الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الاحد 7/1/2024 العدد 902
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات
غـزّة والعـداء للـسـامـيـة: اهـتـراء فــزّاعة عـتـيـقة
بقلم: صبحي حديدي
كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
قرار (أو بالأحرى: اضطرار وإجبار) كلودين غاي، رئيسة جامعة هارفارد الأميركية، الاستقالة من منصبها، مؤخراً، كان فصلاً إضافياً، ولعله الأكثر دراماتيكية حتى الساعة، في جولات «صيد السَحَرة» التي يديرها اليمين وغالبية مجموعات الضغط اليهودية والإسرائيلية في الولايات المتحدة، ضدّ الحياة الأكاديمية عموماً، وحرّيات التعبير داخل الحرم الجامعي للطلاب والأساتذة خصوصاً. الخلفية ليست خافية البتة، إذْ إنها تدور علانية حول المواقف من حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة، وكذلك في عموم فلسطين التاريخية؛ وأمّا جذورها فتضرب عميقاً في ذهنيات محافظة ويمينية عريقة، لا تنحسر تارة إلا لتتصاعد أكثر وأشدّ شراسة تارة أخرى.
ونتيجة جلسة استماع في الكونغرس، مطلع كانون الأول الماضي، لثلاث من رئيسات جامعات أميركية بارزة، حول التسامح مع خطابات وأنشطة للطلاب مناصرة للفلسطينيين اعتُبرت معادية للسامية؛ سارعت إليزابيث ماجيل من جامعة بنسلفانيا إلى الاستقالة، تبعتها غاي مؤخراً، ولم يبقَ في الميدان سوى سالي كورنبلث من معهد ماساشوستس. طريف، ولافت تماماً، أنّ رأس الحربة في الاستجواب كانت النائبة عن الحزب الجمهوري إليز ستيفانيك، الشهيرة بوقوفها خلف ادعاءات الرئيس الأميركي السابق ببطلان الانتخابات الرئاسية لعام 2020، والأشهر بأنها من دعاة نظرية «الاستبدال الكبير» العنصرية القائلة بمحو الأميركيين البيض على أيدي مهاجرين غير بيض؛ ثمّ الأكثر شهرة في إعلانات دعائية عنصرية فجة خلال حملتها الانتخابية.
لم تغبْ عن ملابسات قيادة ستيفانيك للاستجواب في الكونغرس حقيقةُ أنها كانت تمارس طرازاً من الانتقام الشخصي، بالنظر إلى أنّ هيئة معهد السياسة في جامعة هارفارد سبق أن أبعدتها عن عضوية الهيئة بسبب مزاعمها الزائفة حول نتائج الانتخابات الرئاسية. صحيح أنّ غاي لم تكن يومها رئيسة الجامعة، فهي لم تشغل المنصب سوى ستة أشهر؛ وأنّ هيئة إدارة المعهد مستقلّة في قراراتها؛ إلا أنّ رغبة معاقبة الجامعة يصعب أن تُستبعد من مجموعة نوازع متأصلة لدى ستيفانيك وأضرابها من ممثلي اليمين المحافظ، حول اتهام الجامعات الأميركية بالخضوع لتيارات اليسار ونظريات ما بعد الاستعمار والـ"ووك".
وفي مقال رأي، نشرته بالأمس، صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، تطرقت غاي إلى عدد من النقاط التي اعتبرت أنها تكمن فعلياً في خلفية استقالتها، أو بالأحرى اضطرارها إلى هذا القرار؛ على رأسها «مساءلة التزامي بمحاربة العداء للسامية» ولكنّ مضمونها الأبرز هو «نسف المُثُل التي أحيت هارفارد منذ تأسيسها: التميّز، الانفتاح، الاستقلال، والحقيقة». وأولى نتائج حملة ستيفانيك وأضرابها تمثلت في إغراق بريد غاي برسائل الشتائم، والتهديد بالقتل، وإطلاق صفة الـN-word التي تشير إلى المحتد الزنجي. ولم تغفل غاي التشديد على التالي: «الحملة ضدي كانت تتجاوز جامعة واحدة ورئيساً واحداً. ذلك كان مجرد اشتباك واحد في حرب أعرض لتقويض الإيمان العام بأعمدة المجتمع الأميركي». وهذا لأنّ «المؤسسات الموثوقة من كلّ الأنماط، من الصحة العامة إلى وكالات الأنباء، سوف تسقط على الدوام ضحية محاولات منسقة لتدمير شرعيتها وتخريب مصداقية قادتها».
وفي فقرة، حاسمة على نحو خاص لأنها تضرب بجذور الواقعة في أعماق أخرى ليست أقلّ مغزى على مستويات اجتماعية وسياسية وسلوكية وأيديولوجية، تكتب غاي: «لست غافلة أنني أشكّل مادة خام مثالية يُرشق عليها كلّ قلق حول المتغيرات الأجيالية والديمغرافية التي تحيط بالحرم الجامعي: امرأة سوداء اختيرت لقيادة مؤسسة مرموقة. امرأة تنظر إلى التنوّع كمصدر للقوّة والدينامية المؤسسية. امرأة دافعت عن المناهج الحديثة التي تتراوح بين علم الكمّ إلى تاريخ الأميركيين الآسيويين المهمل طويلاً. امرأة تؤمن بأنّ ابنة مهاجرين من هاييتي يمكن أن تقدّم شيئاً للجامعة الأقدم عند الأمّة».
والحال أنّ واقعة استجواب قيادات الجامعات على خلفية التهمة العتيقة، العداء للسامية مترافقة مع معاداة الصهيونية، تدخل في سياق أوسع نطاقاً وحمّال دلالات عديدة؛ هو، في إيجاز قد لا يقتضي الكثير من التفصيل، الاهتراء المتصاعد لسياجات التحريم التي كانت تحظر، في مستويات ردعية قانونية وتشريعية، التطرّق إلى المفهوم في ذاته، أوّلاً؛ فكيف بتدقيق أصوله التاريخية والاجتماعية والأخلاقية والثقافية، وكيف (تحديداً، في الواقع) بما اكتنفه ويكتنفه من أساطير وخرافات، ومن تشويه وتلفيق واختلاق. ذلك لأنّ جرائم الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، وحروب الإبادة والتطهير العرقي واستهداف المشافي والمدارس والملاجئ والأسواق، وممارسات النهب التي تبدأ من الأطفال الرضع ولا تنتهي عند مكاتب الصرافة… أسقطت، وتواصل إسقاط، المحرّم والممنوع والمسكوت عنه بصدد المعنى الفعلي للتهمة العتيقة، وما إذا كانت مجرّد فزّاعة لدى دولة الاحتلال وأنصارها مجموعات الضغط الصهيونية واليهودية، أخذت تتآكل وتهترئ وتنكشف.
وأيّ تطرّق، جدّي الطابع ومنعتق من كوابح التحريم، إلى شيوع العداء للسامية في الولايات المتحدة تخصيصاً؛ لا يصحّ، منهجياً على الأقلّ، أن يتجاهل الواقعة النوعية التي شهدت إقدام المواطن الأميركي جيمس فون برون، (88 سنة)، على اقتحام متحف الهولوكوست في قلب واشنطن، على مرمى النظر من البيت الأبيض، مدججاً ببندقية، حيث أطلق النار فجرح عدداً من حرس المتحف وأودى بحياة أحدهم، قبل أن يخرّ هو نفسه صريع طلقاتهم. كان الرجل، للإشارة المفيدة، أبيض البشرة، ضابطاً سابقاً في البحرية الأميركية خلال الحرب العالمية الثانية، حائزاً على أربع نجوم تقدير بسبب بسالته في القتال، حامل بكالوريوس في الصحافة، وعضواً في جمعية Mensa التي تزعم أنها تضمّ الـ 2% الأذكى في الولايات المتحدة.
المعلومات التمهيدية أفادت بأنّ الرجل لم يكن يخفي أفكاره الكارهة لليهود، وهذا ما يلمسه المرء دون عناء عند زيارة موقعه الشخصي على الإنترنت، وقراءة بعض كتاباته وبينها مقالة بعنوان «خطأ هتلر الأسوأ: أنه لم يحرق اليهود بالغاز!» على سبيل المثال الأوضح. كان لديه، كذلك، كتاب بعنوان مستمدّ من عبارة شهيرة جاءت في التلمود، وتُنسب إلى الحاخام شمعون بن يوشاي، تقول بالحرف: «أقتلوا حتى الأخيار في صفوف الوثنيين اللايهود» والتي تبدو ـ إذا انتُزعت من سياقاتها التاريخية والحربية الصرفة، كما يساجل بعض فقهاء التلمود ـ دعوة صريحة إلى الإبادة الجماعية.
لكنّ فون برون، على نقيض ما حاولت أن توحي به وسائل الإعلام الأميركية، لم يكن حالة «منعزلة تماماً» سواء على المستوى الفردي، أو حتى ضمن نطاق منظمته التي يطلق عليها اسم «إمبراطورية الغرب المقدّسة»؛ بل يندرج في تراث أميركي واسع ضارب الجذور، لعلّ «جبهة العاصفة» Stormfront هي أفضل تعبيراته، اليوم. وهذه المنظمة أطلقها سنة 1994 دون بلاك القيادي السابق في منظمة Ku Klux Klan العنصرية، ثمّ القيادي في «حزب البيض القومي» الذي كان اسمه «الحزب النازي الأميركي» حتى العام 1967. وتقول الإحصائيات، إنّ عدد زائري الموقع ارتفع من 5000 سنة 2000 إلى 52,500 سنة 2005، كما أنّ أعداد المنتسبين الجدد إلى هذه المنظمة تجاوزت الـ 2000 بعد وقت قصير من إعلان فوز باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية.
والأرجح أنّ النائبة الأميركية ستيفانيك تدرك جيداً طبائع الروابط الوثيقة بين العداء للمهاجرين والعداء لليهود، ضمن نظرية «الاستبدال الكبير» ذاتها في المقام الأوّل؛ وأنّ اهتراء فزاعة العداء للسامية يمكن أن يطلق وحوش النظرية من مكامن المحرّم فيكرس سياج التحريم، بما يعني أنّ الإطاحة بأمثال رئيسة جامعة هارفارد لن يكون أكثر فداحة من مزحة… ثقيلة الظلّ!
--------------------------------------------
هآرتس 7/1/2024
نصر الله يتباهى بـ«النصر» كي لا يخوض حرباً شاملة
بقلم: تسفي برئيل
حسن نصر الله انتظر تقريبا مدة شهر قبل إلقاء خطابه الأول منذ بداية الحرب في غزة، في 3 تشرين الثاني. منذ ذلك الحين كما يبدو، قرر أنه من الجدير تحويل خطاباته إلى سلسلة محاضرات، تقريبا كدورة كاملة. أول من أمس، ألقى خطابه الثالث، واليوم، يتوقع أن يلقي خطابا آخر. "إذا بقيت على قيد الحياة"، كما أشار في يوم الأربعاء. الملاحظة ليست ملاحظة زائدة على خلفية تصفية صالح العاروري، قرب معقل رئيس "حزب الله" في بيروت. حسن نصر الله هو خطيب مفوه وديماغوجي مؤهل، يعرف جيدا بأن خطاباته ليست موجهة إلى أذن الآلاف الذين ملؤوا قاعة الاجتماعات الكبيرة التي ألقى الخطاب فيها.
عندما يتكلم هو يتحدث لكل العالم – إسرائيل بشكل خاص والمواطنين في لبنان خصوصا. في الأشهر الثلاثة للحرب، نجح في الربط بين مصير سكان شمال إسرائيل وسكان جنوب لبنان، الذين مستقبلهم القريب على الأقل يعتمد على ما يخرج من فمه وعلى المسألة الحاسمة التي ترافق كل خطاب له: هل سيشن حربا شاملة ضد إسرائيل، التي من شأنها أن تحدث حربا إقليمية وربما عالمية.
أول من أمس، بعد حوالى ساعة وربع الساعة، جاءت اللحظة التي فيها ترك أسلوبه الهادئ ورفع صوته لتوضيح أهمية الجملة التالية: "إذا كان العدو يفكر بأنه يستطيع مهاجمة لبنان فإن ردنا سيكون بدون كوابح"، قال. "نحن سنذهب إلى حرب حتى النهاية".
يحيى السنوار وقيادة "حماس" كانوا فرحين بأن يسمعوا منه هذا التمسك بالحرب التي تجري في غزة. لكن يوجد لنصر الله إطار وطني لبناني وقيود إيرانية، التي فيها هو ملزم بالعمل. هو لا يستطيع أن يسمح لنفسه بحرية العمل العسكري والأيديولوجي الموجود لـ"حماس"، التي يطلب منها هي أيضا أن تقوم بتكيف أيديولوجي، بالأساس ديني، من اجل تحقيق اكبر قدر من الشرعية الجماهيرية في غزة.
