24 تشرين الثاني 2024 الساعة 05:30

بين حقائق المفاوضات والتفاؤل الأميركي بقرب عقد صفقة

2024-09-01 عدد القراءات : 894
أسامة خليفة باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»

تكررت جولات وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن للمنطقة منذ عملية طوفان الأقصى، وفي كل مرة يتفاءل السيد بلينكن بالتوصل إلى اتفاق هدنة جديدة، ويقول إنه يعمل على الدفع باتجاه قبول مقترح جديد يتضمن إطلاق رهائن إسرائيليين في مقابل هدنة، أو وقف إطلاق النار مستدام على مراحل، واقع الحال لا يبدو مبشراً، فقد أعلن الجانب الإسرائيلي ولا سيما رئيس وزرائه نتنياهو: أنه لن يقبل بإنهاء الحرب طالما لم تتحقق أهدافه جميعاً، بالقضاء على حماس، وعودة جميع المختطفين، وأن غزة لن تشكل بعد الآن تهديداً لإسرائيل حسب قوله. في المقابل، قالت صحيفة معاريف الإسرائيلية إن هناك تقدماً في المحادثات الجارية بالعاصمة القطرية للتوصل إلى اتفاق ومحاولة تضييق الفجوات بشأن القضايا المهمة.

قبل أيام، خرج وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ليبدي تفاؤلا بشأن التقدم في المفاوضات بين إسرائيل والمفاوض الفلسطيني، مستنداً إلى المقترح الذي قدمته إدارة بايدن لـ «سد الفجوات»، ومستنداً على ادعاء كاذب حول موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على ذلك المقترح، عندما قال: أنه سمع مباشرة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن إسرائيل قبلت مقترح سد الفجوات مضيفاً: «آمل أن تفعل (حماس) الشيء نفسه يتعين الآن على حماس قبول الاقتراح ». والهدف من هذا الكذب تحميل حركة حماس فشل جولة المفاوضات. وفي اجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، قال بلينكن: أكّد لي قبول إسرائيل للمقترح الأمريكي. وهو يدعم هذا المقترح. والدور الآن على حماس لكي تفعل الشيء نفسه».

أما المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، فقد قال: «إن المفاوضات التي جرت في القاهرة 15 من آب/أغسطس الحالي، للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، واتفاق في شأن الرهائن، ستتواصل على مستوى مجموعات العمل خلال الأيام القليلة المقبلة لحل بعض القضايا المحددة». وفي حديثه إلى الصحافيين، الإثنين 27/8 ، رفض كيربي التلميحات بأن المحادثات انهارت، وقال: «إنها على العكس من ذلك كانت بناءة». وقال كيربي: «لا يزال هناك تقدم، وما زال فريقنا على الأرض، يصف المحادثات بأنها بناءة».

وصف البعض التفاؤل الأميركي بالتوصل إلى صفقة تبادل رهائن بأنه جرعة تخدير، لكن لمن؟. التفاؤل الأميركي جرعة تخدير لأسر الرهائن الإسرائيليين، ولمستوطني الشمال على الحدود اللبنانية الفلسطينية ومستوطني الجتوب في غلاف غزة، تساهم وسائل إعلام إسرائيلية في زيادة عدد جرعات التخدير، وتركيز مفعول المادة المخدرة، نقل موقع «واللا» الإسرائيلي عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين تسجيل تقدم في مفاوضات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، وتبادلهما قوائم بالأسرى والرهائن. يشار إلى أن هذه الأنباء عن الانفراجات تأتي في اليوم الذي صادق فيه الكابينيت الإسرائيلي على الخرائط التي تقضي باستمرار بقاء الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا، في إطار الاتفاق المنتظر، مما يعني لا وجود لصفقة. ويعني أن التفاؤل كان اسرائيلياً بتبني الوفد الأميركي المفاوض ذات الخرائط الإسرائيلية.

إلا أن تفاؤل المسؤولين الأميركيين المعنيين بمفاوضات وقف إطلاق النار، يعبر عن سياسة تضليل أيضاً، لإيهام العالم أن وقف إطلاق النار أصبح وشيكاً، مع أن واشنطن هي من يرفض قراراً حاسماً بوقف إطلاق نار دائم وشامل عبر مجلس الأمن، تريد الولايات المتحدة اتفاقاً عبر تفاوض الفلسطينيين مع من جعل التفاوض سياسة فاوض وفاوض ثم فاوض، ولا شيء غير التفاوض، قالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد: «لأننا نعلم أن هذه هي أفضل طريقة، وهي في الواقع الطريقة الوحيدة لإنهاء هذه الحرب بشكل مستدام». في مجلس الأمن قدمت واشنطن مشروع قرار لا يتضمن ضمانات، صوّت عليه المجلس، وحمل الرقم 2735، وصدر فارغاً من مضمونه العملي، وغير واضح، قال السفير الروسي عن القرار: «نحن على اقتناع بأنه ليس من المناسب أن يوقع مجلس الأمن على اتفاقات دون ضمانات، ليس فقط بتنفيذها على الأرض، بل وأيضا دون فهم واضح على الأقل لموقف الأطراف أنفسها منها».

