هل عملية طوفان الأقصى تنهي دور السلطة الفلسطينية؟. أم أن السلطة تنتظر دوراً يعطى لها؟. متى يكون دور السلطة الفلسطينية فاعلاً تجاه القضايا الوطنية الأساسية؟.
أبرزت الأحداث المتلاحقة بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر الوضع القيادي الفلسطيني الرسمي الهزيل، إذ أخرجت سلطة رام الله نفسها من المعركة الدائرة في القطاع وأعفت نفسها من مسؤوليتها عن الشعب الفلسطيني الذي يذبح يومياً على يد الحرب العدوانية، مغلبة بذلك موقفها الانتظاري على حساب الدور القيادي المبادر المفترض باعتبارها قيادة لكل الشعب الفلسطيني –على الأقل في الضفة والقطاع في غياب مجلس وطني منتخب يمثل كافة الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات- بصرف النظر عن عضوية هذا التنظيم أو ذاك في هيئاتها القيادية، خاصة في الأحوال الاستثنائية، كما وُصِف الدور الذي قامت به السلطة الفلسطينية خلال عملية طوفان الأقصى بأنه باهت، ولا يرتقي إلى الحد الأدنى مما يفرضه التحدي الذي تواجه القضية الوطنية، بدت السلطة الفلسطينية مهمشة ومجردة من أدوات التأثير، ولا يملك رئيسها محمود عباس سوى ترديد عبارات التنديد والمناشدات وإصدار بيانات كان أهمها تحميل المسؤولة عن إراقة دماء المدنيين في غزة للولايات المتحدة بعد استخدامها حق النقض (الفيتو) ضد قرار في مجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في القطاع. هل فكرت السلطة الفلسطينية فعلياً في دور إيجابي، يقوم على المواجهة والتحدي، غير المناشدات والمطالبات من المجتمع الدولي والدول العربية من أجل وقف إطلاق النار؟. أم تقوم بصياغة التبريرات واختلاق الذرائع عن ضعف دورها بل وعجزها؟. بأن لا سيطرة للسلطة الفلسطينية على غزة، ولا على حركة حماس من جهة، ولا تأثير لها على إسرائيل من جهة أخرى. والعدو الاسرائيلي يمعن في التدمير والتهجير والقتل والاستهداف الشامل لكلّ مناحي الحياة الفلسطينية، وقد تصاعدت الاجتياحات والاقتحامات والإعدامات والاعتقالات.. منذ ما قبل انطلاق عملية طوفان الأقصى، وبلغت ذروة عدوانيتها منذ 7 تشرين /الأول أكتوبر.
الوضع المتأزم يستدعي دوراً، فهل تجد السلطة الفلسطينية لها دوراً مجدياً يساند قطاع غزة في الوقت الحالي؟. وهل تجد لها دوراً في حماية الفلسطينيين في الضفة من اعتداءات الجيش والمستوطنين؟.
مباشرة بعد الساعات الأولى لعملية طوفان الأقصى ترأس الرئيس الفلسطيني محمود عباس اجتماعاً قيادياً طارئاً، والأنظار تتجه للسلطة، ماذا هي فاعلة؟. ضم الاجتماع عدداً من المسؤولين المدنيين والأمنيين، تم التأكد خلاله على ضرورة توفير الحماية لأبناء الشعب الفلسطيني، وحقه في الدفاع عن نفسه في مواجهة إرهاب المستوطنين، وقوات الاحتلال الإسرائيلي، ووجّه الرئيس الفلسطيني بضرورة توفير كل ما يلزم لتعزيز صمود وثبات شعبه في وجه الجرائم المرتكبة من الاحتلال وعصابات المستوطنين، مؤكداً على حقه كشعب في الدفاع عن نفسه، في مواجهة إرهاب المستوطنين وقوات الاحتلال، دون أن يذكر ما دور السلطة الفلسطينية في ذلك؟. وما الذي يجب توفيره لحماية أبناء الشعب الفلسطيني؟. يبدو أن السلطة الفلسطينية هي من يحتاج إلى حماية بعد تصريحات قادة اليمين المتطرف للقضاء على السلطة الفلسطينية، وقد أطلق رئيس السلطة نداءات عديدة بصيغة «احمونا»، واصفاً الوضع القائم بأنه لم يعد محتملاً، مطالباً بالحماية، واستجداء المساعدة من الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي، وتكررت مرات مطالبته بتوفير الحماية للشعب الفلسطيني من العدوان المتواصل لجيش الاحتلال والمستوطنين دون مجيب، أذن من طين وأذن من عجين، ، يقال إذا استند العاجز إلى العاجز ترى العجب، هو عجز مركب، السلطة تُركّب عجزها على الأمم المتحدة العاجزة أيضاً، وتعجزان معاً عن فعل أي شيء ذي جدوى.