إلى جانب عضويته الكبيرة في "محور المقاومة" أمام إسرائيل فإن معضلة "حزب الله" كحركة دينية شيعية لبنانية وتؤيد ايران، تكمن في الصعوبة في تسوية التناقض بين حلم تحويل لبنان إلى دولة دينية شيعية ستجسد فكرة تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية، وبين الواقع السياسي والطائفي الذي تتكون منه الدولة. الشيخ حسين فضل الله، الذي اعتبر على مدى السنين الزعيم الروحي لـ"حزب الله"، أدرك بشكل جيد هذه المعضلة. ففي كتاباته، أكد دائما على أنه سيكون من الصعب إقامة جمهورية إسلامية في لبنان، وأن المصالحة بين المسلمين والمسيحيين ستتحقق فقط من خلال الحوار.
في ظل عدم وجود قاسم مشترك ديني أو طائفي فإن الصمغ الوحيد يمكن أن يكون وطنيا، قال فضل الله. مثلا، عندما أيد العمليات الانتحارية لـ"حزب الله" ضد قواعد الجيش الأميركي والفرنسي في بيروت في العام 1983 فقد استند إلى مبررات عباس موسوي، الأمين العام للحزب سلف نصر الله والذي صفته إسرائيل في 1992. الأخير شرح بأن هذه العمليات هي للدفاع عن النفس ومشروعة دينية، لأنها وجهت ضد الاحتلال الأجنبي. هذا كان أيضا الخط الأيديولوجي الذي تبناه حسن نصر الله كجزء من استراتيجية تعزيز منظمته في داخل طائفة مركبة ومتنوعة، مسيحيين ودروز وسنة وغيرهم. هذا من اجل أن يستطيعوا التماهي مع النضال الوطني الذي حتى لو كان لا يتم تطبيقه من قبل الدولة نفسها، بل على يد منظمة تخضع لإيران؛ طالما أن النضال لا يمكن وصفه بالديني، وبالأحرى بالشيعي.
أساس الدفاع عن لبنان وتحرير مناطق احتلتها إسرائيل يمر كخيط ثان في كل خطابات نصر الله: في الوقت نفسه هو يدرك جيدا المشاعر اللبنانية المناوئة للفلسطينيين، التي تطورت منذ تمركزت "فتح" في جنوب لبنان في السبعينيات، وأقامت لنفسها دولة في داخل الدولة. من اجل التماهي والتضامن مع معاناة الفلسطينيين فإن هناك خطوط حدود واضحة في لبنان. إنشاء "فتح لاند" مع تنكيل مخيف بالمواطنين اللبنانيين ما زال منقوشا عميقا في الذاكرة الجماعية في الدولة. إذا كان الفلسطينيون يريدون دولة مستقلة ويديرون حرب تحرير لتحقيقها فليتفضلوا، لكن ليس على حساب لبنان. هذا هو القاسم المشترك بين حسن نصر الله وزعيم الطائفة الدرزية وليد جنبلاط والبطريرك الماروني بشارة الراعي والزعيم السني سعد الحريري.
الرفض الحازم لحسن نصر الله لفكرة تجنيس اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ليس فقط جزءا من أيديولوجيا الحفاظ على "القضية الفلسطينية". فهذا موقف سياسي استهدف التساوق مع المشاعر الوطنية اللبنانية. في الشهر الماضي، أعلنت "حماس" عن إقامة وحدات عسكرية في لبنان باسم "رواد طوفان الأقصى"، وقد أثار هذا الأمر عاصفة اجتاحت كل الأحزاب في بيروت وطالبت بأن توقف الدولة هذا التنظيم. "حزب الله" فهم الرسالة والادعاءات، وبعد بضعة أيام أعلنت "حماس" في لبنان بأنها لا تنوي إقامة تنظيم عسكري جديد يحارب ضد إسرائيل من داخل الأراضي اللبنانية.
في خطابه، أول من أمس، اكد حسن نصر الله على أن مشاركته في الحرب استهدفت إنقاذ لبنان، وليس الفلسطينيين أو المسجد الأقصى. "نحن دخلنا إلى الحرب من خلال التنسيق بين الاستراتيجية والمصالح اللبنانية"، أكد. "لو أننا لم ندخل إلى المعركة في 8 أكتوبر لكانت إسرائيل ستقوم باحتلال لبنان". وحسب قوله فإن إسرائيل قدرت أنه توجد لديها فرصة لمحو المقاومة في لبنان وليس فقط في قطاع غزة. ما منع هذه العملية، حسب قول نصر الله، هو المقاومة، أي "حزب الله". وهو حتى قال، إن اغتيال العاروري كان هجوما استهدف هدفا محددا من اجل عدم المس بـ"حزب الله" كي لا تحدث "حرب عالمية".
فضائل سليماني
كيف يمكن حل التناقض بين نجاح "حزب الله" في ردع إسرائيل عن المس بلبنان وبين تعهده بالإسهام في دوره في "محور المقاومة" والمشاركة بشكل ناجع في الحرب، ليس فقط من اجل المصالح اللبنانية؟. في جزء من خطابه، الذي فيه ذكر بالتفصيل فضائل ومواهب قاسم سليماني، قائد "قوة القدس" الذي قتل في هجوم أميركي في بغداد في 2020، أوضح حسن نصر الله بأن عبقريته تمثلت أيضا في أنه قاد جميع حركات المقاومة للعمل بشكل مستقل، دون الاعتماد أو الإكراه من جانب ايران. الاستراتيجية حسب قوله كانت أن "كل واحد يتخذ القرار في بلاده بصورة تتساوق مع رؤيته الاستراتيجية ومع مصالح شعبه وبلاده".
إضافة إلى محاولة نصر الله تحرير طهران من المسؤولية عن هجوم "حماس" في 7 أكتوبر، كما فعل التنظيم نفسه عندما سارع إلى نفي ادعاء حرس الثورة الذي بحسبه الحرب هي رد على اغتيال قاسم سليماني، السكرتير العام لـ"حزب الله" ذكر بالتفصيل 15 بندا تصف "صورة النصر"، الذي من ناحيته تم إنجازه. ضمن أمور أخرى، قال، إن الحرب أعادت إلى مقدمة المسرح القضية الفلسطينية بعد أن نسيت؛ وأثبتت بأنه خلافا لرؤية إسرائيل فإن الفلسطينيين لن ييأسوا من النضال وحطمت صورة إسرائيل في العالم – التي تعتبر الآن قاتلة للأطفال والنساء ومجوعة للسكان في غزة؛ وحطمت التفوق الاستخباري الإسرائيلي ودمرت ثقة الاسرائيليين بالجيش الإسرائيلي وحتى حرمت إسرائيل من القدرة على التفاخر بأنها دولة اللجوء للشعب اليهودي. وحتى أن حسن نصر الله تنبأ بأنه بعد الحرب ستحدث في إسرائيل حرب أهلية.
هذه الإنجازات هي نصر مطلق يبرر التضحية الكبيرة للفلسطينيين واللبنانيين، قال، أمس. في الخطاب السابق في يوم الشهيد لـ"حزب الله" في 11 تشرين الثاني، وصف بصورة شبه اعتذارية كل العمليات التي نفذها "حزب الله" ضد إسرائيل. فقد أحصى عدد القتلى في جانبه وأحصى ضرب الأهداف الإسرائيلية وإشغال الجيش الإسرائيلي على الحدود الشمالية وتقييد قدرته على العمل بكل قوته في غزة، أيضا تهجير آلاف الاسرائيليين من بيوتهم. في خطابه، أول من أمس، كان يبدو أنه يجمل المعركة بالنصر. هو في الحقيقة هدد بالانتقام لتصفية العاروري، لكن هذا سيكون انتقام المستضيف بسبب تصفية الضيف؛ حساب شخصي لحسن نصر الله مع إسرائيل، حيث قرر في 2006 اختطاف جنديين من الجيش الإسرائيلي هما ايهود غولدفاسر والداد ريغف، وهو الإجراء الذي وصفه في حينه بأنه "حساب" لـ"حزب الله" من اجل إطلاق سراح سمير قنطار، الذي كان سجينا في إسرائيل، وليس باسم الحكومة اللبنانية.
التنصل من الغرب
هذه التفسيرات والتبريرات ليست فقط أقوال فارغة. فهي تعكس نفس التمييز الذي أكده حسن نصر الله في بداية خطابه في يوم الأربعاء. التمييز الذي بحسبه كل تنظيم ينتمي لمحور المقاومة سيعمل حسب "استراتيجيته ومصالح شعبه ودولته". ورغم أنه نسبه لسليماني إلا أن هذه الاستراتيجية ولدت قبل ذلك.
بالنسبة لحسن نصر الله هذه الاستراتيجية تستند إلى قاعدة أيديولوجية تميز بين الرؤية الكولونيالية والإمبريالية الغربية، بالأساس الأميركية، وبين رؤية محور المقاومة. وحسب أقوال نصر الله فإن المنظمات التي تستند للغرب تتحول إلى "عبيد" (للقوة العظمى التي تمولها). "عندنا لا يوجد عبيد"، قال. "هم (الغرب أو إسرائيل) لا يستطيعون الاعتراف بأن كل ما تفعله حركات المقاومة نابع من قراراتها المستقلة من خلال القناعة الداخلية على أساس الإيمان والإخلاص لعدالة طريقها. هي ليست أدوات في يد أي أحد".
أقواله استهدفت في الواقع إعفاء ايران من المسؤولية عن التنسيق والتوجيه والتشغيل لمنظمات إرهابية. ولكن أقواله تردد الأيديولوجيا التي تعتبر الغرب محتلا ماديا وفكريا يجب التحرر منه. هذه ليست فقط نظرية إيرانية أو شيعية. الواعظ يوسف القرضاوي الذي كان الزعيم الروحي لحركة الإخوان المسلمين، وبشكل كبير أيضا لـ"حماس"، استخدم تعابير تشبه التي قالها نصر الله. ففي كتابه بعنوان "المسلمون والعولمة" الذي صدر في العام 2000، كتب القرضاوي ضد العولمة. العولمة حسب قوله هي تصرف السادة مع العبيد وتصرف العمالقة مع الأقزام وتصرف المتكبرين مع الضعفاء". هذه هي التعابير نفسها التي استخدمها ويستخدمها الليبراليون واليساريون والمناهضون للغرب – التي معها، كما يعتقد نصر الله، يمكن أن يتماهى معها من يعارضونه في لبنان: المسيحيون والمسلمون السنة، الذين يعتبرون انفسهم وطنيين بدرجة لا تقل عنه.
هذه البنية التحتية الأيديولوجية استهدفت ترسيخ السلوك الاستراتيجي والتكتيكي وشرعنة "المرونة" في الرد وتسوية التناقضات بين الوعود الرنانة وإملاءات الواقع السياسي. السؤال هو هل سردية النصر كما يبنيها نصر الله في خطاباته ستكون كافية لصد توسيع الحرب في الشمال؛ ربما حتى تأييد عملية سياسية بين إسرائيل ولبنان حول مسألة ترسيم الحدود البرية ونقل قواعد "حزب الله" إلى شمال نهر الليطاني. الجواب عن هذا السؤال لا يعتمد فقط على نصر الله أو لبنان. فحكومة إسرائيل التي لم تبدأ بعد في تخطيط "اليوم التالي" في غزة وستضطر إلى اتخاذ قرار كيف سترى حدود لبنان. مجال الخطأ في هذا السؤال يمنح فرصا كثيرة لدهورة لبنان إلى مواجهة شاملة.
--------------------------------------------
معاريف 7/1/2024
ســــيــاســـة الاحــتـــــواء وصـــلـــت خـــط الــنــهـــايــة
بقلم: بن كسبيت
فقدنا الخوف
الوضع في الجبهة الشمالية افضل بكثير مما يبدو، أسوأ بكثير مما كان ينبغي أن يكون. هو جيد لأن الجيش الإسرائيلي بنى على طول الحدود منظومة دفاع فتاكة ناجعة ومرنة قادرة على أن تصبح منظومة هجومية في كل لحظة معطاة، فهو يجبي من حسن نصرالله ثمناً دموياً على هجماته. نصرالله هو الآخر متفاجئ من ارتفاع الثمن غير المرتقب هذا.
فرقة الاحتياط 146 التي ضمت الى الفرق الشمالية هي فرقة كبيرة، نوعية، مدربة ومجهزة. لرجال الاحتياط، كما تبين، توجد نوعيات خاصة، تنبع من التجربة، العمر، الصبر. بعد أن تعرفوا على الجبهة، ابتكروا منذ الآن حلولاً لكل أنواع المصاعب التي يطرحها حزب الله على الجيش الإسرائيلي. بالمناسبة، في حزب الله (وكذا في ايران) توجد حساسية عالية للخسائر. فخامينئي وحسن نصرالله كل منهما لاسبابه، لا يسارعان الى التضحية بالمقاتلين، وليس لهما حرية عمل مطلقة في هذا المجال.
يعرف نصرالله انه فقد مبدأ المفاجأة. او، كما صاغ هذا مصدر عسكري رفيع المستوى مؤخراً، "يحيى السنوار سرق لنصرالله الخطة متعددة السنين". حماس نفذت ما يخطط نصرالله لتنفيذه منذ سنين مما ايقظ إسرائيل.