في المفاوضات التي يديرونها كشريك لإسرائيل وليس كوسيط نزيه، يتفاءل الأميركيون، فهل علينا كفلسطينيين أن نتفاءل؟. وقد أدى التفاؤل المضلل إلى نقل نموذج غزة في حرب الإبادة الجماعية وتطبيقاته المفرطة في الوحشية والمستهترة بالقيم الإنسانية إلى الضفة الغربية، بما فيها من تهجير وتدمير للبنية التحتية، كما أدى التفاؤل الأميركي إلى أوضاع خطيرة رافعاً منسوب التوتر في المنطقة، فتفاؤل بلينكن جعل جولاته ومقترحاته، بدل أن تسعى لهدنة صارت تسعى إلى منع اتساع نطاق الحرب، في ظل موقف أميركي مساند للتعنت الإسرائيلي الرافض لكل الجهود الرامية لوقف الحرب، وإخفاق جولة بلينكن التاسعة، وفشلها في التوصل إلى تفاهمات لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة.

وبعد فشل جولات تفاوض، بقي التفاؤل الأميركي لكنه صار تفاؤلاً حذراً، وهو مصطلح مخادع، فالعرب يقولون تفاؤل مشوب بالحذر، أي مصحوب بتوقعات مختلفة، وقد يعني أن التفاؤل ليس نقياً، وغير بريء، لذا يقتضي اليقظة والاحتراس والاستعداد، فإذا كان التفاؤل يعني توقع الخير، فالتفاؤل الحذر يعني توقع بعض الشر أو كله، فلا نستبشر خيراً بوقف المجازر، بل نستعد، بعد كل مقترح أميركي، لتصعيد إسرائيلي للعدوان، وتلقي المزيد من قذائف وحمم القتل التي تنصب على رؤوس الآمنين في قطاع غزة والضفة الفلسطينية، لإجبار المفاوض الفلسطيني على تقديم التنازلات، قال مسؤول أميركي يتوقع مرونة من الجانب الفلسطيني ناجمة عن تصعيد اسرائيلي: إن حماس ستكون أكثر مرونة بشأن وجود قوات إسرائيلية في غزة خلال المرحلة الأولى من الاتفاق، وكان الوفد الإسرائيلي المفاوض قد سلم خرائط المواقع المقترحة لتموضع قواته، وغادر القاهرة، ووفد أميركي فني يفاوض على التفاصيل، والتفاصيل تحتاج إلى تفصيل، وفي التفاصيل يغرق المفاوضون، والنقاشات تدور ، فيما إذا كان ينبغي أو لا ينبغي أن تتواجد القوات الإسرائيلية في مناطق ذات كثافة سكانية عالية، هذا النقاش يدور وسكان غزة لا يعرفون أين يذهبون، سكنهم مدمر، وهم في تشريد دائم منذ بدء العدوان على غزة.    

 

 

ويدور النقاش حول تفاصيل أدق لاقتراح إسرائيلي يراد التوصل إليه، لنشر عدد معين من القوات، وعلى مناطق الانتشار، وعلى مدة ما للاحتلال قد تطول وتتوارد أنباء عن رغبة إسرائيل بتعيين حاكم عسكري للقطاع.

ومن القاهرة إلى الدوحة، وبعكس الاتجاه، ومن الدوخة إلى الدوخة، وتبتعد المفاوضات عن القضايا الجوهرية، حيث أكدت فصائل المقاومة أن أي اتفاق يجب أن يتضمن ضمانات للانتقال من فترة توقف أولية عن إطلاق النار لمدة ستة أسابيع خلال المرحلة الأولى من الاتفاق المقترح، إلى وقف إطلاق نار دائم في المرحلة الثانية، ولم يقدم الإسرائيليون مثل هذه الضمانات، مما يشير إلى أن إسرائيل تنوي استئناف الحرب بعد الخطوة الأولى.

رغم تصريحات التفاؤل الصادرة عن المسؤولين الأميركيين بشأن التقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار لا توجد مؤشرات على تحقيق تقدم حقيقي فيما سمي الجهود الرامية إلى تضييق الفجوات بين إسرائيل والمفاوض الفلسطيني، فما تزال هناك نقاط خلاف كثيرة، تعمق ولا تضيق الفجوات، ومنها 65 أسيراً فلسطينياً تضع إسرائيل فيتو على إطلاق سراحهم، فلماذا لا يكون هناك فيتو فلسطيني على عسكريين إسرائيليين أسرى لدى فصائل المقاومة، هم من فرقة غلاف غزة التي أعملت القتل بسكان القطاع عبر سنوات طويلة، وأياديهم تلطخت بدماء الفلسطينيين؟.

تصريحات التفاؤل الأميركية ترتبط بتصريحات تهويل وتهديد، بالقول باتت الأمور على مفترق طرق، فإما أن تُنجز صفقةٌ، تُنهي حالة الجمود الحالية، وتضع حداً للحرب في غزة، ويُطلق بمقتضاها سراح الرهائن الإسرائيليين، أو تُفتح الأبواب على سيناريوهات مجهولة، ربما يعد أكثرها تشاؤماً، نشوب حرب إقليمية في الشرق الأوسط، لا أحد قد يتمكن من التنبؤ بما ستسفر عنه، ويتم استعراض العضلات والتلويح بالقوة الأمريكية الرابضة في البحار والمحيطات ووضعها على أهبة الاستعداد، والمقاومة تستعد لتطلق تفاؤل أكيد بقرب تحقيق النصر، وإفشال أهداف العدوان.

أضف تعليق