لم تجد السلطة الفلسطينية وسيلة لمواجهة الموقف المتأزم والساخن في كل الأرض الفلسطينية المحتلة عام 67 غير التوجه إلى الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، عود على بدء، وشرح لمسببات التوتر والتصعيد باتت معروفة، ورؤية تحليلية يصرح بها رئيس الوزراء محمد اشتية، بأن السلطة بدأت في التحرك عربياً ودولياً لوقف القصف على قطاع غزة منذ اللحظة الأولى، وأعلنت عن رؤيتها لما جرى ويجري في فلسطين بأنه نتاج عواقب انسداد الأفق السياسي، وعدم تمكين الشعب الفلسطيني من حقه المشروع في تقرير مصيره ودولته، وأرجعت سبب انفجار الأوضاع إلى صمت المجتمع الدولي، الذي ترك القضية الفلسطينية منذ 75 سنة دون حل، واستمرار المعاناة والتشرد، ومواصلة سياسة ازدواجية المعايير، وصمت المجتمع الدولي على الممارسات الإجرامية والعنصرية ضد الفلسطينيين، هي السبب وراء تفجر الأوضاع، مشددة على أن تحلل إسرائيل من الاتفاقيات الموقعة، وعدم التزامها بقرارات الشرعية الدولية، أفضى إلى تدمير عملية السلام، وأكدت أن إنهاء الاحتلال الاسرائيلي عن أرض دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية على خطوط 1967، والاعتراف بحق الشعب في الاستقلال والسيادة، هو ما يوفر الأمن والاستقرار في المنطقة.
تجدر الإشارة إلى أن اللجنة التنفيذية لم تُدعَ للاجتماع منذ العدوان على غزة باستثناء دعوة أطلقت لتوحيد الحالة الفلسطينية حيث عطلت هذه المبادرة المزعومة بأساليب مختلفة، بما في ذلك التلاعب بشروط الدعوة إلى حوار وطني جامع للكل الفلسطيني وأسسه، ما أكد اتساع المسافة بين خطابها الإعلامي وموقفها السياسي العملي الذي لم يغادر «اتفاق أوسلو» والتزاماته، والتمسك بسراب «المقاومة السلمية»، ومواصلة رهانها على الوعود الأمريكية.
وإذا تركنا الكلام عن الجانب السياسي، إلى الحديث عن الاقتصاد والصحة والحياة المعيشية، هل لدى السلطة خطة للتصرف في أوقات الطوارئ؟. تحمي سبل العيش الكريم، وتلبي متطلبات الحياة المقبولة، وضرورات الصحة العامة والشخصية. هل باستطاعتها حماية قاطفي الزيتون من عنف المستوطنين، وممارسات السطو على الموسم ؟. هل وفرت بديلاً للعمال الفلسطينيين المطرودين من أعمالهم في أرضي الـ«ـ48» بعد اندلاع عملية طوفان الأقصى؟.
في مجال الصحة أعلنت الوزيرة د. مي الكيلة عن «حالة الطوارئ» في كل المستشفيات الفلسطينية، وأشارت إلى إمداد المستشفيات بالمستلزمات الطبية اللازمة والأدوية ووحدات الدم، وأضافت، أن «مستشفيات الضفة الغربية كافة، جاهزة لاستقبال الجرحى من قطاع غزة»، تعرضت هذه التصريحات للانتقاد بأنها لا تعني شيئاً على أرض الواقع، فالقصف في القطاع، والدواء في الضفة، وفي الضفة من يُترك في الشارع وعند الحواجز العسكرية ينزف جريحاً حتى الموت، ما العمل؟.
من جهته قال أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ ووزير الشؤون المدنية لدى حكومة السلطة الوطنية الفلسطينية: إن القيادة الفلسطينية تجري اتصالات مكثفة مع كل زعماء العالم لوقف هذه الحرب المدمرة فوراً، وإنها طالبت بإدخال المواد الغذائية والطبية العاجلة إلى قطاع غزة، ألم يكن باستطاعة السلطة أن تسيّر قوافل تحمل الغذاء والماء والدواء ولو تصادمت مع منعها من قبل سلطات الاحتلال؟.