بدون تفوق المفاجأة، بدون سكان للإصابة على طول الخط، مع جاهزية قصوى للجيش الإسرائيلي، ليس لنصرالله ما يكسبه. وهو يعرف بانه اذا ما شد الحبل فمن شأن هذا الحبل أن يصبح حبل مشنقة. يعرف اذا ما دهور المنطقة الى حرب شاملة فان بيروت ستبدو كالخانة بين شقة صالح العاروري وميدان فلسطين في غزة. يفهم ان إسرائيل فقدت الخوف الذي شلها على مدى عقدين، واساسا لأنها دفعت الثمن منذ الآن.
إذن لماذا هو الوضع سيئ بهذا القدر؟ لأنه لا يوجد في اللغة العبرية ما يكفي من كلمات لوصف حجم القصور الذي سمح لحزب الله ان يبني ما بناه امامنا في الحدود الشمالية في العقدين الأخيرين. هذا الأسبوع تحدثت مع ضابط كبير، قديم جدا، لا يوجد أناس كثيرون يعرفون الجبهة الشمالية افضل منه. منذ نزع بزته، لم يزرها.
الآن هو هناك، وصدمته عظيمة. آلة الحرب الوحشية التي بناها حزب الله ونشرها على الجدار، امامنا تماما، غير قابلة للوصف. الخنادق، القواعد، المناطق المسيطرة، وسائل القتال، الصواريخ، المنظومات، كل هذه تجعل ما يمتثل في الجانب الآخر من الجدار إوز في ميدان اطلاق النار. إوز غبية على نحو مخيف، افترضت بان الطيور الجارحة امامها ستختفي، ستطير او ستتهود. واذا لم تفهموا، فان هذه الاوز هي نحن.
مهما كانت نتائج الحرب، هناك حاجة بعدها لتشكيل لجنة تحقيق رسمية مع أسنان وبالتوازي إخراج كلمتين شعبيتين في اللغة العبرية عن القانون: الأولى هي "الردع"، بأشكاله المختلفة. فقد بات هذا واضحاً للجميع. والثانية هي "الاحتواء". انتهى عصر الاحتواء. على هذه الكلمة ان تخرج الى حالة عجز دائمة.
مثلما قال افيغدور ليبرمان في مقابلة مع "معاريف" قبل ثلاثة أسابيع: مقاتل واحد من حزب الله اجتاز خط الليطاني، هو مبرر للحرب. صاروخ واحد، او رصاصة وحيدة من كلاشينكوف تطلق من أراضي لبنان الى اراضينا، كما اسلفنا آنفا. الحرب ستتسبب بدمار رهيب في الطرفين؟ فلتتسبب إذن. هذا هو الوضع. وفي اللحظة التي يعرف فيها الطرف الآخر بان إسرائيل لا تحتوي شيئا، شفيت من ادمانها على الهدوء، تتجاهل الاكواخ السياحية المليئة، أطفال المخيمات الصيفية الفرحون والمناقل المدخنة وتُعمل على الفور، كل القوة لحماية سيادتها، سيكون ممكنا العيش هنا. من لا يريد ان يوجد في وضع احتواء النهاية، يجب أن يضع نهاية للاحتواء.
هذا لا يعني أن الخروج من لبنان كان خطأ. وهذا أيضا لا يعني ان فك الارتباط كان خطأ. الجدول لا يكذب، والاحصاء محق أبداً. مفهوم "الاحزمة الأمنية" افلس هو الآخر وكذا المفهوم في أننا نسيطر على ارض يسكن فيها عرب ونتوج عليه ملكاً، فشل بما يكفي.
اذا كان احد ما يريد تكرار "نظام جديد في لبنان" من حرب لبنان الأولى أو الى الحزام الأمني بعدها بـ 18 سنة، فليفعل هذا على حسابه. دفعنا ثمناً دموياً في الحرب الغبية إياها وبعدها واصلنا دفن 25 جندياً كل سنة في الحزام الأمني. وقد تعاظم الثمن مع تعاظم حزب الله. افترض اننا لو بقينا في الحزام الأمني لكان وصل اليوم الى نحو 50 جندياً في السنة بسهولة. وكما اسلفنا بالنسبة لمن يشتاق لمحور فيلادلفيا، حين اصطف المقاتلون في صفوف وفتشوا، المرة تلو الأخرى، في الرمال، عن بقايا رفاقهم.
--------------------------------------------
إسرائيل اليوم 7/1/2024
يجمعهم محو إسرائيل: ياسر عرفات والسنوار دفعا الثمن.. ونصر الله في الانتظار
بقلم: أيال زيسر
عندما يحين يوم السنوار – ويدور الحديث عن مسألة حتى تطاله يد إسرائيل – سيأخذ معه إلى قبره جواباً على السؤال الذي رافقنا منذ السبت الأسود: ما الذي مر على رأسه، بمعنى ما الذي أمل في تحقيقه، حين أمر رجاله بتنفيذ هجمة الإرهاب والقتل في 7 أكتوبر؟
هل فكر في أن تؤدي هذه الهجمة إلى انتفاضة جديدة في “يهودا والسامرة”، ينضم إليها عرب إسرائيل أيضاً، ثم يرتبط به “حزب الله” وإيران ويفتحا الحرب؟ ولعله فكر بأنه مثلما في جولات المواجهة السابقة، سترد إسرائيل رداً محدوداً وتمتنع عن الخروج إلى حرب شاملة، وبدلاً من هذا ستسعى للوصول معه إلى صفقة تبقيه هو ومنظمته يحكمان في غزة. الواضح أن السنوار فوجئ من الشدة والوحدة اللتين أبداهما المجتمع الإسرائيلي وأبداهما مقاتلو الجيش الإسرائيلي.
ومن المهم الاعتراف بأن المزاج والمنطق اللذين أسسا هجمة حماس، يتشارك فيهما قتلة مجانين مثل يحيى السنوار وأمثاله في قيادة حماس، بل أيضاً الزعامة الفلسطينية طوال سنين، من عهد ياسر عرفات. عملياً، هذا المنطق المشوه هو ما يوجه زعيم “حزب الله”، حسن نصر الله، في سلوكه تجاه إسرائيل.
حلمهم عنف وإرهاب يجعلان حياة الإسرائيليين لا تطاق، يكسران روحهم ويحركانهم للفرار بالنجاة بأرواحهم إلى خارج إسرائيل، وهكذا يتحقق هدفهم – تصفية دولة إسرائيل. تجدر الإشارة أنه يرون في كل أرض تتخلى عنها إسرائيل – سواء جنوب لبنان الذين انسحبت منه إسرائيل في أيار 2000 أم مناطق الضفة والقطاع التي سلمتها للفلسطينيين في إطار اتفاق أوسلو – كل أرض كهذه ترمي إلى أن تكون قاعدة لمواصلة أعمال الإرهاب ضد إسرائيل، وليس مجالاً يعملون فيه لضمان رفاه السكان الذين يسكنوه.
هذا ما قاله زعيم م.ت.ف ياسر عرفات، بعد أن وقع على اتفاق أوسلو في لقاء مغلق أجراه مع دبلوماسيين عرب في ستوكهولم في كانون الثاني 1996.
لقد شرح عرفات بأن جلب ملايين الفلسطينيين إلى الضفة والتكاثر الطبيعي المكثف سيجعلان حياة الإسرائيليين لا تطاق: “نحن في م.ت.ف سنعمل، من خلال الحرب النفسية، على انشقاق وتقسيم المجتمع الإسرائيلي… في غضون خمس سنوات 6 حتى 7 مليون عربي سيسكنون في الضفة الغربية والقدس. لن يرغب الإسرائيليون في العيش بين العرب، وعندها سنسيطر على كل شيء، بما في ذلك على القدس… وهم سيتنازلون عن بيوتهم ويهاجرون إلى الولايات المتحدة… لا أريد يهودا هنا”.
كان هذا هو المنطق الذي وجه عرفات في سنوات ما بعد أوسلو، في الوقت الذي تحدث فيه عن السلام مع إسرائيل، لكنه عملياً سمح بجعل مناطق الضفة وغزة فقاعة إرهاب، تفجرت في وجهنا مع نشوب الانتفاضة الثانية. كما أن هذا هو منطق حسن نصر الله الذي آمن بأن “خليطاً” مظفراً، من الحرب النفسية والإرهاب سيجعل إسرائيل تنزف حتى الموت. إذ “هي ليست سوى بيت عنكبوت يتطاير مع مهب الريح الأول”. كما أن هذا هو المنطق الذي وجه السنوار حين سعى لجعل غزة قاعدة لأعمال الإرهاب ضد إسرائيل، على أمل أن يجعل حياتنا في غلاف غزة وفي عمق إسرائيل أيضاً حياة لا تطاق. وهكذا يتحقق النصر المنشود.
ما فكر به عرفات إذن يطبقه السنوار عمليا – إرهابيان من مرجعيتين مختلفتين تربطهما رغبة في تصفية إسرائيل. ومثلهما أيضاً نصر الله، بتقنين ووتيرة خاصتين به. غير أن لعرفات في العام 2000، مثلما للسنوار ونصر الله، يتبين هذه الأيام أنهم أخطأوا، وأن الإسرائيليين ليسوا عصبة مهاجرين فزعة، عديمة الجذور.
مثلما هو الحال دوماً، سكان غزة هم الذين يدفعون ثمن الخطأ والمصيبة التي أوقعها هؤلاء على رؤوسهم، وفي المستقبل سيدفعه سكان لبنان أيضاً.
--------------------------------------------
هآرتس 7/1/2024
إسرائيل في جبهتين ونتنياهو وجوقته ينصبون فخاً لرئيس الأركان: من يحمي “ميرون”؟
بقلم: عاموس هرئيل
رد “حزب الله” على اغتيال القائد الكبير في حماس، صالح العاروري، في بيروت، وصل على شكل رشقة شديدة من الصواريخ نحو الجليل. حسب “حزب الله”، هذه وجبة أولى من العملية المخطط لها. إطلاق الصواريخ لم يتسبب بإصابات، لكنه وجه لأهداف تقع أعمق جنوباً، في منطقة شارع صفد – عكا. الأهم هو الهدف الرئيسي الذي تركز حوله الإطلاق، وهو جبل ميرون، حيث وحدة المراقبة الجوية الشمالية لسلاح الجو، التي تضم رادارات تراقب كل حركة جوية في المجال السوري – اللبناني.
وجرت أمس عدة محاولات لإطلاق طائرات مسيرة هجومية إلى حدود إسرائيل دون إصابات. سلاح الجو رد بهجمات كثيفة نسبياً على جنوب لبنان، أصيبت في إحداها قاعدة لصواريخ أرض – جو تابعة لـ ”حزب الله”. إضافة إلى العاروري، يتكبد “حزب الله” خسائر فادحة في الهجمات الأخيرة التي توجه أحياناً لخلايا أطلقت الصواريخ والقذائف المضادة للدروع داخل الأراضي الإسرائيلية.
رئيس “حزب الله”، حسن نصر الله، ألقى أول أمس خطابه الثاني في غضون يومين، تناول فيه اغتيال العاروري والحرب في غزة ولبنان. كرر تهديداته بالثأر، لكنه لم يهدد بأن يؤدي ذلك إلى حرب شاملة من قبل “حزب الله” ضد إسرائيل.
في هذه الأثناء، يبدو أن “حزب الله” سيواصل تركيزه على المنطقة الشمالية، ولن يحاول توسيع المعركة نحو المركز. حتى الآن، هذا هو التقدير الذي قد يتلاشى. وصلنا إلى وضع ترى فيه إسرائيل أن الإطلاق الموسع الذي يحدث منذ ثلاثة أشهر والذي أدى إلى إخلاء عشرات آلاف المدنيين من بيوتهم، الخيار الاًقل سوءاً. ما دام رد “حزب الله” “متفهماً”، فإن إسرائيل أيضاً تقيد نطاق قوة هجماتها؟
لا أمل أو عزاء لسكان الشمال، ويبدو أن الجهود الأمريكية للعثور على حل سياسي ينهي القتال تتقدم ببطء شديد. الحكومة والمتحدثون بلسانها بدأوا يشيرون إلى مرور بضعة أشهر قبل عودة الهدوء إلى الشمال.
من المسموح له بإجراء التحقيق؟
مساء الخميس الماضي، نشر الصحافي يوآف زيتون في موقع “واي نت” أن رئيس الأركان هرتسي هليفي قرر تعيين طواقم أولية للتحقيق لفحص عدة قضايا حاسمة تتعلق بأداء الجيش الإسرائيلي عشية الحرب. وهي نية نشر عنها هنا قبل بضعة أسابيع، لكن النبأ الذي نشره زيتون أثار عاصفة حول هوية المحققين: رئيس الأركان السابق شاؤول موفاز، والجنرال احتياط سامي ترجمان، والجنرال احتياط اهارون زئيفي (فركش)، والجنرال يوآف هار ايفن. موفاز شخص كهدف في اليمين بسبب تأييده، بصفته وزير دفاع في حكومة أريئيل شارون، للانفصال (الذي أيد فيها تقريبا حتى النهاية، مع وزير آخر هو بنيامين نتنياهو). خطأ زئيفي (فركش) هو تماهيه بشكل مهذب، وحذر كالعادة مع انتقاد خطة الانقلاب النظامي.
