التكنولوجيا والأدب.. من يعيش أكثر الرواية المكتوبة أم الرقمية؟
منذ أكثر من 35 عاماً فرضت الرواية الرقمية التي يُعرفها البعض بأنها تُكتب وتُقرأ عبر الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية، فرضت نفسها على الواقع الأدبي المعاصر رغم عدم تحقيقها الانتشار المأمول مقابل الرواية الورقية حتى الآن.
وكانت الطفرة الكبرى في تاريخ الرواية الذكية في أيامنا تلك بعد جائحة "كورونا" عام 2020. إذ وجدت طريقها إلى الانتشار قليلاً لأنها في الأصل وُلدت من تزاوج النصّ والشبكة العنكبوتية، ليدفع ذلك محمد سناجلة، الروائي الأردني الذي يعد رائد فن الرواية الرقمية في كتابه "رواية الواقعية الرقمية"، إلى القول إن: "العالم أصبح شاشة زرقاء".
هل تتسيد رواية الذكاء الاصطناعي؟
ثمة تحولات طرأت على الرواية. إذ لم يقتصر الأمر إلى حد تبديل الرواية الورقية بأخرى رقمية عبر البرمجيات وأجهزة الحاسوب فحسب، بل استعان بعض الكتاب ممن يطلق عليهم اسم "الروائي الرقمي" بتقنيات الذكاء الاصطناعي بغية تحويل منتجهم الإبداعي إلى نص مسموع، ووصل الأمر إلى مرحلة تصميم صور وأغلفة الروايات أو رسومها التوضيحية في ثوان معدودة.
بات لدى الذكاء الاصطناعي اليوم قدرة فائقة على تحويل النصوص المكتوبة إلى نصوص مسموعة، وبشكل يشبه الإنتاج البشري، وهو أمر يقلق العاملين في مجال قراءة الكتب لصالح منصات الكتب المسموعة، خاصة بعد ظهور آلاف الكتب الصوتية عبر العالم، وفق صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.
في هذا الإطار، لم تكن تجربة الكاتب التونسي وليد حمدي، الذي تحوّلت روايته "أيهم رحلة لاجئ" عام 2022 إلى مادة مسموعة، بصوت الذكاء الاصطناعي، الأولى في هذا المجال، بل استخدمت الكاتبة البحرينية، ندى الفردان، الذكاء الاصطناعي وخوارزمياته في إعداد الرسوم التوضيحية والتعبيرية لكتابها "الغرفة المسحورة"، ليتسيد الإصدارات البحرينية.
لقد أصبحت الرواية الرقمية التي تعتبر نوعاً أدبياً جديداً يجب وضعه في إطاره وابتكار اسم له يناسبه وتقنياته الجديدة بعيداً عن الشكل التقليدي للرواية أمر مهم، وفق حديث الناقد الأدبي المصري محمود الضبع، الذي اعتبر أن "ليس كل رواية منشورة رقمياً تعتبر أدباً رقمياً"
ويضيف في حديث مع "الميادين الثقافية" أن برامج الذكاء الاصطناعي باتت "قادرة على إبداع نص مستقل وأصلي من دون تدخل وتعديل البشر، وإن كانت نصوص لا تعتمد على الإبداع بل إعادة إنتاج النصوص المخزّنة في ذاكرتها، لذلك يبقى أدب الذكاء الاصطناعي بحاجة إلى الإبداع الإنساني لكي يستمر ويتطور".
أما أستاذ النقد الأدبي بكلية الآداب بجامعة القاهرة، حسين حمودة، فيرى أنه " أمر طبيعي أن تتأثر الرواية المكتوبة حالياً بالتكنولوجيا الحديثة في العصر الحالي"، حيث نجد أن الرواية الإلكترونية التي تُقرأ عبر الحاسوب، يتكون عالمها الافتراضي من الكلمة والصورة والصوت والمؤثرات البصرية والسمعية.
الرواية الرقمية.. من ميشيل جويس إلى ري كودان
إن محاولة التأطير للاختلافات بين الرواية الورقية والإلكترونية، يحتم العودة إلى تاريخ ظهور الرواية الرقمية التي كانت أول نصوصها في العالم عبر رواية "بعد الظهيرة" لميشيل جويس، والتي كانت حصيلة لقاء مؤلفين حول البرنامج المعلوماتي "Storyspace" فيما كان الناشر "Eastgate"، قبل أن نقرأ بعد نحو 10 سنوات نصين فرنسيين هما "الزمن القذر" لآلان شيفو وجيل أرمانيتي وفرانك ديفور، و"20 بالمئة حب زيادة" لفرنسوا كولون.
