جولة بلينكن ومقترح باريس لهدنة
تأتي جولة وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن الحالية في المنطقة، وهي جولته الخامسة، منذ عملية طوفان الأقصى، وسط احتمالات ضعيفة بعقد اتفاق هدنة جديدة في الأيام المقبلة، ليعمل على الدفع باتجاه قبول اقتراح جديد يتضمن إطلاق أسرى إسرائيليين في مقابل هدنة، وسيكون أمام تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو مما يقلل من فرص تمرير المقترح.
وقد أبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تشدداً، قائلاً: « لن ننهي هذه الحرب بأقل من تحقيق جميع أهدافها»، وتحقيق ما سماه النصر المطلق، عاكساً موقف حكومته التي لن تقبل بأي انسحاب لجيشها من قطاع غزة، ولن تفرج عن الآلاف من الأسرى الفلسطينيين من سجونها ممن أسماهم «إرهابيين»، قبل أن تتحقق جميع الأهداف المعلنة بالقضاء على حماس، وعودة جميع الأسرى لدى الفصائل الفلسطينية، وأن غزة لن تشكل تهديداً لإسرائيل.
ويدعي نتنياهو أنه يتعرض لتهديد من قبل جناح ائتلافه اليميني المكون من وزير المالية زعيم حزب «الصهيونية الدينية» بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن الوطني عن حزب «القوة اليهودية» إيتمار بن غفير، بالانسحاب من الحكومة في حال عقد اتفاق مع حركة حماس لا يلبي كل المطالب الإسرائيلية، وحسب قول بن غفير: « اتفاق غير محسوب = تفكيك الحكومة»، وفي حال قررا مغادرة الحكومة فإن ذلك يعني سقوطها، ذاك قبل إعلان زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد الثلاثاء 30 كانون الثاني/يناير، دعمه لأي صفقة مرتقبة مع حركة حماس تؤدي إلى إطلاق سراح أسرى، في رسالة طمأنة إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بعد تهديدات وزير الأمن القومي بن غفير بإنهاء الحكومة إذا وافقت على الصفقة، وقال زعيم المعارضة: إن حزب «يش عتيد» سيدعم الحكومة حول أي صفقة من شأنها إعادة «الرهائن» إلى ديارهم.
في العاصمة الفرنسية باريس توصل المجتمعون -مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي.آي.أي» وليام بيرنز، ومسؤولين كبار من مصر وقطر وإسرائيل - إلى مسودة مقترح هدنة وتبادل أسرى تمهد لمفاوضات تهدف لحل «الصراع الدائر» منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بين حركة حماس وإسرائيل، وحسب البيت الأبيض إن محادثات باريس الرامية إلى إطلاق سراح دفعة جديدة من «المحتجزين» لدى حركة حماس تشمل وقفاً تدريجياً لإطلاق النار في غزة، إلا إن عدد الأسرى المطلوب من الجانب الفلسطيني الإفراج عنهم لم يتحدد والمسألة متروكة لعملية التفاوض.
وجاء رد الفعل الإسرائيلي فورياً على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي على أنه لن يقبل بإنهاء الحرب طالما لم تتحقق جميع أهدافه، وهذه هي نقطة الخلاف الرئيسية حيث أن مطلب حماس الرئيسي وقف تام لإطلاق النار، وانسحاب إسرائيلي وليس إعادة تموضع، وليس هذا مطلب حركة حماس فقط، بل أيضاً مطلب كل الفصائل، ومنها حركة الجهاد الإسلامي، حيث قال أمين عام حركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة: إن حركته لن تنخرط في أي تفاهمات بشأن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة دون ضمان وقف شامل لإطلاق النار، وأضاف النخالة : «نؤكد على موقفنا الثابت بأننا لن ننخرط في أي تفاهمات دون أن نضمن وقفاً شاملاً لإطلاق النار، وانسحاب قوات الاحتلال، وضمان إعادة الإعمار، وحلاً سياسياً واضحاً يضمن حقوق الشعب الفلسطيني». ويقدر وجود نحو 136 أسيراً إسرائيلياً في غزة بينهم ثلاثون أسيراً في قبضة حركة الجهاد الإسلامي، فيما تحتجز إسرائيل في سجونها ما لا يقل عن 8800 فلسطيني.
ويبدو أن مقترح باريس لوقف إطلاق النار في غزة، يواجه عقبات يصعب تذليلها، لذا وزعت الصفقة إلى ثلاث مراحل، تركت المرحلة الأولى دون الكثير من التفاصيل لكيلا تشكلا عائقاً أمام المرحلتين اللاحقتين على أن يتم التفاوض على الخطوات القادمة خلال فترة وقف إطلاق النار في إطار الهدنة الإنسانية، وسط مساع متزايدة من الوسطاء الدوليين للتوصل إلى هدنة مطولة، كما تشمل الصفقة إعادة انتشار للجيش الإسرائيلي داخل القطاع وانسحاب الجيش من بعض المناطق وإعادة التمركز داخل القطاع.