الادعاء الثاني أيضاً الذي نشرته آلة السم هو ادعاء مدحوض، وهو الاتهام بتضارب المصالح كما يبدو، لأن الشخصية الرفيعة التي تم ذكرها هي والد قائد وحدة في الجيش الإسرائيلي. “كيف يمكن للأب أن يحقق مع الابن؟”، سأل البيبيون بصدمة مصطنعة. هذا هراء: الابن يخدم في وظيفة لا ترتبط بالإخفاقات. فعلياً، هو ورجاله الآن في الجبهة، ويحاربون ببطولة منذ 7 أكتوبر، وتكبدت ووحدته خسائر كبيرة.
هليفي لم ينسق خطواته، والتعيينات المتوقعة مع نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالنت. عندما خرج الوزراء لاستراحة وفتحوا هواتفهم المحمولة اندلعت الفوضى، شوهدت النهاية في فخ خطط بسرعة لرئيس الأركان. وزراء الليكود دافيد امسالم (الذي لسبب ما حصل على دعوة للمشاركة في جلسة الكابنيت السياسي الأمني كمراقب) وميري ريغف ووزراء اليمين المتطرف، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، انقضوا عليه كجوقة.
لا يكفي أن هليفي ورؤساء أذرع الأمن المختلفة مطلوب منهم أسبوعياً قضاء وقتهم في هذا المنتدى الزائد والمتطرف (القرارات الحقيقية تتخذ في كابينت الحرب المقلص)، الوزراء أيضاً تنافسوا فيما بينهم؛ منهم من يهاجم ويهين رئيس الأركان. نتنياهو لم يوقف الهجوم. هذه ليست المرة الأولى، كما أشار المشاركون في النقاش، التي يظهر رضى من هذا التوبيخ الذي وجه لهليفي. ليس من الصعب التخمين من يخدم هذا الهجوم. رئيس الحكومة يقلق من أي تقدم نحو التحقيقات العسكرية لأنها تبشر ببداية عملية الفحص والتحقيق واستخلاص العبر الشخصية. نتنياهو هو الوحيد في القيادة الإسرائيلية الذي امتنع عن تحمل أي مسؤولية عن الإخفاقات، واكتفى بوعود ضبابية بأن كل شيء سيتم التحقيق فيه عندما يحين الوقت.
مع كل ذلك، هذا تحقيق لن يزعجه بشكل كبير. مراقب الدولة، نتنياهو انغلمان، أبلغ غالانت في الأسبوع الماضي البدء قريباً بتدقيق مفصل حول سلسلة قضايا ترتبط بسلوك جهاز الأمن والجيش الإسرائيلي قبل الهجوم الإرهابي لحماس وأثناء الحرب. يخطط انغلمان لإجراء تحقيق يشمل سلسلة قضايا حساسة (التي ينوي الجيش الإسرائيلي في جزء منها إجراء تحقيق داخلي، رغم الوزراء). لكن يجب التذكر من هو انغلمان؛ فهو شخص تم انتخابه للمنصب بعد تدخل طويل لنتنياهو في الوقت الذي يدير فيه رئيس الحكومة منذ سنوات عملية متشعبة لكبح حراس العتبة وتثليم أسنانهم.
لولا الفظائع التي تحدث في الخارج لأمكن التوقف للحظة والانفعال من دقة وجمال حركة الكماشة المركبة التي يقودها نتنياهو. من جهة، ثمة خطوات مخيفة ضد رئيس الأركان التي تعيق تأخير فتح التحقيق الذي هو غير مريح لرئيس الحكومة، من جهة أخرى، يطلقون مراقب الدولة، الذي قد يتعمق في فحص حياة الضباط الكبار أثناء الحرب. وإذا لم يكن هذا كافياً، فإن دخول المراقب إلى الصورة قد يقتحم حدود أي لجنة تحقيق في المستقبل وتقييد خطواتها.
من المحظور التقليل من مسؤولية الجيش و”الشاباك” عن الفشل الذريع في 7 أكتوبر. كل الشخصيات الرفيعة التي كانت متورطة في ذلك عليها الذهاب إلى البيت. ولكن إذا توهم شخص ما بأن شيئئاً ما في المذبحة الفظيعة قد أثر بنتنياهو أو غيره، فمن الأفضل له التنازل عن هذا الوهم. هذا هو نتنياهو نفسه؛ فهو ينوي البقاء على الكرسي إلى الأبد، وكل الوسائل مشروعة لتجسيد هدفه. رئيس الحكومة ورجاله اهتموا أمس بالتأكد من أن وزراء الليكود الذين يتم إجراء المقابلات معهم في وسائل الإعلام سيهاجمون رئيس الأركان.
سلوك نتنياهو في جلسة الكابنت ليلة الخميس – الجمعة، سيزيد الضغط على وزراء المعسكر الرسمي، بني غانتس وغادي آيزنكوت، للانسحاب من الحكومة. في الوقت نفسه، يؤجج غضباً في أوساط المعارضة ويسرع توسيع الاحتجاج ضد الحكومة ومن يقف على رأسها، رغم أن الحرب في غزة بعيدة عن نهايتها. الوضع الحالي الذي يدير فيه نتنياهو الحرب بكل الطرق المخادعة والمعروفة بات أمراً لا يطاق.
معضلة من جهنم
تمر ثلاثة أشهر على الحرب في غزة، الحرب الأطول منذ حرب لبنان الأولى. ربما لرفع معنويات الجمهور، نشر المتحدث بلسان الجيش فيلماً قصيراً وصوراً لرئيس الأركان هرتسي هليفي ورئيس “الشاباك” رونين بار ورئيس الاستخبارات العسكرية أهارون هليفي وقائد المنطقة الجنوبية يارون فنكلمان، وهم يتجولون في نفق لحماس في خانيونس. الرسالة موجهة للطرف الفلسطيني، وهي أن إسرائيل تقترب من المملكة التحت أرضية لرئيس حماس يحيى السنوار. هليفي وبار يكثران من التجول معاً في القطاع والتحدث مع قادة الوحدات. صور الزيارة الأخيرة تثير الخوف أيضاً من مخاطرة زائدة بحياة القادة الكبار. يهدئ الجيش الإسرائيلي ويقول بأنه عثر على النفق وفحصه قبل فترة طويلة نسبياً، وأنها زيارة معدة جيداً.
في نهاية الأسبوع، قتل مقاتل من الجيش الإسرائيلي، المقدم روعي يوحاي يوسف مردخاي، من لواء “الناحل”. هذا الضابط الذي أصيب في شمال القطاع كان سيتولى منصب قائد كتيبة في اللواء، وهو القتيل الإسرائيلي الأول في القطاع منذ أربعة أيام. في حادثة أخرى، قتل في هجوم جوي إسرائيلي في مخيم النصيرات في وسط القطاع قائد كتيبة في حماس ونائبه.
في الوقت الذي تتقلص فيه النشاطات في مناطق أخرى، بقيت في خانيونس هي مركز اهتمام إسرائيل. وتيرة التقدم هناك بطيئة، ولكن الجيش و“الشاباك” يأملان بالوصول إلى كبار قادة حماس في القطاع. خلال ذلك، بقيت هناك معضلة من جهنم: على فرض أن الشخصيات الرفيعة هناك، فكيف يمكن المس بهم من غير المس بالمخطوفين الإسرائيليين الذين بالتأكيد تم إجبارهم على تشكيل حزام أمان حول كبار قادة المخربين؟
---------------------------------------------
إسرائيل اليوم 7/1/2024
ماذا بقي أمام دولة إسرائيل سوى محاولة “تأجيل النهاية”؟
بقلم: تسفي هاوزر
أحد المفاهيم المقلقة الذي بلورته بصفتي رئيس لجنة الخارجية والأمن، أن إسرائيل “تتميز بقدرة تكتيكية مبهرة لكنها تخطئ في التفكير بأنه بديل مناسب لغياب استراتيجية قومية”.
منذ أكثر من ربع قرن وإيران تحاول تثبيت قوات عسكرية في أقاليم مختلفة، في محاولة لخلق قدرة على توجيه ضربة قاضية لإسرائيل. فإلى جانب الجهد لتحقيق قدرات عسكرية غير تقليدية، تبني إيران في المجال، من خلال وكلاء، قدرات تقليدية، تسمح بتوجيه ضربات نار ذات نجاعة متراكمة تحاكي في نتائجها ضربة نووية.
أما الرد الإسرائيلي على هذه الاستراتيجية الإيرانية المرتبة فهو سلسلة أعمال تكتيكية تحاول (تأجيل النهاية) والتغطية على غياب تبني استراتيجية جغرافية سياسية مضادة. هكذا كان حتى 7 أكتوبر، وثمة تخوف من تكراره في حدودنا الشمالية.
قررت إسرائيل قبل نحو عقد العمل في الجبهة السورية لإحباط تموضع المحور الإيراني، فيما سمي لاحقاً “المعركة ما بين الحرب”، فاتخذت أعمالاً تكتيكية فقط، دون محاولة التأثير على تصميم المنظومة السلطوية في سوريا، واكتفت بسلسلة ضربات تكتيكية بدلاً من محاولة تحقيق إنجاز استراتيجي واحد. أما في لبنان وغزة فتخلت عن العمل التكتيكي المتواصل، واتخذت قراراً عديم المسؤولية يسمح ببناء قوة عسكرية ذات مغزى فتحولت منظمات الإرهاب إلى جيوش إرهاب.
في غزة افترضنا بأن منظومة القبة الحديدية تعطي جواباً على تهديدات الصواريخ، بينما الاجتياح البري الذي كان يفترض للاستخبارات أن يشخصه وللجدار الذكي أن يصده انهار في 7 أكتوبر وتسبب بفقدان حياة نحو 1200 إسرائيلي. هذا الانهيار مس جوهرياً بعنصر الردع وبمكانة إسرائيلية في المنطقة.
في لبنان، اقترضنا زمناً في العقد الأخير، مثلما يقترض المال في السوق السوداء. كان علينا أن نبادر إلى عمل هجومي ضد قدرات “حزب الله” بينما كان غارقاً في الوحل السوري وإبقائه في مستوى التهديد التكتيكي. وهنٌ قيادي وقصر نظر عسكري أديا إلى اتخاذ قرار بعدم العمل واحتواء تثبت قدرات عسكرية ذات مغزى دون عراقيل تقريباً. باللغة الأدبية، نسمي هذا “مسيرة السخافة الإسرائيلية”. بدلاً من اتخاذ أعمال وقائية، تبنينا نظرية أن ميزان الرعب تجاه “حزب الله” سيؤدي إلى “صدأ” مخزون الصواريخ لديه، وعليه لا حاجة لاتخاذ خطوات فاعلة ودفع الثمن. إلى جانب هذا، أخذنا رهاناً جغرافياً سياسياً بأنه من المحال تكوين حلف دماء بين “حزب الله” وحماس، ومن هنا لا احتمال في اضطرار إسرائيل لمواجهة الجبهتين بقوى عالية. هذه الاستراتيجية تعشش في عقول الكثيرين والطيبين حتى اليوم. فهم لا يزالون مستعدين للتسليم بأن للإيرانيين الحق في اختيار شكل وموعد تجسيد القدرات التي جمعوها في لبنان.
تغيير فكري زعامي
إن الهزيمة التي تكبدناها في 7 أكتوبر في غلاف غزة شققت مفاهيم العدمية السياسية. وإسرائيل تتعلم أثمان التنازل عن أداة “الضربة الوقائية”، وأثمان التشكيك بفكرة وحدة الجبهات. عليها أن تفهم مدى محدودية نتائج تركيز الاستثمارات في “التكنولوجيا التي تتنبأ بالنوايا” وفي تطوير قدرات دفاعية فقط.
هذا يستوجب أولاً وقبل كل شيء تغييراً فكرياً زعامياً، وبلورة خطوات تقوم على أساس فاعلية استراتيجية وليس تكتيكية فقط.
إن التحدي في الشمال يضع إسرائيل أمام معضلة: هل حان الوقت لتغيير الواقع الاستراتيجي في لبنان، مثلما وعدت القيادة في بداية الحرب أم ستمتنع وتكتفي بإنجاز تكتيكي في المناطق المجاورة للحدود؟
لقد خلق نجاح حماس فكرة لدى الجمهور الإسرائيلي في أن المشكلة الاستراتيجية الجوهرية في الحدود الشمالية هي “قوة الرضوان” التي ستجتاح البلدات المجاورة للحدود. وإبعاد هذه قوة عن خط صفر الحدود سيكون إنجازاً تكتيكياً، بخاصة حيال استخلاص الدروس العسكرية الإسرائيلية من أحداث غلاف غزة. لكن التهديد الأهم من الشمال هو القدرة الصاروخية التي في لبنان.
