21 كانون الأول 2024 الساعة 18:38

لماذا المقاطعة الأكاديمية لجامعات إسرائيل؟.

2024-03-23 عدد القراءات : 1462



                                               أسامة خليفة

                            باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»

بدأت الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل (PACBI) نشاطها في 2004، ومقرها مدينة رام الله، الضفة الغربية، وهي جزء من حركة المقاطعة لإسرائيل، تهدف الحملة إلى منع إسرائيل من استغلال الفنون والثقافة والأوساط الأكاديمية والرياضية للتستر على انتهاكاتها وجرائمها المستمرة ضد الفلسطينيين.

دعت الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، المجتمع الأكاديمي في أنحاء العالم إلى مقاطعة الجامعات الإسرائيلية لأنها جزء لا يتجزأ من الاستعمار الاستيطاني ونظام الفصل العنصري، ولأن الجامعات الإسرائيلية متواطئة في الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، وتلعب دوراً أساسياً في تطوير المعرفة العسكرية والأمنية الإسرائيلية.

فقد طورت جامعة تل أبيب «عقيدة الضاحية» الداعية إلى تكتيك «القوة الغاشمة»، وعملاً بها، استخدم الجيش الإسرائيلي القوة المفرطة ضد المدنيين والبنية التحتية في فلسطين وفي الضاحية الجنوبية في بيروت. ونفذت جامعة التخنيون مخططات وأعمال جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية المحتلة، وتكنولوجيا المراقبة بالتعاون مع شركة إلبيت، إحدى أكبر شركات الصناعات العسكرية الحربية في إسرائيل.

وأُسست جامعة أرييل الإسرائيلية على أرض مملوكة لعائلات فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، وأطلقت برامج تعليمية بالتعاون مع الجامعة العبرية بالقدس، التي أُنشئت بدورها أيضاً على أراضٍ فلسطينية.

وفي إطار الحملة الممنهجة على التعليم في فلسطين يتعرض قطاع غزة لحرب إبادة ثقافية وتدمير ممنهج لقطاع التعليم في مختلف مراحله، وقد طال الاستهداف الإسرائيلي 90% من الأبنية المدرسية الحكومية التي تعرضت لأضرار مباشرة وغير مباشرة، فيما تُستخدم 133 مدرسة حكومية كمراكز إيواء.

وبحسب وزارة التربية والتعليم، فقد استشهد 4327 طالبا وطالبة، وأصيب 7819 آخرون، واستشهد 231 معلماً وإداريا، وأصيب 756 منهم بجروح مختلفة، حتى صباح السبت 20/1. كما تعرضت 281 مدرسة حكومية و65 مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" للتدمير الكلي والجزئي. وتقول "أونروا" إن 151 من موظفيها، استشهدوا منذ اندلاع الحرب، ويقيم 1.9 مليون نازح إما داخل 154 مركز إيواء يتبع للأونروا، أو قربها، وغالبيتها مدارس.

وفي إطار جريمة الإبادة الجماعية الشاملة التي يرتكبها الاحتلال في غزة طال التدمير أبنية الجامعات جميعها، واستشهد مئات المعلمين وآلاف الطلبة، ونحو مئة من أساتذة الجامعات والأكاديميين، 17 منهم يحمل درجة البروفيسور، و59 درجة الدكتوراه، و18 درجة الماجستير في حصيلة غير نهائية، نتيجة صعوبات التوثيق الناجمة عن تعذر الحركة بحرية وانقطاع الاتصالات والإنترنت ووجود آلاف المفقودين.

 

وكانت 15 جامعة فلسطينية قد دعت نهاية العام الماضي إلى ضرورة تحرّك المجتمع الأكاديمي لفرض العزلة الدوليّة على الجامعات الإسرائيلية المتواطئة في الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، بالذات في غزة المحتلة والمحاصرة.

وتتزايد في جميع أنحاء العالم حركة التضامن الفعال مع نضال الشعب الفلسطيني لنيله الحرية والعدالة مع تزايد الهجمات الإسرائيلية على غزة، حيث عبّر آلاف العلماء والأكاديميين والمؤسسات العلمية عن التضامن مع قضية الشعب الفلسطيني.

قرّر مجلس كلية الحقوق التابعة للجامعة البلجيكية، وبالإجماع، وقف اتفاقية التعاون مع جامعة بار إيلان الإسرائيلية، بعد تجاهل الأخيرة انتهاكات "إسرائيل" للقانون الدولي، من خلال تقديم دعم ثابت لحرب الإبادة الإسرائيلية ضد المدنيين في غزة. واستغلّت جامعة أنتويرب الفرصة لحثّ الجامعات والنقابات والمؤسسات الأكاديمية الأخرى على الدعوة إلى وقف إطلاق النار فورًا.

