في الرد على ورقة حماس بشأن الاسرى والرهائن: حكومة نتنياهو تتورط في خياراتها| أمير مخول
فور نشر رد حماس على الصفقة المقترحة إطاراً وتفصيلا مساء يوم 6 شباط فبراير، اعتبر الاعلام الاسرائيلي كما حكومة نتنياهو، أن حماس ترفض مسودة الاقتراح الصادرة عن اجتماع باريس لبلورة إطار لصفقة شاملة، وأن هناك بنود غير مستعدة اسرائيل للنظر بها. الا ان الموقف الاسرائيلي تبدل خلال ساعات من رفض مطلق الى التنويه بأن اسرائيل تدرس ردود حماس، وبأن نتنياهو سيعقد اجتماعا أمنيا سياسيا للبت به. على المستوى الشعبي تزامن رد حماس مع الاعلان الرسمي الاسرائيلي بأن عدد الرهائن الاحياء المحتجزين في غزة قد تراجع الى 85 بدلا من 136 سابقا، وإعلان نحو خمسين منهم قتلى.
//في التفاصيل:
سبق رد حماس، حملة مكثفة من وزراء الحكومة من احزاب الليكود والصهيونية الدينية بمن فيهم نتنياهو، بوضع العراقيل امام قبول اي رد يأتي من حماس، كما لو كانت الحكومة معنية برد سلبي يُنزل عن كاهلها مسؤولية الرفض ويتيح لها المناورة امام عائلات المحتجزين الرهائن والاسرى في غزة.
سوف يصطدم بلينكن بما كان يدركه مسبقا، بحقيقة ان العقبة الكأداء امام اي تقدم بالمفهوم الامريكي تعود الى قناعات وطبيعة حكومة نتنياهو، فلا خطر على حكومة نتنياهو بأن تسقط ما دام الائتلاف الحاكم متماسكا. والتقدير بأن بن غفير كما سموتريتش لن يدفع الى اسقاط الحكومة حتى وإن صادقت على صفقة التبادل ووقف القتال مهما كانت صيغة ذلك، بل أن اقصى اليمين يدرك بأن اي إسقاط للحكومة يعني نهاية وجوده في الحكم لسنوات قادمة، كما يدرك اطرافه بأن نتنياهو لن يقبل بالاتكاء على دعم المعارضة برئاسة لبيد بديلا عن سموتريتش وبن غفير.
من المجمع عليه إسرائيليا، رفض مبادئ عدة تضمنها رد حماس، يمكن تلخيصها بما يلي؛
- انهاء الحرب، والابقاء على حكم حماس في غزة؛ والقبول بالمطلب بشأن القدس والمسجد الاقصى وعودة الامور الى ما كان ساريا قبل العام 2002، وهو ما يعني اسرائيليا منح حماس فائض صلاحيات وفائض "شرعية" حتى خارج حدود غزة.
- الانسحاب من غزة حسب مطلب حماس قبل تنفيذ الدفعة الثالثة من إطار الاتفاق تعني وقف الحرب تماما.
وفقا لكل المؤشرات فإن حكومة نتنياهو دخلت في لعبة كسب الوقت سعيا للوصول الى احتلال رفح بكل ما يحيط بذلك من مخاطر تتعلق بحياة السكان النازحين والمقدر عددهم بنحو 1.3 مليونا، بالإضافة الى المخاطر الاستراتيجية بخصوص التوتر مع مصر واحتمالية تعليق اتفاقات كامب ديفيد وحتى المواجهة في حال دفع الجيش الاسرائيلي بالفلسطينيين نحو معبر رفح ومحور صلاح الدين كي يتهافتوا الى الاراضي المصرية في سيناء.
//ارهاصات ذات دلالة: داخليا.
*قد يكون أكثر الاجتماعات لفتا للنظر والتي ارادها بلينكن في زيارته لإسرائيل، هو الاجتماع الثنائي الملغي مع رئيس هيئة الاركان هرتسي هليفي، بينما رفض مكتب نتنياهو عقد الاجتماع واشترط امكانيته فقط بحضور نتنياهو شخصيا. وهو امر ذو دلالات بصدد القراءة الامريكية للتوتر القائم ليس فقط سياسيا بين الائتلاف ومعارضيه، بل للتوتر العميق بين المنظومتين الامنية والسياسية وانعدام الثقة بينهما، وذلك يدور حول عدة محاور، منها التصورات لما بعد الحرب، وتحميل المسؤوليات حول اخفاق 7 اكتوبر، وانكشاف الجيش اكثر من القيادة السياسية امام رقابة محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية.
*اضافة الى الازمة السياسية الاسرائيلية الشاملة، فإن الحالة تشير الى اتساعها لتشمل صراعا بين المنظومات الدولانية وحصريا بين المنظومة السياسية والمنظومة العسكرية الامنية، التي تجد نفسها وقيادات في خضم حملة تحريض ونزع شرعية من قبل وزراء واعضاء كنيست في الائتلاف الحاكم، قد تدفع بقيادات عسكرية وخاصة قائد الاركان نحو الاستقالة، اذ بدأ الاعلام الاسرائيلي يتحدث عن ورثة محتملين له ولرئيس الشاباك.