إن ميزان الرعب في الشمال لن يتغير، ومشكوك أن تتاح عودة لاجئي الشمال إلى بيوتهم. وللمفارقة، سيتيح لإيران الحفاظ على قدراتها لضربة مستقبلية وإن خيل أن إسرائيل تغير قواعد اللعب في الشرق الأوسط، بل ووقوف الولايات المتحدة إلى جانبها عملياً وعسكرياً. ربما تجد إسرائيل نفسها تتباهى مرة أخرى بإنجاز تكتيكي بينما يواصل الإيرانيون تثبيت قوى استراتيجية، ويقترب اليوم الذي ستوجه فيه ضدنا.
---------------------------------------------
هآرتس 7/1/2024
7000 قطعة سلاح وزعها الجيش على المستوطنين.. والذريعة “حراسة بؤر غير قانونية”
بقلم: أسرة التحرير
قرار تسليح وتجنيد آلاف المستوطنين للخدمة العسكرية في “المناطق” [الضفة الغربية] مع نشوب الحرب، ودفعهم إلى الأماكن حيث يعيشون بجوار الفلسطينيين الذين يعرفون بعضهم ويكرهونهم، كان يشبه منذ البداية قراراً عديم المسؤولية لقائد المنطقة الوسطى يهودا فوكس. بعد ثلاثة أشهر من ذلك، اتضح أنها خطوة سائبة ترافقت وانعدام رقابة وعقاب لجنود مارقين كثرت تجاههم شهادات فلسطينيين عن مشاركة مستوطنين مجندين وجنود بعامة بالتهديدات والعنف، خصوصاً في بداية الحرب، بوتيرة تثير الفزع.
إن الحدود الغامضة على أي حال التي كانت قائمة بين المستوطنات والجيش قبل الحرب، محيت تماماً تحت رعاية الحرب. فالفلسطينيون يشهدون على أن المستوطنين الذين كانوا حتى يوم أمس بمثابة جيران ينكلون بهم ظهروا منذ نشبت الحرب ببزات عسكرية وسلاح وصلاحيات برعاية الجيش الإسرائيلي.
ينضم إليهم مستوطنون بعضهم من سكان البؤرة الاستيطانية المتماثلة كبؤر، وزع عليهم الجيش أسلحة عسكرية للتنكيل بالفلسطينيين. ليست هذه ظاهرة جديدة؛ سبق أن اعترف الجيش بأنه لا توجد متابعة دقيقة للسلاح الذي وزع في الضفة، لكن توزيع نحو 7 آلاف قطعة سلاح للمستوطنين المجندين وغيرهم ممن يستوفون المعايير الواسعة لاستحقاق السلاح العسكري في الضفة منذ نشوب الحرب، دهور الوضع.
بين المسلحين والمجندين أناس اعترفوا ودينوا بلوائح اتهام بالاعتداء على الفلسطينيين. أحد المبررات التي يعطيها الجيش الإسرائيلي لتوزيع السلاح على المستوطنين ممن ليسوا جنوداً هو السكن في بؤر استيطانية غير قانونية في أماكن خطيرة. إذا كانت البؤرة غير قانونية والمكان خطير، فأي مبرر لمنح سلاح يسمح باستمرار وجود البؤرة؟ يدور الحديث عن دعم لعمل غير قانوني بكل معنى الكلمة.
بعد وقت قصير من تسلم فوكس مهام منصبه، جاء ليزور القرية الفلسطينية خربة المفقرة جنوبي جبل الخليل التي عانت من اعتداء جماعي قاسٍ نفذه المستوطنون. بعد أكثر من سنتين من ذلك، يتبين أن العنف أدى تحت قيادته إلى تهريب جماعات سكانية فلسطينية كاملة، وهو “ميل” تفاقم في الحرب. كما أن الجيش واع لحقيقة أن المنطقة التي زارها فوكس هي بؤرة عربدة للمستوطنين. وهم واعون أيضاً لدور إشكالي لقائد لواء يهودا، يشاي روزليو، الذي سجل تحت قيادته العدد الأعلى للأحداث الشاذة والعنيفة التي يشارك فيها جنود ومستوطنون منذ بداية الحرب.
يجب وقف تسليح وتجنيد مستوطنين عنيفين، وعلى أجهزة الرقابة والعقاب أن تشدد، ويجب وضع الدفاع عن السكان الفلسطينيين على رأس سلم الأولويات، ولو مرة واحدة.
---------------------------------------------
يديعوت أحرونوت 7/1/2024
لغانتس وآيزنكوت: اخرجا من حكومة غير قادرة على إدارة الدولة في زمن الحرب
بقلم: أفرايم سنيه
إسرائيل على عتبة حرب متعددة الجبهات. فضلاً عن حماس، تُفعل إيران ضدنا ميليشياتها في أرجاء الشرق الأوسط: لبنان وسوريا واليمن والعراق. حتى لو لم يؤد عمل “حزب الله” في هذه اللحظة إلى تعبير عن كامل قوة المنظمة، فربما يتعاظم الهجوم متعدد الجبهات عند صدور قرار إيراني.
للصمود في وجه مثل هذا الهجوم، تحتاج إسرائيل إلى مواصلة تحالفها مع الولايات المتحدة ومع الديمقراطيات الغربية، والتعاون مع دول عربية وقعت معها على اتفاقات سلام – وشرط هذا هو تهدئة الساحة الفلسطينية في الضفة الغربية. ومع ذلك، يسعى رئيس الوزراء نتنياهو، في إطار جهوده لبقائه السياسي، إلى المواجهة مع الإدارة الأمريكية في موضوع مستقبل قطاع غزة. وشريكاه في الائتلاف سموتريتش وبن غفير، يسعيان إلى إشعال مواجهة واسعة مع السكان الفلسطينيين في الضفة. لهذا تغيرت مأمورة السجون لتفاقم الإساءة إلى شروط اعتقال السجناء الفلسطينيين، وهي وصفة مؤكدة لإشعال الضفة. وبالتوازي، الدعوة لمنع العمل في إسرائيل عن سكان الضفة – بخلاف رأي محافل الأمن – التي من المتوقع أن تعمق الضائقة الاقتصادية والاضطراب في أوساطهم. يضاف إلى هذا عدم تحويل أموال الضرائب إلى السلطة الفلسطينية وتعاظم أعمال المستوطنين المتطرفين ضد الفلسطينيين في “يهودا والسامرة” ممن لا يشاركون في أعمال إرهاب برعاية الوزير في وزارة الدفاع سموتريتش. هذه الأعمال، التي لا يمنعها رئيس الوزراء رغم مناشدات الأمريكيين، قد تفتح جبهة أخرى في مناطق الضفة المجاورة للمراكز السكانية لإسرائيل. وفي هذه الأثناء، تمنع عن جهاز الأمن ميزانيات كان يمكن استغلالها لصالح إدارة الحرب وإعمار الغلاف وبلدات الحدود الشمالية، وبدلاً من ذلك، توجه إلى المستوطنات، إلى نشطاء “الصهيونية الدينية” والتعليم الحريدي.
هذه أعمال خطيرة على الأمن القومي، وبخاصة وقت الحرب التي نعيشها. التي لا يمكن للوزيرين غانتس وآيزنكوت مواصلة العمل لزمن طويل في حكومة حالية غير قادرة على إدارة الدولة في الحرب – ليس فقط بسبب أعمالها الفاشلة التي أشرنا إليها، بل وبسبب قلة تجربة أمنية لأعضائها ومستواهم الشخصي المتدني. فالهجمة على رئيس الأركان هليفي الخميس الماضي ليست سوى دليل أخير على ذلك.
نتنياهو، الذي يتحمل مسؤولية عامة، معني باستمرار الحرب لاعتبارات بقائه، وهو سيديرها بحيث لا تنتهي. وعليه، فمحظور على حكومة نتنياهو مواصلة إدارة الحرب. إسرائيل تحتاج لإدارة هذه الحرب المركبة، متعددة الجبهات والمعقدة من حكومة خبيرة، قيمية ونوعية. في ختام المرحلة الحالية للحرب، فإن أحزاب المعارضة وحركات الاحتجاج ملزمة بحشد الجهد لانتخابات جديدة. إن تغيير الحكم ملح وحيوي لإعادة تأهيل إسرائيل.
---------------------------------------------
هآرتس 7/1/2024
لقادة إسرائيل: لا تحاولوا كسر إرادة شعب رضع الصمود مع حليب الأمهات
بقلم: عميره هاس
الشيء الذي تخفيه كل محادثة تجرى بين القصف وطابور الحصول على المياه، هو موقف سكان القطاع من هجوم حماس في 7 أكتوبر. يبدو أن الأغلبية الساحقة في أوساطهم لا تشعر بأنها حرة في قول رأيها بصدق، سواء عبر الهاتف الذي جودة التقاطه لا تسمح بإجراء نقاش سياسي، أو عبر الشبكات الاجتماعية.
أسباب كثيرة تستدعي ذلك. بشكل عام، وضع الرعب الدائم من الانفجارات والموت، والهرب والنضال كل يوم للحصول على الماء، والغذاء، والمأوى من جراء الأمطار، والملابس الدافئة، ليست أرضية مناسبة لإجراء نقاش سياسي – أيديولوجي مفتوح. وكلما مر الوقت بدت أبعاد الدمار والقتل التي تسببت بها عمليات القصف الإسرائيلية مغطية على رغبة في إسماع انتقادات داخلية أو طرح الأسئلة حول المنطق في استراتيجية حماس. يُستنتج من هذه الأبعاد أن إسرائيل لا ترد، بل تنفذ خطة من خططها الدفينة: إضعاف المشروع الوطني الفلسطيني وتدميره. انتقاد ذاتي علني قد يعتبر إعفاء لإسرائيل من نواياها ومسؤوليتها المباشرة عما يعتبره الفلسطينيون إبادة شعب. إذا قدرت إسرائيل أن بإمكانها القضاء على حماس من خلال القتل الجماعي، وتريد توجيه غضب السكان نحو حماس، فهي تنسى أن معارضي حماس الكبار لا يعتبرون إسرائيل عاملاً محايداً أو ضحية؛ لأنها ستعتبر دائماً سلطة هدفها الإضرار بالفلسطينيين. الناس لا يريدون أن يكونوا شركاء، حتى لو بشكل غير مباشر، في آلة الدعاية الإسرائيلية.
وثمة سبب آخر، وهو أن “المقاومة” أو “الكفاح المسلح”، كانت وما زالت روحاً وطنية مقدسة، حتى بشأن معظم الفلسطينيين الذين لا يمكنهم ولا ينوون الانضمام للمقاومة والكفاح المسلح. ومن يعارضون حماس يعتبرونها جسماً نما من داخل المقاومة الشرعية للاحتلال الإسرائيلي، وجزءاً من النسيج السياسي والاجتماعي الفلسطيني. وكلما أثبتت إسرائيل للفلسطينيين بسياستها الاستيطانية وحصارها أن هدفها هو القضاء على أي إمكانية للاستقلال السياسي للفلسطينيين، حتى لو على الأراضي التي احتلت في 1967 (الضفة الغربية والقطاع)، فسيتعزز التأييد لخيار الكفاح المسلح.
الدبلوماسية فشلت، والنضال الشعبي غير المسلح على أشكاله قمعته إسرائيل، والمفاوضات وتوأمها الذي بقي، التنسيق الأمني، دمّرا م.ت.ف وجعلا معظم الفلسطينيين يكرهون السلطة الفلسطينية. يبرز من هذه الإخفاقات كفاح مسلح مع جاذبيته، إما تعبيراً عن رغبة في الانتقام لـ 75 سنة من التهجير والقمع، أو بالاعتقاد أنه تكتيك منطقي أمام “العدو الذي لا يفهم إلا لغة القوة” (كما أثبت أنور السادات في 1973)، أو من خلال قناعة عميقة بضرورة النضال ضد مشروع تهجيري – استيطاني مثل الصهيونية.
بات الصمود خياراً قسرياً لكل فلسطيني، وهي صفة يرضعونها مع حليب أمهاتهم. المقاومة المسلحة في المقابل تعتبر أسمى، لأن الأمر يتعلق باستعداد واع للتضحية بالنفس. بات الفلسطينيون الآن معجبين بالكفاءة التي أظهرتها حماس في الهجوم وما بعده، والقدرة على التخطيط للمدى البعيد والحفاظ على السرية التي مكنت من التسلح وبناء الأنفاق في غزة، الذي فاق كل تقدير استخباري إسرائيلي، وتضليل محسوب للعدو القوي جداً الذي يمتلك شبكة متشعبة من العملاء ووسائل تجسس وقدرة شخصية وجماعية على القتال التي تسقط الشهداء في أوساط الجيش الإسرائيلي. الفلسطينيون الذين ينفون أعمال القتل في 7 أكتوبر، والذين لا يؤمنون على الأغلب بتقارير إسرائيل (بشكل خاص حول عمليات الاغتصاب)، والذين يعترفون بشكل عام بأن كان هناك مس متعمد بالمدنيين، ما زالوا يفحصون هجوم حماس مقارنة مع مس إسرائيل المنهجي والمتعمد بالمدنيين خلال عشرات السنين. لذا، فإن المنافسة على الوحشية والشر تبقى إسرائيل هي التي الرابحة.
