فلسطين ودورة الألعاب الأولمبية الـ«33»
تنطلق دورة الألعاب الأولمبية الثالثة والثلاثون الصيفية 2024، في باريس يوم الجمعة 26 حزيران/يوليو، وتستمر إلى 11 آب /أغسطس 2024، وسيشارك فيها رياضيون فلسطينيون، على الرغم من الحرب العدوانية المدمرة على شعبنا في الضفة والقطاع، في رسالة سلام إلى العالم، ولفت أنظارهم، لما يتعرض له شعب فلسطين من ظلم بصمت العالم على جرائم إسرائيل، وباستمرار حرب الإبادة الجماعية ضد شعبنا الفلسطيني.
وبحلول يوم افتتاح دورة باريس ستكون الحرب قد اقتربت من يومها الثلاثمئة، حيث لا يتوقع أن تقدم إسرائيل على وقف عدوانها وجرائمها، وستستمر سياستها الاستيطانية التوسعية والتي لن تؤدي إلا إلى تضييع فرص السلام، وتصاعد التوتر في المنطقة، بما يحمله هذا التوتر من احتمالات اندلاع حرب إقليمية واسعة.
في حوار مع «فرانس24» المدير الفني للجنة الأولمبية الفلسطينية، نادر الجيوسي، شرح كيف تتكيف اللجنة الأولمبية الفلسطينية ورياضيوها قدر استطاعتهم مع الأوضاع المأساوية، ويأمل بأن يكون حضور وفد فلسطين حفل افتتاح ألعاب أولمبياد باريس في 26 تموز / يوليو المقبل، حدثاً تاريخياً، يرفرف العلم الفلسطيني على نهر السين خلال حفل الافتتاح الذي يتزامن مع حرب الإبادة وارتكاب الفظائع والمجازر جراء القنابل والصواريخ التي تطلقها آلة الحرب الإسرائيلية، تزودها بها ترسانة السلاح الأمريكية، بسببها دفع الرياضيون، مثل جميع الفلسطينيين، ثمناً باهظاً في هذا العدوان.
سيكتسب رفع علم فلسطين في هذه المناسبة أهمية كبرى إذا استطاعت الجهود إبعاد العلم الإسرائيلي عن الدورة، على الأقل باشتراط اشتراك الرياضيين الإسرائيليين بالأولمبياد كمحايدين، ورفضهم سياسة إسرائيل في الأراضي المحتلة، حسب طلب اللجنة الأولمبية الفلسطينية، عبر رئيسها جبريل الرجوب بمنع دولة الاحتلال من المشاركة بأولمبياد باريس 2024، خلال مؤتمر صحافي في البيرة، 12 يونيو/حزيران 2024 بسبب ارتكاب لاعبيها والمسؤولين فيها عدداً من الخروقات المتعلقة بالمعايير التي قامت عليها اللجنة الأولمبية الدولية، وقال الرجوب: تضمّ البعثة الأولمبية الإسرائيلية المشاركة في دورة باريس جنوداً شاركوا في مجازر تجاه شعبنا الفلسطيني، وهناك لاعب إسرائيلي سيشارك في دورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024، قام بالتوقيع على عدد من الصواريخ التي أطلقها الاحتلال على أبناء شعبنا في قطاع غزّة، بينما التقط لاعبون آخرون ـــــــ برفقة رئيسة اللجنة الأولمبية الإسرائيلية ــــــــ صوراً مع جنود الاحتلال الذين ارتكبوا مجازر إبادة جماعيّة في العدوان الأخير.
يحظى هذا الطلب بتأييد جماهير واسعة من محبي السلام والرافضين لما تقوم به إسرائيل من عنف وتدمير، ونأمل قبل أيام قليلة من الافتتاح أن تشكل هذه التحركات حالة ضغط تؤدي إلى حرمان تمثيل إسرائيل في الأولمبياد كعقاب لها على جرائمها بحق المدنيين الفلسطينيين.
