24 تشرين الثاني 2024 الساعة 20:07

عقوبات أمريكية مزيفة على إسرائيليين

2024-05-08 عدد القراءات : 796

أسامة خليفة

                            باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»

منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023 تزايدت بشكل ملحوظ أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون الإسرائيليون ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية بحماية قوات الأمن الإسرائيلية، في الوقت الذي تُمنع الشرطة الفلسطينية من حماية مواطنيها وممتلكاتهم، وتُمنع من مواجهة أعمال العنف والتخريب والحرق التي يقوم بها المستوطنون الإسرائيليون.

في شباط/ فبراير أصدر الرئيس الأمريكي بايدن أمراً تنفيذياً يمنح وزارة الخارجية سلطات جديدة لفرض عقوبات على إسرائيليين مسؤولين عن تقويض السلام والأمن والاستقرار في الضفة الغربية، وفرضت الوزارة عقوبات على أربعة مستوطنين وعدد من البؤر الاستيطانية، يذكر أن نحو 8 فلسطينيين قُتلوا على يد المستوطنين الإسرائيليين منذ تشرين أول/ أكتوبر 2023.

مزرعة موشس ومزرعة زفيس، هما بؤرتان استيطانيتان في الضفة الغربية تُستخدمان كقاعدتين لارتكاب أعمال عنف ضد الفلسطينيين، ومنع المزارعين الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم والقيام بأعمال الزراعة وقطف الثمار. تدعي الولايات المتحدة أنها فرضت عليهما عقوبات، لم تغير شيئاً من ممارساتهما العنيفة، ولو كان من قام بهذا العنف فلسطينيون لاتهموا بالإرهاب ومعاداة السامية وانتهاك حقوق الانسان، وفُرضت بحقهم عقوبات فعلية وشديدة.

في شباط/ فبراير 2024 أوردت وسائل إعلام تحذيراً أمريكياً رسمياً لإسرائيل بأن العقوبات لن تبقى ضد المستوطنين الذين تورطوا في أعمال عنف بحق فلسطينيين، وأنها ستطال الجيش، وعلى إسرائيل تقديم إجابات بشأن سلسلة من الحوادث التي ربما تكون قد انتهكت «قانون ليهي» من قبل وحدات الجيش الإسرائيلي العاملة في الضفة الغربية المحتلة ويشير الطلب الأميركي إلى أنه إذا أخفقت إسرائيل في تقديم إجابات مُرضية، فإن قواتها العاملة في الضفة الغربية لن تحصل على ذخائر من الولايات المتحدة.

وذكر موقع أكسيوس الإخباري يوم السبت 20 نيسان أن واشنطن تخطط لفرض عقوبات، تطبيقا لقانون «ليهي» على «وحدة نتساح يهودا» الحريدية المتطرفة التي تعمل في الضفة الغربية المحتلة بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان، في كانون الثاني /يناير 2022 توفي عمر الأسد الذي يحمل الجنسيتين الفلسطينية والأميركية بعد أن اعتقل من قبل جنود من كتيبة «نيتسح يهودا» اكتفت واشنطن بالتعبير عن غضبها، ولم تتخذ أي إجراء ضد جنود وضباط الكتيبة، وبرّر الجيش الإسرائيلي موت عمر تحت التعذيب أنه نتج عن عدم تعاونه في التحقيق معه.

اعتبر مسؤولون إسرائيليون العقوبات على الكتيبة أمراً خطيراً يتجاوز الخطوط الحمراء، يتطلب رداً اسرائيلياً على واشنطن بمعاقبة الفلسطينيين، ووفق وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير يكون الرد على واشنطن بمعاقبة السلطة الفلسطينية، ومصادرة جميع أموالها المحوّلة إليها عبر إسرائيل، واتخاذ إجراءات صارمة بحق البنوك الفلسطينية.

يوم الأحد 21 نيسان/ أبريل، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه سيتصدى لأي عقوبات تُفرض على أي وحدة عسكرية إسرائيلية، وقال نتنياهو في بيان نقلته رويترز « إذ اعتقد أي شخص أن بإمكانه فرض عقوبات على أي وحدة تابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي، فسأتصدى لها بكل قوتي».