السؤال السياسي المطلوب والخفي حول الثمن الذي يدفعه سكان القطاع بسبب هجوم حماس مناسب وجدير، يطرح الآن في كل مكان، ولكن بصعوبة وبشكل رمزي. منشورات مؤثرة عن الاشتياق لغزة التي كانت ولم تعد موجودة، وعن الحياة الاجتماعية والمشهد الحضري والبحر، تعطي إجابة غير مباشرة. ولكن إضافة إلى كل ذلك، هناك خوف من أن يسمع أعضاء حماس هذه الأقوال ويعاقبون من قالوها. هذا ما قالته للصحيفة إحدى سكان القطاع التي تعيش الآن في الضفة الغربية، والتي قتل بعض أبناء عائلتها في عمليات القصف وانتقل الباقون إلى منطقة المواسي. هل يستند الخوف إلى الشائعات أو ينبع من نشاطات الإسكات والمعاقبة بالفعل، من الصعب والسابق لأوانه تأكيد ذلك بشكل مستقل، ولكن الخوف موجود.
جملة “الخوف من انتقاد هجوم حماس”، تكررت بشكل علني أيضاً من قبل مواليد القطاع الذين يعيشون في الضفة الغربية والذين تحدثت معهم: الخوف ليس من التعرض الجسدي، بل من إسكات الرأي للأسباب التي ذكرت آنفاً بسبب تأييد الجمهور للهجوم، كما أشار بمرارة أحد مواليد غزة الذي يعيش في رام الله. يبدو أنه كلما كان الناس بعيدين عن غزة، تكون مواقفهم أكثر حزماً بخصوص عدالة حماس وحقها في المحاربة ضد كولونيالية إسرائيل “حتى الغزي الأخير”.
---------------------------------------------
غليان غير مسبوق في الحكومة الصهيونية.. ما التداعيات؟
عمق الإعلان عن تشكيل فريق للتحقيق في هجوم حماس المباغت في السابع من تشرين الاول (أكتوبر) المنقضي، الخلافات والانقسامات داخل الحكومة الصهيونية، وسط توقعات بأن تؤثر مستقبلا على مسار الحرب في غزة، والتماسك بشأن حكومة الحرب التي جرى تشكيلها على وقع العمليات العسكرية التي يخوضها جيش الإحتلال ضد حركة حماس.
كان اجتماع كبار وزراء الحكومة الصهيونية الذي كان يهدف لمناقشة التخطيط لإدارة قطاع غزة في أعقاب الحرب، قد انتهى مساء الجمعة الفائت بشكل فوضوي إثر الخلاف الحاد بين الوزراء وقادة الجيش، على خلفية توقيت التحقيق، وضم وزير دفاع سابق لرئاسته.
وبينما تدخل الحرب في غزة من دخول شهرها الرابع على التوالي، ما تزال سلسلة الخلافات مستمرة بين رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزراء حكومته، وكذلك مع قادة الجيش وفي القلب منهم وزير الحرب يوآف غالانت، ورئيس الأركان هرتسي هاليفي، الذي تعرض لـ"انتقادات عاصفة" من عدد من الوزراء خلال اجتماعهم الأخير.
ويعتقد مراقبون ومحللون أن التحقيق الراهن سيكون له تداعيات لاحقة قد يكون من بينها انهيار حكومة الطوارئ، كما سيلقي بتداعيات على مسار العمليات العسكرية التي يشنها الجيش، بالنظر لازدياد الفجوة وانعدام الثقة بين المستويين السياسي والعسكري.
ماذا يحدث في الكيان؟
انتقد حلفاء نتنياهو، القيادة العسكرية للمضي قدما في إجراء تحقيق بشأن أسباب هجوم حماس، مما كشف التوترات حول الإخفاقات قبل 7 تشرين الاول (أكتوبر).
بينما اعتذر جميع كبار المسؤولين الأمنيين في الاحتلال علنا عن الإخفاقات غير المقبولة قبل 7 تشرين الاول (أكتوبر)، قاوم نتنياهو منذ فترة طويلة الاعتراف بالمسؤولية، وقال فقط إنه سيكون هناك وقت للرد لـ"إعطاء ردود على ما جرى".
واعتبرت صحيفة "فاينانشال تايمز"، أن الموقف السياسي الذي اتخذه نتنياهو هو مقدمة لحملة لإلقاء اللوم فقط على قادة الجيش والاستخبارات في البلاد، دون المساس بمستقبله الحكومي.
وأصر المتحدث باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري، على أن "التحقيق العملياتي" في إخفاقات 7 أكتوبر كان ضروريا لقتال الجيش في غزة، فضلا عن إعداد نفسه للجبهات الأخرى، مؤكدًا أن التحقيق ليس بديلا عن أي تحقيقات خارجية.
وجاءت هذه التصريحات على خلفية اجتماع لمجلس الوزراء الأمني انتهى بغضب شديد بين الوزراء ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي، حيث ندد المشرعون اليمينيون بخططه للتحقيق في الأخطاء المرتبطة بهجمات حماس.
كما أعرب الوزراء عن غضبهم إزاء ضم وزير الحرب السابق شاؤول موفاز، بسبب تورطه في الانسحاب من غزة عام 2005، ويأمل البعض في اليمين المتطرف في التراجع عن فك الارتباط عن القطاع في أعقاب الحرب ضد "حماس"، وهي فكرة تعتبر على نطاق واسع غير ناجحة، بحسب "تايمز أوف إسرائيل".
وذكرت تقارير في وسائل الإعلام العبرية، التي نقلت عن مشاركين لم تذكر أسماءهم في جلسة مجلس الوزراء العاصفة ليلة الخميس، أن نتنياهو قطع الاجتماع بعد ثلاث ساعات مع صراخ اندلع عندما جاء بعض الوزراء للدفاع عن هاليفي، في حين لم يتدخل لوقف هجوم رئيس الأركان.
وغادر بعض مسؤولي وزارة الدفاع في وقت مبكر، احتجاجا على معاملتهم داخل مجلس الوزراء.
استمر الخلاف حتى الجمعة الماضي، حيث حذر عضو مجلس الحرب بيني غانتس، نتنياهو من الاختيار بين الوحدة أو ممارسة السياسة، ورد حزب الليكود الحاكم على غانتس، مدافعًا عن سلوك الوزراء اليمينيين.
ونقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، عن وزراء لم تكشف عن أسمائهم، إن ائتلاف الطوارئ لن يدوم طويلا في وضعه الحالي، وأن نتنياهو وحلفاءه يحاولون إلقاء اللوم على كبار المسؤولين الأمنيين جراء هجوم 7 أكتوبر.
وقال مسؤولون في جيش الإحتلال للقناة 12 الإخبارية: "نحن نقاتل في غزة ولبنان والضفة الغربية، وهناك من في مجلس الوزراء يقاتلوننا". ويصر نتنياهو على أن مثل هذا التحقيق لا يمكن أن يتم إلا بعد انتهاء الحرب، حيث يزعم المنتقدون أنه يكسب مزيدا من الوقت من أجل البقاء في منصبه.
وانشق وزير الحرب يوآف غالانت عن حزبه وأصدر بيانا في وقت متأخر من الجمعة الماضي قدم فيه دعمه لهاليفي، بينما خاض وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير النزاع بعد بيان غانتس، متهما إياه بمحاولة إسكات النقاش، وبالضغط للسماح للسلطة الفلسطينية بالسيطرة على غزة بعد الحرب.
بحسب موقع "واينت"، أبلغ هليفي مسؤولي الدفاع أنه سيتم إجراء "تحقيق مهني من قبل مراقبة خارجية لفحص سلوك الجيش في الحرب لتحسين أدائه في المستقبل"، وأعاد التأكيد على أن الفريق لن يحقق في أي جانب من جوانب الرد الصهيوني على المستوى الوطني والسياسي.
---------------------------------------------
مجلة "ماكو" 7/1/2024
مهمّات معقدة في انتظار رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد
بقلم: شاي ليفي وليئور شاليف
نائب رئيس هيئة الأركان العامة أمير برعم، أم إيال زمير الذي خسر في الجولة السابقة؟ ربما سيقفزون فوق جيل كامل وسيسيرون مع يوآل ستريك أو أروي غوردين، آفي غيل أو نمرود ألوني؟ بورصة الأسماء تتبلور، في الخلفية يمكن أيضاً استشعار التدخلات السياسية. مجلة "ماكو" توجهت هذا الأسبوع إلى خبراء جيش وأمن من أجل طرح سؤال لا يتمحور فقط حول من سيرث هرتسي هليفي، إنما أيضاً ما الذي سيضطر لفعله من أجل ترميم الجيش الإسرائيلي من صدمة السابع من تشرين الأول.
أحداث السبت الأسود أحدثت ضرراً بالغاً في الشعور بالأمن لدى الجمهور الإسرائيلي. إخفاق الاستخبارات وعدم استعداد الجيش الإسرائيلي في ذلك اليوم حطم الثقة بالجيش، الذي شهد من جانبه هزة لم يشهد لها مثيلاً منذ اندلاع حرب يوم الغفران، إلى حدّ ما. الآن، بينما الانهماك بمسألة "اليوم التالي" تشغل الساحة السياسية والاقتصادية، وكذلك المسألة الأمنية، تُطرح علامتي استفهام ضروريتين: كيف يمكن ترميم الجيش الإسرائيلي من صدمة تشرين الأول، ومن هي الشخصية المناسبة لهذه المهمة المعقدة.
رئيس هيئة الأركان العامة الفريق هرتسي هليفي، كتب منذ 17 تشرين الأول في رسالة لجنود الجيش الإسرائيلي وقادته: "نحن تلقينا ضربة ونحن نتحمل المسؤولية"، صياغة يمكن ربما تعلّم شيء ما منها عن خطط هليفي نفسه لـ "اليوم التالي". من غير المعروف إن كان هليفي سيسير على خطى دافيد أليعازر ودان حالوتس، اللذين استقالا، الأول إثر حرب يوم الغفران، والثاني بعد حرب لبنان الثانية، لكن في حديث أروقة المؤسسة العسكرية الأمنية يسألون بوضوح: من سيكون رئيس هيئة الأركان العامة المقبل؟ والتقدير السائد هو أنّ نهاية الحرب ستكون أيضا نهاية عهد هليفي. حتى وإن لم يستقل، يوجد بين من أجرينا معهم مقابلات في هذا التقرير من يدّعون أن ليس لديه أي سبب لفعل هذا الأمر، ثمة شك إن كان هناك أحد ما سيسمح له بإنهاء ولايته.
هوية وريث هليفي معقدة بسبب الحاجة لترميم الجيش وترميم الثقة به على حد سواء، وهي تتعقد أكثر لأنه لا يمكن الفصل تقريباً بين القدرات المهنية واعتبارات مسارات التقدم، واعتبارات السياسة، داخل الجيش وخارجه. إخفاق تشرين الأول خلق أيضاً وضعاً استثنائياً التصق فيه ضباط كبار ممّن التصق بهم الفشل لن تتمّ ترقيتهم، وسيجبر بعضهم أيضاً على إنهاء خدمتهم العسكرية.
نائب رئيس هيئة الأركان العامة أمير برعم هو المرشح الطبيعي جداً، إلا إذا قرر هذه المرة اختيار أحد ما من خارج "مجموعة المظليين العسكرية الحاكمة". لكن مسار تقدم برعم "غير مناسب" لمنصب رئيس هيئة الأركان العامة.
"الجميع يدرك أنه ستحصل هزة أرضية بعد الحرب. الكثير من القادة الذين يعتبرون مدموغين لهيئات الأركان العامة سيضطرون للذهاب إلى منازلهم"، يقول مصدر عسكري رفيع مطّلع على إدارة القتال. ويتابع: "إخفاق بحجم كهذا لا يتيح إدارة مختلفة، تماماً مثلما رأينا في حرب لبنان الثانية. هناك من سيفعل هذا من تلقاء نفسه وهناك من سيرشده إلى الباب. هناك عدد من الأشخاص الموقّعين على هذا الإخفاق ومتأكدين أنهم سينجحون في محوه أو طمس معالم سلوكهم مع إدارة ناجحة للحرب، لكن ثمة شك إن كان هذا الأمر سيجدي نفعاً، ناهيك أنه يوجد اليوم من يخطط لإغلاق حسابات، أحياناً شخصية، ضد متنافسين أو مرشحين محتملين - من داخل الجيش ومن السياسة الداخليّة القطرية أيضاً".