ومنذ العام 2021 ظهرت دور النشر عديدة حول العالم تروّج أعمالاً أدبية مكتوبة بالكامل عبر الذكاء الاصطناعي، ويحررها البشر. ومنها دار النشر الكورية "بارامبوك"، التي أعلنت عن رواية بعنوان "العالم من الآن فصاعداً"، لتكون أول رواية طويلة مؤلفة باستخدام الذكاء الاصطناعي.
وتطور الأمر في شباط/فبراير 2023. إذ نشر موقع "أمازون" العديد من الكتب التي كتبها الذكاء الصناعي، ونحو 200 عنوان من ضمنها 6 كتب باسم الأميركية جين فريدمان، التي أكدت أنها لم تكتب أياً منها، بل إنها لم تنشر أي عمل منذ 2018، قبل أن يتم اكتشاف أن هذه الكتب أنجزها الذكاء الصناعي.
أما خلال العام الحالي، فاعترفت الروائية اليابانية ري كودان، باستخدام برنامج الذكاء الاصطناعي "تشات جي بي تي" في كتابة بعض فقرات روايتها "برج التعاطف طوكيو" التي فازت بجائزة "أكوتاغاوا الأدبية"، ما جعل البعض يصف الأمر بأنه "سرقة أدبية".
وكذلك المؤلف الصيني شين يانغ، الذي استعان بالذكاء الاصطناعي في كتابة رواية "أرض الذكريات" وحصل على المركز الثاني في مسابقة "الخيال العلمي الشعبية للشباب" في إقليم جيانغسو.
إلا أن تلك الطفرة محدودة، لأن "الكتاب الورقي طال الزمان أو قصر سيظل محتفظاً بسحره الخاص لدى جمهوره من عشاق القراءة التقليدية، كما أن الذكاء الاصطناعي يفقد القدرة على النقل الدقيق والأمين للمشاعر الإنسانية بكل أحلامها وآلامها وأفراحها وأحزانها"، كما يقول خبير الذكاء الاصطناعي في المغرب، مهدي عامري، الذي أضاف في تصريح لــ "الميادين الثقافية" أنه "رغم ذلك، قد يبقى الذكاء الإصطناعي أداة مساعدة للإنسان. لكن سيظل الإنسان هو الصانع الحقيقي للأدب".
عربياً، شهدت الساحة الأدبية الرقمية ظهور العديد من الأسماء من بينها: الأردني، محمد سناجلة، الذي أصدر 3 روايات متعاقبة، ورواية "حصن التراب" للمصري أحمد عبد اللطيف، والتي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة بوكر العربية عام 2018، والسعودي صالح بن عايض اليامي، الذي لجأ خوارزميات الذكاء الإصطناعي لتكوين أقرب في قصته "سيرة المرقّش" التي نشرت عام 2023، فضلاً عن 3 روايات من هذا النوع لكتاب مصريين مثل" خيانة في المغرب" لأحمد لطفي عام 2023، و"حيوات الكائن الأخير" لمحمد فؤاد عام 2024، ورواية "ماذا لو أخطأ شامبليون" لمحمد عبد الله حمودة والتي ستنشر قريباً.
إشكالية كبرى
رغم كل إيجابيات الذكاء الإصطناعي، وما يمكن أن يقدمه في عالم كتابة الرواية، فإن ثمة إشكالية كبرى ستواجهها الرواية الرقمية بمجرد طباعتها وتحولها إلى كتاب ورقي. إذ ستفقد جزءاً من بنيتها وشكلها الجمالي ومعناها، لأنها ستخسر ما احتوته من صور متحركة أو مقاطع فيديو أو مؤثرات بصرية وصوتية، وفق حديث الناقد والأكاديمي المصري، مدحت الجيار.
ويوضح الجيار أن ثمة أزمة إضافية تواجه الروايات الرقمية في عالمنا العربي، في حال تحولت إلى مادة ورقية، كما حصل مع رواية "حصن التراب" لأحمد عبد اللطيف، إذ تم محو روابط "اليوتيوب" في نهاية كل فصل ما جعلها خارج النسق والشكل الأدبي المتوقع للرواية.
وللك يجب أن تتحرر الرواية الرقمية، وفق الجيار، من شكل الرواية لتصبح نوعاً منفصلاً بذاته، حتى يستطيع القارئ استقبالها كنوع جديد من المحتوى وليس تحويراً على الصنف الأدبي.
أضف تعليق