26 كانون الأول 2024 الساعة 10:45

كلمة السر في بكين: الإطار القيادي الموحد

2024-07-25 عدد القراءات : 314

معتصم حمادة /عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

خطا الحوار الوطني الفلسطيني في بكين (21 – 23/7/2024) خطوة إيجابية جديدة، تقرب الحالة الفلسطينية من اللحظة التاريخية التي ستطوى فيها صفحة الانقسام، وتستعاد فيها الوحدة الوطنية المؤسسية، ويعاد بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس ديمقراطية ائتلافية، بالانتخابات العامة، وفق نظام التمثيل النسبي الكامل، الذي أقره قانون الانتخابات في السلطة الفلسطينية.

ونعتقد أن الكل (؟) في بكين، كان يستشعر، خطورة الوضع الوطني، ليس في قطاع غزة، حيث تدور حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، وتدور في الغرف المغلقة، وكذلك في المجالس المفتوحة، آخرها أبو ظبي، المشاورات الإسرائيلية – الأميركية – العربية، لرسم ملامح «اليوم التالي» الذي من شأنه، وضع حد نهائي لخيار الشعب الفلسطيني، في رسم مستقبله السياسي، وفرض خيارات بديلة، ومنها خطورة فصل القطاع عن الضفة الغربية، وإطلاق رصاصة القتل (غير الرحيم) للمشروع الوطني الفلسطيني.

كما تدور في الضفة الغربية (الوجه الآخر لحرب الإبادة في القطاع)، تطورات شديدة الخطورة، تؤدي فيما تؤدي إليه، إلى ضم المنطقتين المسميتين «ج» و«ب» إلى دولة الاحتلال، عبر سلسلة من القوانين والإجراءات الأمنية والإدارية، تسلخها عن مناطق السلطة الفلسطينية، التي ستقلص ولايتها الإدارية والقانونية إلى حدود المنطقة «أ» (أي فقط 18% من مساحة الضفة الغربية)، إضافة إلى سلسلة إجراءات وقرارات، تصدر عن الجهة المسماة الإدارة المدنية للاحتلال، تقلص من صلاحية مؤسسات السلطة الإدارية والخدمية، فضلاً عن الحصار المالي الذي من شأنه، ليس فقط إرباك عملية صرف رواتب الموظفين، بل وكذلك إرباك مجموع الوضع المالي والاقتصادي في الضفة الغربية، الذي بات محوره، في ظل سياسة إقتصادية، ملحقة بالإقتصاد الإسرائيلي، رواتب الموظفين، وتسديد السلطة الفلسطينية قروضها إلى المصارف المحلية.

«حوار بكين» استعاد كل ما له من مخرجات الحوارات السابقة تحديداً، منذ المؤتمر الوطني في القاهرة، الذي ترأسه الرئيس الفلسطيني المنتخب حديثاً خلفاً للرئيس الراحل عرفات، أي الرئيس أبو مازن، في آذار (مارس) 2005، وأقر مبدأ إعادة صياغة القوانين، وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، الذي دمر معظمه على يد الاحتلال والاجتياح الإسرائيلي (2002)، والحصار الذي فرض على الرئيس الراحل عرفات في أيامه الأخيرة.

من القضايا المهمة التي استعادها «حوار بكين» [وكانت قد وردت في مخرجات «لقاء موسكو» (آذار/ مارس 2024] الثلاثية الفلسطينية، التي تشكل أساساً لأي موقف وطني: م. ت. ف، هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، البرنامج الوطني: تقرير المصير، والاستقلال، وحق العودة إلى الديار والممتلكات، واعتماد قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة هي المرجعية القانونية للحل الوطني للقضية الفلسطينية، وهذه خطوة باتت راسخة، وهي تؤسس لما بعدها من مواقف، ترتقي في أهميتها إلى مستوى المبادئ، كالحق المشروع للشعب الفلسطيني، في اعتماد كل وسائل وأساليب المقاومة المتاحة، لتحقيق أهدافه الوطنية، وفي مقدمها، الخلاص من الاحتلال والاستيطان بكل مظاهره، وتعبيراته، ومفرداته، وعلى كامل مساحة أراضي دولة فلسطين، على حدود 4 حزيران (يونيو) 67.

فحق الشعب الفلسطيني في إختيار أسلوبه النضالي، لتحقيق أهدافه، حق ديمقراطي، لا تملك أية هيئة أو سلطة، الحق في أن تنوب عنه في اختيار أسلوبه النضالي، هو حق مرهون بالحالة الخاصة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وما دخل على هذه الحالة من تطورات، تقتضي وفقاً لما يراه هو مصلحة وطنية، تطوير أساليبه النضالية، بما يخدم مصالحه، ويعزز مكاسبه، وتقدمه على طريق الظفر النهائي بالحقوق الوطنية كاملة.

