24 تشرين الثاني 2024 الساعة 22:49

رؤساء الولايات المتحدة الأشد ضرراً بالقضية الفلسطينية

2024-04-08 عدد القراءات : 1084
أسامة خليفة / باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»

لم يختلف نهج رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتهم في جوهرها السلبي والمعادي للقضية الفلسطينية عبر 14 رئيساً أمريكياً تعاقبوا على حكم البيت الأبيض، من هاري ترومان إبان النكبة الفلسطينية 1948 إلى حكم جو بايدن الذي تنتهي ولايته الأولى مع بداية العام القادم 2025، ويطمح إلى ولاية جديدة ثانية.

عبر 77 عاماً من عمر القضية الفلسطينية تولى منصب رئاسة الولايات المتحدة أربعة عشر رئيساً ألحقوا الضرر بالقضية الفلسطينية والمنطقة عموماً، وكان أشدهم ضرراً أربعة رؤساء، مع هاري ترومان قامت إسرائيل الأولى على أنقاض نكبة شعب فلسطين، ومع ليندون جونسون وبنتائج حرب 5 حزيران 67 والاستيلاء على ما تبقى من الأرض الفلسطينية ( الضفة والقطاع) وسيناء وهضبة الجولان، قامت إسرائيل الثانية. ومع ترامب والاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، واعتبار الضفة الغربية «أرض إسرائيل»، ونزع الصفة القانونية عنها أرضاً فلسطينية تحت الاحتلال، ومحاولة إسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين، قامت إسرائيل الثالثة، ومع جو بايدن وحرب الإبادة الجماعية والمجازر والنكبة الفلسطينية الجديدة بأهدافها الإسرائيلية الأمريكية لتدمير قطاع غزة، والقضاء على المقاومة الفلسطينية بما يهيئ لقيام إسرائيل الرابعة.

الأول: هاري ترومان الرئيس الثالث والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية، حكم البيت الأبيض في الفترة (1945-1953)، وأسس للنكبة الفلسطينية 1948، بالتعاون مع بريطانيا، ورعى ولادة دولة إسرائيل، وقدم لها كل أشكال الدعم رغم أنه ينظر إلى اليهود نظرة سلبية، إذ كتب ترومان في مذكراته محذراً: ما أن يتمتع اليهود بنفوذ سياسي أو مالي حتى يصبحوا أسوأ من هتلر وستالين في إساءة معاملة الآخرين.

الرئيس الأمريكي هاري ترومان أكبر مجرم في التاريخ، صاحب الأمر بإلقاء القنبلتين النوويتين على هيروشيما ونكازاكي، قد ضغط على سلطات الانتداب البريطانية لجعلها تقبل دخول أكبر عدد من اليهود إلى فلسطين، وضغط لتسريع انسحاب قواتها من فلسطين في منتصف شهر أيار عام 1948، ولتقديم كل الدعم قبل انسحاب قواتها لتمكين المستوطنين من السيطرة وإعلان قيام دولتهم في 15 أيار مع إعلان بريطانيا عن تخليها عن الانتداب، ولعبت الولايات المتحدة دوراً أساسياً في الأمم المتحدة لإصدار قرار تقسيم فلسطين، وإذا كانت بريطانية هي من وعد بوطن قومي لليهود عبر وزير خارجيتها بلفور، ومهدت ووضعت الأساسات الأولى لإقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، فأمريكا ليست فقط مؤسسة لهذا الكيان، بل أيضاً هي سبب استمرار وبقاءه، و تنامي عدوانيته وعنصريته المفرطة، وقد اعترف الرئيس ترومان بـ« دولة إسرائيل» في 14 مايو عام 1948، بعد أحد عشر دقيقة من إعلان قيام دولة إسرائيل.

الثاني: الرئيس الـسادس والثلاثون للولايات المتحدة الأميركية، ليندون جونسون، حكم البيت الأبيض( 1963-1969)، في هذه الفترة وقعت نكسة حزيران 1967، وقد تم الإعداد لهذه الحرب في غرفة العمليات في البيت الأبيض، كان جونسون أول رئيس أمريكي يمنح إسرائيل منظومات أسلحة هجومية، متجاهلاً رأي وزارة الخارجية التي ترى أنها صفقة تضرّ بالمصالح الأمريكية النفطية في المنطقة العربية، كما وتظاهر الرئيس جونسون ووزير خارجيته دين راسك أنهما حذرا إسرائيل من المبادرة إلى البدء بالحرب، في محاولة لخداع العرب بإيهامهم أن الإدارة الأمريكية تبذل الجهد لمنع وقوع الحرب، ومنع التصعيد على جبهات القتال، وقد كان بإمكان جونسون أن يدفع الأمم المتحدة إلى تأخير سحب قوات حفظ السلام من سيناء والتي اعتبرتها اسرائيل إعلان حرب ضدها. 

