلى الضفة الغربية، ومهدت الطريق لتعزيز أوضاع حكومته كاستقطاب أطراف جديدة «في الائتلاف الفاشي» مثل كتلة جدعون ساعر (4 نواب في الكنيست) ويواصل في الوقت نفسه، بناء ما يعتقد أنه يشكل الأساس، لما يسمى اليوم التالي للقطاع.
■■■
في هذا السياق، يؤكد قادة الجيش الإسرائيلي، أنه لم يعد لديهم ما يفعلونه في قطاع غزة. اذ يدّعون أنهم قضوا على القدرة القتالية للمقاومة، وأنهم قضوا على إمكانية أن يتكرر طوفان الأقصى مرة ثانية في القطاع، ضد المستوطنات الإسرائيلية. كما يؤكدون، عكس ادعاءات نتنياهو أن لا ضرورة للبقاء في محور فيلادلفي، أو معبر رفح، أو محور نتساريم وقد تحولت هذه المواقع إلى أهداف يومية لمدفعية وصواريخ المقاومة، أدخلت الجيش
الإسرائيلي في حرب استنزاف، زادتها، تعقيداً، في حسابات جيش الاحتلال، الكمائن التي تنصبها المقاومة لدبابات الاحتلال وآلياته، وتلحق بها أضراراً فادحة، بحيث بتنا نسمع عن سقوط جماعي لأفراد الجيش الإسرائيلي، في مثل هذه الكمائن.
وفي إطار العرض المشهدي لإكمال الإنتشار في القطاع، خفف العدو من قطعاته العسكرية. دون أن يعني ذلك أنه نجح إقناع نتنياهو بضرورة الانسحاب من القطاع.
اذ ينظر رئيس حكومة الفاشية الإسرائيلية إلى الأمر من أكثر من زاوية، لتمديد الحرب لفترة مفتوحة، البعض يقول أنها سنة، وآخرون يتوقعون أكثر من هذا.
فإلى جانب إصرار نتنياهو على تمديد الحرب، للحفاظ على حكومته، وقطع الطريق على انتخابات مبكرة، قد تسفر عن خارطة توازنات جديدة في إسرائيل، يخسر فيها التحالف الفاشي مكانته في الحكومة، وفضلاً عن تهرب نتنياهو من إمكانية إحالته إلى المحاكمة، بتهمة التقصير في 7/10/2023، أو تهم بتلقي رشي من شركات أوروبية، في إطار صفقات سلاح لإسرائيل، فإن هدفه الإستراتيجي من هذه الحرب، ليس فقط القضاء على المقاومة، أو تقويض قدرتها على شن طوفان أقصى جديد، أو استعادة أسراه لدى المقاومة بقوة السلاح، بل وكذلك العمل على إفراغ القطاع من سكانه، وتحويله إلى حزام أمني لإسرائيل مزروع بالمستوطنات كخط عسكري أمامي، في زنار أمني لحماية إسرائيل من أي عمل عسكري قد يأتيها من خارج الحدود، خاصة وأن إسرائيل مازالت تنظر إلى سيناء على أنها مصدر خطر على أمنها، ولا تعتقد حكومة إسرائيل بأن الجيش المصري، سيبذل كل جهده، ويتخذ كافة التدابير، لمنع تهريب السلاح إلى القطاع، أو إلى داخل إسرائيل، في دعم غير منظور للفلسطينيين، لذلك يلاحظ أن الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة لم تعد حرباً ضد المقاومة فحسب بل، وكذلك حرباً ضد المدنيين. وقد صار وقوع عشرات الشهداء في القطاع، بالغارات الحربية والقصف، والمسيرات، خبراً عادياً، وصارت المجازر المتنقلة ظاهرة يومية، تؤدي إلى ارتفاع جنوني في أرقام الشهداء، خاصة الأطفال منهم والنساء والمسنين، وارتفاع جنوني مماثل في أرقام المصابين والجرحى، والمعاقين الذين يفتقدون إلى الحد الأدنى، المطلوب من الرعاية الصحية والعلاج الفوري. إذن هي حرب استنزاف، المقاومة من جانبها تستنزف جيش الاحتلال، الذي بدأ يفرج عن بعض أرقام قتلاه (أكثر من 700 قتيل وفق تقديرات الحد الأدنى، واستنزاف مقابل، يلجأ إليه نتنياهو ضد المدنيين، في محاولة لفرض الواقع الذي يحلم بتحقيقه، فضلاً عن العمل للإيقاع بين المقاومة والحاضنة الشعبية، بالادعاء أن هذا العدد الأكبر من الشهداء لم يكن ليقع، لو أن المقاومة تستجيب لشروط أمريكا-إسرائيل في الاتفاق على الهدنة المطروحة.