إلى جانب من يوسَمون كمرشحين رائدين لمنصب رئيس هيئة الأركان العامة الرابع والعشرين، من الجدير الإشارة إلى اسمين أفلتا من هذا السباق: قائد المنطقة الجنوبية يروم فينكلمان، الذي نُفذت مجزرة 7 تشرين الأول في قطاعه؛ الثاني هو اللواء أليعازر تولندو، الذي كان منذ وقتٍ غير بعيد قائد المنطقة الجنوبية، وقبل ذلك قائد فرقة غزة. وضع تولندو مثير للاهتمام سيما كونه بدا قبل 7 تشرين الأول كرائد في السباق، لكن المنصبين الأخيرين اللذين شغلهما هما حجرة عثرة مهمة في طريقه إلى الأعلى - وحالياً يبدو أنّ المنافسة ستكون بين ستة مرشحين آخرين. وربما، كما يعتقد كثيرون مطّلعون على هذا الموضوع، فقط بين إثنين.
مطلوب: شخصية الشخصيات
"رئيس هيئة الأركان العامة المقبل سيضطر لإعادة بناء الجيش من الأساس. التعلّم من الأخطاء، استخلاص عبر، تغيير المستوى القيادي، بناء وحدات جديدة، ترميم الوحدات الموجودة سيما زيادة مبنى القوة العسكرية"، يقول قائد الفيلق الأركاني سابقاً، اللواء (في الاحتياط) غرشون هكوهين. ويتابع: "منذ الخمسينيات يستخدمون في الجيش الإسرائيلي مصطلح ترميم وحدات ارتبكت في المعركة، لأن وحدة عسكرية لا تتفكك بعد الحرب إنما تترمم، تبدأ ببناء نفسها من جديد. هذا ما سيحدث أيضاً بعد الحرب الحالية، تحت ظل قادة جدد تعلّموا عبر الحرب وإخفاق 7 تشرين الأول".
بيد أنه حسب كلام مصدر عسكري رفيع، سيضطر رئيس هيئة الأركان العامة المقبل أن يكون أكثر من قائد شجاع بكثير: "يجب أن يكون إنساناً يعرف إدارة هيئة أركان، يعرف الجيش إضافةً إلى الوحدة الأم التي ترعرع فيها. علاوة على ذلك، نحن جيش مجروح خسر قادة ميدانيين وهو في طريقه لقطع عدة رؤوس، والاختيار يجب أن يأخذ هذا الأمر بالحساب أيضاً. أنا أقصد أن رئيس هيئة الأركان العامة القادم يجب أن يكون شخصية الشخصيات، شخص ينتظم مع الجميع ومقدّر من قبل الجميع. وسياسياً قليلاً أيضاً".
لنفترض أن ولاية هليفي ستنتهي العام القادم وليس في العام 2026 كما هو مخطط، هناك مصادر داخل المؤسسة وخارجها يسمّون حالياً مرشحين رائدين للحلول مكانه: الأول هو نائب رئيس هيئة الأركان العامة الحالي، اللواء أمير برعم، والثاني هو مدير عام وزارة الأمن والذي كان مرشحاً لمنصب رئيس هيئة الأركان العامة أمام هليفي، اللواء إيال زمير.
اللواء برعم هو المرشح الطبيعي جداً، ليس لأنه نائب هليفي: في العقد الأخير لم يكن تقريباً على صلة بقيادة منطقة الجنوب، بحيث لا يمكن ربطه بإخفاق السبت الأسود. برعم يأتي من مجال العمليات الخاصة وكان قائد الجبهة الشمالية، قائد الفيلق الشمالي، قائد تشكيلة الجليل وقائد لواء المظليين، باستثناء أنه من غير الواضح إن كان سينفعه أو يضره. من جهة، هيمنة "مجموعة المظليين العسكرية الحاكمة" في مناصب مفتاحية في الجيش دامت سنوات طويلة؛ من جهة ثانية، يعتقد كثيرون أنه حان الوقت لتغيير طريقة تفكير المستوى القيادي الرفيع، ومن هنا قد يتغير أيضاً لون الحذاء.
ثمة مشكلة إضافية في الطريق إلى تعيين برعم هي أن مسار تقدمه "لا يتناسب" مع منصب رئيس هيئة الأركان العامة: النيابة هي وظيفته الأركانية الأولى المهمة، وقبيل مشروع ترميم الجيش الإسرائيلي يوجد لذلك قيمة مهمة جداً. في السياق نفسه، إذا عُيّن برعم رئيساً لهيئة الأركان العامة، من سيُعين أيضاً نائبه سيكون جديداً في منصبه، ليس بالضرورة وضعاً مرغوباً في فترة تغييرات كثيرة.
اللواء إيال زمير، إذا تم اختياره، سيكون هو الذي سيكسر هيمنة مجموعة المظليين العسكرية الحاكمة. زمير ترعرع في سلاح المدرعات ومن بين مناصبه البارزة خدم بصفته قائد المنطقة الجنوبية وبصفته قائد تشكيلة غاعش، وكان السكرتير العسكري لرئيس الحكومة (2012-2015). كان في منصبه الأخير نائب رئيس هيئة الأركان العامة أفيف كوخافي. في العام الماضي استقال زمير من الخدمة بعد خسارته منصب رئيس هيئة الأركان العامة أمام هليفي، ومنذ ذلك الحين وهو يخدم بصفته مدير عام وزارة الأمن.
بعكس مسار مهنة برعم، زمير أهل مواقع قيادة حربية ووظائف أركانية في مجال بناء القوة. في وزارة الأمن اعتُبر مديراً عاماً ممتازاً يعرف جيداً مجال الشراء ونسج علاقات مع جيوش ووزارات أمن في العالم، مع التشديد على الولايات المتحدة الأميركية، واقع تعتقد مصادر في المؤسسة الأمنية أنه قد يكون مكدراً لها. الجيش الإسرائيلي يوجد في مرحلة شراء ضخمة وبناء قوة، ولذلك من غير المستبعد أن يقرر إبقاء المدير العام المتميز لوزارة الأمن في منصبه (بالمناسبة، من خضع لمسار مشابه لمسار زمير هو رئيس هيئة الأركان السابق غابي أشكينازي، الذي اختير لترميم الجيش في أعقاب فشل حرب لبنان الثانية، بعد عام خارج الجيش خدم فيه هو أيضاً بصفته مدير عام وزارة الأمن).
"مشكلة زمير الكبرى، وهذا ليس ذنبه، تكم في المجال السياسي"، يقول لنا هذا الأسبوع مصدر في الجيش الإسرائيلي. ويتابع، "نتنياهو حاول تعيينه في منصب رئيس هيئة الأركان العامة في الجولة السابقة، زمير كان أيضاً السكرتير العسكري لـ "بيبي"، ويمكن اعتبار ذلك كتعيين سياسي من نتنياهو. بالمناسبة، تعيين هليفي يشير إلى تعيين اليسار، وهذا أيضاً لم يكن لأسباب موضوعية".
بغض النظر عن المشاكل التي قد تثار من جراء تعيين زمير أو برعم، يوجد أيضاً من يعتقد أنه يجب أن يبقى رئيس هيئة الأركان العامة الحالي في منصبه. متان فلنائي، نائب رئيس هيئة الأركان العامة السابق واليوم رئيس منظمة قادة من أجل أمن "إسرائيل"، يعتقد أنّ كارثة 7 تشرين الأول ستبقى تحوم فوق وجدان هليفي - لكنه يقول إنّ سرعة استرداد عافيته تشير إليه كمن يجب أن يستخلص العبر والسير بالجيش قدماً. "متى رأيتم في المرة الأخيرة رئيس هيئة الأركان العامة يمسك سلاحاً إلى جانب جنوده؟ هليفي يتصرف بشكل استثنائي منذ السبت الأسود، هو الوحيد في القيادة الذي استعاد عافيته والوحيد في الحقيقة الذي يفهم ما يحصل"، يقول فلنائي ويشرح: "أنا أخاف فقط من أن يستقيل هليفي. هو إنسان نزيه، وهو يتحمل مسؤولية الإخفاق".
لم يكن هناك من يعمل معه
مصادر في هيئة الأركان العامة تتحدث في الآونة الأخيرة عن احتمال أن يدخل منصب رئيس هيئة الأركان العامة مرشح من طبقة منخفضة جدا، من الصعب ربطه بإخفاق تشرين الأول وأن ضباطاً كباراً فيها ينالون تقديراً منذ بدء الحرب. هنا ندخل في صورة أربعة أسماء قد تقفز قطعا فوق زمير وبرعم.
اللواء يوآل ستريك عاد إلى بورصة المرشحين بعد ما كان مرشحاً لمنصب رئيس هيئة الأركان العامة في الجولة السابقة وخسر. ستريك ترعرع في غفعاتي، كان قائد المنطقة الداخلية وقائد الجبهة الشمالية، وفي نهاية العام 2021 أنهى منصبه بصفته قائد ذراع البر. في العامين الأخيرين خدم بصفته زميل بحث في المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي وينتظر قرارا إزاء مواصلة مهنته العسكرية. ستريك اعتُبر منافساً مهماً على المنصب المرغوب، لكن مصادر في الجيش الإسرائيلي تزعم أن ليس الجميع في المؤسسة سيتقبلون بتفهم تعيين من قيل عنه ذات مرة أنه ضابطاً "ضبابياً". يُحتمل جداً أن ستريك سيُعين في وظيفة نائب رئيس هيئة الأركان العامة، الأمر الذي سيساعد في إرساء السفينة في المرحلة الأولى وسيحولوه إلى المرشح الرائد في منصب رئيس هيئة الأركان العامة الخامس والعشرين.
اسم اللواء أوري غوردين، اليوم قائد الجبهة الشمالية، يُطرح أكثر من مرة. هو ترعرع في سييرت متكال وقادها، وأثناء خدمته قاد وحدات خاصة في أمان. غوردين كان أيضاً رئيس ذراع البر في السنوات 2018-2020، وهناك عمل في مجالات متنوعة - من بينها بناء القوة المصيري. مع هذا، هو يخدم حالياً فقط في المنصب الثاني بصفته لواء (السابق كان في قيادة الجبهة الداخلية)، وتجربته في منتدى الأركان ضئيلة.
رباعية المرشحين من المستوى الثاني يغلقها كل من الضابطين برتبة لواء، آفي غيل، اليوم السكرتير العسكري لرئيس الحكومة، ونمرود ألوني، رئيس قيادة العمق. الاثنان تنقصهما الخبرة في وظائف أركان ولواء، لكن سيناريو تنظيف الاسطبلات في المستوى الرفيع قد يرفعهم إلى رأس اللائحة.
المفهوم الذي ينص على أن ثمة حاجة لإيقاظ مهم للمؤسسة قد يكون حاسماً؛ بهذا المعنى، ثمة سعة خيال بين الوضع الحالي والوضع الذي وجد الجيش الإسرائيلي نفسه فيه بعد حرب لبنان الثانية. العميد (في الاحتياط) أمير أفيفي، رئيس حركة الأمنيين، التي تدعو من جملة أمور إلى ضم يالضفة الغربية: "نحن نوجد في نقطة مشابهة، فقط بشكل أكثر خطراً. في الحالتين الجيش انحرف عن جوهر المهنة العسكرية إلى داخل مفاهيم تفترض أنه لن تحصل حروب كبيرة وأنه يجب التركيز على محاربة الإرهاب عبر استخبارات ووحدات خاصة. عندما دخل غابي أشكينازي إلى منصب رئيس هيئة الأركان العامة، طرأ تغيير إيجابي في مهنية الجيش، لكن لم يمر وقت طويل إلى أن عاد الجيش الإسرائيلي إلى عادته القديمة".
في الحالتين يجري الحديث عن مفاهيم مشابهة
"صحيح، تجذرت مفاهيم بعمق داخل الحكومة والجيش بأنه لم يكن يوجد من يعملون معه. قبل عام ونصف العام، بعد عملية حارس الأسوار، حضرتُ عرضاً موجزاً بشأن أزمة المناخ العالمية. جلست هناك مذهولاً، ما لأمان وللثقب في الأوزون؟ لماذا ينشغلون في أمان بهذا الأمر وليس بنشاطات النخبة؟ منذ ذلك الحين كان واضحاً أنّ ثمة حيرة جدية في مسألة ما الذي يجب أن ينشغل به الجيش".
إسم أوري غوردين، الذي ترعرع في سييرت متكال، طُرح أكثر من مرة كمرشح لهيئات أركان عامة. هو كان رئيس أركان ذراع البر وهناك عمل في مجالات متنوعة - من بينها بناء القوة، المصيري للجيش الإسرائيلي اليوم.
العميد (المتقاعد) يوسي كوبرفسر، سابقاً رئيس وحدة البحث في أمان وعضو إضافي في حركة الأمنيين: "العبر من حرب لبنان الثانية قادتنا إلى 17 عاما من عمل معين غير ذي صلة. الجيش الإسرائيلي عمل بعد هذه الحرب على صورة المعركة بين الحروب. هذا يعني عمليات اغتيال مركزة، هجمات جوية، حرب سايبر ونشاطات سرية أخرى. أنظروا قليلاً إلى مكان العمل لتصفية التهديدات التي تطورت أمام ناظرينا".