في مثل هذه الظروف الاستثنائية، إن لم يكن من دور فاعل للسلطة لجهة علاقتها بشعبها، وصون حقوقه، فمتى يكون؟. يرى كثيرون أن السلطة الفلسطينية تسعى إلى أن يكون لها دور فعّال في غزة في الأيام التي تلي الحرب، مراهنة على اهتمام الولايات المتحدة بإعطاء السلطة الفلسطينية دوراً في إدارة قطاع غزة بعد الصراع، وعلى الاهتمام الأمريكي بحماية السلطة وتمكينها والحيلولة دون انهيارها، قال بايدن عن «سلطة متجددة»: إنه يريد إعادة إحياء السلطة الفلسطينية التي يرأسها عباس منذ عام 2005 لتتولى المسؤولية في غزة بمجرد انتهاء الصراع وتوحيد إدارة القطاع مع الضفة الغربية، وأوضح جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي في البيت الأبيض شروط إعادة بناء السلطة الفلسطينية وتجديدها لتتحمل مسؤوليتها في المرحلة التي تعقب وقف إطلاق النار، عندما حدد لها ثلاث مهمات: الالتزام التام بأمن إسرائيل، والالتزام التام بقيم المجتمع الدولي، وتلبية احتياجات الشعب الفلسطيني. هذا يعني إعطاء الأولوية لتأهيل العناصر الأمنية وتدريبهم، لبسط سيطرة السلطة على المناطق الفلسطينية «الضفة والقطاع»، وتصبح الأجهزة الأمنية معنية بالمهمة الموكلة إليها في اتفاقية أوسلو من التزامها بالتنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال، التي تطالب السلطة الفلسطينية بخطوات أبعد في قمع الحركة الشعبية الفلسطينية بما فيها ظاهرة مقاتلي الحرية المنتشرين في مدن وبلدات ومخيمات الضفة الغربية، حتى لو أدى ذلك إلى فتنة فلسطينية تضع السلطة في مواجهة الشارع، كما تطالب إسرائيل السلطة التوقف عن تدويل القضية واللجوء إلى محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية، وتغيير المناهج التعليمية، والتخلي عن الرواية التاريخية الفلسطينية ووقف ما تعتبره تحريضاً ووقف صرف رواتب الأسرى وعائلات الشهداء.
الدور الممنوح أمريكياً المتحفظ عليه اسرائيلياً يقلص من شعبية السلطة الفلسطينية المتراجعة أصلاً، ويعيد طرح شرعيتها، التي لا تستمدها من الخارج، بل من الشعب الفلسطيني عندما يتجدد العقد الاجتماعي بين سلطة وشعب من خلال انتخابات شاملة وعلى الأسس والمصالح الوطنية التي من أساسياتها حماية السلطة لحقوق المواطنين وفي مقدمتها حق الحياة التي تنتهكها إسرائيل بكل وحشية، هذه الصراع كشف حقيقة ضعف النظام السياسي الفلسطيني في الضفة الغربية أنه ليس مبنياً على عقد اجتماعي مع الجماهير الشعبية الفلسطينية، كمصدر وحيد للشرعية السياسية، وعلى السلطة الفلسطينية أن تجدد العقد الاجتماعي مع شعبها ولا تجدد العقد الخاسر والفاشل والمخزي مع الاحتلال المتمثل باتفاق أوسلو، في هذه الحالة عليها أن تستمد القوة من شعبها ونضاله الدؤوب، للعمل على كسب إنجازات سياسية، ووضع القضية الفلسطينية كأولى قضايا ومتطلبات الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، لاسترجاع الحقوق المغتصبة من منطلق القوة، وليس من منطلق الضعف والاستجداء. حقيقة أن السلطة الوطنية تقوى بشعبها، تكتسب زخمها من أن شعب فلسطين شعب حي مناضل صامد لا يتوانى عن تقديم التضحيات من أجل قضيته الوطنية.
