وصف العديد من المحللين الأمريكيين جولات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في الشرق الأوسط بأنها «زيارات استعراضية» مع قليل من المضمون، وعلى سبيل المثال، دعا بلينكن إسرائيل إلى الحد من القتل الجماعي للمدنيين في غزة، إلا أنه لم يحاول فرض أي قيود على القصف والعمليات البرية، وعلى الرغم من إعلانه أن المساعدات يجب أن تصل إلى 2.3 مليون من سكان غزة ـ 85 في المئة منهم نزحوا- إلا أنه لم يقترح أي خطوة لإزالة عمليات الرفض، التي تمارسها إسرائيل على المساعدات.
ولاحظ محللون أنه باستثناء الانسحاب الرمزي لبعض القوات الإسرائيلية من شمال غزة، فإن إسرائيل تواصل هجومها ولا تقدم أي راحة للمدنيين، والولايات المتحدة لا تمارس أي نفوذ، سواء من خلال الأمم المتحدة أو خفض المساعدات العسكرية للإسرائيليين، لتغيير هذا الوضع.
وفي الواقع، كان الهدف الرئيسي من زيارة بلينكن للمنطقة الطلب بكل وقاحة من الزعماء العرب المضي قدماً في اتفاقيات التطبيع ودمج إسرائيل في المنطقة والمساعدة في تحقيق «أمن إسرائيل» وكأنه يطلب مكأفاة إسرائيل على مذابح غزة وتدمير القطاع وقتل أكثر من 25 ألف فلسطيني.
وبالتأكيد، كانت اهتمامات بلينكن الحقيقية بعيدة تماماً عن وقف إطلاق النار في غزة أو الحرص على حياة الملايين من المدنيين في القطاع أو حتى الحديث الفارغ عن قيام دولة فلسطينية على الرغم من علمه بأن إسرائيل رفضت هذه الفكرة تماماً، وأصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه تصريحاً قبل مغادرة بلينكن تل أبيب قال بأنه لن يسمح بقيام أي دولة فلسطينية.
بالنسبة لبلينكن، وهو يهودي داعم للصهيونية والاحتلال الإسرائيلي، المهم على المدى البعيد هو أن تكون لإسرائيل النفوذ الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، وعلى المدى القريب جلب الدول العربية وخاصة السعودية إلى عمليات التطبيع ودعم إسرائيل في محاولات تدمير حركة حماس وأي حركة مقاومة في المنطقة، أما بقية الأحداث فهي عبارة عن تفاصيل صغيرة تسير نحو سياق الأهداف البعيدة للإدارة الأمريكية.
حديث فارغ عن السلام
يحاول بلينكن إشغال المنطقة بحديث فارغ عن «السلام» و«الدولة الفلسطينية» وحماية الملاحة البحرية من خطر جماعة الحوثي من أجل شراء المزيد من الوقت لكي تقوم إسرائيل بتحقيق هدفها العلني بتدمير حركة حماس في غزة وإرهاب المنطقة بأكملها.
وقد حدد سلسلة من المتطلبات لمستقبل قطاع غزة بعد اجتماعات يوم الإثنين الماضي مع قادة دول الخليج العربية الرئيسية، خلال جولة دبلوماسية في المنطقة تهدف إلى منع نشوب حرب أوسع.
وقال إن أي ترتيب مستقبلي في غزة يجب أن يأخذ في الاعتبار السلام والأمن في إسرائيل، بعد لقائه مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ومع رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان في وقت سابق من نفس اليوم. وقال كبير الدبلوماسيين الأمريكيين إن أي خطة يجب أن تتضمن حكومة فلسطينية موحدة للضفة الغربية وقطاع غزة، والعمل على دمج إسرائيل في المستقبل مع المنطقة وتمهيد الطريق لقيام دولة فلسطينية مستقلة.
وقال بلينكن بعد لقائه بالأمير محمد في معسكر الخيمة الشتوية بالقرب من مدينة العلا السياحية: «لا أحد يرى أن هذا سيحدث بين عشية وضحاها، لكننا اتفقنا على العمل معًا». وقال مساعدو بلينكن إن القادة في الشرق الأوسط بدأوا محادثات حول ما قد يحدث بعد الحرب على غزة، وهو موضوع مشحون لم يرغبوا في مناقشته خلال الزيارات السابقة. ولم يخض بلينكن في التفاصيل يوم الإثنين، لكنه أكد في السابق على وجهة النظر الأمريكية القائلة بأن على إسرائيل تجنب احتلال عسكري طويل في غزة، وفقاً لصحيفة «وول ستريت جورنال».