من جهته الجيش الإسرائيلي دافع عن هذه الوحدة، ذاكراً أن وحدة «نتساح يهودا» الإسرائيلية التابعة له وحدة قتالية نشطة وتعمل وفق «مبادئ القانون الدولي۞. وإذا تم اتخاذ قرار بهذا الشأن، فسيتم مراجعته والعمل على التحقيق في أي واقعة غير عادية بأسلوب عملي ووفقا للقانون، والتحقيق الداخلي الإسرائيلي في قضايا مشابهة أصبح معروفاً بنتائجه وبشكليته. يسرائيل زيف الرئيس السابق لشعبة العمليات بالجيش الإسرائيلي اعتبر أن العقوبات الأمريكية على كتيبة تتبع الجيش «خطوة مُحبِطة»، وأنه غير قادر على استيعاب القرار الأمريكي، وقال يائير لابيد المعارض وجدها فرصة لمهاجمة حكومة نتنياهو: «إن العقوبات الأمريكية على كتيبة «نيتسح يهودا» خطأ، ويجب أن نعمل على إلغائها»، محذراً أن جنود الجيش الإسرائيلي وقادته هم أول المتضررين من «الفشل» السياسي للحكومة، وأن ضرراً خطيراً سيلحق بمكانة إسرائيل كـ«دولة قانون». اتهم معارضون إسرائيليون الحكومة بالفشل في التعاطي مع هذا الملف، وانتقدوا نتنياهو لأنه فضَّل تملق ناخبيه، ولم يجرِ اتصالاً بالأمريكيين قبل أن تقرّ العقوبات، لإبلاغهم بأن هناك مشكلات بالفعل بشأن تلك الكتيبة، وثمة ظواهر في كتيبة «نيتساح يهودا»، يمكن معالجتها. رئيسة حزب العمل الإسرائيلي ميراف ميخائيلي، خالفت الحكومة والمعارضة، ودعت إلى تفكيك كتيبة «نيتسح يهودا»، وأضافت: « إن الكتيبة معروفة بسلوكها العنيف والفاسد منذ سنوات».

ورد في وسائل الإعلام أن الخارجية الأمريكية أبلغت نظيرتها الإسرائيلية بأنه في حال لم ترد بشكل رسمي على الاتهامات بتورط حول ارتكاب انتهاكات من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق فلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، فإنها ستتعامل معهم كما تعاملت مع مستوطنين عنيفين. فما هي العقوبات التي يمكن أن تفرضها وزارة الخارجية الأمريكية؟.

كل ما قيل عن عقوبات مثل تجميد أرصدة لأفراد ومستوطنات في البنوك الخارجية، باهتة لا معنى لها، هذا بافتراض أن المستوطنين المعاقبين والبؤر الاستيطانية لديهم أرصدة في الخارج، أما العقوبات على كتيبة «نيتسح يهودا»، فقد تشمل: منع نقل مساعدات عسكرية أميركية إلى الكتيبة، منع جنودها وضباطها من المشاركة في التدريبات مع الجيش الأميركي، أو المشاركة في أنشطة تتلقى تمويلاً أميركياً.

الرئيس جو بايدن طلب من الكونجرس تقديم مساعدة إضافية لإسرائيل بقيمة 14.3 مليار دولار، مجلس النواب الأميركي الذي يسيطر عليه الجمهوريون وافق على مشروع القانون هذا، فكيف للديمقراطيين ألا يصادقوا عليه في مجلس الشيوخ؟. الرئيس جو بايدن ووزير خارجيته بلينكن من الحزب الديمقراطي، صاحبا مشروع القرار، والولايات المتحدة من خلالهما تنتهك «قانون ليهي» الخاص بنقل الأسلحة التقليدية المرسلة إلى الحكومة الإسرائيلية. جاء الإعلان عن عقوبات في ظل تعاون غير مسبوق بين الولايات المتحدة الأمريكية والجيش الإسرائيلي، في وقت يحظر «قانون ليهي» الذي أقره الكونغرس في 1997، على الحكومة الأميركية تقديم مساعدات لقوات أو وحدات أمن أجنبية، حال وجود معلومات موثوقة تشير إلى تورط تلك الوحدات في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. ما الحديث عن عقوبات إلا للتغطية على الهدف الأساسي لعنف المستوطنين ضمن إطار خطة التطهير العرقي الإسرائيلية في الضفة الغربية، كما هو الحال في قطاع غزة من أهداف الحرب المعلنة اسرائيلياً بتهجير وإبادة سكان القطاع.