أعلن معهد ملبورن الملكي في جامعة التكنولوجيا بأستراليا إلغاءه عقداً مع شركة تصنيع الأسلحة الإسرائيلية (Elbit Systems)، وهذا القرار يأتي بعد أكثر من عام على حملة الضغط يواجهها المعهد، بناء على دعوة من اتحاد نقابات أساتذة وموظفي الجامعات الفلسطينية.

وأوقفت أربع جامعات نرويجية مؤخراً تعاونها مع جامعات إسرائيلية، وجمدت جامعة أوسلو اتفاقيات للتبادل الطلابي والأكاديمي مع جامعة حيفا الإسرائيلية، وقررت عدم توقيع اتفاقية تعاون مع أي جامعة إسرائيلية مستقبلاً.

كما أنهت جامعة بيرغن للهندسة المعمارية في النرويج اتفاقيتي تعاون مع أكاديمية “بتسلئيل” الإسرائيلية للفنون بسبب ارتباطاتها بمشاريع مع جيش الاحتلال،

جامعة جنوب شرق النرويج أنهت اتفاقيات للتعاون مع جامعة حيفا وكلية هداسا الأكاديمية في إسرائيل، واستندت في قرارها إلى الهجمات التي تشنها إسرائيل على غزة والوضع الإنساني المأساوي الذي يعيشه سكان القطاع، وتجاهل إسرائيل لأوامر محكمة العدل الدولية.


إن سؤالاً مهماً يطرح هنا في العلاقة بين العلم والسياسة حيث يصر علماء على حيادية العلم وفصله عن العواطف والرغبات الذاتية، على أن العلوم مستقلة بذاتها لا تتبع مصالح الأشخاص أو الجماعات أو الدول، فالعلم يفترض به أن يكون دقيقاً يصف الواقع كما هو، فالقانون العلمي مجرد عن المواقف المسبقة والايديولوجيات وظيفته اكتشاف الكون، والسيطرة على الطبيعة بما يخدم الإنسان.

خدمت العلوم الانسانية -لاسيما علم الانتروبولوجيا والبحوث الاستشراقية- الدول الاستعمارية الأوروبية وساهمت في إخضاع بلدان العالم الثالث ونهب خيراتها. بينما استغلت قوانين علمية كيميائية وفيزيائية في تطوير السلاح المتطور للفتك بالمتمسكين بحرية شعوبهم واستقلال بلادهم.

هذا النقاش دار في فلسطين تحت عنوان محاربة العدو أم محاربة الجهل ؟!. ففي 24  تموز/ يوليو 1918وضع حجر الأساس للجامعة العبرية في فلسطين. وبعد 7 أعوام من وضع حجر الأساس تم افتتاح الجامعة، في 1 نيسان 1925 في حفل حضره جيمس بلفور صاحب الوعد المشؤوم، وحول هذا يدور الكثير من الأسئلة التي توضح وجود بلفور وأسباب اهتمامه بمنشأة للعلم، كما حضرها المندوب البريطاني السامي الصهيوني هربرت صمويل، وزعماء صهيونيون منهم حاييم فايتسمان، والحاخام إبراهام إسحاق كوك، وحاييم نحمان بياليك.

رأت الحركة الوطنية الفلسطينية في حضور بلفور استفزازاً وتحدياً لمشاعر الفلسطينيين، وقررت المقاطعة وعدم المشاركة في الاحتفالات، والإضراب يوم وصول بلفور، والامتناع عن لقائه بصفة خاصة أو عامة، ومنعه من دخول الأماكن المقدسة، والطلب من الصحف العربية الصدور بإطار أسود مع تعليقات مختصرة بالإنجليزية حول وعد بلفور، استجابت الجماهير آنذاك لقرارات الحركة الوطنية وشهدت فلسطين إضراباً شاملاً وصدرت الصحف بإطارات سوداء تندد ببلفور.

ونُظم مهرجان يندد بالزيارة في الحرم القدسي الشريف، وألقى المفكر خليل السكاكيني، كلمة من على منصة الحرم ضد زيارة بلفور، ودعاه للمغادرة لأنه يزور البلاد خلافاً لرغبة أهلها.

ونظم الشاعر اسكندر الخوري البيتجالي، عن تلك المناسبة شعراً، مما يشير إلى مدى السخط على الجامعة، وعلى من حضر الاحتفال، وبشكل خاص مندوب عن الحكومة المصرية، يذكره الشاعر في القصيدة مرة السيد، ومرة أحمد، وهو المفكر المصري المعروف أحمد لطفي السيد، يقول البيتجالي :

الله أكبر كل هـذا في سبيل الجامعة!

ما تلك جامعة العلـوم بل المطامح جامعة!