رد حركة حماس على مقترح باريس لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، بعد دراسة المقترح والتشاور القيادي بشأنه، سلمته حركة حماس مساء الثلاثاء 6/2، لقطر ومصر الذي قُدم لها بعد اجتماع باريس، يتضمن الرد تعديلات على ورقة «اتفاق الإطار»، وضمانات ومطالب بشأن وقف العدوان وإزالة آثاره.
وكان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية قد قال: إن حركته تسلمت المقترح عبر الوسيطين القطري والمصري، تتضمن هدنة وتبادل أسرى. وإنها بصدد دراسته وتقديم ردها عليه على قاعدة أن الأولوية هي لوقف العدوان الغاشم على غزة وانسحاب قوات الاحتلال كلياً إلى خارج القطاع. وأكد القيادي في حماس أسامة حمدان الجمعة 2/2 أن حركته منفتحة على مناقشة أي مبادرات أو أفكار تفضي إلى وقف العدوان الهمجي على شعبنا الفلسطيني، لكنه اعتبر أن من السابق لأوانه الحديث عن اتفاق على هدنة، وما قدم من اقتراح هو اتفاق إطار يحتاج إلى نقاش وحوار لأن كل تفاصيله غير موجودة وبالتالي كيف يجب الحديث عن صفقة.
أما ما رشح عن الثلاث مراحل التي يشملها مقترح باريس لوقف إطلاق النار، تبدأ المرحلة الأولى بوقف العمليات العسكرية من الجانبين في إطار هدنة مؤقتة لمدة شهر ونصف وإذا عقدت الصفقة في شباط/ فبراير فقد تشمل فترة الهدنة كل شهر رمضان، وتشمل هذه المرحلة إطلاق سراح الأسرى المدنيين (هذه الفئة تضم من تبقى من النساء والأطفال والمسنين فوق سن الستين من الرجال والجرحى ومن يعانون من وضع صحي خطير)، وتشمل المرحلة الثانية إطلاق سراح المجندين الإسرائيليين من الذكور والنساء سيتم استبدالهم مع أسرى فلسطينيين وفق نسبة 1 مقابل 100 أسير، وقد ترتفع النسبة إلى 1 مقابل 250 ( في إطار التفاوض بين الطرفين). الأسرى الفلسطينيون الذين يدور حولهم الحديث، هم من ذوي الأحكام العالية (ممن تسميهم إسرائيل بالأسرى الملطخة أيديهم بالدماء)، على أن تشمل المرحلة الثالثة تسلم جثامين الاسرائيليين الذين توفوا في الأسر.
جولات بلينكن الأولى للمنطقة هدفت إلى الوقوف إلى جانب إسرائيل والتضامن معها في هزيمتها المنكرة أمام المقاومة الفلسطينية يوم السابع من تشرين الأول الماضي، ومساعدتها لتتجاوز حالة اللاتوازن التي أصيبت بها نتيجة عملية طوفان الأقصى، في 6 كانون الثاني /يناير قام بلينكن برابع جولاته في الشرق الأوسط منذ 7/10 ، وقيل أن جولة بلينكن تركز على العمل من أجل منع توسع الحرب إلى صراع إقليمي وإطلاق سراح «الرهائن»، والتأكيد على الموقف الأمريكي الرافض لتهجير سكان قطاع غزة المحاصر، لكن لتوقيت جولة بلينكن دلائل ومؤشرات بخصوص التصعيد المؤدي إلى صراع إقليمي على عكس ما تصرح به الإدارة الأمريكية، إذ تأتي جولته الحالية بعد أيام من تنفيذ الولايات المتحدة ضربات انتقامية ضد فصائل في العراق وسوريا، وضربات أمريكية بريطانية أخرى في اليمن، وتقوم بإرسال سفن حربية وحاملات طائرات إلى البحر الأبيض المتوسط، وتعمل على عسكرة البحر الأحمر ضمن تحالف دولي سُمي بـ«حارس الازدهار»، إن من يريد إنهاء النزاع في غزة، لا يصعد النزاع في الإقليم، ولا يمنع صدور أي قرار من مجلس الأمن لوقف الحرب أو إدانة اسرائيل، ولا يقترح تقديم مساعدات عسكرية إضافية لإسرائيل بقيمة 17.6مليار دولار في إطار حربها على الفلسطينيين، ولتعويض خسائر الحرب العدوانية.
