تقرير إخباري: هكذا تُغير حرب غزة المشهد السياسي في أوروبا
وقال أسلم (33 عاماً) إن خطاباً ألقاه زعيم من حزب الخضر في نوفمبر (تشرين الثاني) يؤكد فيه مضاعفة الدعم الألماني لإسرائيل، حتى مع اقتراب عدد الضحايا في غزة حينها من 9000، هو ما أنهى تأييده للحزب البيئي، عضو الائتلاف الحاكم في ألمانيا.
تحول التأييد
ويمثل هذا التحول في التأييد، الذي يتردد صداه في أنحاء أوروبا، أحدث تهديد، يأتي هذه المرة من اليسار، للأحزاب السياسية الرئيسية التي يتعرض مشروعها لتعميق التكامل الأوروبي لهجوم بالفعل من اليمين المتطرف.
ولا يقتصر هذا الاتجاه على المجتمعات الإسلامية في دول الاتحاد الأوروبي فقط، لكنه يمتد أيضا للناخبين ذوي الميول اليسارية الذين يرون ازدواجية للمعايير فيما يتعلق بإدانة أوروبا لهجوم حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) وبفشلها في انتقاد حملة إسرائيل العسكرية على غزة التي أودت بحياة أكثر من 36 ألف فلسطيني حتى الآن، بحسب مسؤولي الصحة في غزة.
وقالت سميرة أزابار، عالمة الاجتماع بجامعة رادبود في هولندا، "لدينا صعود في أحزاب اليمين المتطرف واليسار المتطرف، (الأمر الذي سيعيد) تشكيل المشهد السياسي في أوروبا وتوازن قوى العديد من الأحزاب".
وأوضحت أن هذا قد يكون له عواقب على موقف الاتحاد الأوروبي بشأن إسرائيل وكذلك الدفع بسياسات تمنح مزيداً من سلطة اتخاذ القرار على المستوى الوطني في كل دولة عضو بالاتحاد. وقد اعترفت إسبانيا وأيرلندا، عضوا الاتحاد الأوروبي، بالدولة الفلسطينية وكذلك اعترفت حكومة سلوفينيا وتنتظر فقط موافقة البرلمان.
استقطاب
بينما ترتفع شعبية اليمين المتطرف في السنوات القليلة الماضية، تظهر الاستطلاعات أن الأقليات تصوت بشكل أكبر لصالح اليسار المتطرف مع انجراف الأحزاب الرئيسية نحو اليمين بشأن قضايا مثل الهجرة والقيم الثقافية.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "إبسوس" الشهر الماضي أن اليمين المتطرف سيحقق أكبر المكاسب في الانتخابات المقرر إجراؤها في الفترة من السادس إلى التاسع من يونيو(حزيران)، مع حصول مجموعة اليسار في البرلمان الأوروبي على 6 مقاعد إضافية، على حساب تكتلات الاشتراكيين الديمقراطيين والخضر وتجديد أوروبا.
وفي فرنسا، يركز حزب فرنسا الأبية اليساري المتطرف حملته على إبراز موقفه المؤيد للفلسطينيين في محاولة لكسب الناخبين المسلمين واليساريين المتطرفين، حسبما قالت بلاندين تشيليني بونت، المؤرخة في جامعة إيكس مرسيليا.
ويسعى الحزب إلى فرض حظر على تصدير الأسلحة وفرض عقوبات على إسرائيل والاعتراف بدولة فلسطينية، وعلى عكس مجموعات يسارية أخرى يمتنع الحزب عن وصف حماس بأنها جماعة إرهابية.ويتمتع هذا الحزب بتأييد 44 بالمئة من الناخبين المسلمين في فرنسا، مقارنة بحجم تأييد يبلغ ثمانية بالمئة بين مجمل الناخبين في البلاد.
وقال سيباستيان ديلوغو النائب عن حزب فرنسا الأبية: "سيقول البعض إننا نُرضي الناخبين لكن من الذي نتحدث عنهم؟ هؤلاء مواطنون في هذا البلد ليس لديهم رؤية عنصرية للمجتمع".