إن السياسة أوجدتها والسياسة خادعة

من لندن هرولت تضرم نار هذي الواقعة

يا لورد ما لومي عليك فأنت أصل الفاجعة

لومي على مصر تمد لنا كفاً صافعة

يا (سيد) قد جئتنا وقلوب قومك هالعة

وشهدت جامعة المطامع لا العلوم النافعة

أرأيت كيف تحيط بالعرب الذئاب الجائعة

لو جاء هذي الأرض (أحمد) قبل يوم الجامعة

لرأى فلسطينا تقيم له المحافل ساطعة

ولهرولت من كل حدب للقاء مسارعة

نشكو لكم منكم بني مصر ظروف الواقعة

أوهمتم الأعداء إنا أمة متقاطعة

لا تشمتوا أمماً غدت فينا وفيكم طامعة

اشترك مطران القدس الانجليزي مكنس، ومفتي القدس كامل الحسيني في هذا الاحتفال، فوضع كلٌّ منهما حجراً في الأساس، وسأل الشاعر وديع البستاني المفتي، شعراً عن ملابسات هذه المشاركة:

افتني بالله بالكعبة بالحجر الأسود بالركن الأغر

إن علت في عزها شامخة فوق رأس الطور تلهو بالعبر

وغدت جامعة عبرية ونهى الحاخام فيها وأمر

أيقول الشيخ والقس: اتئد إن للمطران والمفتي حجر

والطور هو جبل الزيتون في القدس الذي بنيت الجامعة العبرية بجانبه على جبل المشارف، يعود فكرة إنشاء جامعة عبرية في فلسطين إلى المؤتمر الصهيوني الأول في 1897 حيث اقترح الصهيوني تسفي هرمان شابيرا هذه الفكرة على المندوبين الآخرين وتم نقاشها في إطار المؤتمر. وفي العام 1913 اتخذ المؤتمر الصهيوني قرار إقامة جامعة عبرية، فاشترى الاتحاد الصهيوني العالمي لهذه الغاية قطعة أرض على جبل المشارف من الزوجين البريطانيين جون وكارولين إميلي غراي هيل، وهما مستشرقان من إنجلترا لم يكن امتلاكهما الأرض في القدس –تحديداً- محض صدفة، ولا التقاط صور للحياة في فلسطين مجرد هواية إبداعية نزيهة، أو لخدمة علم التاريخ بموضوعية بعيداً عن الأيديولوجيا الصهيونية وخدمة الاستعمار.

رد على البستاني شقيق المفتي، الحاج أمين الحسيني، الذي عينه الإنجليز فيما بعد مفتياً بعد وفاة شقيقه كامل، فنظمها الحاج أمين، فاصلاً العلم عن السياسة، ومتجاهلاً حضور اللورد بلفور صاحب الوعد المشؤوم الذي «أعطى من لا يملك لمن لا يستحق»، ومنها هذه الأبيات:

يا أخا العرب اتئد حكماً ولا تعجلن باللوم أن أمر بدر

إننا نحن بني الشرق لنا في هراء القول عشق مستمر

ليس في الأقوال خير يرتجى أرني الفعل وإلا فازدجر

إنما الأعمال مسبار الفتى إن يكن خيراً أتى أو يك شر

إن علت جامعة عبرية فوق رأس الطور تلهو بالعبر

ولئن راحت يد واضعة حجراً أسود أو كان أغر

أترى ترفعها أقوالنا ذاك بيت الشعر لا بيت الحجر


فدع القول أخا العرب وخذ معولا وابن معي مجد عمر

وضع اليمنى بيسراي وقم نحو جيش العرب للعرب انتصر

أو فحارب جيش جهل هائل بظبا العلم وما تحوي البدر

فإذا أنت عن العرب وعن نصر جيش العلم تنأى فاستتر

وإزاء سعي بعض الأدباء والمفكرين والفنانين للتطبيع الثقافي، أجابت حركة مقاطعة إسرائيل  «BDS»عن السؤال لماذا نقاطع الجامعات الإسرائيلية؟ لأنه من حق الشعوب المضطهدة والواقعة تحت الاستعمار أن تمارس كل أشكال المقاومة المنسجمة مع القانون الدولي، والمقاطعة شكل رئيسي من أشكال المقاومة السلمية الفلسطينية من أجل الحرية والعدالة وتقرير المصير. وترى الحملة أن مقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية يمكن أن تؤدي للضغط عليها لإنهاء تواطؤها الممتد على مدار عقود في انتهاك حقوق الفلسطينيين، ولأنه يمكنها أيضاً عزل النظام الإسرائيلي المضطهِد بشكل أكبر من خلال عزلها على المستوى الأكاديمي والدولي.

أضف تعليق