وفي مستهل جولته الخامسة وصل بلينكن إلى الرياض، وما زال يؤكد هناك على «الحاجة العاجلة إلى خفض التوترات الإقليمية»، وكأن سببها ليس عدوانية إسرائيل التي تهدد ليس فقط الأمن والاستقرار في الإقليم، وفي العالم أيضاً، وبالتأكيد سببها الآخر دعم بلاده للعدوان على غزة، وليس ما يعتقده بلينكن أن سببها ما يسميه الهجمات الحوثية التي تقوض حرية الملاحة في البحر الأحمر، وهجمات أخرى على القواعد العسكرية الأمريكية غير الشرعية في العراق وسوريا، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان إن بلينكن سيواصل الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق يضمن إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين، ويتضمن هدنة إنسانية تسمح بإيصال المساعدات الإنسانية بشكل مستدام ومتزايد إلى المدنيين في غزة، فهل هذا ينسجم مع سياسة واشنطن المعادية للدعوات الدولية لإسرائيل لوقف إطلاق النار في القطاع المحاصر؟. واستخدام حق النقض الفيتو في مجلس الأمن لمنع صدور قرار بهذا الشأن؟. ودعم واشنطن المطلق لاستمرار العدوان الإسرائيلي؟.
لن تستقيم أولويات بلينكن في جولته الخامسة إلا بتقديم وقف إطلاق النار الفوري والشامل ووضعه على رأس أجندته في المنطقة، فهذا الذي يحمل المعنى الإنساني، أما الهدنة الإنسانية بالمعنى الأمريكي فتعني تأجيل القتل إلى موعد آخر، يقول للفلسطينيين كلوا واشربوا الآن وسيأتي القتل بعد حين، كما يعني التهديد والابتزاز الإسرائيلي -الأمريكي بعودة القتل والإبادة والتهجير بعد زمن إن طال أو قصر. وما أبعد ما قاله مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان عن المضمون الإنساني: إن القضايا الإنسانية في غزة ستكون على رأس أولويات بلينكن خلال جولته الحالية في الشرق الأوسط، والحقيقة التي صارت مؤكدة أن الولايات المتحدة غير مهتمة إلا لإطلاق سراح الأسرى الاسرائيليين المتبقين.
وجيك سوليفان يمهد لتبرير مسبق لمتابعة اسرائيل هذا العدوان، بتحميل حركة حماس احتمال إخفاق جولة بلينكن في التوصل إلى تفاهمات تُسهم في وقف الحرب الإسرائيلية على غزة في ظل التعنت الإسرائيلي، حين قال: إن الكرة في ملعب حماس عندما يتعلق الأمر بمثل هذا الاتفاق، مشيراً إلى أن الإسرائيليين طرحوا «اقتراحاً»، ولا ندري عن أي اقتراح يتحدث، هل هو اقتراح بن غفير أم اقتراح سموتريتش؟.أم الأسوأ منهما النتنياهو؟. أم كل أطياف الحكومة الإسرائيلية الأكثر يمينية وتطرفاً، كلها ترفض كل الجهود الرامية لوقف الحرب بما فيها الجهود الأمريكية ذاتها، هل في وجود هؤلاء في موقع اتخاذ القرار الإسرائيلي يمكن أن تتحول الهدنة إلى وقف لإطلاق النار؟. لماذا لا يقول إن الفلسطينيين طرحوا الاقتراح الأكثر إنسانية، وهو وقف إطلاق النار.
ياسيد الوزير بلينكن إن وقف إطلاق النار وانسحاب الجيش الإسرائيلي لهما الأولوية، وأن أكثر من 27 ألف شهيد فلسطيني لهم الأولوية في معادلة المساواة الإنسانية -لا العنصرية الإسرائيلية- على قتلى إسرائيليين لا تتجاوز نسبتهم 5% من شهداء فلسطين دون حساب المفقودين تحت الأنقاض وفي مجازر تم إخفاؤها ولم يتم الكشف عنها بعد، وأن نحو 9 آلاف أسير فلسطيني لهم الأولوية على 160 أسير إسرائيلي وأن أبنية غزة المدمرة كلياً بأطنان القنابل الثقيلة المصنعة في الولايات المتحدة لها الأولوية على بناء انخدش جداره بتل أبيب بفعل صاروخ من صناعة محلية، وأن معاناة مليونين من سكان غزة من التهجير، يضاف لهم كل من تشرد من فلسطين منذ عام النكبة وعام النكسة، لهم الأولوية على كل من جاء من الغرب ليستوطن في فلسطين ويقتلع سكانها الأصليين، أوليات بلينكن مخادعة تريد خدمة اسرائيل.
أضف تعليق