ويسعى الحزب الاشتراكي في فرنسا أيضا إلى الاعتراف بدولة فلسطينية، لكنه لا يشارك موقف حزب فرنسا الأبية بشأن حماس.
وقال رافاييل غلوكسمان المرشح الاشتراكي البارز: "حزب فرنسا الأبية له علاقة بالعنف وهي (علاقة) ليست جيدة"، مضيفاً أن صعوده في استطلاعات الرأي إلى المركز الثالث بنسبة 14% يرجع جزئياً إلى اختياره النأي بنفسه عن حزب فرنسا الأبية.
عوامل تاريخية
تتسبب أحزاب ناشئة مؤيدة للفلسطينيين حالياً في ألمانيا في تآكل تأييد كل من حزب الخضر والحزب الديمقراطي الاجتماعي، وهما من الأحزاب الرئيسية التي تؤكد دعمها القوي لإسرائيل بسبب شعور ألمانيا بمسؤولية تاريخية بشأن المحرقة (الهولوكوست).
وإلى جانب حزب ميرا 25 اليساري، يوجد بين الأحزاب الناشئة الأخرى المؤيدة للفلسطينيين ما هو محافظ اجتماعياً مثل (التحالف الديمقراطي من أجل التنوع والتنمية) أو "دافا" وأيضاً (حزب القراصنة الألماني) أو "بيغ" وحزب (حلف سارة فاغنكنيشت) أو "بي.إس.دبليو" المتشكك في الاتحاد الأوروبي ويرغب في فرض
حظر على تصدير الأسلحة لإسرائيل مع الدفع بسياسات مناهضة للهجرة.
ومن المرجح أن يعترف أنصار حزب بي.إس.دبليو، الذي تبلغ شعبيته في الاستطلاعات 7% بالدولة الفلسطينية بمعدل أكبر بنسبة 50% مقارنة مع الناخبين الألمان بشكل عام.
وفي إسبانيا، حيث تعود التوترات مع إسرائيل إلى عهد الدكتاتور فرانكو، أدى اعتراف الحكومة بالدولة الفلسطينية إلى تعزيز شعبية حزبي الائتلاف الحاكم، الحزب الاشتراكي وحزب سومار اليساري المتطرف.
وقال ديفيد هيرنانديث، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كومبلوتنسي بمدريد، إن "القضية الفلسطينية صارت محورا للنقاش السياسي في إسبانيا".
إقبال الناخبين على المشاركة في الانتخابات قد يكون أساسياً.
أشارت أزابار، من جامعة رادبود الهولندية، إلى أن نسبة المشاركة في انتخابات الاتحاد الأوروبي تكون في كثير من الأحيان أقل بين الأقليات العرقية مقارنة بعامة السكان، لكن حرب غزة قد تكون حافزا هذه المرة.
وهناك سجل حافل لتأثير قضايا السياسة الخارجية على إقبال الأقليات العرقية على التصويت. ويقول توفيق أوزجان رئيس حزب دافا، الذي يستهدف جذب الناخبين من أصل تركي في ألمانيا، إنه في عام 2016 خسر الحزب الديمقراطي الاجتماعي في ألمانيا أصوات نحو 100 ألف ناخب تركي بعد الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن في الحرب العالمية الأولى.
وأظهر استطلاع أجراه معهد العلوم السياسية في جامعة دويسبورغ إسن في ديسمبر (كانون الأول) أن 1 من كل 3 مسلمين ألمان لا يشعر بأن هناك أي حزب يمثله.
ويتردد صدى شعور جديد بأهمية التمثيل السياسي لدى الناخبين الفرنسيين أيضا. ورشح حزب (فرنسا الأبية) المحامية الفرنسية الفلسطينية ريما حسن التي تشارك في الاحتجاجات ولها نشاط على مواقع التواصل الاجتماعي وتقدم التماسات إلى الاتحاد الأوروبي لتعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل.
أضف تعليق