وخلال الحرب قدمت الولايات المتحدة المزيد من المساعدات المالية والعسكرية واللوجستية، ولم تمنعها حرب فيتنام من مساعدة إسرائيل في حرب يونيو/حزيران 1967، بإعطاء الأولوية لإيقاع الهزيمة بالعرب، ولم تعمل على الضغط على اسرائيل لوقف إطلاق النار حتى تكمل أهدافها في احتلال الضفة الغربية وغزة وأجزاء واسعة من أرضي الدول العربية المجاورة لفلسطين، بما يقودنا إلى طوفان الأقصى، وإعطاء بايدن الأولوية لهزيمة المقاومة الفلسطينية على أي جهد أو مساعدة يمكن أن يقدمها لحربه بالوكالة ضد روسيا في أوكرانيا.

وبعد انتهاء الحرب في أيامها الستة لم يضغط الرئيس جونسون على اسرائيل لتنفيذ قرار 242 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي في 22 نوفمبر 1967، الذي نص على انسحاب إسرائيل إلى حدود الرابع من حزيران 67.

دعم جونسون إسرائيل بقوة منذ كان زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، فبعد العدوان الثلاثي على مصر حاول إقناع الرئيس إيزنهاور بتجنّب فرض عقوبات على إسرائيل لعدم انسحابها من سيناء، بعد إنذار ايزنهاور الشهير إلى بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بسحب قواتهم من مصر، بعد العدوان الثلاثي عام 1956.

الثالث: دونالد ترامب الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة شغل هذا المنصب في الفترة (2017 إلى 2021) ألحقت سياسة ترامب بالقضية الوطنية الفلسطينية أضراراً كبرى، من خلال إجراءات على أرض الواقع تؤدي إلى حل القضية الفلسطينية حسب الرؤية الاسرائيلية. فهو صاحب صفقة القرن أو صفقة ترامب التي لم تكن صفقة بين طرفي النزاع، إنما صفقة نتنياهو -ترامب، تشبه الوعد المشؤوم صفقة بلفور- روتشيلد، إذ اعترف ترامب بالقدس كعاصمة موحدة لإسرائيل، واعترف بشرعية الاستيطان، وأيد إجراءات الضم، ودعا إلى توطين الفلسطينيين خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإنهاء حق العودة، كما اعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل.

ساهمت «رؤية ترامب» في توسيع مشاريع الاستيطان وفي تسريع خطوات الضم الزاحف، وفي إسراع الحكومات الاسرائيلية عمليات التهويد في القدس وفي الخليل، واتخاذ سلسلة من الإجراءات الإدارية لفرض «السيادة» الإسرائيلية على أجزاء واسعة من الضفة الغربية.

الرابع: جو بايدن الرئيس السادس والأربعون للولايات المتحدة، الرئيس الحالي للولايات المتحدة، لماذا بايدين ضمن الرؤساء الأربعة الأكثر ضرراً بالقضية الفلسطينية؟. هو مسؤول مسؤولية مباشرة مع القيادات الإسرائيلية السياسية والعسكرية عن قتل أكثر من 32 ألف من الفلسطينيين المدنيين جلهم من النساء والأطفال، وتدمير أكثر من 70% من البيوت والأبنية بالقنابل الأمريكية الثقيلة، وتدمير كامل البنية التحتية في قطاع غزة ومعها القضاء على كل مقومات الحياة، غطى سياسياً المجازر الإسرائيلية، والإبادة الجماعية في غزة، مانعاً مجلس الأمن من اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار في غزة باستخدام حق النقض الفيتو ثلاث مرات على التوالي. وورط الولايات المتحدة بالتدخل العسكري المباشر منذ اللحظات الأولى للعدوان الإسرائيلي مؤكداً أن «الولايات المتحدة ودولة إسرائيل شريكان لا ينفصلان»، وأمر بايدن بنشر حاملتي طائرات، «جيرالد فورد» و«دوايت آيزنهاور»، والعديد من القطع البحرية في شرق البحر المتوسط، لمنع هزيمة إسرائيل، ولتقديم العتاد والسلاح والذخائر اللازمة لحرب الإبادة، وسمح للمرتزقة من أصحاب ثنائية الجنسية «الأمريكية -الإسرائيلية» بالتجنيد في الجيش الإسرائيلي،لمساهمة في قتل الفلسطينيين، معتبراً أن العدوان الاسرائيلي يأتي في سياق الدفاع عن النفس، وأن واشنطن «ستواصل التأكد من أن إسرائيل لديها ما تحتاجه للدفاع عن نفسها وشعبها».