*التحقيق الداخلي الذي بدأه الجيش تحت مسمى استخلاص النتائج الميدانية من اخفاق 7 اكتوبر والتعلم من العمليات الميدانية، اتسع نطاقه وبدأ ينشغل في قضايا تمس بالنسيج الاجتماعي الاسرائيلي ومنها احتمالية قيام قائد عسكري رفيع بإعطاء الاوامر في 7 اكتوبر لطاقم دبابة بقصف منزل فيه عناصر حماس و13 من الاسرائيليين المحتجزين فيه مما ادى الى مقتلهم ضمن "بروتوكول هنيبال" بما فيه قتل الخاطفين والمخطوفين. وكذلك النظر في عشرات الحالات التي ارتكب فيها الجنود او وحدات عسكرية انتهاكات فظة للقانون الدولي مما يخضع ضباط الجيش للمساءلة وحتى اوامر الاعتقال تصدر عن محكمة الجنايات الدولية او محاكم وطنية في عدة دول غربية. هذا التحقيق يزيد من الضغوطات الشعبية التي تطالب بلجنة تحقيق رسمية لكل المستويات وهو ما يعني فعليا تحميل نتنياهو ووزرائه المسؤولية ونهاية حكمه بالمساءلة.
*الحملة على قادة الجيش تبلغ مدىً غير مسبوق في تاريخ حروب اسرائيل، وبات عرضة للتهجمات والإقلال من صدقيته اسرائيلياً من وزراء واعضاء كنيست ومن وسائل اعلام ومن جمهور المستوطنين في الضفة الغربية ومن جمهور اليمين الحاكم، لدرجة اعتذار قيادة الاركان عن تدريبات عسكرية فيها محاكاة لعدة احتمالات بما فيها خطف المستوطنين لفلسطينيين، ولم تنفع المستوى العسكري كل الاعتذارات واستجداء الصفح.
*وجد نتنياهو ذلك مناسبة اضافية يضرب فيها الاجماع حول الجيش وهو شأن في صلب العقيدة الصهيونية. بينما يعزز سياسيا نهج اليمين الحاكم في ازالة كل المعوقات امام استمرار حكمه وامام روايته في صراعه على الراي العام الاسرائيلي، وسياسيا أيضا، سعى لتسديد ضربة لما يسمى حزب الجنرالات المعسكر الرسمي بقيادة غانتس، ومن خلاله لادارة بايدن المعنية بتولي هذا الحزب رئاسة الحكومة.
معضلات امام نتنياهو:
*تبقى المعضلة الاكبر امام حكومة نتنياهو ميدانيا نتيجة عدم القدرة على الحسم في غزة وتحقيق اهداف الحرب المعلنة وعدم القدرة على تجاوز استحقاقات فشل 7 اكتوبر، وسياسيا، توقع تعاظم الضغوطات الشعبية التي يقودها حراك عائلات الاسرى الرهائن المحتجزين في غزة، والتي تحولت الى مطلب شعبي واسع نحو الانتخابات السريعة واسقاط الحكومة، بينما يراهن على ان بعض الاستطلاعات تشير الى أن غالبية في المجتمع الاسرائيلي ترى الاولوية في مواصلة الحرب مقابل تبادل الاسرى.
*المعضلة الاخرى الجوهرية هي الضغوطات الدولية لإنهاء الحرب رغم قناعة نتنياهو بأن عام الانتخابات في الولايات المتحدة سيتيح له المزيد من المناورة والافلات من الضغوطات. بينما ما يطلق عليه "عقيدة بايدن" بشأن الحل الاقليمي يبقى ضعيفا في تغيير الموقف الإسرائيلي الرسمي من دولة فلسطينية، حتى وان كان المكسب كما تعرضه ادارة بايدن هو التطبيع مع السعودية واقامة منظومة امنية اقليمية.
//للخلاصة:
- صراع البقاء السياسي لنتنياهو وحكومته وحصريا سموتريتش وبن غفير يجعلهم يلجؤون الى خندقهم المحكم اي الائتلاف الحاكم وعدم التفريط به لأي هدف كان.
- السياسة الحزبية الداخلية باتت هي ما يحدد مصير الحرب.
- لن تسقط حكومة نتنياهو من خلال المعارضة البرلمانية بل من خلال مواصلة الضغط الشعبي الداخلي والضغط الدولي الخارجي، وتواصل الاخفاق في تحقيق أهداف الحرب على غزة
- حكومة اسرائيل تتورط في خياراتها فهي لا تريد حاليا التوافق على صفقة شاملة وفي المقابل لا تستطيع التهرب من استحقاقاتها.
أضف تعليق