وليلة الأحد في الدوحة قطر قال بلينكن، إن «الخلاصة من المناقشات التي أجريت حتى الآن، بما في ذلك هنا مع أصدقائنا في قطر، هي أن شركاءنا على استعداد لإجراء المحادثات واتخاذ قرارات صعبة».
الإصلاحات الإدارية في الضفة
والثلاثاء، اجتمع بلينكن برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في رام الله من أجل مناقشة ما وصفه بالجهود الأمريكية الرامية إلى معالجة «العنف» في الضفة الغربية، وهو تعبير أمريكي يعني القضاء على أي نوع من أنواع المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل.
وشدد بلينكن على موقف الولايات المتحدة لناحية ضرورة تحويل عائدات الضرائب الفلسطينية التي تجمعها إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية وفقا للاتفاقات المبرمة بين الطرفين سابقا، وهو في الواقع موقف صوري حيث لم تمارس الإدارة الأمريكية أي ضغط على الإسرائيليين في هذا الاتجاه، وأجرى الوزير بلينكن محادثات وصفها بأنها «مثمرة» مع الرئيس عباس بشأن الإصلاحات الإدارية في الضفة، وفقاً لبيان من وزارة الخارجية الأمريكية، اطلعت «القدس العربي» على نسخة منه.
وحسب ما ورد، قال الزعماء العرب إنهم يريدون أولا وقبل كل شيء إنهاء الصراع، وقد ترددوا في مناقشة تفاصيل ما يجب أن يحدث في غزة، بينما يدعمون المسار نحو إقامة دولة فلسطينية.
وقال الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية، في مؤتمر صحافي مع بلينكن مساء الأحد: «إننا نرى دائمًا أن الأولوية بالنسبة لنا هي، وقبل كل شيء، إنهاء هذه الحرب».
وحسب ما ورد، قال مسؤولون أمريكيون إنّ احتمال تراجع «النزاع» في الأسابيع أو الأشهر المقبلة قد وفر حافزًا لزعماء المنطقة ليصبحوا أكثر انخراطًا في ما سيأتي بعد ذلك. ويأملون أن يؤدي احتمال تجديد المسار أمام السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وقام السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام (جمهوري من ساوث كارولينا) بزيارة إسرائيل والمملكة العربية السعودية في الأيام الأخيرة في محاولة لاستئناف المحادثات حول تطبيع العلاقات بين البلدين.
وقال غراهام الأسبوع الماضي بعد اجتماعه مع كبار المسؤولين الإسرائيليين، بمن فيهم نتنياهو، لمعرفة ما إذا كان هناك إجماع حول استئناف المحادثات مع المملكة: «أغادر هنا متفائلاً إلى حد ما». وأضاف للصحافيين إنه كجزء من الصفقة، سيتعين على السعوديين المشاركة في التخطيط لغزة ما بعد الحرب. وأيد بلينكن يوم الإثنين مسار التطبيع، لكنه قال إن الصراع يجب أن ينتهي أولا، إلى جانب بناء طريق نحو دولة فلسطينية.
وقال مسؤولون أمريكيون إن الحافز الآخر لإسرائيل هو أن السعودية والدول العربية الأخرى يمكن أن تساعد في إعادة بناء غزة، ولكن ليس على الأرجح تحت الاحتلال الإسرائيلي. لكن دول الخليج، التي ضخت تاريخيا مساعدات بمليارات الدولارات إلى الأراضي الفلسطينية، تقول إنها غير مستعدة للقيام بذلك مرة أخرى دون مسار واقعي لا رجعة فيه للحل السلمي للقضية الفلسطينية.
وأضاف محللون أن احتمال تحقيق الأمن الإقليمي على المدى الطويل يمكن أن يجذب الشركاء إلى تقديم تنازلات صعبة على المدى القريب بشأن الحكم في غزة. لكن أي اتفاق محتمل يواجه عقبات كبيرة مع الغضب الواسع النطاق في المنطقة تجاه إسرائيل والولايات المتحدة، ليس من الواضح مدى الفرصة المتاحة لزعماء المنطقة للعمل مع بلينكن أو القادة الإسرائيليين.
رائد صالحة
أضف تعليق