والبديل الآخر الممكن أمام السلطة الفلسطينية هو تحسين صورتها أمام شعبها، بما يقتضي تفعيل دور المؤسسات الوطنية التي تعبر عن الوحدة الوطنية، مادامت الانتخابات تواجه صعوبات، فليعاد الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، مصدر القوة المطلوبة التي تستطيع أن تقوم بما يجب أن تقوم به من مخاطبة العالم بمنطق القوة ومنطق الحقوق الوطنية، ولتوضع قرارات المجلسين الوطني والمركزي على طاولة التنفيذ العملي، أقل ما هو مطلوب وطنياً، في هذه الظروف الصعبة التي تبدو غير مسبوقة في شدة الوحشية وتمادي العدوان وإصراره على الحسم بإنهاء القضية الفلسطينية، وعندما تصل الأمور إلى هذه الدرجة من التصعيد تلجأ السلطة الفلسطينية إلى الجامعة العربية لإيجاد مخرج ما، فصار هذا التوجه تقليدياً يعني للفلسطينيين خلق ذرائع لتبرير حالة الضعف والعجز، وثمة من يقول كنا نستقوي بالعرب، وصار حال ضعفنا من حال ضعفهم، فماذا فعلت الجامعة العربية؟. على استحياء أحالت المسألة إلى الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى لإنقاذ الشعب الفلسطيني من آلة القتل الإسرائيلية، طلب مندوب فلسطين الدائم لدى الجامعة العربية عقد اجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب في دورة غير عادية في أقرب موعد ممكن، لبحث سبل التحرك السياسي على المستويين العربي والدولي لوقف العدوان الإسرائيلي، ومساءلة مرتكبيه، وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وتحقيق السلام والأمن المرتكز على القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وفي هذا السياق، أجرى الرئيس الفلسطيني العديد من الاتصالات مع رؤساء العرب والعالم، مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ووزير الخارجية الأميركي، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وملك الأردن عبد الله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كما قدّمت السلطة مذكرة تدعو فيها إلى اجتماع طارئ للجامعة العربية. عُقدت القمة العربية الإسلامية الطارئة، ولم تبرز السلطة الفلسطينية في صدارة الحركة السياسية في الإقليم، وبقيت على هامش المشاورات الجارية، وبرزت في عضوية باهتة في لجنة المتابعة المنبثقة عن قمة الرياض العربية الإسلامية، اللجنة التي اتصفت بضعفها ودورها الذي لا يرقى إلى مستوى الحدث، كانعكاس للحالة المترهلة للدول العديدة الحاضرة في القمة.
العجز عن دور فاعل، هل هو مجرد ظاهرة من ظواهر أزمة يمر بها النظام السياسي الفلسطيني، يمكن إيجاد حلول لها؟. أم معضلة غير قابلة للعلاج؟. وتهدد بزوال السلطة الفلسطينية؟. أم وصلنا إلى الحالة التي باتت تسبق الانهيار الكامل الوشيك؟. أم أن السلطة الوطنية الفلسطينية ليست قائمة حقيقة بالمعنى المؤسسي، وقد تجمّعت السلطات كلها في يد شخص واحد؟. أم لا سلطة فعلية ولا سيادة إلا لسلطة الاحتلال؟. وهذا هو الأقرب للواقع، إذ غابت السلطة بالغياب الكامل للسيادة، حتى ولا سيادة منقوصة على المنطقة «أ» المفترض أنها تحت سيطرة مدنية وأمنية كاملة من قبل السلطة الفلسطينية. ويرى البعض أن السلطة يراد لها إسرائيلياً أن تبقى ضعيفة ومسموح لها الاستمرار كسلطة شكلية، وإذا كان لها دور فعلي فهو الدور الأمني، وإدارة الشؤون الخدمية للسكان دون السيطرة على الأرض.
تراجع الحديث اليوم عن الانقسام كسبب هام من أسباب أزمة السلطة الفلسطينية، وظهر الاحتلال وممارساته الساعية دوماً لإضعاف أو تقويض السلطة الفلسطينية لعلاقة قوتها وصحتها وارتباطها بشعبها بإنجاز المشروع الوطني، يريد بعض القادة الإسرائيليون إضعاف السلطة الفلسطينية دون الوصول إلى انهيارها، ويريد البعض الآخر القضاء عليها تماماً، ونريدها كفلسطينيين قوية قادرة على اتخاذ مواقف وطنية، وأداء جيد لمهامها الوطنية، وتأمين متطلبات الشعب الفلسطيني واحتياجاته، ولعب دور في حمايته من بطش جنود الاحتلال ومستوطنيه.
أضف تعليق