متظاهرون رفعوا أعلام فلسطين على الساريات المتواجدة أمام مقر اللجنة الأولمبية، استنكاراً لارتكاب إسرائيل «إبادة جماعية» في غزة، وشهدت عدة عواصم دول أوربية، ولاسيما فرنسا، تظاهرات وتحركات طالبت بمنع الرياضيون الإسرائيليين من المشاركة في منافسات دورة الألعاب الأولمبية في باريس، نشطاء إيرلنديون جمعوا قرابة 70 ألف توقيع على عريضة طالبت بمنع إسرائيل من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية في باريس، وفي رسالة وجهها ـــــــــــ 30 نائباً يسارياً فرنسياً من حزب «فرنسا الأبية» مع نشطاء بيئيين ــــــــ إلى رئيس اللجنة الأولمبية الدولية توماس باخ في 20 فبراير/شباط الماضي، طالبوا أن تكون مشاركة الرياضيين الإسرائيليين تحت راية محايدة، وأن تطبق على إسرائيل العقوبات المفروضة على روسيا وبيلاروسيا من قبل اللجنة، مع ترك الباب مفتوحا أمام إمكانية رفع هذه العقوبات في حالة التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة.
نظم مؤيدون لفلسطين في سويسرا مظاهرة للمطالبة بـمنع إسرائيل من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية في باريس. وقال متظاهرون إن منع روسيا وبيلاروسيا من الأولمبياد سابقاً، والسماح لإسرائيل بالمشاركة لهذا العام يعتبر ازدواجية معايير.
وتجمع مئات المتظاهرين أمام مقر اللجنة الأولمبية الدولية في مدينة لوزان، لمطالبتها بمنع إسرائيل من المشاركة في الألعاب الأولمبية لهذا العام. وأطلق المتظاهرون هتافات مناهضة لإسرائيل باللغتين الإنجليزية والفرنسية، رافعين الأعلام الفلسطينية، كما حمل المتظاهرون لافتات تدين إسرائيل، وأخرى تدعو لـمنع المجرمين من المشاركة في الأولمبياد. وتواصل إسرائيل حربها رغم قرار من مجلس الأمن الدولي بوقفها فوراً، وأوامر محكمة العدل الدولية بإنهاء اجتياح مدينة رفح جنوب القطاع، واتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال «إبادة جماعية»، وتحسين الوضع الإنساني في غزة.
وقالت رئيسة جمعية «أورو-فلسطين» أوليفيا زيمور في وقفة احتجاجية أمام مقر لجنة الألعاب الأولمبية في العاصمة باريس: إنه من المخزي استقبال الإسرائيليين في هذا الحدث الرياضي بينما نشاهد كل يوم تعرض الشعب الفلسطيني للإبادة الجماعية على يد جيش الاحتلال، وطالبت بالتعامل بالمثل عندما تم منع روسيا من المنافسة عام 2022 بسبب الحرب في أوكرانيا متسائلة: كيف يمكننا تقبل هذه المعايير المزدوجة التي تكرم جلادي أهالي قطاع غزة الأبرياء؟.
توماس باخ رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، قال: الوضع بين اسرائيل وفلسطين مختلف تماماً، وإن اللجنة الأولمبية الدولية لا تدرس فرض عقوبات على إسرائيل في دورة باريس 2024 هذا الصيف. مما يعكس موقف الهيئات الدولية الرياضية الذي يتصف بازدواجية المعايير.
لم تنصف فرنسا الدولة المستضيفة، ولا اللجنة الأولمبية الدولية الشعب الفلسطيني المظلوم، بل ساد الصمت عن سياسة الاحتلال الصهيوني في قتل الشعب الفلسطيني وتهجيره. ولم تُتخذ إجراءات عقابية بحق الرياضيين الاسرائيليين، وفرض عقوبات على إسرائيل ومعاملتها معاملة جنوب أفريقيا سابقاً، التي تم منعها من المشاركة في الدورات الأولمبية على مدار 25 عاماً في الفترة من 1964 إلى 1988، بسبب سياسة الفصل العنصري التي كانت تنتهجها تجاه أصحاب البشرة السوداء من مواطني جنوب أفريقيا باعتبار ذلك مخالف للميثاق الأولمبي الدولي.