تنقسم فترة رئاسة بايدن إلى مرحلتين تتعلقان بتطورات الأوضاع في فلسطين لا سيما في قطاع غزة، الأولى مرحلة ما قبل طوفان الأقصى، انتهج خلالها ذات السياسة التي جاء بها ترامب في صفقته حول حل القضية الفلسطينية، لم يتراجع عن قرار ترامب بنقل سفارة واشنطن إلى القدس، ولا عن الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، وقدم التطبيع بين إسرائيل ودول عربية ولاسيما الخليجية على أولوية القضية الفلسطينية، رغم التصريحات الجوفاء بالعودة إلى اعتماد «حل الدولتين»، بديلاً لرؤية ترامب – نتنياهو، دون تحديد جوهر الدولة الفلسطينية وسيادتها على أرضها وحدودها ومواردها، ودون تحديد عاصمتها، ودون خطوات عملية بل اكتفى بالحديث العام، متجاهلاً في الوقت نفسه قضية اللاجئين الفلسطينيين.

في هذه المرحلة ايضاً أعلن عن سلسلة من الخطوات الإجرائية، لذر الرماد في عيون السلطة الفلسطينية والأنظمة العربية، أهمها العودة إلى الالتزام المالي نحو وكالة الغوث، والالتزام المالي نحو السلطة الفلسطينية بشرط توقف رام الله عن دفع الرواتب لـ«منفذي الهجمات الفلسطينيين وعائلاتهم»، وفي طوفان الأقصى أعلن بايدن عن تعليق تمويل الولايات المتحدة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، في ظل حرب التجويع التي تُشن على شعبنا لا سيما في قطاع غزة.

المرحلة الثانية هي مرحلة طوفان الأقصى، وقد تكون هناك مرحلة فرعية في سياق الطوفان تتعلق بمقتل عاملي الإغاثة الأجانب السبعة من منظمة «المطبخ المركزي العالمي» في استهدافهم بطائرة إسرائيلية مسيرة في قطاع غزة، أدت إلى وتوتر وإثارة غضب بايدن من هذه الجريمة، في الوقت الذي لم تحرك مشاعره، وتغيّر مواقفه مقتل 32 ألفا و552 شهيداً فلسطينياً. وواصل التأكيد على حرص الولايات المتحدة «ضمان أمن إسرائيل»، والدعم الأمريكي المستمر لإسرائيل في عدوانها الهمجي. واستمرار تدفق المساعدات العسكرية والمالية وتزويد إسرائيل ما تحتاجه من معدات ولأسلحة وذخائر لترتكب جرائمها ومجازرها في غزة ولتواصل حرب الإبادة الجماعية.

ونحن نقيم هذه السياسة الأمريكية على المدى الطويل والتي أدت إلى كوارث ونكبات ومجازر في محاولة لتضييع الحقوق العربية والفلسطينية، فإن الحالة العربية من الضعف والهوان، وتخاذل الأنظمة العربية في الرد على العدوان الإسرائيلي وضعف الموقف من السياسة الأمريكية هي وراء تمادي المعتدين في وحشيتهم والاستخفاف بأرواح ودماء العرب، والفلسطينيين خصوصاً، ولا ندري من هم الرؤساء القادمون الأكثر ضرراً والداعمون لقيام إسرائيل الكبرى، إسرائيل الخامسة، من الفرات إلى النيل وبعد أي نكسة أو نكبة يتحقق هذا الحلم الصهيوني.

أضف تعليق