المقاربة التي رافقت القيادة السياسية والأمنية في العقود الأخيرة تُكسب كوبرفسر "جهلاً عن رغبة". "أقنعنا أنفسنا أنّ السلطة الفلسطينية لا تشكل تهديداً في الحقيقة وأنّ حماس وحزب الله مرتدعين. في غضون ذلك هم أداروا صراعاً كاملاً ضد إسرائيل، تدربوا على القتال، رأوا بعدم تدخل إسرائيل نقطة ضعف ورفعوا ذلك لصالحهم".
كيف ترى دور رئيس هيئة الأركان العامة بهذا الشأن؟
"ينبغي أن يعمل رئيس الأركان مع القيادة السياسية والأمنية بغية بلورة مفهوم جديد للأمن، مختلف كلياً عن ذاك الذي قادنا لغاية 7 تشرين الأول. أثبتت الحرب الحالية أنّه لا يمكن الاعتماد على قضية الردع، سواء مقابل اليمنيين أو إيران، ولا يمكن الاعتماد على الاستخبارات - إنما على استعداد عسكري جديد وجيش كبير، قوي وذي موارد".
قف واقلب الطاولة
سيكون هناك حاجات أمنية، وأمر واحد كان وسيبقى جزءاً لا يتجزّأ مما يجري في قيادة الجيش الإسرائيلي: السياسة. عدم وجود فصل واضح بين المستوى السياسي والعسكري وانشغال معظم الشعب في الجيش الإسرائيلي بقضايا سياسية قد يضفي شعبوية في الجيش الى درجة أن يتأقلم ضباط رفيعون مع توقعات رؤساء المنظومة السياسية، وليس بالضرورة مع الواقع في الميدان، وهذا بالتحديد السيناريو الذي يقلق مَن كان رئيس لواء العمليات في هيئة الأركان، اللواء غدي شمني.
ويقول شمني: "يرتقب من رئيس الأركان أن يصغي الى صوته في حال أرادت الحكومة أن تعمل بشكل يضعف إسرائيل". ويتابع: "قصة غزّة - هذا مفهوم ولد ونشأ على يد بنيامين نتنياهو. حتى لو فكّروا في المستوى العسكري بشكل مغاير، سيتأقلمون مع نهج نتنياهو. ويرتقب من رؤساء المؤسسات الأمنية في اللحظة التي يشخصون فيها شيئاً ما يمسّ بأمن إسرائيل، أن يعملوا بكل قوتهم - سواء مقابل ثمن الاستقالة أو الخروج إلى الجمهور - بغية إيقاف المنحى الخطر، لأنّ هذا واجبهم المهني. على سبيل المثال، في فترة الانقلاب القضائي، أدرك هرتسي هليفي أنّ الحكومة تتخذ خطوات بوسعها أن تعرّض أمن إسرائيل للخطر. حذّر نتنياهو من ذلك وحتى حاول التكلّم معه يوم التصويت على الانقلاب، لكن في حالات كهذه لا يفترض أن ينتظر رئيس الأركان حتى يوم التصويت بغية التكلّم مع رئيس الحكومة: ينبغي أن يقف ويقلب الطاولة قبل ذلك بكثير. حتى لو كانت الدلالة هي الاستقالة، وحتى لو اضطر الى التكلّم مباشرة مع الجمهور".
ولعلّ الرجل الذي سيُسمِع صوته في مكتب رئيس الأركان بصورة عامة لن يكون واحداً من المرشحين الستة الذين يعتبرون الآن رواداً. وبخصوص ذلك من الجدير أن نذكر اللواء إيتي فيروف، الذي كان من المفترض أن يتسرّح عمّا قريب ولم يكن من ضمن تلك اللائحة مطلقاً - على ما يبدو لأنّه بدا كضابط "جنوني" لكنه أيضاً ذكي، من النوع الذي ألمح إليه شمني. يدور الحديث عن لواء قديم تسلّم مناصب قيادية حربية الى جانب مناصب أركانية (ضابط سلاح المشاة والمظليين الرئيسي، رئيس أركان ذراع البرّ). في الواقع لا تضم بطاقة عمله منصب قائد القيادة المناطقية، لكن شخصية كهذه يمكن أن تجلب الاستقرار بسبب قدَمِه وخبرته في منتدى هيئة الأركان، ناهيك عن كون هذا الرجل هو مقاتل ممتاز. بيد أنّ رئيس الأركان، كما قلنا، ينبغي أن يكون أكثر من ذلك.
حتى الأسابيع الأخيرة ذكر اسم آخر كمرشّح رائد لمنصب رئيس الأركان: اللواء يهودا فوكس، قائد المنطقة الوسطى. لقد ترعرع فوكس في لواء الناحل، وقبل ذلك كان قائد فرقة غزّة وملحق الجيش الإسرائيلي في الولايات المتّحدة، منصب ارتبطت به مجالات الشراء وبناء القوة - ولا يقل أهمية، عن الدبلوماسية العسكرية والعلاقة مع الأمريكيين. يعتبر فوكس ضابطاً مهنياً، مقبولاً ومحبوباً في الجيش الإسرائيلي، لكنه يصنّف في اليمين كرجل يساري - حتى أنّه ترعرع في الصهيونية الدينية ولم يكن على صلة بالسياسة مطلقاً. في الأسبوع الماضي، طرح اسمه في العناوين بعد أن جمع السلاح من عدد من المواطنين في الضفة الغربية وأمر باعتقالات إدارية لنشطاء من اليمين المتطرّف بغية منع التصعيد، وقدّم فوكس الى رئيس الأركان وثيقة يحذّر فيها من أنّ شرطة إسرائيل لا تعالج الإرهاب اليهودي في الضفة، الأمر الذي أدى الى انتقاد من قبل جهات في المستوطنات. وفي الأسبوع الماضي نشر رئيس الشاباك رونن بار تحذيراً أصدر فيه على فوكس "حكم مطارد" وهذا الأمر قد يشكّل تهديداً حقيقياً على حياته.
ثمة مرشح آخر تبدو فرص تعيينه منخفضة وهو اللواء (في الاحتياط) نيتسان ألون، مَن كان قائد سييرت متكال، رئيس لواء التشغيل العملاني في أمان، رئيس شعبة العمليات وقائد المنطقة الوسطى، وخلال الحرب الحالية عُيّن قائد المسعى الاستخباراتي لمجال الأسرى والمفقودين. يعتبر ألون ضابطاً جيداً، هجومياً، قتالياً وإبداعياً، بالتحديد كما يحتاج الجيش الإسرائيلي في اليوم الذي يلي الحرب. لكن على شاكلة فوكس، أيضاً هو يوسم سياسياً كرجل يسار يمقت عائلة نتنياهو، رجال الليكود والمستوطنين. والسبب: زوجته هي ناشطة يسارية (ألون نفسه لم ينضم الى حزب مطلقاً أو يؤيد حزباً).
أيضاً اسم قائد سلاح الجو السابق اللواء (في الاحتياط) عميكام نوركين طرح في السابق بخصوص رئاسة الأركان، وهذه كانت على الأقل فكرة طرحت في مكتب نتنياهو. أشخاص كثيرون في الجانب اليميني من المنظومة السياسية يمنون النفس بفكرة عودة نوركين الى الجيش كرئيس المؤسسة أو نائبه، لكن فرص حصول ذلك منخفضة جداً. إضافة الى المناخ السياسي، الذي ليس من المفيد فيه أن يشار إليه كرجل نتنياهو، يقولون في الجيش الإسرائيلي بأنّ فترة ولاية دان حالوتس أحرقت لسنوات كثيرة إمكانية أن يكون رئيس الأركان من سلاح الجو.
جيش أدوات
عندما يتبدّد الضباب ويتم اختيار رئيس هيئة أركان عامة سيبدأ وجع الرأس الحقيقي: إعادة انطلاق الجيش بعد الصّدمة والحرب، البعيدة عن الانتهاء- ولأن نتائجها ستجرّ بشكل طبيعي ملاءمات وتغييرات. بالتأكيد على ضوء الاستنزاف المحدّد لقوة الجيش الإسرائيلي، الذي لُمس قبل تشرين الأول 2023.
في كانون الثاني هذا العام نشر ترتيب أقوى الجيوش في العالم الخاص بـ Global Firepower، الذي يعتبر معياراً موثوقاً به بالقدر الكافي في المسألة. في المعيار، الذي يعتمد على سمة معتبرة في عشرات التصنيفات- وبينها عدد الوحدات العسكرية، القدرات اللوجستية، الوضع المالي وغيره- تمّ إدراج الجيش الإسرائيلي في المرتبة 18، تحت جيوش إيران، مصر وتركيا. في ترتيب مشابه جرى قبل خمس سنوات ظهرت إسرائيل في المرتبة 16، وفي العام 2013 في المرتبة 13. يمكن الجدال حول الدقة في الترتيب، لكن كلّ من أجريت معهم المقابلات لهذا التقرير يتفقون على الحاجة إلى جيش أكبر، أقوى وأكثر مهنية.
تدني قوة الجيش الإسرائيلي ينسبها من أجريت معهم المقابلات إلى دفع الوحدات البرية جانباً لصالح استثمار وانشغال بالتقدم والتكنولوجيا. يقول أفيفي إنّ "الجيش الإسرائيلي تحوّل إلى جيش أدوات، وهذا يكلّفنا حياة الإنسان. ما يهمّ في ساعة الحرب هو عديد القوات، الذخيرة، الوقود والاحتياطي، ليس كميات الليزر والبوتات. يستثمرون مبالغ طائلة في تكنولوجيا طرفية بمقدور وحدات قليلة استخدامها بدل شراء مزيد من الذخيرة أو فتح وحدات برية جديدة. إقفال وحدات هذا سهل، من أجل فتح وحدة يجب بذل جهد هائل، لكن لا مبرر للتقليص الدراماتيكي في حجم الوحدات في الجيش الإسرائيلي في الأعوام الأخيرة. هذا انعدام مسؤولية وينعكس بشكل مباشر على ما يمكننا وما لا يمكننا فعله في الحرب، وأيضاً يوضح لماذا كلّ شيء يستغرق وقتاً إلى هذه الدرجة".
"لقد قلّص الجيش وحدات من جملة أمور انطلاقاً من ثقته أن منظومات تكنولوجية حديثة ستؤدي العمل"، يجمل هكوهين، وشمني يضيف: "لقد قاتل الجيش الإسرائيلي في يوم الغفران مع أكثر من 2000 دبابة، واليوم عدد هذه القطع أقلّ بكثير. أيضاً عديد قوات عناصر المدفعية والهندسة انخفض بنحو مهمّ، والوحدات البرية هذه مهمّة في ميدان المعركة. وبالمناسبة فإن عديد قوات جيش صغير لا يمكنها تقديم استجابة لقتال في عدّة ساحات بالتوازي. بعد الحرب يجب زيادة عديد الجيش، ومن أجل ذلك المطلوب تجنيد شرائح سكانية لا تتجنّد. إضافة إلى عديد القوات والقطع، من المهمّ أيضاً رؤية أن الجيش مؤهل للانتقال سريعاً إلى الهجوم. لو أن الجيش الإسرائيلي، مع التشديد على تشكيل الإحتياط، كان في كفاءة عالية، لكان بمقدورنا الانتقال إلى المرحلة البرية في الحرب الحالية ليس بعد ثلاثة أسابيع بل بعد ثلاثة أيام".
إلى أيّ حدّ قريب نفس "اليوم التالي"، الذي فيه سيضطر رئيس هيئة الأركان العامة المقبل للمطالبة بكلّ ذلك؟ يقدّر فيلنائي إنه "يجب أن نستعدّ لأشهر إضافية كثيرة من القتال... عام 2024 ستتواجد قوات كبيرة جداً على طول القطاع وهي ستضطر إلى معالجة أي حادث أمني، حتى أصغرها، قبل أن يكبر ويتطور. يجب أن تنظر القوات إلى غزة كما تنظر إلى الضفة الغربية- جهوزية دون توقف واستخبارات نشطة 7/24".
يضيف العميد أفيفي أنّ "اليوم التالي لن يأتي سريعاً إلى هذه الدرجة، بالتأكيد ليس قبل الربيع... لكن بأية حال سيضطر الجيش للنظر إلى إخفاقاته في هذه الحرب، لفهم الإخفاقات التي سبقت 7 تشرين الأول أيضاً، لتحليلها والتعلم منها بعد ذلك".
وبتابع فيلنائي: "الجيش الإسرائيلي سيحقق في جذور أحداث 7 تشرين الأول، لأن الجيش عمل بنحو سيء جداً في ذات اليوم. رغم ذلك، الأمر المركزي الذي وقع فيه الجيش قبل هذه الحرب هو مفهوم رئيس الحكومة وزمرته. هذا هو الإخفاق الأكبر للجيش: السقوط للمفهوم. من هنا بدأ كلّ شيء".
------------------انتهت النشرة----------------
أضف تعليق