ويبدو أن ثمة فئة بدأت تتساوق مع هذا المشروع، بفبركة استطلاعات رأي، تدّعي ان تأييد الفلسطينيين للمقاومة. قد تراجع، وأن الميل الأكبر بات لصالح «المقاومة الشعبية»، السلمية وإلى القبول بالمفاوضات. علماً أن أصحاب «المقاومة السلمية» لم يقدموا هنا تعريفاً، ولا برنامجاً ولا خطة لهذه المقاومة المزعومة، علماً أيضاً أن لا مشروعاً على طاولة لمفاوضات، مطروحاً على جدول الأعمال، سوى مشروع الوزير سموتريتش ونتنياهو الذي يقوم على انكار الدولة الفلسطينية، لصالح حكم إداري ذاتي محدود، تابع لدولة إسرائيل، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وتهجير العدد الأكبر من الفلسطينيين لإعادة هندسة الميزان الديمغرافي، بحيث يستعيد اليهود الأغلبية العددية بين النهر والبحر، بعد ما بدأ الميزان يميل للفلسطينيين.
■■■
امتلكت المقاومة في القطاع، من القدرات القتالية، ما يمكنها من التعايش مع حرب الاستنزاف، خاصة وأن مثل هذه الحروب، حين تكون بين الجيوش النظامية، وعصابات الأنصار أو الفدائيين، كما هو حال المقاومة في القطاع، تكون فيها اليد العليا عندئذ للمقاومة، هذا ما تؤكده الأن الوقائع الدامغة في القطاع، وما أكدته تجارب الشعوب في العالم.
يبقى الجانب الآخر، أي محاولة نتنياهو تحويل حرب الاستنزاف إلى استنزاف لسكان القطاع، معتقداً أنهم يشكلون الخاصرة الرخوة، ففي عمليات محدودة تستطيع أن توقع عشرات القتلى، وأن يزيد الأوضاع صعوبة حيث يفتقر القطاع إلى مكان آمن، وحيث تصبح الأماكن، أماكن للموت.
يزيد الأمر تعقيداً في استكمال تدمير ما تبقى من البنى التحتية، لمضخات المياه ومحطات الصرف الصحي ( أو ما تبقى منها) وكذلك المستشفيات والعيادات، ومراكز الإيواء وسيارات الإسعاف، ومستودعات التموين والمساعدات ومراكز أعمال الخدمة الشعبية لمؤسسات اللاجئين، وبالتالي كل ما يمت إلى الحياة بصلة، لتحيل الحياة، في القطاع، إلى أكثر أنواع الجحيم قساوة، وبحيث تنجح هذه الحرب في تقويض إرادة الصمود والثبات والتماسك والالتحام بين المقاومة والشعب، وتفكيك هذا الالتحام، وتحويل العلاقة بين المقاومة والشعب، إلى علاقات تناحرية تناقضية، تؤدي إلى حرمان المقاومة الحاضنة الشعبية من جهة، وحرمان الشعب نفسه من درعه الواقي ممثلاً بالمقاومة بكل فصائلها.
من هنا، تصبح ضرورة أن تقف القوى الوطنية أمام هذا التحول، وأن تضع له حلولاً، وأن تغادر أيّة حالة من حالات الإنكفاء، أو فقدان الأمل، أو التسليم بالأمر الواقع. أي من الخطورة ان تتحول النخب الفاعلة في المجتمع إلى حالة فقدان إرادتها، وقدرتها على المبادرة والعمل المنظم.
هذا يفترض أن يتم العمل على أوسع إطار ميداني، للفعاليات الشعبية الناشطة، من شباب ونساء ورجال، وكل من يمتلك القدرة على أداء دوره في خطة متناسقة لتعزيز صمود المجتمع، وإفشال خطة نتنياهو، الهادفة إلى تقويض الإرادة، وصولاً إلى التهجير القسري.
■■■
التأطير يفترض البدء بتشكيل لجان شعبية فاعلة، ولجان تنسيق، ولجان اختصاص في الإغاثة والصحة، والتعليم، والأمن الاجتماعي، والتعبئة السياسية، بحيث يمتلك القطاع مؤسساته الأهلية، وفقاً لبنية وهياكل حيوية، من الفعاليات والشخصيات والأفراد، وكل من يمتلك القدرة على العمل.
هذا أمر يحتاج إلى قرار فاعل من القوى المعنية بإدارة قطاع غزة، نعتقد أن كل القوى الفصائلية والاجتماعية، معنية بهذا الأمر، وأن لا قوة معفاة من تحمل مسؤوليتها في هذا الإطار.
إذ ان الأمر يتطلب الشخصيات الفاعلة والمؤثرة في القطاع، ذات الطابع الوطني الشامل، تؤكد في السياق على انتمائها إلى م. ت. ف، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وأنها خارج النزاعات والصراعات الفصائلية وأن أبوابها مفتوحة لكل القوى دون استثناء، ولا ضرر في ان تكون ذراعاً لحكومة الوفاق الوطني في رام الله، توفر لها هذه الحكومة إلى جانب اللجنة التنفيذية، و إلى جانب باقي القوى، الغطاء السياسي و المد المالي، والإسناد الميداني في المحافل، بما يمكن من إرغام دولة الاحتلال على كسر الحصار، وفتح المعابر أمام مد الإغاثة بكل أنواعها، تؤمن الصمود والثبات للناس في القطاع، رغم أنف حكومة نتنياهو، وتعزيز روح الالتحام بين المقاومة والشعب.
نعتقد أن هذه المهمة، هي المهمة الأكثر ضرورة، والتي لا تعلو عليها أي مهمة أخرى في القطاع.
أضف تعليق