كيف لنا أن نفهم العقوبات الأمريكية المزيفة ضد مستوطنين إسرائيليين، وضد كتيبة «نيتساح يهودا» الحريدية، وفي الوقت ذاته، تقدم الولايات المتحدة مساعدات إضافية لتسليح جيش تل أبيب الذي وباعتراف المنظمات الإنسانية الدولية أنه ينتهك حقوق الانسان ؟.

تمنح الولايات المتحدة إسرائيل معاملة خاصة واستثنائية، عندما يتعلق الأمر بإنفاذ قوانين حقوق الإنسان الأميركية، حول ما يتعلق بعمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل، حتى بعد الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية حول احتمال ضلوع إسرائيل في أعمال إبادة جماعية في غزة، لم تدفع إدارة الرئيس جو بايدن إلى مراجعة السياسة الأميركية بشأن إمداد إسرائيل بالأسلحة التي تُستخدم في الهجمات على القطاع. ولم تضع الولايات المتحدة أي شروط على توفير الأسلحة والمساعدات الأميركية لإسرائيل. ولم تفعّل الحكومة الأميركية «قانون ليهي» لتطبقه على إسرائيل، بل على العكس طبقت وزارة الخارجية الأميركية معايير خاصة لإسرائيل لتتحايل على «قانون ليهي».

عقب العدوان الإسرائيلي على غزة في السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023، سارعت الولايات المتحدة بإرسال سفن حربية وطائرات عسكرية إلى شرق المتوسط، لتزويد إسرائيل بكل ما تحتاجه من السلاح والذخيرة والمعدات العسكرية، وتعاونت قوات العمليات الخاصة الأمريكية مع الجيش الإسرائيلي في التخطيط والاستخبارات، وقد أدانت جماعات حقوق الإنسان الدولية الولايات المتحدة لتقديمها الدعم العسكري والدبلوماسي الذي يهدد بالتواطؤ في جرائم حرب.

تقول صحيفة وول ستريت جورنال إن بعض الهجمات الإسرائيلية الأكثر دموية على قطاع غزة شملت استخدام قنابل كبيرة أمريكية الصنع، مثل تلك التي دمرت مجمعاً سكنياً في مخيم جباليا للاجئين وقتلت أكثر من مائة شخص، بينما وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يقول: إن واشنطن ستقدم «دعمها الكامل» لإسرائيل، بما فيها قاذفات صواريخ موجهة وطائرات مقاتلة من طراز إف-35 من بين المعدات التي سيتم إرسالها.

وأعلنت واشنطن أنها ستعمل على تجديد الذخيرة الإسرائيلية التي استخدمتها في الحرب الأخيرة ضد قطاع غزة، بما في ذلك القنابل «الخارقة للتحصينات»، وذكر تقرير وول ستريت جورنال أن شحنات الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل منذ بداية الحرب شملت أطناناً من القنابل الموجهة وغير موجهة وقذائف المدفعية وشحنات عسكرية متنوعة.

يتضح عدم مصداقية التهديدات بعقوبات، من إغراق اسرائيل بالمساعدات السخية العسكرية والمالية التي ما زالت الولايات المتحدة تقدمها لحكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف، رغم قرار محكمة العدل الدولية الذي يهدد الحكومة الأمريكية بالتواطؤ في حرب الإبادة وارتكاب جرائح حرب في غزة.

أضف تعليق