ونعتقد أن شعباً كالشعب الفلسطيني، منتشر في أقاصي الأرض، ويصارع ضد احتلال ومشروع صهيوني إرهابي لا يملك سوى خيار المقاومة بأساليبها المختلفة، التي تتناسب في مناطق انتشاره، وبالتالي، فإن عنوان المرحلة، كما أكد «حوار بكين»، هو المقاومة، بأشكالها القتالية في قطاع غزة، وأشكالها المختلفة، كما في الضفة الغربية، وبأشكالها التي تتناسب مع خصوصية وضع الفلسطينيين في مناطق الـ48 أو في الشتات، كل أشكال النضال، تحت راية م. ت. ف، الممثل الشرعي والوحيد، وفقاً لبرنامجها بأضلعه الثلاثة: تقرير المصير، الاستقلال، العودة، وبكل ما يتوجب اشتقاقه من هذا الثلاثي المقدس، في المرحلة النضالية الحالية.

وإذا كان «حوار بكين» قد استعاد كل ما تم التوافق عليه في الحوارات السابقة، بما في ذلك العودة للتأكيد على تشكيل حكومة توافق وطني من الفعاليات، تكون مسؤولة عن إدارة الوضع في القطاع والضفة، والتصدي بموقف وطني موحد، لمحاولات فصل القطاع عن الضفة، أو فرض خيارات غير وطنية على الشعب الفلسطيني، تتجاوز مؤسساته الوطنية، فإن الشيء المهم الذي استعاده «حوار بكين» برأيي هو النص، مجدداً على إحياء الإطار القيادي الوطني الموحد، ليتابع تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، ولرسم خطوات إنهاء الإنقسام، واستعادة الوحدة المؤسسية، إلى حين توفر الشرط المناسب لتنظيم الانتخابات العامة، الرئاسية، والمجلسين الوطني والتشريعي، في م. ت. ف، والسلطة الفلسطينية.

يختلف كثيراً قرار استعادة الإطار القيادي الموحد، عن قرار «حوار العلمين»، بتشكيل لجنة متابعة لتنفيذ قرارات الحوار.

فقرار «المتابعة» مبهم غامض، ما أدى إلى تحويل فكرة اللجنة نفسها إلى قضية شائكة، أدت إلى موت لجنة المتابعة قبل ولادتها، وبالتالي ولدت الفكرة، سلفاً، ميتة، ليس فقط لغموضها، بل وكذلك لعدم توفر الإرادة، آنذاك، لتشكيلها. هذه المرة، نعتقد أن الإطار القيادي الموحد (ولهو سوابقه التاريخية في العام 2011) يفترض أن يضم الأمناء العامين، أو من هم في حكمهم، برئاسة الرئيس أبو مازن شخصياً.

فأسس التوافق، وإنهاء الإنقسام، باتت واضحة وجلية، وأعيد التأكيد عليها، في أكثر من جولة، وعلى لسان أكثر من مسؤول فلسطيني كبير من داخل حماس (إسماعيل هنية، خليل الحية، حسام بدران، وآخرون ...)، وحركة فتح، والجبهة الديمقراطية وغيرها ...، وإذا كان البعض ما زال متردداً في الإعلان عن م. ت. ف، ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، والاعتراف ببرنامجها المرحلي، فإن هذا التردد، باعتقادي، لا يخدم المصالح الوطنية في هذه المرحلة تحديداً، خاصة وأن الصراع مع الاحتلال والاستيطان، قد وصل إلى مرحلة متقدمة من محاولات الجانب الإسرائيلي الحسم من جانب واحد، مستغلاً الحالة القائمة حالياً بتجلياتها المختلفة (خاصة الانقسام وغياب الوحدة المؤسسية الفلسطينية) وفي محاولة لكسب الوقت وقبل فوات الفرصة.

نعتقد أن على الإطار القيادي الموحد، أن يشكل ورشة وطنية حية ونشيطة، وقد بات يملك خارطة طريق واضحة، وردت عناصرها في « إعلان بكين»، ورشة يقودها الإطار القيادي، يستند فيها إلى لجان اختصاص، تقدم له المشاريع والخطط والاقتراحات، بما يقود إلى إنجاز ما يتوجب إنجازه.

وإذا كان العدو الإسرائيلي يسارع في الحسم، في سباق محموم مع الزمن، وقبل فوات فرصته الذهبية (كما يعتقد)، فإن على الفلسطينيين، هم أيضاً، أن يخوضوا سباقاً محموماً مع الزمن، مع الإعلان في الوقت نفسه، أن الفرصة الذهبية التي وفرها «حوار بكين» وإعلانه، قد لا تتكرر، مرة أخرى، إذا ما أصيبت قراراته ومخرجاته، بنكسة، يكون من أسبابها، تعطيل من هنا أو تلكؤ من هناك، أو إلتفاف من هنا، أو مناورة من هناك، أو تذاكي من هنا، أو تغابي من هناك

أضف تعليق