من الجانب العربي لم يحظَ موضوع ابعاد إسرائيل من المشاركة في الأولمبياد بالمتابعة لا رسمياً من خلال مطالبة الحكومات والاتحادات المعنية، ولا شعبيا بالمطالبة باستبعاد لاعبي إسرائيل من خلال التظاهر والاحتجاج والضغط على الحكومات لتقوم بدورها برفع المسألة إلى اللجنة الأولمبية الدولية. في وقت يتطلب من الدول العربية والإسلامية والصديقة تشكيل تَجَمُع يُطالب بإنصاف فلسطين، ومعاقبة إسرائيل، من خلال التهديد بعدم المشاركة في كل أنشطة الاتحاد الدولي سواء لكرة القدم أو للجنة الأولمبية الدولية، لإجبار الاتحادات الرياضية على اتخاذ موقف منصف لقضية الشعب الفلسطيني، وتقف على نفس المسافة من الجميع، وترفض الظلم وتعاقب الظالم، وبالتالي تعود لها مصداقيتها كهيئات محايدة.
ولا يبدو أن أحداً من المسؤولين عن الرياضة العربية وقف أمام إمكانية مواجهة مباشرة بين لاعب عربي وآخر إسرائيلي وهذا ممكن ومتوقع، أمر لا يجري تعقبه باعتباره تطبيع مع العدو ولا سيما أن عدداً من الدول العربية لا تجرم التطبيع، وسنشهد خلال المجريات حالات انسحاب فردية من قبل لاعبين عرب، وربما من خارج الدائرة العربية والإسلامية، من يرفض منازلة لاعب إسرائيلي، انطلاقاً من دوافع وطنية كقرار فردي، موقف مشرف يستحق الشكر، لكن ذلك يعني حرمان شخص مؤهل الفوز بميدالية ورفع علم بلاده عالياً، وإنشاد نشيده الوطني على منصات التتويج.
لقد أثرت حرب الإبادة على شعب فلسطين من كل نواحي الحياة، لم تحرم فقط الرياضيين من منشآتهم التي دمرها الاحتلال، بل دمر العدوان المستمر حتى الآن بيوتهم وكل البنية التحتية ومقومات الحياة، فتوقفت ممارسة الرياضة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحل مكانها القصف والموت وممارسات الاحتلال القمعية على الرياضيين الفلسطينيين وعلى اللجنة الأولمبية الفلسطينية، جرائم نازية أدت إلى أكثر من 125 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، ونحو 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين. وطالت حرب التجويع الجميع وأثرت بشدة على الأطفال وعلى الرياضيين، فلا رياضة دون غذاء، وقام جيش الاحتلال الإسرائيلي باغتيال عدد من المدربين واللاعبين الرياضيين الفلسطينيين، وتدمير مكاتب اللجنة الأولمبية الفلسطينية في غزة، وتحويل منشآت ومراكز رياضية لتعذيب المعتقلين الفلسطينيين، لكن رغم ذلك استطاع شعب فلسطين أن يكون حاضراً في الألعاب الرياضية العربية والإقليمية والدولية باختلاف ميادينها، من خلال رياضيه المتميزين منذ أولمبياد أتلانتا في عام 1996 دورة الألعاب الأولمبية السادسة والعشرين، وكان آخرها في الجزائر في الدورة الـ«15» للألعاب العربية في الفترة من 5 إلى 15 يوليو 2023، كانت مشاركة قوية بأكبر بعثة فلسطينية في تاريخ الألعاب الرياضية، دلالة على إصرار الشعب الفلسطيني التمسك بحقهم في الحياة كباقي شعوب العالم.
أضف تعليق